فضيحة لجنة الأخلاقيات: مؤامرة الظلام على حرية الصحافة ومصير المهداوي

تسريبات تكشف النوايا الشريرة: كيف تحولت لجنة الأخلاق إلى أداة قمع ضد الصحفي حميد المهداوي


فضيحة لجنة اللا أخلاقيات: مؤامرة الشياطين الثلاث على الصحفي حميد المهداوي.

في أروقة الإعلام المغربي، حيث تتقاطع خيوط السلطة والمهنة الصحفية، انفجر بركان من الفضائح يهز أركان المؤسسات التنظيمية، ويكشف عن وجوه مشوهة تخفي وراءها أقنعة الأخلاق والنزاهة. إنها فضيحة لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية التابعة للهيئة المؤقتة للصحافة والنشر، التي سرّبت تسجيلاتها الداخلية، لتكشف عن نوايا شريرة موجهة نحو الصحفي البارز حميد المهداوي. لم تكن هذه التسريبات مجرّد خطأ فني أو إهمال إجرائي، بل كانت بمثابة قنبلة موقوتة ألقتها يد الشفافية على جدران الاستبداد المهني، لتُبرز كيف أن هذه اللجنة، التي يُفترض بها أن تحمي شرف المهنة، قد تحولت إلى أداة للانتقام السياسي والقمع الفكري. في هذا المقال المطول، سنغوص في أعماق هذه الفضيحة، مستعرضين خلفيتها، تفاصيلها المروعة، والنوايا المضمرة التي كانت تخبئها للمهداوي، معتمدين على الوقائع الدامغة والردود الواسعة التي هزّت الوسط الإعلامي المغربي في أواخر نوفمبر 2025.
يُعد حميد المهداوي واحداً من أبرز رموز الصحافة المستقلة في المغرب، رجلٌ لم يخشَ يوماً سلطان السلطة، ولم ينثنِ أمام ضغوط الإغراء أو التهديد. بدأ مسيرته الصحفية في صفوف الإعلام الرقمي، حيث أسس قناة "بديل" على يوتيوب، التي تحولت سريعاً إلى منبر حر ينتقد الفساد السياسي والاجتماعي، ويسلّط الضوء على قضايا الشعب المغربي المُهمشة. لم يكن المهداوي مجرّد كاتب أو مذيع، بل كان صوتاً للمعارضة، يغطّي احتجاجات "حراك الريف" في عام 2016 بجرأة نادرة، مما أدّى إلى إدانته من محكمة الجنايات في الدار البيضاء بتهمة "عدم الإبلاغ عن جريمة تمسّ أمن الدولة". قضى ثلاث سنوات في السجون المغربية، ليخرج منها أقوى إصراراً على الدفاع عن حرية التعبير. بعد إطلاق سراحه، عاد إلى الإعلام الرقمي، مستخدماً وسائل التواصل الاجتماعي لنشر تحقيقاته، مما جعله هدفاً للنظام الإعلامي الرسمي. ومع ذلك، كان المهداوي يحمل بطاقة صحفية رسمية، رمزاً لانتمائه إلى المهنة، إلى أن قرّرت الهيئة المؤقتة للصحافة سحبها منه في 2024، علّة أن دخله الأساسي ليس من الصحافة، في خطوة وُصفت بأنها انتقامية صريحة.
أما لجنة أخلاقيات المهنة والقضايا التأديبية، فهي إحدى الجهات المنبثقة عن المجلس الوطني للصحافة، الذي أُسّس بموجب القانون رقم 88.13 المتعلق بمجلس الصحافة، بهدف تنظيم المهنة وضمان احترام الأخلاقيات. في الظاهر، تبدو هذه اللجنة حارساً للنزاهة، تُعنى بمعالجة الشكاوى والقضايا التأديبية، وتحمي الصحفيين من الانتهاكات. لكن في الواقع، خاصة في ظل الهيئة المؤقتة التي تشرف على القطاع منذ 2023، تحولت إلى أداة سياسية تُدار من قبل شخصيات مقربة من الوزارة الوصية، بقيادة الوزير مصطفى بنسعيد. هذه الهيئة، التي يُفترض أن تكون انتقالية، أصبحت مصدراً للتوترات الداخلية، حيث تُتهم بانتهاك استقلالية المهنة، واستخدام صلاحياتها لاستهداف الصحفيين الناقدين. وفي قلب هذه الفضيحة، تبرز اللجنة كرمز للتناقض: تتحدّث عن الأخلاق بينما تمارس الخيانة لها.
