الأجواء في المغرب بعد قرار الأمم المتحدة بشأن الصحراء: انتصار دبلوماسي يعيد رسم المعالم

ردود الفعل العالمية والفرح الوطني: كيف غير القرار رقم 2797 مسار النزاع


مقدمة
في الثلاثين من اكتوبر عام الفين وخمسة وعشرين، شهد مجلس الامن الدولي جلسة تاريخية انتهت باعتماد القرار رقم اثنين سبعة تسعة سبعة، الذي يمدد ولاية بعثة الامم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية، المعروفة باسم مينورسو، لمدة عام كامل حتى الثلاثين من اكتوبر عام الفين وستة وعشرين. هذا القرار لم يكن مجرد تمديد روتيني لمهام البعثة، بل كان تأكيدا دوليا صريحا على خطة الحكم الذاتي المغربية كأساس وحيد لأي مفاوضات مستقبلية تهدف الى حل سياسي عادل ودائم للنزاع الذي طال أمده خمسون عاما. في المغرب، انتشرت الفرحة كالنار في الهشيم، حيث امتلأت الشوارع والساحات العامة باحتفالات شعبية تعكس شعورا بالانتصار الدبلوماسي، بينما في العالم، اختلفت الردود الفعل بين الترحيب الحماسي من حلفاء المغرب والغضب الشديد من خصومه، مما يعكس عمق الاستقطاب الإقليمي حول هذه القضية الحساسة.
عرضلنعد قليلا الى الوراء لنفهم سياق هذا القرار، فإن قضية الصحراء الغربية تعود جذورها الى ستينيات القرن الماضي، عندما كانت المستعمرة الاسبانية في طريقها نحو الاستقلال. في عام اثنين وسبعين، أعلنت اسبانيا عن نيتها الانسحاب، مما فتح الباب لمطالب المغرب باستعادة أراضيه التاريخية بناء على مبادئ الحق الشرعي والوحدة الترابية. في نوفمبر عام خمسة وسبعين، أطلق الملك الحسن الثاني المسيرة الخضراء، التي جمعت ثلاثمائة الاف من المواطنين المغاربة في مسيرة سلمية نحو الصحراء، معلنا بذلك عودة السيادة المغربية على المنطقة. ومع ذلك، سرعان ما تحولت المسألة الى نزاع مسلح مع جبهة البوليساريو، التي أعلنت قيام الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية، بدعم من الجزائر التي رأت في ذلك فرصة لتعزيز نفوذها الإقليمي. منذ ذلك الحين، أصبحت الأمم المتحدة الجهة الدولية المسؤولة عن الوساطة، من خلال بعثة مينورسو التي أنشئت في عام تسعة وتسعين لتنظيم استفتاء لتقرير المصير، لكن هذا الاستفتاء لم يُجرَ أبدا بسبب الخلافات حول قوائم الناخبين.

على مدى العقود، شهدت القرارات الدورية لمجلس الامن تدرجا ملحوظا نحو دعم النهج المغربي. في عام الفين وثمانية، قدم المغرب مقترح الحكم الذاتي، الذي يمنح الصحراء سلطات واسعة في الإدارة الذاتية تحت السيادة المغربية، مع الحفاظ على وحدة التراب الوطني. هذا المقترح حظي بترحيب دولي واسع، حيث اعتبره الولايات المتحدة وفرنسا والعديد من الدول الأوروبية أكثر الخيارات واقعية وواقعية. ومع ذلك، ظلت الجزائر والبوليساريو مصرّتين على الاستفتاء كشرط أساسي، مما أدى الى تعطيل العملية لسنوات طويلة. في السنوات الأخيرة، شهدت الدبلوماسية المغربية تقدما ملحوظا، خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة في ديسمبر عام الفين وعشرين بمغربية الصحراء، مقابل تطبيع العلاقات بين المغرب وإسرائيل. هذا الاعتراف كان نقطة تحول، أدت الى سلسلة من الاعترافات الدولية الأخرى من دول أفريقية وامريكية لاتينية، مما عزز موقع المغرب في المحافل الدولية.