قضية سعاد حسني: اللغز الغامض لموت السندريلا العربية | تفاصيل ونظريات
قضية الفنانة سعاد حسني
في تاريخ السينما المصرية، لا يوجد اسم يثير الجدل والحزن معاً مثل سعاد حسني، "السندريلا" التي سحرت الجماهير بجمالها وموهبتها، لكن حياتها انتهت في غموض دامٍ جعلها رمزاً للظلم والأسرار المكبوتة. في 21 يونيو 2001، سقطت سعاد من شرفة شقة في لندن، ليسقط معها ليس الجسد فحسب، بل أيضاً أسئلة لا تنتهي عن كيفية موتها: هل كان انتحاراً ناتجاً عن الاكتئاب، أم قتلاً مدبراً بسبب أسرار كانت على وشك الكشف عنها؟ بعد أكثر من عقدين، ما زالت قضيتها مفتوحة، مع تحقيقات متجددة واتهامات تطال مسؤولين كبار. في هذا المقال المطول، نستعرض حياة سعاد حسني، تفاصيل وفاتها، والنظريات المحيطة بها، مستندين إلى مصادر موثوقة وشهادات عائلتها، لنحاول فك شيفرة هذا اللغز الذي يعكس تعقيدات السياسة والفن في مصر.سعاد حسني: من النشأة المتواضعة إلى قمة النجوميةولدت سعاد محمد كمال حسني في 26 يناير 1943، في حي بولاق بالقاهرة، وسط عائلة كبيرة تضم 17 أخاً وأختاً، حيث كانت هي العاشرة في الترتيب. أبوها، محمد كمال حسني البابا، كان خطاطاً عربياً من أصول شامية، بينما أمها جوهرة محمد حسن صفور، مصرية الأصل. انفصل والداها عندما كانت سعاد في الخامسة من عمرها، فترعرعت مع أخواتها تحت حضانة أمها التي أعادت الزواج من عبد المنعم حافظ. لم تحظَ سعاد بتعليم نظامي، بل تعلمت في المنزل، وكانت أختها الكبرى نجاة الصغيرة (نجاة الصغيرة) نجماً غنائياً يشجعها على الدخول في عالم الفن.اكتشفت سعاد موهبتها المسرحية في مسرحية "هاملت"، حيث لاحظها الشاعر عبد الرحمن الخميسي. ثم جاء الدور الحاسم في عام 1959، عندما اختارها المخرج الكبير هنري بركات لبطلة فيلمه "حسن ونعيمة"، مقابل أجر زهيد قدره 150 جنيه مصري. كان هذا الفيلم بوابة دخولها إلى السينما، حيث شاركت بعده في 91 فيلماً سينمائياً، معظمها مصري، بالإضافة إلى أربعة أفلام خارج مصر، ومسلسل تلفزيوني واحد ("هو وهي" عام 1985)، وثمانية مسلسلات إذاعية. تعاونت مع عمالقة الإخراج مثل صلاح أبو سيف، عز الدين ذو الفقار، يوسف شاهين، وحسن الإمام، ونجوم مثل صلاح ذو الفقار، رشدي أباظة، وعمر الشريف.أبرز أفلامها تشكل ملحمة سينمائية تعكس تنوع موهبتها: "مال ونساء" (1960) الذي أظهرها كفتاة قوية، "موعد في البرج" (1962) الذي جمعها بعمر الشريف، "صغيرة على الحب" (1966) الذي منحها لقب "السندريلا"، "خلي بالك من زوزو" (1972) الذي حقق إيرادات هائلة، و"القاهرة 30" (1966) الذي رسم صورة للمجتمع المصري في الستينيات. حازت سعاد على جوائز عديدة، وفي عام 1979، كرمتها الدولة المصرية برئاسة الرئيس الراحل أنور السادات في احتفال بعيد الفن. كانت سعاد رمزاً للجمال العربي، لكنها كانت أيضاً صوتاً ناقداً للمجتمع، كما في أدوارها التي تناولت قضايا المرأة والفقر.الحياة الشخصية: زيجات عاصفة وأسرار محفوظةلم تكن حياة سعاد حسني الخاصة أقل إثارة من أفلامها. تزوجت خمس مرات، لكنها لم ترتدِ ثوب زفاف في أي منها، ولم تنجب أطفالاً رغم حملها مرات عدة، خاصة مع زوجها الثالث علي بدرخان، حيث انتهت حملاتها بإجهاضات ناتجة عن ضغط العمل الشاق. أول زيجاتها كان عرفياً مع النجم عبد الحليم حافظ في 1963، ودام ست سنوات حتى وفاته في 1977، لكنه لم يُعترف به رسمياً إلا بعد وفاتها. تلاها زواجها من الممثل صلاح كريم (1966-1968)، ثم المخرج علي بدرخان (1970-1981) الذي دام 11 عاماً وشهد أكثر اللحظات سعادة في حياتها، لكنه انتهى بسبب خلافات مهنية.الزواج الرابع كان مع زكي فطين عبد الوهاب في 1981، وانفصلا بعد أشهر قليلة، وأخيراً زواجها من الطبيب ماهر عواد في 1987، الذي استمر حتى وفاتها. انتشرت شائعات عن زواجها من صلاح ذو الفقار أثناء تصوير "موعد في البرج" عام 1962، لكنها نفتها دائماً. كانت سعاد امرأة مستقلة، ترفض التقاليد، وتُعرف بصداقاتها الوثيقة مع الفنانين، لكنها عانت من وحدة داخلية، خاصة بعد وفاة عبد الحليم الذي كان حب حياتها.