اندلعت الفضيحة في 21 نوفمبر 2025، عندما نشر حميد المهداوي على قناته اليوتيوبية مقطع فيديو مدوٍّ، مسروقاً من جلسة سرية للجنة أثناء مداولاتها حول قضيته. يمتد الفيديو إلى دقائق معدودة، لكنه يكشف عن مشاهد مرعبة: أعضاء اللجنة، بما فيهم رئيسها، يتبادلون الحديث بلغة مهينة وغير مهنية، مليئة بالشتائم الشخصية والإشارات إلى "القضاء الخاص" لمعاقبة المهداوي. يُسمع أحد الأعضاء يقول: "يجب أن نُقاضيه بكل الطرق، ونُسقطه من المهنة نهائياً"، في إشارة واضحة إلى خطة لإنهاء مسيرته الصحفية. كما يظهر آخرون يناقشون كيفية "تشويه سمعته" عبر نشر شائعات عن حياته الشخصية، واستخدام علاقاتهم مع الجهات القضائية لتسريع إجراءات التحقيق ضده. هذه المداولات ليست مجرّد نقاش داخلي، بل تكشف عن استراتيجية مدروسة للانتقام، حيث يُوصف المهداوي بـ"الخائن" و"المتآمر مع الأعداء"، في إشارة إلى تغريداته الناقدة للسياسات الحكومية، خاصة في قضايا الفساد والحريات. السرية التي يفرضها النظام الداخلي للمجلس (المادة 18) تحولت هنا إلى درع للشر، إذ كانت اللجنة تعتقد أن جدران غرفة الاجتماعات ستحمي مؤامراتها من أعين الرأي العام.

ما يثير الاشمئزاز حقاً هو النوايا المضمرة التي كانت تخبئها اللجنة للصحفي المهداوي، نوايا تتجاوز حدود التنظيم المهني لتصل إلى حدود الإجرام الأخلاقي والسياسي. لم تكن القضية مجرّد شكوى روتينية بشأن تغريداته، بل كانت حملة ممنهجة لإسكات صوته، الذي أصبح يُزعج النخب الحاكمة. في التسجيل، يُناقش الأعضاء خططاً لـ"الضغط على الجهات القضائية" لإعادة فتح ملفات قديمة ضده، بما في ذلك قضية "حراك الريف"، مع التركيز على "جعله يدفع الثمن غالياً". هذا الشر المضمر يتجلّى في استخدام لغة التحقير: يُوصف المهداوي بـ"الكلب الضال"، ويُخطط لنشر حملات تشويه على وسائل التواصل، مستفيدين من علاقاتهم مع إعلاميين موالين. كما أشارت مصادر داخل النقابة الوطنية للصحافة، فإن هذه النوايا ليست فردية، بل جزء من سياسة أوسع للقمع، حيث تُستخدم اللجنة كذراع تنفيذي للوزارة، لإضعاف الصحافة المستقلة في وقت يعاني فيه المغرب من تراجع في تصنيفات حرية الصحافة العالمية. إنها مؤامرة تذكّر بأيام الديكتاتوريات، حيث يُحوّل الحراس إلى جلّادين، والأخلاق إلى أداة للظلم.
لم تمرّ هذه الفضيحة دون ردود فعل عنيفة هزّت الأوساط الإعلامية والسياسية. أولى الاستجابات جاءت من النقابة الوطنية للصحافة، التي عقدت اجتماعاً طارئاً في 22 نوفمبر 2025، واصفة التسريب بـ"فضيحة أخلاقية وقانونية تهدّد استقلالية التنظيم الذاتي". طالبت النقابة بفتح تحقيق عاجل ومحايد، لتحديد المسؤوليات وتطبيق العقوبات على المتورطين، معتبرة أن "المفردات المهينة والسلوكيات غير المهنية" التي صدرت عن أعضاء اللجنة "تهدّر مكاسباً تاريخية للقطاع". كما أعربت عن قلقها من أن هذه الواقعة قد تُفقد المجلس الوطني للصحافة شرعيته، مما يستدعي إصلاحات جذرية في هيكلته. أما الوزير مصطفى بنسعيد، فقد ردّ في بيان رسمي أول، رافضاً "الإساءة للأخلاق"، ومُدافعاً عن اللجنة بأن التسريب "عمل إجرامي يهدف إلى التضليل"، مع الإعلان عن رفع دعوى قضائية ضد المهداوي بتهمة انتهاك السرية وتشويه السمعة. هذا الرد، الذي وُصف بـ"الدفاع عن الفاسدين" في تغريدات واسعة على منصة إكس، أثار موجة من الغضب، حيث اعتبره الناشطون محاولة لإسكات النقد بدلاً من مواجهة الحقيقة.