أما القرار الجديد، فيأتي في سياق التقرير السنوي للأمين العام للأمم المتحدة، الذي وصف الوضع في الصحراء بأنه متوتر لكنه مستقر نسبيا، مع استمرار الاشتباكات المنخفضة الشدة بين القوات المغربية وجبهة البوليساريو. النص يدعو الأطراف الى استئناف المفاوضات الجدية والمباشرة بناء على مقترح الحكم الذاتي المغربي، معتبرا إياه الخيار الأكثر جدية وقابلية للتطبيق. كما يؤكد على مبدأ تقرير المصير للشعب الصحراوي، لكنه يربطه بالحل السياسي الشامل الذي يضمن السلام والاستقرار في المنطقة. تم اعتماد القرار بأغلبية 11 صوتا مؤيدا، مع امتناع ثلاثة أعضاء دائمين: روسيا والصين وموزمبيق، دون أصوات معارضة، مما يعكس قوة الإجماع الدولي حول النهج المغربي. هذا التصويت يمثل انتصارا للدبلوماسية الأمريكية، التي رعت المشروع، ويأتي في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي أعاد التأكيد على دعم واشنطن للمغرب في هذه القضية.في المغرب، أثار القرار موجة من البهجة الوطنية غير المسبوقة، حيث اعتبره الجميع تأكيدا نهائيا على مغربية الصحراء. في الرباط، امتلأت ساحة البرلمان بالنواب والمواطنين الذين احتفلوا على أنغام الدقة التقليدية، مرددين شعارات "الصحراء مغربية من طنجة الى الكويرة". وفي المدن الصحراوية مثل العيون والداخلة، شهدت الشوارع مسيرات عفوية تجمع آلاف السكان، يلوحون بالعلم المغربي ويغنون النشيد الوطني. الملك محمد السادس، في خطاب متلفز ألقاه بعد ساعات من التصويت، وصف القرار بأنه "عصر جديد للصحراء"، مشددا على أن المغرب يسعى الى حل يحقق الكرامة للجميع دون رابح ولا خاسر. دعا جلالته أهالي المخيمات في تندوف الى العودة الى الوطن الأم، مؤكدا أن الباب مفتوح لجمع الشمل وإعادة بناء الروابط العائلية. هذا الخطاب لم يكن مجرد رد فعل رسمي، بل كان رسالة سياسية عميقة تهدف الى تهدئة التوترات وتعزيز الثقة في النهج المغربي. على الصعيد الشعبي، انتشرت الاحتفالات في جميع أنحاء المملكة، من الشمال الى الجنوب، مع مشاركة واسعة من الشباب عبر وسائل التواصل الاجتماعي، حيث تحولت هاشتاغات مثل "الصحراء المغربية" و"الحكم الذاتي" الى تريند عالمي. هذه الأجواء الإيجابية تعكس تماسك المجتمع المغربي حول قضية الوحدة الترابية، التي أصبحت ركيزة أساسية في الهوية الوطنية.أما على الصعيد الدولي، فكانت الردود الفعل متنوعة، تعكس التحالفات الجيوسياسية المعقدة في المنطقة. الولايات المتحدة، كراعية للقرار، أعربت عن تفاؤلها الكبير، معتبرة إياه خطوة حاسمة نحو حل سياسي يضمن السلام في شمال أفريقيا. السفير الأمريكي لدى الأمم المتحدة أكد التزام بلاده بدعم المغرب، مشددا على أن خطة الحكم الذاتي تمثل الطريق الوحيد لتحقيق الاستقرار. فرنسا، حليفة تاريخية للمغرب، رحبت بالقرار، معتبرة إياه تأكيدا على النهج الواقعي الذي تؤيده باريس منذ سنوات. وزير الخارجية الفرنسي وصف القرار بأنه "فرصة تاريخية للتقارب بين الأطراف"، مع التأكيد على ضرورة استئناف المفاوضات الجادة. كذلك، أعربت المملكة المتحدة عن ترحيبها، مشيرة الى أن القرار يمثل خطوة نحو حل سياسي يحترم تقرير المصير للشعب الصحراوي، لكنه يعتمد على مقترح مغربي واقعي. دول أوروبية أخرى مثل إسبانيا، التي غيرت موقفها في عام الفين واثنين وعشرين لصالح المغرب، رأت في القرار تعزيزا لاستقرار الاتحاد الأوروبي مع شريك استراتيجي مثل المغرب.

