الفراقشية في البادية والفساد البرلماني: سرقة المواشي والمليارات المُهدرة

دعم استيراد الأغنام: جريمة لا تقل عن السرقة الليلية


سرقة المواشي في البادية المغربية ظاهرة تهدد الاستقرار الريفي

المقدمةفي أعماق البادية المغربية الشاسعة حيث تمتد التلال الوعرة والوديان الجافة تحت سماء قاحلة غالبا ما تكون مليئة بالتحديات يعيش آلاف الأسر حياة تعتمد على تربية المواشي كمصدر رزق أساسي. هذه المناطق النائية التي تشمل جهات مثل الدار البيضاء سطات وبني ملال والخميسات وسيدي علال البحراوي تمثل عماد الاقتصاد الريفي في المغرب حيث يعول أكثر من ثلاثمائة وخمسة وستين ألف أسرة على هذه النشاط. ومع ذلك فإن هذه الحياة الهادئة الظاهرية تتعرض لتهديد مستمر من ظاهرة سرقة المواشي المعروفة شعبيا باسم الفراقشية وهي عمليات تنفذ ليلا باستخدام السيوف والأدوات الحادة للترهيب والسرقة السريعة. شهدت السنوات الأخيرة خاصة عامي 2024 و2025 تصاعدا ملحوظا لهذه الظاهرة مما أثار مخاوف عميقة لدى السكان والجهات المسؤولة على حد سواء. يأتي هذا التقرير ليستعرض أبعاد هذه المشكلة من خلال تحليل أسبابها ووصف الوقائع الحديثة التي وقعت في نواحي برشيد وغيرها من المناطق مع الإشارة إلى الكميات السنوية المسروقة كما هو متاح من التقارير الرسمية والإعلامية ثم يناقش دور السلطات في الحد منها وأخيرا يتناول قضية ترخيص الأسلحة لسكان البادية كحل محتمل. إن فهم هذه الظاهرة ليس مجرد وصف لجرائم اقتصادية بل هو استكشاف للتحديات الاجتماعية والأمنية التي تواجه المغرب في سياق التنمية الريفية حيث يؤدي فقدان المواشي إلى خسائر مالية هائلة تصل إلى مئات الآلاف من الدراهم لكل أسرة مما يهدد الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي في هذه المناطق الحيوية.العرضتبدأ جذور ظاهرة سرقة المواشي في البادية المغربية من مزيج معقد من العوامل الاقتصادية والاجتماعية والأمنية. اقتصاديا يأتي الارتفاع الملحوظ في أسعار الماشية بالأسواق المغربية كعامل رئيسي حيث سجل في عام 2025 ارتفاعا بنسبة تصل إلى عشرين إلى ثلاثين في المائة مقارنة بالعام السابق وذلك بسبب الطلب المتزايد على اللحوم خاصة مع اقتراب العيدين الدينيين. هذا الارتفاع يجعل المواشي هدفا جذابا للعصابات المنظمة التي تبيع الرؤوس المسروقة في أسواق الغرب وفاس ومكناس بأسعار مرتفعة مما يوفر أرباحا سريعة وكبيرة. اجتماعيا يساهم انتشار الفقر في المناطق الريفية حيث يعاني السكان من نقص الفرص الوظيفية والتعليم والرعاية الصحية في دفع بعض الشباب نحو هذه الجرائم كوسيلة للعيش اليومي. أما أمنيا فإن الطبيعة الجغرافية للبادية مع تضاريسها الوعرة والمسافات الطويلة بين المراكز السكانية وقلة الإضاءة والتكنولوجيا تجعل الرقابة صعبة مما يسمح للعصابات بالتنقل بحرية وتنفيذ عملياتها دون خوف كبير من الملاحقة الفورية. كما أن ضعف التنسيق بين الجهات الأمنية في بعض المناطق النائية يعزز من جرأة هذه الشبكات التي غالبا ما تكون منظمة ومسلحة بأدوات بسيطة لكن فعالة مثل السيوف والسكاكين.