زنيبر في المغرب: تاريخ الإمبراطورية الزراعية والاقتصادية الكبرى | ديانا هولدينغ
عائلة زنيبر: إمبراطورية اقتصادية مغربية من الجذور المتواضعة إلى السيطرة على الأراضي الخصبة
المقدمةفي قلب المغرب، حيث تتلاقى الجبال الخضراء مع السهول الواسعة، تقف عائلة زنيبر كرمز حي للصمود والابتكار الاقتصادي. منذ أكثر من سبعة عقود، بنت هذه العائلة إمبراطورية تعتمد أساساً على الزراعة، لتصبح اليوم واحدة من أكبر اللاعبين في قطاع الفلاحة والصناعات الغذائية والمشروبات. يعود الفضل الأكبر إلى إبراهيم زنيبر (1920-2016)، الرجل الذي تحول من مساعد لوالده في أسواق الحبوب إلى "ملك الخمور" في المغرب وإفريقيا، كما يُلقب. تحت قيادته، امتدت أراضي العائلة إلى أكثر من 8500 هكتار في مناطق متنوعة، تشمل الكروم، الحوامض، والفواكه الحمراء، مما يجعلها مساهمة حيوية في الاقتصاد الوطني.تدير العائلة اليوم مجموعة "ديانا هولدينغ"، التي تضم خمس شركات رئيسية مستقلة مالياً وإدارياً، وتوظف أكثر من 6500 موظف، بما في ذلك آلاف العمال الموسميين في مواسم الحصاد. بلغت معاملات المجموعة 3 مليارات درهم سنوياً قبل الأزمات الأخيرة، وساهمت في دفع التصدير إلى 20 دولة حول العالم. ومع ذلك، لم تخلُ قصة زنيبر من التحديات، خاصة الأزمة المالية في 2025 التي أجبرت على إعادة هيكلة وانتقال السلطة إلى الجيل الثاني. هذا المقال يغوص في تاريخ العائلة، تفاصيل أراضيها ومحاصيلها، ودورها في الاقتصاد المغربي، ليكشف كيف تحولت بذرة متواضعة إلى غابة خضراء مزدهرة.التاريخ العائلي: من سلا إلى عرش الفلاحةتعود جذور عائلة زنيبر إلى مدينة سلا القديمة، حيث كانت تعمل في التجارة التقليدية منذ أوائل القرن العشرين. كان الطاهر زنيبر، والد إبراهيم، تاجراً متواضعاً يبيع الحبوب والصوف في أسواق المدينة، لكنه واجه صعوبات اقتصادية دفعته في العشرينيات إلى الانتقال إلى ضواحي سيدي قاسم، في منطقة فاس-مكناس. هناك، في حي صحراوة، ساعد الشاب إبراهيم والده في البيع اليومي، محتضراً دروساً في الصبر والتجارة تحت شمس الصحراء. كانت هذه الفترة، كما يرويها المؤرخون، صعبة للغاية، حيث كانت العائلة تعتمد على الإيجار الزراعي القليل، لكنها زرعت بذور الإصرار التي ستؤتي ثمارها لاحقاً.مع استقلال المغرب عام 1956، جاءت الفرصة الأولى لإبراهيم. اشترى، بقرض بنكي متواضع، أول قطعة أرض له: 740 هكتاراً قاحلة من تاجر فرنسي متقاعد في ضواحي مكناس، تحديداً في مزرعة عيت هرز الله (Aït Harzallah). قضى خمس سنوات في تنظيفها يدوياً بمساعدة 250 حصاناً، محولاً الصخور إلى تربة خصبة. في 1961، زرع أول أشجار تفاح، مما أشعل شرارة النجاح. سرعان ما توسعت الملكيات، مدعومة بدعم الملك الحسن الثاني الذي منح إبراهيم 1100 هكتار إضافية عبر مكالمة هاتفية شهيرة، معتبراً إياه "رجل الأعمال الذي يبني المغرب". بحلول السبعينيات، بلغت الأراضي 2500 هكتار، مع تخصيص أكثر من 2100 هكتار لزراعة الكروم، أساس صناعة الخمور.