مذابح دارفور في السودان 2023-2025: تفاصيل جنينة والفاشر، ودور الإمارات والسعودية في دعم النزاع

مذابح دارفور في السودان: جنينة 2023 والفاشر 2025، مع دور الإمارات والسعودية

المقدمةيُعد النزاع السوداني الذي اندلع في نيسان 2023 من أعنف الصراعات في تاريخ القارة الأفريقية، حيث يتصارع الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبد الفتاح البرهان مع قوات الدعم السريع تحت قيادة محمد حمدان دقلو المعروف بحميدتي. هذا الصراع، الذي بدأ كخلاف على السلطة، تحول إلى كارثة إنسانية شاملة، مع مذابح جماعية في دارفور أثارت اتهامات بالإبادة العرقية. بلغت الانتهاكات ذروتها في مدينتي جنينة عام 2023 والفاشر عام 2025، حيث أدت حملات التطهير العرقي إلى مقتل عشرات الآلاف ونزوح ملايين، في تكرار لأنماط النزاعات منذ 2003. هذه الأحداث ليست معزولة، بل تعمقها تدخلات خارجية، خاصة من الإمارات العربية المتحدة كداعم رئيسي لقوات الدعم السريع، والمملكة العربية السعودية كحليف للجيش السوداني. في هذا المقال، نستعرض تفاصيل المذابح في جنينة والفاشر بناءً على تقارير منظمات دولية وصور أقمار صناعية، ثم نناقش أدوار الإمارات والسعودية السياسية والعسكرية، مستندين إلى أدلة استخباراتية وأممية، لنكشف كيف ساهمت هذه التدخلات في إطالة أمد الكارثة.تفاصيل مذابح جنينة 2023: تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانيةبدأت أحداث جنينة، عاصمة غرب دارفور، في أواخر نيسان 2023، مع اندلاع اشتباكات بين قوات الدعم السريع وميليشيات عربية دارفورية من جهة، والقوات السودانية المسلحة وقبائل غير عربية مثل المساليت من جهة أخرى. سرعان ما تحولت هذه الاشتباكات إلى حملة منهجية من القتل والتشريد، مستهدفة بشكل أساسي غير العرب، خاصة قبيلة المساليت. وفقاً لتقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في أيار 2024 بعنوان "المساليت لن يعودوا إلى المنزل"، أدت هذه الحملة إلى مقتل نحو 15 ألف مدني في الفترة من أبريل إلى يونيو 2023، معظم الضحايا من المساليت، في جرائم يُوصفها الخبراء بأنها تطهير عرقي وجرائم ضد الإنسانية، وربما إبادة جماعية.ذروة الانتهاكات وقعت في 15 حزيران 2023، عندما أطلقت قوات الدعم السريع وميليشياتها النار على قافلة مدنيين طولها كيلومترات، كانوا يحاولون الفرار من المدينة، مما أسفر عن مذبحة جماعية أودت بحياة آلاف في ساعات قليلة. وُثقت التقارير عشرات الحوادث المروعة، بما في ذلك إعدامات ميدانية للرجال والشباب المساليت، واغتصاب جماعي للنساء والفتيات، وحرق آلاف المنازل والقرى المجاورة، مع نهب منهجي للممتلكات. أفادت منظمة هيومن رايتس ووتش بشهادات ناجين يصفون كيف كانت الميليشيات تصرخ "المساليت كلاب، يجب قتلهم جميعاً"، مما يشير إلى دوافع عرقية واضحة. كما أُبلغ عن هجمات على المستشفيات، حيث قُتل مرضى وطاقم طبي، واستخدمت المستشفيات كمراكز احتجاز للنساء قبل الاغتصاب.أكدت صور أقمار صناعية من مختبر ييل للبحوث الإنسانية وجود قبور جماعية محتملة في ضواحي جنينة، مع بقع حمراء اللون تشير إلى دماء واسعة النطاق، وأكياس تحتوي على بقايا بشرية. كما سجلت منظمة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين نزوح أكثر من 300 ألف شخص من غرب دارفور، معظم الهاربين إلى تشاد، حيث يعانون من نقص المساعدات. وُصفت هذه الأحداث بأنها أسوأ مذابح في السودان منذ 2003، مع اتهام قائد قوات الدعم السريع في دارفور، علي كوشيب، بالتنسيق المباشر، وهو متهم أمام المحكمة الجنائية الدولية بجرائم سابقة. رغم الإدانات الدولية، لم تُتخذ إجراءات فورية، مما سمح بتكرار الأنماط في مناطق أخرى مثل الفاشر في 2025.