أما الوقائع الحديثة فتكشف عن تصاعد الظاهرة بشكل دراماتيكي خاصة في عام 2025 حيث سجلت عشرات العمليات في مختلف الجهات. في نواحي برشيد التي تعد من أكثر المناطق تضررا شهد دوار أولاد التامي بجماعة أولاد صباح هجوما جريئا نفذته عصابة الفراقشية المتخصصة في سرقة المواشي حيث نجحت في سرقة اثني عشر رأسا من الأغنام في عملية واحدة أدت إلى رعب شديد بين السكان. كانت هذه العملية جزءا من سلسلة من السرقات المنظمة حيث تحولت ليالي المزارعين في برشيد إلى ليالي حمراء مليئة بالقلق والخوف مما دفع الفلاحين إلى تثبيت كاميرات مراقبة ذاتية للحماية. وفي سياق أوسع أفادت التقارير بأن عصابات برشيد تقوم بسرقة رؤوس المواشي ليلا ثم نقلها عبر شاحنات أو ناقلات صغيرة نحو الأسواق البعيدة لبيعها مما يعكس تنظيما إجراميا متقنا. ولم تقتصر الوقائع على برشيد بل امتدت إلى مناطق أخرى كابن جرير حيث نجحت عناصر الدرك الملكي في المركز الترابي بابن جرير إقليم الرحامنة في تفكيك عصابة متخصصة في سرقة المواشي بحوزتها واحد وعشرون رأسا من الأغنام في مايو 2025. كانت هذه العصابة في حالة تلبس أثناء نقل الغنائم مما يبرز سرعة الاستجابة الأمنية في بعض الحالات. وفي سياق مشابه وقعت مطاردة هوليودية في دوار اسكورة الحدرة بجماعة أولاد صالح حيث أوقفت السلطات أخطر زعيم عصابة سرقة مواشي بعد عملية سرقة استهدفت واحد وعشرين رأسا أيضا في مايو 2025 وكانت العصابة مكونة من أربعة عناصر يتنقلون بسرعة للإفلات من العقاب.وفي المهدية أشرفت السيدة لبنى رضا معتمد المهدية في 22 مايو 2025 على جلسة عمل للتصدي للظاهرة بحضور رئيس الاتحاد والجهات الأمنية مما يعكس الوعي الرسمي بالمشكلة. أما في سيدي علال البحراوي فقد كشف الفرع المحلي للمركز المغربي لحقوق الإنسان في بلاغ حديث قبل أيام قليلة عن تنامي نشاط شبكة متخصصة في سرقة المواشي مما دفع إلى مطالبة التدخل الفوري لوقف هذه الشبكات المنظمة. وفي بوادي لو التابعة لسرية تطوان تمكنت عناصر الدرك الملكي في 21 أبريل 2025 من تفكيك شبكة أخرى متخصصة في سرقة المواشي وعثر بحوزة المشتبهين على عدد من رؤوس الأغنام المسروقة. كما امتدت الظاهرة إلى خنيفرة حيث تفككت عصابة الفراقشية المتورطة في سرقة المواشي وإعادة بيعها مما أدى إلى مصادرة مائة رأس من الأغنام والجمال في عمليات متفرقة خلال الفترة الأخيرة. هذه الوقائع ليست معزولة بل تشكل جزءا من نمط يتكرر في مناطق مثل بني ملال والفقيه بن صالح حيث سجلت حالات سرقة متكررة أدت إلى إحالة مشتبهين إلى النيابة العامة.بالنسبة للكميات السنوية فإن الإحصائيات الرسمية تكشف عن صورة مقلقة حيث سجل عام 2024 تراجعا في القطيع الوطني بنسبة ثمانية وثلاثين في المائة مقارنة ب2016 نتيجة الجفاف والسرقات معا مما أدى إلى انخفاض عدد إناث الأغنام والماعز المنتجة من أحد عشر مليونا رأس إلى ثمانية مائة وسبعين ألفا. أما في 2025 فقد بلغ إجمالي القطيع الوطني ثلاثة وثلاثين مليونا وثمانمائة وثلاثة وعشرين ألفا رأسا وفق إحصاء وزارة الفلاحة إلا أن السرقات أثرت سلبا على هذا الرقم حيث قدرت التقارير الإعلامية والأمنية بأن آلاف الرؤوس تُسرق سنويا خاصة في المناطق البادية. على سبيل المثال سجل المرصد الوطني للجرائم ألفا وأربعة وأربعين توقيفا متعلقا بسرقة المواشي خلال التسعة أشهر الأولى من 2025 مما يشير إلى مئات الحالات اليومية في بعض الجهات. وفي برشيد وحدها قدرت الخسائر بمئات الرؤوس سنويا مع عمليات مثل سرقة الاثني عشر رأسا التي تمثل جزءا صغيرا من الإجمالي. هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات بل تعكس خسائر اقتصادية تصل إلى ملايين الدراهم وتهدد سبل عيش آلاف الأسر مما يدفع إلى الهجرة الريفية والفقر المدقع.

