تصريح لفتيت: إنذار لاسترجاع الأراضي والأموال المسروقة في المغرب 2025

 إعلان الحرب على الفساد: تصريح عبد الوافي لفتيت يُعيد تشكيل المشهد الإداري في المغرب


مقدمة

 في خطوة جريئة وغير مسبوقة، ألقى وزير الداخلية المغربي، عبد الوافي لفتيت، قنبلة سياسية أمس، الخميس 5 نوفمبر 2025، خلال جلسة تقديم مشروع الميزانية الفرعية لوزارته برسم سنة 2026 أمام لجنة الداخلية والجماعات الترابية بمجلس النواب. لم يكن التصريح مجرد حديث روتيني عن الأرقام المالية، بل إعلانًا حازمًا لحرب مفتوحة على الفساد الإداري، مع التركيز الخاص على استرجاع الأراضي العمومية المغتصبة والأموال المنهوبة من خزائن الجماعات الترابية. بلغت الميزانية المقترحة 54.86 مليار درهم، لكن الجزء الأكثر إثارة كان الوعد بـ"لا تسامح" مع المتورطين، مصحوبًا بتهديدات مباشرة بلغة الدارجة الشعبية التي لامست قلوب النواب والمواطنين على حد سواء.قال لفتيت في لحظة أثارت التصفيق الغير المتوقع: "اللي دا شي درهم ولا شي أرض يردها بالخاطر ولا بزّز... ما كاينش استثناء، وغادي نبداو من كازا". هذه العبارة، التي تعني حرفيًا "من يأخذ درهمًا أو أرضًا يجب أن يردها طوعًا أو قسرًا... لا استثناءات، وبدأنا من الدار البيضاء"، لم تكن مجرد كلمات عابرة، بل إشارة إلى حملة ميدانية قادمة ستُغطي التراب الوطني كله. التصريح هذا، الذي انتشر كالنار في الهشيم على وسائل التواصل الاجتماعي، يُعدّ نقطة تحول في سياسة مكافحة الفساد بالمغرب، مدعومًا بتوجيهات ملكية صارمة تهدف إلى تعزيز النزاهة والشفافية في الإدارة المحلية.السياق التاريخي: جرح الفساد في الجماعات الترابية.. عقود من الإهمال والاستغلاللنفهم أهمية هذا التصريح، يجب العودة إلى السياق التاريخي لمشكلة الفساد في الجماعات الترابية المغربية. منذ السبعينيات، مع توسع اللامركزية الإدارية، أصبحت هذه الجماعات – التي تشمل البلديات والإقليميات – الركيزة الأساسية للتنمية المحلية. ومع ذلك، تحولت تدريجيًا إلى ساحات للاستيلاء غير المشروع على الموارد العامة. وفقًا لتقارير مجالس الحسابات الإقليمية، بلغ حجم الخسائر الناجمة عن الاختلاسات والتجاوزات في الجماعات أكثر من 2 مليار درهم سنويًا خلال السنوات الأخيرة، مع حالات استيلاء على آلاف الهكتارات من الأراضي الجماعية لأغراض عقارية خاصة أو مشاريع وهمية.في المدن الكبرى مثل الدار البيضاء وطنجة والرباط، شهدنا حالات صارخة: أراضٍ مخصصة للمدارس أو الحدائق العمومية تحولت إلى مجمعات سكنية فاخرة، أو أموال التنمية الاجتماعية انحسرت في جيوب المنتخبين والمقاولين المرتبطين بهم. على سبيل المثال، في تقرير مجالس الحسابات لعام 2024، كشفت عن اختلاسات في جماعة الدار البيضاء بلغت 150 مليون درهم، مرتبطة بمشاريع بنية تحتية وهمية. هذه الظاهرة ليست جديدة؛ فقد أدت إلى تفاقم التفاوت الاجتماعي، حيث يُحرم المواطنون من خدمات أساسية بينما يثرى آخرون على حساب المال العام.في السنوات الأخيرة، أطلق الملك محمد السادس حملات مكثفة لـ"تحرير الملك العمومي"، أسفرت عن استرجاع مئات القطع الأرضية في المدن الكبرى. ومع ذلك، كانت هذه الحملات محدودة النطاق، وغالبًا ما تواجه مقاومة من شبكات مصالح محلية. تصريح لفتيت يأتي في سياق هذا الجهد الملكي، لكنه يضيف بعدًا عمليًا: التركيز على المساءلة الشخصية للمنتخبين، مع وعود بتحقيقات فورية وإجراءات قضائية سريعة.تفاصيل التصريح: من الإنذار إلى التنفيذ.. خطة عملية للاسترجاعبدأ لفتيت خطابه بتأكيد على أهمية الميزانية الفرعية كأداة للتنمية، مشيرًا إلى تخصيص 30 مليار درهم للأمن و57 مليون درهم للجماعات الترابية. لكنه سرعان ما انتقل إلى اللغة الدارجة ليوجه رسالة مباشرة: "مرحلة التغاضي انتهت... اللي مدّ يدو على درهم أو أرض من الملك العام، خاصو يردها آمين الله ولا بزّز". وأضاف: "راه بدّينا من الدار البيضاء، مع مجموعة الناس اللي خدات شي طرف دالأرض أو شي درهم... غادي نمشيو لكل جهة، ما كاينش منطقة محصّنة".