فساد الإسكان: هدم بيوت الفقراء وتسريبات جبروت عن المنصوري
فساد في أروقة الإسكان: بين هدم بيوت الفقراء وتسريبات الجبروت.. قصة وزارة تُشرّد وتُسرق
المقدمة: الإسكان.. حلم المغاربة أم كابوس السلطة؟في المغرب، يُعد الإسكان واحداً من أكبر التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه المجتمع. مع تزايد الطلب على السكن بسبب النمو السكاني السريع والتحضر غير المنظم، أصبحت وزارة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، المسؤولة عن هذا الملف، محوراً للجدل الدائم. منذ تأسيسها في شكلها الحالي عام 2011، تهدف الوزارة إلى تحقيق "السكن الاجتماعي" و"المدن الجديدة"، لكن الواقع يروي قصة أخرى: قصة اختلالات إدارية، سرقات مالية، وهدم لمئات البيوت الفقيرة بحجج قانونية مشبوهة، تليها تعويضات زهيدة تُقدّر حسب تقديرات الوزارة نفسها، دون مراعاة للحقوق الإنسانية. وفي السنوات الأخيرة، برزت قضايا التعدي على الأراضي العمومية والخاصة، حيث يُتهم مسؤولو الوزارة بالتواطؤ مع رجال أعمال للاستيلاء على أراضٍ استراتيجية، مما يُعمق الفجوة بين الغني والفقير.هذا المقال يغوص في أعماق هذه الوزارة، مستعرضاً اختلالاتها وسرقاتها، مع التركيز الخاص على حالات هدم بيوت الفقراء، التعويضات غير العادلة، والترامي على الأراضي. كما سنركز على شخصية الوزيرة الحالية، فاطمة الزهراء المنصوري، التي أصبحت رمزاً لهذه الفضائح بعد تسريبات "جبروت" الأخيرة في يوليو 2025، والتي كشفت عن تورطها المزعوم في استغلال النفوذ وبيع أراضٍ غير قانوني. هذه التسريبات ليست مجرد وثائق رقمية، بل هي صرخة لملايين المغاربة الذين يرون في الإسكان ليس حلماً، بل كابوساً يُدار بيد سلطة غير شفافة.تاريخ الاختلالات: من الوعود إلى السرقاتبدأت وزارة الإسكان في المغرب مسيرتها بطموحات كبيرة. في عهد الحكومة السابقة، أطلق الملك محمد السادس برامج مثل "السكن الاجتماعي" الذي يهدف إلى بناء مليون وحدة سكنية بين 2018 و2023، مع تركيز على الفئات الفقيرة. لكن التنفيذ سرعان ما كشف عن ثغرات هائلة. وفقاً لتقارير منظمة الشفافية الدولية، يُصنّف المغرب في مرتبة 73 عالمياً في مؤشر مكافحة الفساد (2024)، ويُعد قطاع الإسكان واحداً من أكثر القطاعات فساداً، حيث تُقدر الخسائر الناتجة عن الرشاوى والتلاعب في العقود بمليارات الدراهم سنوياً.السرقات في الوزارة تأخذ أشكالاً متعددة. أولها، التلاعب في توزيع الرخص البنائية. في ضواحي المدن الكبرى مثل الدار البيضاء والرباط، يُشترى الرخص مقابل مبالغ تصل إلى مئات الآلاف من الدراهم، مما يحرُم الفقراء من فرصة السكن الشرعي. ثانياً، الاختلالات في العقود مع الشركات الخاصة؛ حيث تُمنح عقود بناء المدن الجديدة لشركات مقربة من السلطة، مقابل عمولات سرية. على سبيل المثال، في مشروع "طنجة تيك"، اكتشفت لجنة رقابة برلمانية عام 2023 اختلاساً بقيمة 500 مليون درهم، ناتجاً عن تضخيم التكاليف.أما الترامي على الأراضي، فهو الجريمة الأكبر. الأراضي العمومية، التي يُفترض أنها مخصصة للمشاريع الاجتماعية، تُباع سراً للمستثمرين الأجانب أو الرجال الأعمال المغاربة. في إقليم الحسيمة، على سبيل المثال، أدى التعدي على أراضي الدولة إلى فقدان آلاف الهكتارات بين 2020 و2025، وفقاً لتقرير الرابطة المغربية لحقوق الإنسان. هذا الترامي ليس عشوائياً؛ إنه جزء من سياسة تُفضّل المصالح الخاصة على الحقوق العامة، حيث يُستخدم نفوذ الوزارة لتغطية الصفقات غير القانونية.