موجة "No Kings": صرخة ضد الاستبداد الرئاسي
الاحتجاجات في أمريكا اليوم: "لا ملوك" – صرخة الشعب ضد الاستبداد الرئاسي
المقدمةفي يوم 19 أكتوبر 2025، الذي يُعدّ تاريخيًا في سجل الديمقراطية الأمريكية، شهدت الولايات المتحدة موجة هائلة من الاحتجاجات تحت شعار "No Kings" (لا ملوك)، حيث خرج ملايين الأمريكيين إلى الشوارع في أكثر من 2700 مدينة ومدينة صغيرة عبر البلاد الـ50. هذه الاحتجاجات، التي بدأت أمس السبت 18 أكتوبر وامتدت إلى اليوم، ليست مجرد تعبير عن الغضب السياسي، بل هي إعلان جريء عن رفض الشعب الأمريكي لما يُنظر إليه كتعزيز السلطة الرئاسية نحو الاستبداد. وفقًا للمنظمين من تحالفات مثل Indivisible، 50501، وMoveOn، شارك نحو 7 ملايين شخص في هذه التظاهرات، مما يجعلها واحدة من أكبر الاحتجاجات الشعبية في التاريخ الأمريكي الحديث، متجاوزة حتى الاحتجاجات الأولى لـ"No Kings" في يونيو الماضي التي جمعت 5 ملايين مشارك. هذا الشعار، المستوحى من ثورة 1776 ضد الملكية البريطانية، يعكس مخاوف عميقة من أن إدارة الرئيس دونالد ترامب، بعد عودته إلى البيت الأبيض في يناير 2025، تتجه نحو تحويل الديمقراطية إلى نظام يشبه الملكية، حيث يُعتبر الرئيس فوق القانون ويسيطر على المؤسسات الفيدرالية بشكل مطلق.لم تكن هذه الاحتجاجات عفوية؛ بل هي الثالثة الكبرى منذ إعادة انتخاب ترامب، بعد "Hands Off" في أبريل بـ3 ملايين مشارك، و"No Kings" الأولى في يونيو. اليوم، وسط إغلاق حكومي جزئي يدخل يومه الـ18 بسبب خلافات في الكونغرس حول الميزانية، أصبحت هذه التظاهرات رمزًا للوحدة الشعبية ضد ما يُوصف بـ"أكثر إدارة غير قانونية في التاريخ الأمريكي". في نيويورك، واشنطن، شيكاغو، ولوس أنجلوس، امتلأت الشوارع بأصوات الهتافات: "Hey hey! Ho ho! Donald Trump has got to go!" (يا يا! هو هو! دونالد ترامب يجب أن يذهب!)، مع لافتات ترسم ترامب مرتديًا تاجًا ملكيًا أو مقيدًا بسلاسل. هذه الصور ليست مجرد احتجاج، بل احتفال بالحرية الأمريكية، حيث يرتدي المتظاهرون أزياء مضحكة مثل الضفادع المنفوخة – رمزًا للسخرية من وصف الإدارة للمعارضين بـ"الإرهابيين" – ويحملون نسخًا من الدستور الأمريكي للتوقيع عليها تحت شعار "We the People" (نحن الشعب). في هذه المقدمة، سنستعرض كيف تحولت هذه الاحتجاجات إلى لحظة حاسمة في تاريخ أمريكا، تعكس انقسامًا عميقًا بين الشعب والسلطة، وتطرح تساؤلات حول مستقبل الديمقراطية في أعظم دولة على الأرض.العرضالخلفية التاريخية والسياسية: جذور "لا ملوك"تعود جذور حملة "No Kings" إلى مخاوف متزايدة من تحول الإدارة الترامبية نحو نموذج حكم يتجاوز الحدود الدستورية. الشعار نفسه مستمد من إعلان الاستقلال عام 1776، الذي أكد رفض الأمريكيين للملك جورج الثالث كرمز للاستبداد. اليوم، يُرى ترامب كـ"ملك" بسبب سلسلة من الإجراءات التي تعزز السلطة التنفيذية على حساب الفروع الأخرى. على سبيل المثال، في الأشهر الأولى من ولايته الثانية، أصدر ترامب أوامر تنفيذية تمنح هيئة الهجرة والجمارك (ICE) صلاحيات واسعة لإجراء مداهمات جماعية وترحيل "المهاجرين غير الشرعيين"، مما أدى إلى اعتقال آلاف الأشخاص في مدن مثل لوس أنجلوس وشيكاغو. هذه السياسات، التي تُشبه "الحرب على المهاجرين" كما وصفها المتظاهرون، أثارت غضبًا خاصًا بين المجتمعات اللاتينية والآسيوية، حيث يُتهم الرئيس باستخدام الجيش الفيدرالي لفرض السيطرة على المدن الديمقراطية.