التصريح لم يقتصر على التهديدات؛ بل حدد آليات التنفيذ بوضوح. أعلن لفتيت عن إطلاق حملة وطنية لاسترجاع العقارات المغتصبة، تبدأ كـ"نموذج تجريبي" في الدار البيضاء، حيث سيتم التعاون مع الوكالات الإقليمية والقضاء لتحرير آلاف المترات المربعة. كما شدد على إلزام الجماعات بتقارير مالية دورية، مع عقوبات فورية تشمل إيقاف التمويلات المركزية لأي تجاوز. وفي انتقاد لاذع للمنتخبين، قال: "المنتخب اللي ما يرفعش الدعوى ضد اللي دا المال، راه شريك في الجريمة... خاصنا نحاربوهم كاملين، لأنهم كيضربو في النزاهة وكيشوهو صورة المنتخبين الشرفاء".هذا النهج يعكس تحولًا في استراتيجية وزارة الداخلية، من الرقابة الوقائية إلى المواجهة المباشرة. وفقًا لمصادر داخلية، سيتم إنشاء وحدات خاصة للتحقيق في الجماعات، بالتنسيق مع هيئة النزاهة والوقاية من الفساد، مع هدف استرجاع 500 مليون درهم في السنة الأولى.الآثار المتوقعة: اقتصاديًا، سياسيًا، واجتماعيًااقتصاديًا، يُتوقع أن يساهم هذا التصريح في توفير موارد هائلة لمشاريع التنمية، خاصة في ظل الضغوط الناتجة عن التضخم والجائحة السابقة. استرجاع الأراضي يعني إمكانية بناء آلاف السكنات الاجتماعية أو المدارس، بينما إعادة الأموال ستعزز ميزانيات الجماعات الضعيفة في المناطق النائية. سياسيًا، يعزز التصريح من صورة الحكومة كجهاز حازم، لكنه قد يثير توترات داخل الأحزاب السياسية، حيث يُتهم بعض المنتخبين بالتورط. اجتماعيًا، يعيد الثقة في المؤسسات، بعد سنوات من الشكوك، ويُشجع على المشاركة المدنية في مراقبة الإنفاق العام.ومع ذلك، يحذر خبراء من التحديات: هل ستكون الحملة شاملة، أم انتقائية لتصفية حسابات؟ في تقرير لـ"أخبارنا"، أشار محللون إلى أن نجاحها يعتمد على استقلالية القضاء، لتجنب تحولها إلى أداة سياسية.ردود الفعل: ضجة على وسائل التواصل والإعلام.. بين التأييد والمخاوفانتشر التصريح بسرعة مذهلة على وسائل التواصل، حيث حصدت مقاطع الفيديو آلاف المشاهدات في ساعات. على منصة إكس، غرّد حساب
@lakome2
: "لفتيت: لي دا شي أرض او درهم ماشي ديالو احسن لو يردو قبل ما نوصلوا ل 'خزيت'"، مع فيديو للخطاب، وحصد مئات التفاعلات. كما نشر
@24saa_com
فيديو طويلًا يقول فيه: "وزير الداخلية: راه كنتحاسبو.. لي دا شي أرض ماشي من حقو من الأحسن ليه يردها"، مما أثار نقاشات حول سرعة تنفيذ ملفات مجالس الحسابات.
في الإعلام، وُصف التصريح بـ"الناري"؛ جريدة "هسبريس" رأت فيه "إعلان حرب مفتوحة"، بينما أشادت "لكوم 2" بجرأته كـ"رسالة للمنتخبين". على الجانب الآخر، عبر نشطاء عن مخاوف من أن تكون الحملة محدودة بالمدن الكبرى، مطالبين بتوسيعها للمناطق الريفية حيث ينتشر الفساد أكثر.من النواب، صفق أعضاء اللجنة، لكن بعض المعارضين سألوا عن آليات حماية المنتخبين الشرفاء. في تغريدة لـ
@maghrebalaan
، قيل: "وزير الداخلية لفتيت: «اللي دا شي درهم ولا شي أرض يردها ولا غا نوصلو معاه لخزيت»".
أمثلة سابقة: دروس من حملات مكافحة الفساد السابقةليس هذا التصريح الأول؛ في 2023، أدت حملة "تحرير الملك" إلى استرجاع 200 هكتار في طنجة، لكنها واجهت دعاوى قضائية. في 2024، أسفرت تحقيقات في فاس عن إدانة رئيس جماعة باختلاس 20 مليون درهم. هذه الأمثلة تُظهر إمكانية النجاح، لكنها تذكر بأهمية الاستمرارية.التحديات المستقبلية: بين الوعود والواقعرغم الإيجابيات، تواجه الحملة تحديات: مقاومة الشبكات المحلية، نقص الوعي القانوني، والضغوط الاقتصادية. يطالب الخبراء بتعزيز التدريب للمنتخبين وإشراك المجتمع المدني. كما يجب تجنب التسييس، لئلا تفقد الحملة مصداقيتها.الخاتمة: نحو مغرب نظيف.. الوقت للعمل لا للكلامتصريح عبد الوافي لفتيت ليس مجرّد إعلان، بل دعوة لإعادة بناء الثقة في الدولة. في زمن يتسارع فيه الوعي الشعبي، يُعدّ هذا الوعد خطوة جريئة نحو مغرب خالٍ من الفساد. الآن، التحدي في التنفيذ: هل ستُعاد الأراضي والأموال، أم تبقى الكلمات؟ المغرب ينتظر الإجابة، والتاريخ سيحكم.
تعليقات