هدم بيوت الفقراء: حجج قانونية وتعويضات زهيدةربما أكثر ما يثير الغضب هو حملات الهدم المنهجية لبيوت الفقراء. تحت شعار "محاربة البناء العشوائي"، تقوم السلطات بتفكيك آلاف المنازل في الأحياء الشعبية، تاركة آلاف الأسر في الشارع. في مارس 2025، شهد حي المحيط بالرباط هدماً جماعياً لأكثر من 200 منزل، دون إنذار مسبق، بحجة أنها "غير مرخصة". الساكنة، التي عاشت هناك لعقود، وجدت نفسها أمام جرافات الدولة، بينما يُقدّر التعويض حسب "تقديرات الوزارة"، التي غالباً ما تكون أقل بكثير من القيمة الحقيقية.في إقليم الدريوش، في فبراير 2025، هُدِم منزل أسرة كاملة دون سابق إنذار، وكان التعويض المقدّم 50 ألف درهم فقط، مقابل منزل بني بعرق الجبين على مدى 20 عاماً. تقرير للرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان كشف أن هذه العمليات "تُبرر بمحاربة البناء غير المرخص، لكنها في الواقع تخدم مصالح مجهولة للمضاربة العقارية الجشعة". التعويضات، التي تُحدّد من قبل لجان تابعة للوزارة، تُقيّم الممتلكات بأسعار زهيدة، غالباً ما تكون أقل من 20% من السوق، مما يدفع المتضررين إلى الاحتجاج. في سبتمبر 2025، اندلعت احتجاجات شعبية في ضواحي المدن الكبرى ضد هذه الحملات، حيث وُصِفَت بـ"التشريد الممنهج".هذه الهدمات ليست مجرد إجراءات إدارية؛ إنها انتهاكات لحقوق الإنسان. منظمة العفو الدولية وصفتها في تقريرها لعام 2024 بأنها "تهجير قسري مقنّع"، حيث يُستخدم القانون كغطاء لإفساح المجال لمشاريع تجارية. في الرباط، على سبيل المثال، أدى هدم الأحياء الشعبية إلى بناء مجمعات سكنية فاخرة للطبقة المتوسطة، بينما يتسول الفقراء في الشوارع. التعويضات الزائفة تُدفع بعد شهور أو سنوات، وغالباً ما تُصادر بسبب "أخطاء إدارية"، كما حدث في قضية تعويضات بمئات الملايين التي خسرتها الدولة أمام المحاكم بسبب تلاعب موظفي الوزارة.الترامي على الأراضي: سرقة المستقبلالترامي على الأراضي هو الوجه الآخر لعملة الفساد في الوزارة. في المغرب، تمتلك الدولة ملايين الهكتارات من الأراضي العمومية، لكن السنوات الأخيرة شهدت موجة من التعديات المنظمة. في المناطق الريفية، يقوم مسؤولو محليون بتوزيع أراضٍ على أقاربهم تحت غطاء "الاستثمار الزراعي"، بينما في المدن، تُباع الأراضي الساحلية لشركات سياحية أجنبية مقابل عمولات. تقرير هسبريس في سبتمبر 2025 كشف أن هدم البناء العشوائي في ضواحي المدن "يفضح متلاعبين برخص السكن"، حيث يُستخدم الهدم كذريعة للاستيلاء على الأراضي الشعبية.في إقليم وجدة، على سبيل المثال، أدى ترامي على أراضي الدولة إلى فقدان 10 آلاف هكتار بين 2022 و2025، مما أثر على آلاف الفلاحين الفقراء. الوزارة، بدلاً من حماية هذه الأراضي، تُغطّي العملية بقرارات إدارية سريعة، وتُقدّم تعويضات رمزية لا تكفي لإعادة الإعمار. هذا الترامي ليس فردياً؛ إنه نظامي، يشمل شبكة من الموظفين والمستثمرين، ويُغذّيه غياب الرقابة الحقيقية.
