المئات من الوزراء المغاربة الذين اشتروا منازل في الخارج
المقدمةفي عالم السياسة حيث تتقاطع السلطة مع الثروة يبرز ظاهرة شراء المسؤولين العقارات في الخارج كدليل على تناقضات النظام الاقتصادي والاجتماعي. في المغرب وصلت هذه الظاهرة الى ذروتها خلال العقود الاخيرة حيث اكتشفت تسريبات وثائق رسمية تورط مئات الوزراء والمنتخبين في صفقات عقارية خارجية تثير تساؤلات حول مصادر التمويل ومدى التزام هؤلاء بالمصلحة العامة. وفقا لتقارير حديثة نشرت في عام 2025 فان هذه الصفقات ليست مجرد استثمارات شخصية بل تمثل شبكة معقدة من الفساد والتهرب الضريبي تشمل شراء قصور واراضي في اوروبا وامريكا الشمالية. يعود السبب الى عوامل متعددة منها عدم الشفافية في التصريحات المالية وضعف الرقابة على تحويلات الاموال الى الخارج مما يسمح للنخبة الحاكمة ببناء امپراتوريات عقارية بعيدا عن عيون الرقابة المحلية.تكشف هذه الفضائح عن واقع مرير حيث يعاني المواطن المغربي العادي من ارتفاع اسعار السكن داخل البلاد بينما ينفق الوزراء ملايين الدراهم على منازل فاخرة في اسبانيا وفرنسا وكندا. وفقا لتسريبات هكر يدعى جباروت الذي اخترق قواعد بيانات الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية والمساحة والتخطيط في يونيو 2025 فان اكثر من مئتي مسؤول حكومي ومنتخب تورط في عمليات تلاعب عقاري تشمل شراء عقارات خارجية باموال غير مشروعة. هذه التسريبات التي بلغ حجمها اربعة تيرابايت من البيانات لم تقتصر على الكشف عن صفقات داخلية بل امتدت الى معاملات دولية تكشف عن شبكات غسيل اموال عابرة للحدود. وفي سياق يتسم بالتوتر الاقتصادي الناتج عن الجائحة والتضخم يصبح هذا الملف قضية وطنية تهدد الثقة في المؤسسات وتثير دعوات للاصلاح الجذري. يهدف هذا المقال الى استعراض هذه الظاهرة من خلال تحليل السياق التاريخي والحالات البارزة والتداعيات المحتملة مع التركيز على دور الوزراء كرموز للسلطة وذكر بعض الاسماء البارزة المرتبطة بهذه الفضائح.العرضبدأت ظاهرة شراء الوزراء المغاربة للعقارات في الخارج منذ التسعينيات مع ازدياد التدفقات المالية غير الشرعية وتوسع الاقتصاد الموازي. في ذلك الوقت كان مكتب الصرف يسجل زيادة ملحوظة في تحويلات الاموال الى اسبانيا وفرنسا حيث يفضل المغاربة الاستثمار في السكن السياحي والاراضي الزراعية. ومع ذلك لم تكن هذه التحويلات متاحة للجميع بل كانت محصورة في النخبة السياسية والاقتصادية التي استغلت الثغرات القانونية لنقل الثروات الى الخارج. وفقا لتقارير مكتب الصرف في 2025 فان هناك تحقيقات جارية في عمليات تحويل غير قانونية لاموال كبيرة الى عقارات خارجية تشمل مسؤولين منتخبين ومطورين عقاريين. هذه التحقيقات كشفت عن استخدام شركات وهمية وتحويلات عبر العملات المشفرة لتجنب الرقابة مما يعكس عمق الشبكات الفاسدة.من بين الاسماء البارزة التي برزت في هذه التسريبات ياتي اسم ناصر بوريطة وزير الخارجية المغربي الذي اتهم بارتكاب احتيال عقاري وتحويلات عبر شركات وهمية بلغت قيمتها 16 مليون دولار. وفقا لتسريبات جباروت فان بوريطة استخدم هذه الاموال لشراء عقارات فاخرة في فرنسا واسبانيا بما في ذلك قصر في ضواحي باريس يقدر قيمته بمليوني يورو. هذا الاتهام لم يقتصر على بوريطة بل امتد الى ليلى بنعلي وزيرة الطاقة التي تورطت في صفقات مشابهة تشمل شراء اراضي زراعية في كندا بقيمة تصل الى 500 الف دولار كندي. بنعلي نفت هذه الادعاءات رسميا لكن الوثائق المسربة تضمنت تفاصيل بنكية تثبت التحويلات من حسابات مرتبطة بشركاتها الخاصة. هذه الحالات تكشف عن نمط متكرر حيث يستغل الوزراء مناصبهم للحصول على عقود حكومية ثم يحولون الارباح الى استثمارات خارجية.