التراجع الصحي: بداية النهايةبدأت مشاكل سعاد الصحية في عام 1987، بعد إصابتها بتآكل في العمود الفقري أدى إلى شلل وجهي جزئي، مما أجبرها على العلاج بالكورتيزون، الذي سبب زيادة في الوزن وتغييرات نفسية. ابتعدت عن الشاشة تدريجياً، وآخر أعمالها كان فيلم "الراعي والنساء" عام 1991. سافرت إلى لندن مرات عديدة للعلاج، وكانت تعاني من اكتئاب شديد ناتج عن الشيخوخة المبكرة والفقدان المهني. في أواخر التسعينيات، بدأت سعاد في كتابة مذكراتها، التي كانت ستكشف أسراراً عن علاقاتها مع النجوم والمسؤولين، وهو ما أثار مخاوف بعض الأطراف.يوم 21 يونيو 2001: السقوط الغامضفي صباح 21 يونيو 2001، كانت سعاد تستعد للعودة إلى القاهرة بعد جلسات علاج في لندن. كانت تقيم في شقة فندقية في برج ستيوارت تاور بمنطقة نايتسبريدج الفاخرة. وفقاً للرواية الرسمية، سقطت من الشرفة في الطابق السابع، مسحوقة الجمجمة والأعضاء، وتوفيت فوراً في سن 58 عاماً. نقل جثمانها إلى مصر برعاية رسمية، ودُفنت في مقبرة العائلة بالقاهرة. لكن الغموض بدأ فوراً: لماذا لم يكن هناك شهود؟ ولماذا تأخر التقرير الطبي بسبب "إجازة نهاية الأسبوع"؟التحقيق الرسمي: انتحار أم إخفاء للحقيقة؟اعتبرت الشرطة البريطانية (سكوتلاند يارد) الحادث انتحاراً، مستندة إلى تاريخ سعاد النفسي: اكتئاب، مشاكل صحية، وعلاج كورتيزون يسبب تقلبات مزاجية. لم يتم العثور على آثار كفاح أو دماء داخل الشقة، وكانت الشرفة مفتوحة. ومع ذلك، أثارت عائلتها شكوكاً: لا دماء على الجثة بعد السقوط، مما يشير إلى قتلها داخل الشقة ثم رمي الجثة. كما أن الشقة كانت ملكاً لجهاز المخابرات المصرية، وفقاً لشهادات عائلية.اتهامات العائلة: صفوت الشريف وأسرار المذكراتأبرز الاتهامات جاءت من شقيقتها جيهان عبد المنعم (جيجي)، التي أعدت فتح القضية بعد ثورة 25 يناير 2011. في بلاغ رسمي، اتهمت جيجي الوزير الأسبق صفوت الشريف (وزير الإعلام في عهد مبارك) باستئجار مجرمين لقتل سعاد، بسبب مذكراتها التي كانت ستكشف فساداً في الوسط الفني والسياسي. وفقاً لجيجي، رفض الشريف مساعدة سعاد مالياً لعلاجها، رغم وعود سابقة، وهددها بالقتل إذا نشرت المذكرات. في كتابها "سعاد حسني: مذكرات السندريلا" (صدر عام 2020)، روت جيجي تفاصيل التهديدات، بما في ذلك رسائل بخط يد سعاد تتحدث عن "الخطر"، وكيف غيرت سعاد ترتيب فصول المذكرات خوفاً من القتل.في ديسمبر 2016، كررت جيجي الاتهام، مدعية أن الشريف كان "صندوقاً أسود" للمخابرات، وأنه أمر بقتل سعاد بعد أن أخبرها شقيقها بأسرار عبد الحليم حافظ. في مايو 2023، أُعيد فتح التحقيق مرة أخرى بناءً على بلاغ جيجي، مع التركيز على دور الشريف واعتماد خورشيد (مسؤولة سابقة في الإعلام). ومع ذلك، لم يتم الإعلان عن نتائج قاطعة، وتوفي الشريف في 2021 دون محاكمة.النظريات والشائعات: من القذافي إلى المخابراتتتعدد النظريات حول مقتل سعاد:
- نظرية المذكرات السياسية: كانت سعاد على وشك الكشف عن علاقات مع الرئيس معمر القذافي، الذي عرض عليها الزواج، وأسرار عن فساد في عهد السادات ومبارك. في مذكراتها، ذكرت تهديداً من "شخص من القاهرة"، وفقاً لتحقيقات سكوتلاند يارد.
- الدور المخابراتي: الشقة في لندن كانت مقر للمخابرات المصرية، وكان هناك تدخل مصري في نقل الجثمان دون تشريح كامل. بعض المصادر تشير إلى تورط مسؤولين كبار في الدولة لإسكاتها.
- النظرية الشخصية: رجح الفنان سمير صبري أن سعاد ماتت في مشاجرة مع شخص طالب مالاً من صاحبة الشقة، مما أدى إلى سقوطها قضاءً وقدراً. لكن هذا يتعارض مع عدم وجود شهود.
- الحادث أو الانتحار: الرواية الرسمية، مدعومة بتقارير طبية، لكن العائلة ترفضها لعدم وجود دافع قوي للانتحار، خاصة مع خططها للعودة إلى مصر.