بالإضافة إلى ذلك، يُنتقد "مشروع 2025" – الخطة اليمينية المتطرفة لإعادة هيكلة الحكومة – كمحاولة لتقليص الإنفاق على الرعاية الصحية مثل برنامج ميديكايد، والتعليم العام، وبرامج مكافحة التغير المناخي. هذا المشروع، الذي يُنظر إليه كخريطة طريق لتحويل الولايات المتحدة إلى دولة محافظة متطرفة، يُتهم بتهديد حقوق المرأة، الأقليات، والمجتمعات LGBTQ+. كما أن اتهامات بملاحقة "أعداء سياسيين"، مثل التحقيقات في الصحفيين والناشطين، وقمع حرية التعبير عبر قوانين جديدة تحد من التغطية الإعلامية، أضاف وقودًا للنار. واحدة من المتظاهرات في نيويورك، مديحة والش، قالت لـCNN: "هذا يشبه ألمانيا النازية في الثلاثينيات، لا أريد أن يحدث هذا هنا".الإغلاق الحكومي الحالي، الذي يُلقى اللوم فيه على الديمقراطيين في الكونغرس بسبب رفضهم ميزانية تقلص البرامج الاجتماعية، أدى إلى تأخير رواتب ملايين الموظفين الفيدراليين، مما زاد من التوتر الاقتصادي. المنظمين يرون في هذا الإغلاق دليلاً على فشل الإدارة في إدارة الأزمات، بينما يُتهم الرئيس باستخدامه كأداة للضغط على المعارضة. كما أن نشر قوات الحرس الوطني في مدن كبرى مثل بورتلاند وتكوما لمواجهة "الفوضى"، يُعتبر انتهاكًا للحقوق الدستورية، خاصة مع تقارير عن استخدام الغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي ضد المتظاهرين السلميين. هذه الخلفية تجعل "No Kings" ليست احتجاجًا عابرًا، بل حركة مقاومة منظمة تضم أكثر من 200 منظمة، بما في ذلك ACLU وPublic Citizen، التي تؤكد التزامها بالعمل غير العنيف وتدريب عشرات الآلاف على السلامة والتخفيف من التصعيد.مشاهد من الشوارع: من الساحل إلى الساحلانتشرت الاحتجاجات من المحيط الهادئ إلى الأطلسي، محولة المدن إلى مهرجانات سياسية مليئة بالألوان والأصوات. في نيويورك، التي شهدت أكبر تجمع بأكثر من 100,000 شخص عبر الخمسة أحياء، امتلأت تايمز سكوير بجو احتفالي كرنفالي. المتظاهرون، بما في ذلك عائلات مع أطفال، رفعوا لافتات مثل "I Pledge Allegiance to No King" (أقسم الولاء لعدم وجود ملك)، وارتدوا أزياء تماثيل الحرية والضفادع المنفوخة. لم تُسجل أي اعتقالات هناك، مما يعكس الطبيعة السلمية للحدث، حيث سار المسيرة لساعات دون حوادث.أما في واشنطن العاصمة، فقد امتلأت بنسلفانيا أفينيو بآلاف المتظاهرين الذين ارتدوا اللون الأصفر رمزًا للوحدة، واستمعوا إلى خطاب السناتور برني ساندرز الذي حذر من "خطر المليارديرات مثل إيلون ماسك وجيف بيزوس الذين أصبحوا أقوى منذ تنصيب ترامب". كان الجو هناك مزيجًا من الغضب والأمل، مع فرق موسيقية تعزف أغاني الثورة الأمريكية، ولافتات تطالب بـ"حماية الديمقراطية". في شيكاغو، تجمع نحو 250,000 شخص في حديقة غرانت، ثم مسحوا عبر وسط المدينة، مطالبين بإنهاء اعتقالات ICE في الأحياء الجنوبية. شهدت المسيرة هطول أمطار خفيفة، لكن الروح بقيت عالية، مع خطاب للعميد براندون جونسون الذي قال: "الإدارة تريد إعادة حرب أهلية، لكننا لن ننحني".لوس أنجلوس وسان فرانسيسكو لم تخلفا الوعد؛ في الأولى، شكل المتظاهرون تشكيلات بشرية عملاقة على الشواطئ، بينما في سان فرانسيسكو امتد المسيرة عبر خمسة أحياء، مع هتافات ضد "التدخل العسكري في إيران" كجزء من انتقاد السياسة الخارجية. في بورتلاند، أدت اشتباكات محدودة إلى إصابات طفيفة، حيث استخدمت الشرطة الغاز والرصاص المطاطي ضد قنابل الدخان التي أشعلها بعض المتظاهرين، لكن الغالبية بقيت سلمية. حتى في المدن الصغيرة مثل أوكلاهوما سيتي وسالت ليك سيتي، تجمع آلاف الأشخاص في الحدائق العامة، مشاركين في ذكرى المتظاهر الذي قُتل في يونيو، ومطالبين بالشفاء والأمل. خارج الولايات المتحدة، شهدت لندن، مدريد، وبارسلونة مظاهرات تضامنية أمام السفارات الأمريكية، مع مئات المتظاهرين يهتفون "No Tyrants" (لا طغاة).