كما تورط عبد اللطيف وهبي وزير العدل في فضيحة عقارية كبرى حيث كشفت التسريبات عن شرائه عقارا بقيمة مليون درهم وتبرعه به لزوجته مقابل تصريح بقيمة اسمية فقط مما يثير شبهات في التهرب الضريبي. وهبي رحب بمراجعة ضريبية شاملة لكنه لم ينف الوثائق التي تشير الى قرض بنكي مشبوه استخدم لتمويل هذه الصفقة. وفي سياق مشابه نفت فاطمة الزهراء المنصوري وزيرة الاسكان اتهامات ببيع اراضي الدولة لصالح عائلتها واصفة اياها بملكية خاصة تعود الى 1978 لكن التسريبات تضمنت وثائق تثبت تحويلات خارجية لشراء عقارات في المغرب واسبانيا باموال غير معلنة. هذه الاسماء ليست استثناء بل جزء من قائمة طويلة تشمل عشرات الوزراء السابقين والحاليين مثل عزيز اخنوش رئيس الحكومة الذي واجه انتقادات حول تضارب مصالح في صفقات تحلية المياه مرتبطة بشركاته الخاصة والتي سمحت بتحويل اموال الى عقارات في الامارات.توسعت هذه الظاهرة مع ازدياد استخدام العملات المشفرة حيث بدأ التحقيقات في فبراير 2025 في حالات شراء عقارات خارجية عبر البيتكوين لتجنب الرقابة المصرفية. وفقا لمصادر في مكتب الصرف فان اكثر من 300 مسؤول تورط في هذه العمليات معظمها في صفقات خارجية تشمل شراء شقق في لندن وفيلات في ميامي. هذا الانتشار يعكس ضعف الاصلاحات المعلنة في قانون التصريحات المالية الذي يفرض على الوزراء الافصاح عن ثرواتهم لكنه يفتقر الى آليات تنفيذ فعالة. في الواقع لم يتم التحقيق في اكثر من 10٪ من الحالات المشتبه بها منذ عام 2015 مما يعزز الشعور بالمحسوبية.من الناحية الاجتماعية يؤدي هذا الواقع الى تفاقم الفجوة بين النخبة والمواطنين حيث يواجه الشباب المغربي صعوبة في شراء سكن محلي بسبب الاسعار المرتفعة بينما يبني الوزراء امپراتوريات خارجية. على سبيل المثال في مدينة الرباط ارتفع سعر المتر المربع بنسبة 40٪ خلال السنوات الخمس الاخيرة بينما شهدت تسريبات جباروت كشف عن مئات الصفقات الخارجية لمسؤولين يمتلكون ممتلكات داخلية بقيمة ضئيلة مقارنة بثرواتهم الخارجية. هذا التناقض دفع الى احتجاجات من جيل زد الذي طالب بتجميد صفقات مثيرة للجدل مرتبطة بوزراء مثل وهبي والمنصوري مما اضطر الحكومة الى وقف بعض العقود مؤقتا.علاوة على ذلك امتدت التسريبات الى نزع ملكيات عقارية لمسؤولين ودبلوماسيين استعدادا لكاس العالم 2030 حيث قررت السلطات في اغسطس 2025 نزع ممتلكات من اكثر من 50 شخصا بارزا بما في ذلك وزراء سابقون لضمان الشفافية في المشاريع الكبرى. هذه الخطوة رغم تأخرها تشير الى ضغط داخلي ودولي لمكافحة الفساد خاصة مع اقتراب الفعاليات الدولية التي قد تكشف المزيد من الثغرات. ومع ذلك يظل السؤال قائما حول مصير هذه التحقيقات ومدى قدرتها على استعادة الاموال المفقودة التي تقدر بنحو 20 مليار دولار منذ بداية القرن الحادي والعشرين.في سياق تاريخي اكثر عمقا يمكن ربط هذه الظاهرة بتقاليد قديمة تعود الى عهد الحسن الثاني حيث كان الوزراء يستثمرون في فرنسا كملاذ آمن ضد التقلبات السياسية. لكن مع التحولات الاقتصادية في العقد الاول من القرن الحادي والعشرين ازدادت الكميات الهائلة من الاموال المحولة عبر شبكات دولية تشمل بنوك سويسرية وشركات في جزر الكاريبي. تقارير منظمة الشفافية الدولية لعام 2024 وضعت المغرب في المرتبة 75 عالميا في مؤشر الفساد مما يعكس استمرار هذه الممارسات رغم الوعود الانتخابية. وفي السنوات الاخيرة ساهمت التسريبات مثل تلك الخاصة بجباروت في تعزيز الوعي العام ودفع الاحزاب المعارضة مثل الحزب المغربي الحر الى تقديم شكاوى قضائية ضد وزراء مثل وهبي.الخاتمةفي الختام تمثل ظاهرة شراء مئات الوزراء المغاربة للعقارات في الخارج تحديا جذريا للمصداقية السياسية والعدالة الاجتماعية. من خلال الاسماء البارزة مثل ناصر بوريطة وليلى بنعلي وعبد اللطيف وهبي وفاطمة الزهراء المنصوري وعزيز اخنوش تتجلى شبكة الفساد التي تهدد استقرار البلاد وتفاقم الفقر. هذه الفضائح ليست مجرد قصص فردية بل انعكاس لنظام يفتقر الى الرقابة الفعالة مما يستدعي اصلاحات جذرية تشمل تعزيز التصريحات المالية وتشديد العقوبات على التحويلات غير الشرعية. يجب على الحكومة الاستجابة لصوت الشعب من خلال تحقيقات شفافة واستعادة الاموال المسروقة لاعادة بناء الثقة. في نهاية المطاف لا يمكن للمغرب التقدم دون مكافحة هذه التناقضات التي تحول دون تحقيق العدالة والمساواة للجميع.