من جهة أخرى، أثارت الردود المعارضة غضبا شديدا في الجزائر وبين أنصار جبهة البوليساريو. الجزائر، التي امتنعت عن التصويت، وصفت القرار بأنه "انحياز صارخ للمغرب"، معتبرة إياه انتهاكا لمبادئ الأمم المتحدة في تقرير المصير. الرئيس الجزائري أصدر بيانا رسميا يدعو الى تعزيز الدعم الدولي للشعب الصحراوي، مشددا على أن الاستفتاء هو الحل الوحيد الشرعي. جبهة البوليساريو، من جانبها، رفضت القرار رفضا قاطعا، واصفة إياه بأنه "مؤامرة أمريكية مغربية"، وأعلنت عن تعزيز نشاطها العسكري في المنطقة. ممثل الجبهة لدى الأمم المتحدة أكد أن الشعب الصحراوي سيستمر في النضال المسلح حتى تحقيق الاستقلال. جنوب أفريقيا، كداعمة تقليدية للبوليساريو، امتنعت عن التصويت وأعربت عن أسفها لعدم الالتزام بالاستفتاء، معتبرة القرار خطوة للوراء في عملية السلام. كما امتنعت روسيا والصين، لأسباب مختلفة؛ فالأولى ترى فيه تدخلا أمريكيا في الشؤون الأفريقية، بينما الثانية تفضل الحياد للحفاظ على علاقاتها الاقتصادية مع الجميع.هذه الردود الفعل تكشف عن تعقيدات النزاع، الذي لم يعد مجرد خلاف حدودي بل صراع جيوسياسي يتداخل فيه الاقتصاد والأمن والنفوذ الإقليمي. المغرب، من خلال دبلوماسيته الفعالة، نجح في تحويل القضية من نزاع عسكري الى مسألة سياسية دولية، حيث أصبح مقترح الحكم الذاتي مرجعية معترف بها من قبل أغلبية الدول. ومع ذلك، يظل التحدي في كيفية ترجمة هذا الدعم الدولي الى تقدم عملي على الأرض. فالجزائر، بتاريخها في دعم الحركات الانفصالية، قد تلجأ الى تعزيز الضغط الإعلامي والدبلوماسي، خاصة في أفريقيا حيث تحتفظ بنفوذ قوي. كما أن التوترات على الحدود المغربية الجزائرية، التي أغلقتها الجزائر في عام الفين واثنين وعشرين، قد تتصاعد إذا لم يتم استئناف حوار إقليمي. على الصعيد الاقتصادي، يمثل القرار فرصة للمغرب لجذب استثمارات أكبر في الصحراء، حيث يمتلك المنطقة موارد طبيعية هائلة مثل الفوسفاط والطاقة المتجددة، مما يعزز من جاذبيتها للشركاء الدوليين.خاتمةفي الختام، يُعد قرار الامم المتحدة خطوة حاسمة نحو إغلاق صفحة النزاع المفتعل في الصحراء الغربية، وفتح باب للتعاون الإقليمي في المغرب العربي الكبير. الأجواء في المغرب اليوم مليئة بالأمل والفخر، حيث يرى الشعب في هذا الانتصار الدبلوماسي تأكيدا على صمود الدولة وحكمتها. أما العالم، فيواجه اختبارا حقيقيا في دعم هذا الحل السياسي، بعيدا عن الشعارات والانحيازات. إن كان السلام هو الهدف، فإن المغرب قد قدم الطريق الواضح، ويبقى على الأطراف الأخرى أن تختار بين التعاون البناء أو الاستمرار في التصعيد العقيم. في نهاية المطاف، الصحراء ليست مجرد أرض، بل رمز لوحدة شعب ودولة، وهذا القرار يعيد رسم معالم المستقبل بألوان السلام والازدهار.
تعليقات