تفاصيل مذابح الفاشر 2025: جرائم حرب وإبادة جماعيةشهدت مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، حصاراً دامياً استمر لأكثر من 18 شهراً من قبل قوات الدعم السريع، حيث منعت وصول المساعدات الإنسانية وأدت إلى مجاعة واسعة أثرت على نحو 260 ألف مدني محاصرين داخل المدينة. انهار الحصار في 26 تشرين الأول 2025، عندما سيطرت قوات الدعم السريع على المواقع العسكرية الأخيرة للجيش السوداني، مما أسفر عن مذابح جماعية أكدتها منظمات دولية وصور أقمار صناعية. وفقاً لشبكة الأطباء السودانيين، قُتل ما لا يقل عن 1500 شخص في ثلاثة أيام فقط، بينما أعلن الجيش السوداني مقتل أكثر من 2000 مدني غير مسلح، في جرائم يُوصفها الخبراء بـ"الإبادة الجماعية الحقيقية".بدأت الانتهاكات فور السيطرة على المدينة، حيث نفذت قوات الدعم السريع عمليات تطهير عرقي مستهدفة بشكل أساسي غير العرب، خاصة قبيلة المساليت، في تكرار لمذابح جنينة عام 2023. أفادت مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بتلقي تقارير عن إعدامات ملخصة للمدنيين الفارين، مع دوافع عرقية واضحة، وإعدامات لمقاتلين سابقين خارج القتال، وهو ما يُعد جريمة حرب بموجب القانون الدولي الإنساني. وُثقت عشرات الفيديوهات المروعة، تُظهر مقاتلين من قوات الدعم السريع يُعدمون عشرات الرجال غير المسلحين، متهمين إياهم بالانتماء إلى الجيش السوداني دون دليل.من أبرز الحوادث، اقتحام قوات الدعم السريع لمستشفى الهلال الأحمر في الفاشر، حيث قُتل نحو 460 شخصاً، بما في ذلك مرضى وطاقم طبي، وأُجبر بعض الأطباء على الانضمام إلى المقاتلين. كما أُبلغ عن اعتداءات جنسية واسعة النطاق على النساء والفتيات، ونهب منهجي للمنازل، وهجمات على طرق الهروب حيث يُحتجز الفارون مقابل فدية أو يُقتلون. أكدت صور أقمار صناعية من مختبر ييل للبحوث الإنسانية وجود بقع حمراء اللون واسعة النطاق، غير موجودة في الصور السابقة، مصحوبة بأجسام طولها بين 1.3 و2 متر، تتوافق مع أحجام الجثث البشرية، بالإضافة إلى مركبات مسلحة لقوات الدعم السريع في تلك المناطق.في محاولة للتهرب من الإدانة الدولية، أعلنت قوات الدعم السريع اعتقال قائد ميداني يُدعى أبو لولو، الذي وُثقت مشاركته في إعدامات، لكن النشطاء والمحللين وصفوا ذلك بـ"حيلة إعلامية" لصرف الانتباه عن المسؤولية الجماعية، مشيرين إلى وجود عبد الرحيم دقلو، شقيق حميدتي، في المدينة أثناء الهجمات. أدت هذه الأحداث إلى نزوح عشرات الآلاف، مع بقاء نحو 177 ألف مدني محاصرين، وتفاقم الأزمة الإنسانية حيث أغلقت 80% من مراكز الإغاثة بسبب القتال. دعت الأمم المتحدة إلى وقف فوري للعنف وضمان مرور آمن للمساعدات، محذرة من تكرار مذابح دارفور السابقة.دور الإمارات العربية المتحدة: دعم عسكري واقتصادي لقوات الدعم السريعتلعب الإمارات العربية المتحدة دوراً محورياً في استمرار النزاع السوداني، كداعم رئيسي لقوات الدعم السريع، وفقاً لتقارير استخباراتية أمريكية وأممية. رغم إنكار أبوظبي المتكرر لأي تورط عسكري، تُظهر الأدلة تهريب أسلحة وطائرات بدون طيار صينية من طراز "رينبو" إلى قوات الدعم السريع، بالإضافة إلى دعم لوجستي ومالي عبر تجارة الذهب غير الشرعي. في كانون الثاني 2025، أعلنت الولايات المتحدة رسمياً ارتكاب قوات الدعم السريع لجرائم إبادة جماعية، وفرضت عقوبات على حميدتي وسبع شركات مرتبطة به في الإمارات، مما يؤكد الروابط الاقتصادية العميقة.يعود الدعم الإماراتي إلى جذور تاريخية، حيث استخدمت أبوظبي قوات الدعم السريع كمرتزقة في حروبها باليمن وليبيا، مقابل منح حميدتي نفوذاً اقتصادياً في دبي. يسيطر حميدتي على إمبراطورية تجارية تعتمد على تصدير الذهب من مناجم دارفور إلى الإمارات، حيث يُكرّس ويُباع، مما يمول عملياته العسكرية ويجعله واحداً من أغنى رجال السودان. أفادت منظمة "غلوبال ويتنيس" بشراء قوات الدعم السريع أكثر من ألف مركبة من تجار إماراتيين في النصف الأول من 2019 وحده. كما أكدت تقارير الأمم المتحدة في كانون الثاني 2024 تهريب أسلحة عبر الحدود الليبية والتشادية بمساعدة الإمارات، بما في ذلك صواريخ ومركبات مدرعة.