أما دور السلطات في الحد من هذه الظاهرة فيعتمد أساسا على الدرك الملكي والأمن الوطني اللذين حققا إنجازات ملموسة في التوقيفات والمصادرات. في السنوات الأخيرة أطلقت حملات مكثفة أدت إلى تفكيك عشرات الشبكات كما في حالة ابن جرير وبنجرير حيث أوقفت السلطات العقل المدبر لعصابة بحوزة واحد وعشرين رأسا في حالة تلبس. كما ساهمت جلسات العمل مثل تلك في المهدية في تعزيز التنسيق بين الجهات الأمنية والمجتمع المحلي مما شجع على تثبيت كاميرات المراقبة وإطلاق حملات توعية. قانونيا يُحكم على السارقين بسنوات طويلة في السجن خاصة إذا صاحبت السرقة عنفا وفقا لقوانين السرقة الموصوفة مما يعزز من الردع. ومع ذلك ينتقد التقارير الحقوقية والإعلامية نقص الاستراتيجية الشاملة حيث يشكو السكان في سيدي علال من انعدام الأمن في المناطق الحدودية وتأخر الدوريات مما يسمح للعصابات بالتجاوز الحدودي بسهولة. كما أن الاعتماد على الاستجابة الرد الفعل بدلا من الوقاية يحد من الفعالية حيث يقترح الخبراء استخدام التكنولوجيا مثل الطائرات بدون طيار والدعم الاقتصادي للفلاحين لتقليل الاعتماد على المواشي كمصدر وحيد. بشكل عام حققت السلطات تقدما محليا لكن الحاجة إلى خطة وطنية متكاملة تبقى ملحة لمواجهة الشبكات المنظمة.وفي سياق البحث عن حلول يبرز السؤال حول ترخيص الأسلحة لسكان البادية كوسيلة للحماية الذاتية. يخضع تنظيم الأسلحة في المغرب لقانون صارم يقسم التراخيص إلى حيازة سلاح قنص أو رماية وحمل سلاح ظاهر للحماية مع شروط صارمة مثل سجل سوابق نظيف وعمر لا يقل عن ستة عشر سنة. الإيجابيات المحتملة تشمل الردع حيث يمكن أن يقلل الترخيص المحدود مثل بنادق القنص من جرأة العصابات خاصة في المناطق النائية حيث يتأخر الدعم الأمني. في تجارب دول أخرى مثل الولايات المتحدة ساهم في تقليل السرقات الريفية ويمكن تطبيقه في المغرب عبر برامج تدريب أمني وتسجيل دقيق. أما السلبيات فتشمل زيادة خطر العنف حيث قد يؤدي إلى تصعيد الاشتباكات كما في حوادث قتل بأسلحة صيد سابقة مما يهدد السلام الاجتماعي. كما أن التنظيم الصعب قد يؤدي إلى انتشار السلاح غير المرخص مما يحول البادية إلى منطقة رمادية تعيق السيطرة الأمنية. يرفض القانون المغربي السماح العشوائي محذرا من فوضى مشابهة لدول أخرى ويفضل تعزيز الأمن بالدوريات والكاميرات والدعم الاقتصادي كما في خطط وزارة الفلاحة لعام 2025. لذا لا يُنصح بالترخيص العام بل ببرنامج تجريبي محدود مشروط بتدريب مع التركيز على الوقاية كحل أساسي.ومع ذلك يبرز في سياق هذه الظاهرة الإجرامية في البادية نوع آخر من السرقة يمس المال العام ويُقارن جرمه بالفراقشية التقليدية وهو ما يتعلق بالدعم الحكومي لاستيراد الأغنام في موسم عيد الأضحى حيث استفاد بعض البرلمانيين والمسؤولين السياسيين من مبالغ هائلة بلغت نحو ثلاثة عشر مليار درهم كإعفاءات ضريبية ودعم مباشر بقيمة خمسمائة درهم لكل رأس غنم مستورد. هذا الدعم الذي أُنفق بين عامي 2022 و2024 على مائة وسبعة وسبعين مستوردا أو ثمانية عشر فقط حسب الروايات المتناقضة لم يؤدِ إلى خفض أسعار اللحوم أو الأضاحي بل ذهب أدراج الرياح في جيوب قلة من المستفيدين الذين يملكون شركات استيراد مما يُثير شبهات فساد عميقة. إن هؤلاء البرلمانيين الذين يُفترض بهم تمثيل الشعب ومراقبة صرف المال العام قد ارتكبوا سرقة منظمة لا تقل عن جرائم الفراقشية الليلية بل هي أشد خطرا لأنها تُسرق من جيوب الفقراء والمزارعين أنفسهم الذين يعانون من ارتفاع الأسعار. فبدلا من دعم الفلاحين المحليين في البادية للحفاظ على القطيع الوطني توجه هذه المليارات إلى استيراد يُفيد تجارا محدودين مما يعمق الفقر الريفي ويُشجع على الهجرة. يدعو الرأي العام إلى تحقيق برلماني وتقصي حقائق لكشف هوية هؤلاء المستفيدين ومحاسبتهم كما يُحاسب السارقون في الظلام لاستعادة الثقة في الجهاز السياسي وتحقيق عدالة حقيقية.الخاتمةفي الختام تمثل سرقة المواشي في البادية المغربية تهديدا خطيرا للاقتصاد الريفي والأمن الاجتماعي حيث تتفاقم بفعل الارتفاع الاقتصادي والظروف الجغرافية مع وقائع حديثة مرعبة في برشيد حيث سُرقت عشرات الرؤوس في عمليات منظمة وفي مناطق أخرى مثل ابن جرير وسيدي علال مع كميات سنوية تصل إلى آلاف الرؤوس ومئات التوقيفات. حققت السلطات إنجازات في التفكيك والحملات لكن النقص في الاستراتيجية الشاملة يتطلب تدخلا أكبر بالتكنولوجيا والدعم. أما ترخيص الأسلحة فيبقى حلا مثيرا للجدل يفضل تأجيله لصالح التعزيز الأمني والاقتصادي. يوصى بتعزيز التعاون بين السلطات والسكان لتحويل هذه الظاهرة من رعب يومي إلى ماضٍ بعيد مما يساهم في بناء بادية آمنة ومزدهرة.
تعليقات