أسس إبراهيم "ديانا هولدينغ" عام 1956 (وأعيد تنظيمها 2001)، سميت تيمناً بزوجته مارية دوشان (غيثة ماريا)، أرملة شقيقه التي تزوجها ليحافظ على الترابط العائلي. أنجبا ابنين: ليث، الذي درس الإدارة في أمريكا وتدرب في الصين، وديانا، المهندسة الزراعية. كما يشمل الإرث أقارب مثل أحمد سعد زنيبر (ابن) وعبد الرحمان (ابن عم). تاريخياً، تضم العائلة شخصيات ثقافية مثل القاضي محمد زنيبر المحبس والشاعر الصوفي الحاج علي زنيبر (1844-1914)، الذي دُفن في زاوية عائلية بـ"دار زنيبر" التاريخية بسلا، مما يجمع بين التراث الديني والتجاري. شغل إبراهيم مناصب سياسية، مثل نائب برلماني عن حزب الاستقلال (1977-1983) ومستشار للملك، مما عزز نفوذه. توفي عام 2016، تاركاً إمبراطورية تُقدر قيمتها بمليارات الدراهم، لكنها واجهت اختبارات الزمن.الأراضي والمحاصيل: تنويع جغرافي وزراعي يغطي المغربتُعد أراضي زنيبر جوهرة الإمبراطورية، حيث تمتد على أكثر من 8500 هكتار موزعة عبر مناطق جغرافية متنوعة، تتناسب مع المناخات المغربية المختلفة. بدأت الملكيات في منطقة مكناس، قلب الزراعة المغربية، مع مزرعة عيت هرز الله التاريخية (740 هكتار أولية)، التي أصبحت اليوم مركزاً للكروم والفواكه. اليوم، تدير "ديانا هولدينغ" 3600 هكتار مباشرة عبر 25 مزرعة تابعة لـ16 شركة فرعية، بالإضافة إلى تجميع 1800 هكتار إضافية في الحوامض، مما يرفع الإجمالي إلى أكثر من 6500 هكتار فعالة. هذه التوسع جاء تدريجياً، مدعوماً باستثمارات في الري والتكنولوجيا، مثل الزراعة بدون تربة في المشاتل.أبرز المناطق الجغرافية:
- منطقة مكناس-فاس (فاس-مكناس): القلب التاريخي، تشمل 2100 هكتار من الكروم لإنتاج النبيذ، بالإضافة إلى 1200 هكتار لأشجار الفواكه. هنا، تزرع الكروم أصنافاً مثل "كريمسان" و"سيرا"، تنتج 35-55 مليون قنينة سنوياً عبر "سيلتي دو مكناس". كما تشمل زراعة التفاح والكمثرى (rosaceous pips)، والخوخ والمشمش (rosaceous stones)، مع محطة تعبئة سعة 200 طن يومياً (21,000 م²، توسعة إلى 30,000 م²).
- الشرق (بركان وبوكنادل - الشرق): 700 هكتار مملوكة للحوامض، بالإضافة إلى تجميع 1800 هكتار في إطار "الجيل الأخضر". ينتج المشروع أكثر من 135 ألف طن من البرتقال والليمون سنوياً، مع أصناف مصممة للتصدير إلى أوروبا. محطة بركان سعة 900 طن يومياً (50,000 م² مغطاة)، تجعل المغرب الثالث عالمياً في تصدير الحمضيات.
- الساحل الغربي (كينيرا - رباط-سلا-القنيطرة): 600 هكتار للفواكه الحمراء، تشمل 18 صنفاً من التوت البري، العنب البري، والتوت الأسود. الإنتاج الحالي 2600 طن، يهدف إلى 7500 طن، مع تصدير إلى اليابان وأمريكا.
- الجنوب (سوس-ماسة ووادي الذهب - الداخلة): توسعات حديثة في 600 هكتار للفواكه الحمراء والزيتون، مستفيدة من المناخ الدافئ. تشمل زراعة اللوز، الكاكي (البرقوق الياباني)، والعنب الطاولي، مع التركيز على الزراعة المستدامة.
- أخرى: في تارودانت ومراكش للحجريات (الخوخ، النكتارين، البرقوق، المشمش)، حيث يصل موسم الحصاد ذروته في يونيو 2025.