فاطمة الزهراء المنصوري: من الوعود إلى التسريباتفي قلب هذه الفضائح تقف فاطمة الزهراء المنصوري، الوزيرة الحالية لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة منذ عام 2021. مهندسة معمارية خريجة الجامعة المغربية، بدأت مسيرتها السياسية في حزب الاستقلال، ثم انتقلت إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، قبل أن تُعيَّنَ في الحكومة برئاسة عزيز أخنوش. في البداية، رُحِّبَ بها كامرأة قوية تهدف إلى "إصلاح قطاع الإسكان"، لكن سرعان ما تحولت إلى هدف للانتقادات بسبب سياساتها.تحت إدارتها، شهدت الوزارة زيادة في حملات الهدم، مع تركيز على "المدن الذكية" التي تفيد الطبقة الغنية. في مقابلة تلفزيونية في أكتوبر 2025، واجهت المنصوري صحفياً بأسئلة محرجة حول هذه الحملات، حيث اتهمتها بـ"التساهل مع الفساد". لكن الضربة القاضية جاءت مع تسريبات "جبروت" في يوليو 2025."جبروت" هي مجموعة هاكرز مغربية، معروفة بتسريباتها الرقمية التي تكشف فساداً في الدولة. في 14 يوليو 2025، نشرت "جبروت" سلسلة وثائق وتسجيلات تُظهر "الفساد المالي" المرتبط بالمنصوري، بما في ذلك تورطها مع عمدة مراكش في استغلال النفوذ لبيع أراضٍ غير قانونية منذ يناير 2025. الوثائق تشمل رسائل إلكترونية وصفقات عقارية، حيث يُزعم أن المنصوري سمحت ببيع أراضٍ عمومية في مراكش مقابل مكاسب شخصية، بالإضافة إلى ممتلكات غير مُصرَّح بها. كما ذُكِرَ تورطها في قضايا مشابهة مع وزير العدل عبد اللطيف وهبي، حيث هددت "جبروت" بنشر المزيد إذا لم يُحاكَمَ الفاسدون.في رد فعلها، نفت المنصوري كل الاتهامات في بيان رسمي يوم 24 يوليو 2025، معتبرة التسريبات "حملة مغرضة للإساءة والتشهير بها وبعائلتها". أكدت أن ممتلكاتها "شريفة ومُصرَّح بها منذ 2009"، وأن مصدر الثروة "عرق جبينها"، مشيرة إلى أن التسريبات "مصدرها خارجي وتستهدف أي مواطن نزيه". كما هددت بلجوء إلى القضاء، ووصفت "جبروت" بأنها "مجموعة إجرامية". في مقابلة مع موقع "گود"، قدمت وثائق تثبت شرعية ممتلكاتها، لكن الرأي العام يظل متشككاً، خاصة مع تكرار الحملات الهدمية تحت إشرافها.التسريبات أثارت صدمة واسعة، حيث وُصِفَت بأنها "موجة من الصدمة والتساؤل" في الرأي العام المغربي. في وسائل التواصل، انتشرت منشورات تتهم المنصوري بالتواطؤ في "الفساد العقاري"، مع روابط بين تسريبات "جبروت" وفضائح أخرى مثل "بيغ موك". حتى الآن، لم تُحَقَّقْ الوثائق رسمياً، لكنها كشفت عن ثغرات في الشفافية داخل الوزارة.الخاتمة: نحو إصلاح أم استمرار للكابوس؟في النهاية، تُمثّل وزارة الإسكان مرآة لفساد النظام المغربي: بين سرقات مالية وهدم بيوت الفقراء بحجج واهية، تعويضات زهيدة، وترامي على الأراضي، يعيش الملايين في خوف من فقدان مأواهم. فاطمة الزهراء المنصوري، كرمز لهذه الفترة، تواجه اتهامات تسريبات "جبروت" التي قد تكون مفتاحاً للكشف عن شبكات أكبر. هل ستُحَقَّقْ هذه التسريبات، أم ستُدفن تحت غطاء "الحملات المغرضة"؟ الإجابة تكمن في إرادة الدولة للإصلاح الحقيقي، بعيداً عن الوعود الجوفاء. المغاربة يطالبون بسكن كريم، لا بكابوس يُدار بيد الفاسدين. إن لم يتغيّر الواقع، فإن الغضب الشعبي سيظل ينمو، مطالبًا بالعدالة.