ما يميز هذه الاحتجاجات هو تنوع المشاركين: من المحاربين القدامى مثل كيفن برايس (70 عامًا) في بورتلاند، الذي ارتدى قميصًا يقول "No Kings since 1776"، إلى الشباب مثل جيسوس كاسترو (18 عامًا) في كاليفورنيا، الذي قال: "ترامب يحول دون التقدم الذي حققناه لسنوات". كما شاركت نساء مثل بيجي كول (70 عامًا) من ميشيغان، التي سافرت 10 ساعات للاحتجاج في واشنطن للاحتفال بعيد ميلادها، معتبرة أن "الديمقراطية في خطر". هذه المشاهد تحولت إلى "حفلة شارعية" كما وصفها POLITICO، مع موسيقى وأزياء، لكنها حملت رسالة واضحة: الشعب لن يقبل الاستسلام للاستبداد.ردود الفعل: الانقسام السياسي والإعلاميأثار الاحتجاجات انقسامًا حادًا. الرئيس ترامب رد بفيديو ذكاء اصطناعي مسيء يظهره يقود طائرة "KING TRUMP" ويقصف المتظاهرين بسائل بني (رمزيًا للإهانة)، مما زاد من الغضب الشعبي ودفع المنظمين إلى وصفه بـ"دليل على الاستبداد". كما أعلن ترامب تفكيره في استدعاء قانون التمرد لمواجهة "الفوضى"، رغم أن الاحتجاجات كانت سلمية في معظمها. رئيس مجلس النواب مايك جونسون وصفها بـ"مظاهرات كراهية أمريكا"، متهمًا الديمقراطيين باستخدامها لتبرير الإغلاق الحكومي، بينما قال نائب الرئيس جي دي فانس إنها "عمل يساريين متطرفين".من جهة أخرى، دعم الديمقراطيون الحدث بقوة؛ النائب أليكساندريا أوكاسيو-كورتيز وصفها بـ"صوت الشعب الحقيقي"، بينما أصدرت النائبة كامالا هاريس فيديو يشجع على المشاركة قائلة: "السلطة مع الشعب، انضموا إلى جيرانكم في الاحتجاجات السلمية". على وسائل التواصل مثل X (تويتر سابقًا)، انقسمت التعليقات: بعض المستخدمين احتفوا بها كـ"أكبر احتجاج في التاريخ"، بينما اتهم آخرون المتظاهرين بأنهم "مدفوعو الأجر" أو "يساريون متطرفون"، مشيرين إلى أن 7 ملايين لا يقارنون بـ74 مليون صوت لترامب في الانتخابات. فوكس نيوز ذهبت أبعد، مدعية تورط منظمي "الإنتفاضة العالمية ضد إسرائيل" في الاحتجاجات، مما أثار جدلاً حول التمويل من مؤسسات مثل TIDES Foundation. رغم ذلك، أظهر استطلاع يوغوف أن 52% من الأمريكيين يعتقدون أن ترامب "يريد أن يكون ملكًا"، مما يعكس دعمًا شعبيًا واسعًا للحركة.هذا الانقسام ليس جديدًا؛ إنه امتداد للاستقطاب الذي شهدته أمريكا منذ 2016، لكنه اليوم أكثر حدة بسبب الإغلاق والأزمات الاقتصادية الناتجة عنه، مثل تأخير الإعانات الاجتماعية.التأثير المحتمل: نحو انتخابات وسطى حاسمةمع اقتراب الانتخابات الوسطى في نوفمبر 2026، قد تكون "No Kings" بداية موجة مقاومة أكبر، تهدد بتغيير توازن القوى في الكونغرس. المنظمين يعدون بمزيد من الفعاليات، محذرين من أن "الصمت يعني الاستسلام للاستبداد"، بينما يرى الجمهوريون فيها تهديدًا لاستقرار الإدارة. إذا استمرت الاحتجاجات سلمية، قد تعزز من قاعدة الديمقراطيين بين الشباب والأقليات، خاصة مع مخاوف من تكرار "ألمانيا النازية". ومع ذلك، إذا تصاعدت المواجهات، قد يستخدم ترامب ذلك لتبرير إجراءات أكثر صرامة، مما يعمق الأزمة.الخاتمةفي نهاية يوم مشحون، يبقى "No Kings" تذكيرًا قويًا بأن أمريكا مبنية على رفض الملوك، وأن الشعب هو السيد الحقيقي. هذه الاحتجاجات، بـ7 ملايين مشارك وجو احتفالي سلمي، أثبتت أن الديمقراطية الأمريكية لا تزال حية، رغم التحديات. لكن السؤال يبقى: هل ستغير هذه الصرخة مسار الإدارة، أم ستكون مجرد صدى في وجه السلطة؟ الوقت وحده سيجيب، لكن اليوم، أثبت الشعب أنه لن يقبل بملك.