في سياق 2025، زادت الإمارات دعمها لقوات الدعم السريع بطائرات بدون طيار صينية، مما ساعد في سقوط الفاشر، وفقاً لتقرير "وول ستريت جورنال". هذا الدعم يأتي ضمن مصالح جيوسياسية أوسع، بما في ذلك السيطرة على موانئ البحر الأحمر والبنوك السودانية، حيث تمتلك الإمارات حصصاً في بنوك مثل "الخليج" و"النيلين"، المرتبطة بحميدتي وعائلته. أبرزت وثائق أممية اكتشاف جوازات سفر إماراتية لدى مقاتلي قوات الدعم السريع، وأسلحة بريطانية الصنع مرسلة عبر الإمارات إلى السودان، مما يثير تساؤلات حول تصدير الأسلحة الأوروبية.رغم الإدانات، حافظت الإمارات على موقفها الدبلوماسي، مشاركة في محادثات السلام في جدة والبحرين، لكنها رفضت الاعتراف بالتورط، واصفة الاتهامات بحملة إعلامية. ومع ذلك، أكدت الولايات المتحدة في تشرين الأول 2025 أن الدعم الخارجي، بما فيه من الإمارات، يطيل أمد النزاع، مطالبة بوقف التدخلات العسكرية. يُعد هذا الدور جزءاً من استراتيجية إقليمية أوسع، حيث تتنافس الإمارات مع مصر وإثيوبيا على النفوذ في السودان، مستغلة الفراغ السياسي لتعزيز مصالحها الاقتصادية.دور المملكة العربية السعودية: من الوساطة إلى الدعم السياسي والعسكريلعبت المملكة العربية السعودية دوراً مزدوجاً في النزاع السوداني، بدءاً من مبادرات السلام المشتركة مع الولايات المتحدة، وصولاً إلى دعم واضح للجيش السوداني مقابل الإمارات التي تدعم قوات الدعم السريع. في بداية النزاع في نيسان 2023، رعت السعودية محادثات جدة مع واشنطن، التي جمعت قادة الطرفين للتفاوض على هدنات إنسانية، لكن هذه الجهود سرعان ما أُحبطت بسبب الانتهاكات المتبادلة. بحلول 2024، تحول الدعم السعودي إلى جانب الجيش السوداني بقيادة البرهان، الذي يُعتبر حليفاً تاريخياً للرياض، خاصة بعد مشاركة السودان في التحالف العربي باليمن.عسكرياً، تقارير تشير إلى تقديم السعودية مساعدات لوجستية وتدريبية للجيش السوداني، بما في ذلك نقل أسلحة عبر موانئ البحر الأحمر، ودعم جوي غير مباشر، مما ساعد في استعادة الخرطوم في آذار 2025. اقتصادياً، ساعدت السعودية في تمويل الجيش من خلال استثمارات في النفط والزراعة، مقابل ضمانات بمكافحة نفوذ الإمارات في المنطقة. في سياق 2025، شاركت السعودية في مبادرة "الرباعية" مع الولايات المتحدة ومصر والإمارات في أيلول، والتي أصدرت خارطة طريق للسلام تشمل وقف إطلاق النار وانتقال سياسي، لكن الخبراء يرونها محاولة لتوحيد الجهود الإقليمية رغم التنافسات.دبلوماسياً، سعت الرياض إلى تعزيز نفوذها كوسيط إقليمي، محذرة من تداعيات النزاع على أمن البحر الأحمر، وداعية إلى عقوبات على الداعمين الخارجيين مثل الإمارات. ومع ذلك، يُنتقد الدور السعودي بأنه يطيل أمد النزاع بسبب التحيز، حيث رفضت المحادثات مشاركة المدنيين، مما أثار غضب الثوار السودانيين. في تشرين الثاني 2025، أكدت السعودية التزامها بدعم الحكومة الشرعية، مطالبة بوقف الدعم الإماراتي لقوات الدعم السريع، في خطوة تعكس المنافسة الجيوسياسية الأوسع.الخاتمةتمثل مذابح جنينة 2023 والفاشر 2025 قمة الكارثة الإنسانية في السودان، حيث أودى النزاع بحياة أكثر من 150 ألف شخص ونزح 12 مليون آخرين، مع خطر تفكك الدولة وانتشار الإرهاب. يتحمل قادة قوات الدعم السريع المسؤولية الأولى عن هذه الجرائم، لكن الدعم الإماراتي يعزز قدرتهم على الاستمرار، بينما يجمع دور السعودية بين الجهود الدبلوماسية والدعم الجانبي للجيش، مما يعيق السلام الشامل. يتطلب الحل انتقالاً سياسياً مدنياً حقيقياً، وتدخلاً دولياً حازماً لفرض عقوبات على الداعمين الخارجيين، وضمان وصول المساعدات، مع توحيد الجهود الدولية وإشراك المدنيين. الشعب السوداني، الذي يعاني من الجوع والموت، يستحق السلام لا الدمار، ويجب على اللاعبين الإقليميين مثل الإمارات والسعودية أن يفضلوا الإنسانية على المصالح قبل فوات الأوان.
تعليقات