فاطمة الزهراء المنصوري: من الوعود إلى التسريباتفي قلب هذه الفضائح تقف فاطمة الزهراء المنصوري، الوزيرة الحالية لإعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة منذ عام 2021. مهندسة معمارية خريجة الجامعة المغربية، بدأت مسيرتها السياسية في حزب الاستقلال، ثم انتقلت إلى حزب التجمع الوطني للأحرار، قبل أن تُعيَّنَ في الحكومة برئاسة عزيز أخنوش. في البداية، رُحِّبَ بها كامرأة قوية تهدف إلى "إصلاح قطاع الإسكان"، لكن سرعان ما تحولت إلى هدف للانتقادات بسبب سياساتها.تحت إدارتها، شهدت الوزارة زيادة في حملات الهدم، مع تركيز على "المدن الذكية" التي تفيد الطبقة الغنية. في مقابلة تلفزيونية في أكتوبر 2025، واجهت المنصوري صحفياً بأسئلة محرجة حول هذه الحملات، حيث اتهمتها بـ"التساهل مع الفساد". لكن الضربة القاضية جاءت مع تسريبات "جبروت" في يوليو 2025."جبروت" هي مجموعة هاكرز مغربية، معروفة بتسريباتها الرقمية التي تكشف فساداً في الدولة. في 14 يوليو 2025، نشرت "جبروت" سلسلة وثائق وتسجيلات تُظهر "الفساد المالي" المرتبط بالمنصوري، بما في ذلك تورطها مع عمدة مراكش في استغلال النفوذ لبيع أراضٍ غير قانونية منذ يناير 2025. الوثائق تشمل رسائل إلكترونية وصفقات عقارية، حيث يُزعم أن المنصوري سمحت ببيع أراضٍ عمومية في مراكش مقابل مكاسب شخصية، بالإضافة إلى ممتلكات غير مُصرَّح بها. كما ذُكِرَ تورطها في قضايا مشابهة مع وزير العدل عبد اللطيف وهبي، حيث هددت "جبروت" بنشر المزيد إذا لم يُحاكَمَ الفاسدون.في رد فعلها، نفت المنصوري كل الاتهامات في بيان رسمي يوم 24 يوليو 2025، معتبرة التسريبات "حملة مغرضة للإساءة والتشهير بها وبعائلتها". أكدت أن ممتلكاتها "شريفة ومُصرَّح بها منذ 2009"، وأن مصدر الثروة "عرق جبينها"، مشيرة إلى أن التسريبات "مصدرها خارجي وتستهدف أي مواطن نزيه". كما هددت بلجوء إلى القضاء، ووصفت "جبروت" بأنها "مجموعة إجرامية". في مقابلة مع موقع "گود"، قدمت وثائق تثبت شرعية ممتلكاتها، لكن الرأي العام يظل متشككاً، خاصة مع تكرار الحملات الهدمية تحت إشرافها.التسريبات أثارت صدمة واسعة، حيث وُصِفَت بأنها "موجة من الصدمة والتساؤل" في الرأي العام المغربي. في وسائل التواصل، انتشرت منشورات تتهم المنصوري بالتواطؤ في "الفساد العقاري"، مع روابط بين تسريبات "جبروت" وفضائح أخرى مثل "بيغ موك". حتى الآن، لم تُحَقَّقْ الوثائق رسمياً، لكنها كشفت عن ثغرات في الشفافية داخل الوزارة.الخاتمة: نحو إصلاح أم استمرار للكابوس؟في النهاية، تُمثّل وزارة الإسكان مرآة لفساد النظام المغربي: بين سرقات مالية وهدم بيوت الفقراء بحجج واهية، تعويضات زهيدة، وترامي على الأراضي، يعيش الملايين في خوف من فقدان مأواهم. فاطمة الزهراء المنصوري، كرمز لهذه الفترة، تواجه اتهامات تسريبات "جبروت" التي قد تكون مفتاحاً للكشف عن شبكات أكبر. هل ستُحَقَّقْ هذه التسريبات، أم ستُدفن تحت غطاء "الحملات المغرضة"؟ الإجابة تكمن في إرادة الدولة للإصلاح الحقيقي، بعيداً عن الوعود الجوفاء. المغاربة يطالبون بسكن كريم، لا بكابوس يُدار بيد الفاسدين. إن لم يتغيّر الواقع، فإن الغضب الشعبي سيظل ينمو، مطالبًا بالعدالة.