في الرأي العام، امتدّت الردود إلى وسائل التواصل الاجتماعي، حيث شهدت منصة إكس (تويتر سابقاً) هاشتاغ "#فضيحة_لجنة_الأخلاقيات" آلاف التغريدات في غضون أيام. صحفيون مثل محمد واموسي كتبوا: "أدافع عن المبدأ لا عن الأشخاص، والحقيقة لا الأصنام"، مشدّدين على أن الفضيحة تكشف عن فساد نظامي يفوق الشخصيات. آخرون، مثل مونير العفاني، وصفوا اللجنة بـ"لجنة الأخلاقيات التي لا أخلاق لها"، مطالبين باستقالة الوزير فوراً. حتى الذين يختلفون مع المهداوي سياسياً، اعترفوا بأن الفيديو "فضيحة بجلاجل" تستوجب محاسبة شاملة. هذه الردود ليست عفوية، بل تعكس تراكماً من الإحباط تجاه سياسات التنظيم الإعلامي، التي أدّت إلى اعتقال عشرات الصحفيين في السنوات الأخيرة، وفقدان المغرب مراكزه في مؤشّر حرية الصحافة الصادر عن "مراسلون بلا حدود".
في السياق الأوسع، تُعدّ هذه الفضيحة عَرَضاً لمرض عضال يُصيب الصحافة المغربية منذ سنوات. مع إقرار دستور 2011، الذي وعد بحرية التعبير، شهد القطاع تقدّماً ظاهرياً، لكنه سرعان ما تعرّض للتراجع تحت ضغط القوانين القمعية، مثل المادة 267 من القانون الجنائي التي تُجرّم "الإضرار بأمن الدولة". أصبحت الهيئات التنظيمية، مثل المجلس الوطني، أدوات للسيطرة بدلاً من الدعم، حيث يُعيّن أعضاؤها من قبل الوزارة، مما يفقدهم الاستقلالية. في حالة المهداوي، يُرى الاستهداف كجزء من حملة أوسع ضد الإعلام الرقمي، الذي يُشكّل تهديداً للإعلام التقليدي الموالي. هذا الشر المضمر لا يقتصر على فرد، بل يهدّد الجميع: فإذا سُقط المهداوي، فمن التالي؟ الآثار المتوقّعة تشمل فقدان الثقة في المؤسسات، وهجرة المزيد من الصحفيين إلى الخارج، وزيادة الرقابة الذاتية التي تخنق الإبداع.
أخيراً، تترك فضيحة لجنة الأخلاقيات دروساً قاسية للصحافة المغربية. أولها، ضرورة إصلاح جذري للهيئات التنظيمية، بجعلها منتخبة من قبل الصحفيين أنفسهم، بعيداً عن التدخّل الحكومي. ثانيها، تعزيز الشفافية في الجلسات التأديبية، لتجنّب تحولها إلى غرف مظلمة للمؤامرات. وثالثها، الدفاع عن الصحفيين كمبدأ، لا كشخصيات، فالحرية ليست امتيازاً للأصدقاء، بل حقّاً للجميع. أمّا المهداوي، فسيظلّ رمزاً للمقاومة، مهما طالَ الظلام. إن هذه الفضيحة ليست نهاية، بل بداية لثورة مهنية تُعيد بناء الصحافة على أسس الأخلاق الحقيقية، لا الزائفة. ففي زمن الشفافية الرقمية، لا مكان للأسرار الشريرة، ولا للجناة الذين يرتدون قناع الحرّاس.
تعليقات