قرار عمدة طنجة يثير الجدل: دعم أوغندا قبل إصلاح مستشفيات المدينة
الاختلاف في الأولويات: تمويل مستشفى في أوغندا وسط أزمة الصحة والتعليم في المغرب
مقدمة
في أكتوبر 2025، يعيش المغرب لحظة تاريخية من التوتر الاجتماعي، حيث يتردد صدى الاحتجاجات في الشوارع والساحات العامة، مطالبة بإصلاحات جذرية في قطاعي الصحة والتعليم. هذه الاحتجاجات، التي اندلعت في أغسطس الماضي في مدينة أكادير بعد سلسلة وفيات مأساوية لنساء حوامل في مستشفى الحسن الثاني، سرعان ما امتدت إلى مدن أخرى مثل الرباط، الدار البيضاء، طنجة، وجدة، وبني ملال. الشعارات التي يرفعها المتظاهرون، معظمهم من جيل الشباب "جيل زد 212"، تكشف عن عمق الإحباط: "الصحة والتعليم أولاً"، و"مابقيناش كأس العالم"، في إشارة إلى التركيز الحكومي على إعداد البلاد لاستضافة كأس العالم 2030 على حساب الاحتياجات الأساسية. في هذا السياق المتوتر، يأتي قرار المجلس الجماعي لطنجة، برئاسة العمدة منير ليموري، بتخصيص دعم مالي قدره 1.2 مليون درهم لتجهيز مستشفى في منطقة إيسينغيرو بأوغندا، ليثير موجة من الغضب والجدل. هذا القرار، الذي أعلن في 29 سبتمبر 2025، يُنظر إليه كرمز لاختلال الأولويات، حيث يُخصص المال لدعم دولي بينما تعاني مستشفيات طنجة نفسها من نقص حاد في التجهيزات والأدوية، وتستمر الاحتجاجات في المدينة ضد تدهور الخدمات الصحية.
عرض
لنعد إلى جذور الأزمة. الاحتجاجات في المغرب ليست حدثاً مفاجئاً، بل هي نتاج تراكم سنوات من الإهمال النظامي في القطاعين الاجتماعيين الأساسيين. في قطاع الصحة، تكشف الإحصاءات الرسمية عن واقع قاتم: ميزانية الصحة لسنة 2025، التي تبلغ حوالي 118 مليار درهم مشتركة مع التعليم، لا تكفي لمواجهة الإكتظاظ الشديد في المستشفيات. مستشفى الحسن الثاني في أكادير، على سبيل المثال، شهد وفاة ثماني نساء حوامل في أقل من أسبوعين، بسبب نقص الأجهزة الطبية المتقدمة، وغياب الإجراءات الوقائية الأساسية، وتأخر الاستجابة الطبية. هذه الحوادث لم تكن معزولة؛ ففي الدار البيضاء، يعاني مستشفى 20 أغسطس من تدفق يومي يفوق طاقته الاستيعابية بأضعاف، مما يؤدي إلى تأجيل العمليات الجراحية وانتشار الأمراض المعدية. أما في طنجة، فالمستشفى الجامعي الذي استثمر فيه البلد 2.33 مليار درهم، يبدو اليوم كمبنى مهجور، مع جدران متشققة، وأقسام طوارئ تعج بالمرضى دون أدوية كافية، كما تظهر الصور المسربة والشهادات الشخصية للمواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي.في قطاع التعليم، الوضع لا يقل سوءاً. المدارس العمومية تعاني من نقص المعلمين، وانخفاض جودة البرامج التعليمية، و"فقدان البوصلة" كما وصفه خبراء في تقارير الجزيرة نت وفرانس 24. آلاف الطلاب يتركون المقاعد الدراسية سنوياً بسبب الإغلاقات المتكررة للمدارس الريفية، أو بسبب عدم توفر الكتب والأدوات التعليمية. الاحتجاجات، التي بدأت سلمية، تحولت إلى وقفات واسعة، مع توقيف عشرات النشطاء وتدخلات أمنية قوية لتفريق المتظاهرين. الحكومة ردت بإعلان ميزانية طارئة قدرها 200 مليون درهم لأكادير، وإعفاء بعض المسؤولين عن مناصبهم، لكن هذه الإجراءات اعتُبرت شكلية، إذ استمرت الاحتجاجات حتى 2 أكتوبر 2025، مطالبة بزيادة حقيقية في الميزانيات وإصلاحات هيكلية.
في خضم هذا الغليان، يبرز قرار عمدة طنجة كقطرة الماء التي أغرقت الكوب. المجلس الجماعي لطنجة، الذي يرأسه منير ليموري، قرر تخصيص 1.2 مليون درهم من "الصندوق لدعم التعاون اللامركزي الدولي" لبناء وتجهيز مستشفى متعدد التخصصات في إيسينغيرو، أوغندا. هذا المبلغ، الذي يُقابل 120 ألف درهم مغربي تقريباً (وليس 120 مليون كما انتشر خطأً في بعض المنشورات)، سيُعرض للتصديق في دورة أكتوبر 2025. القرار، الذي يُقدم كمبادرة تضامنية دولية، يأتي في وقت تُظهر فيه تقارير هسبريس وديتا فور أن مستشفيات طنجة تعاني من "أوضاع متردية"، مع احتجاجات يومية ضد نقص التجهيزات. على إكس (تويتر سابقاً)، انتشرت تعليقات مثل: "عمدة طنجة يمول مستشفى بأوغندا ويتجاهل مستشفيات مدينته"، مصحوبة بصور وفيديوهات تكشف عن الإهمال. موقع "ديتا فور" نشر تقريراً بعنوان "أوغندا قبل طنجة"، يصف القرار بأنه "استغراب واسع"، مشيراً إلى أن هذا الدعم يأتي وسط معاناة السكان المحليين من أمراض مزمنة غير معالجة بسبب نقص الأدوية.لم يصدر تعليقاً رسمياً من العمدة ليموري حتى الآن، لكن المجلس يبرر القرار كجزء من التعاون الدولي، الذي يُعتبر أداة لتعزيز صورة المغرب كدولة مسؤولة عالمياً. ومع ذلك، يواجه اتهامات بـ"التجاهل المحلي"، خاصة مع ميزانية الصحة الوطنية التي لا تغطي الاحتياجات الأساسية. الضغط الشعبي يتزايد، مع استمرار الاحتجاجات، ويُخشى أن يؤدي هذا القرار إلى تصعيد أكبر في طنجة، المدينة التي شهدت بالفعل تدخلات أمنية قوية لتفريق المتظاهرين.
هذا القرار ليس معزولاً؛ إنه يعكس نمطاً أوسع في سياسات المسؤولين المغاربة، حيث يُفضل التمويل الخارجي أو المشاريع الدولية على الاحتياجات المحلية، خاصة أثناء الأزمات. على سبيل المثال، في 2016، أثار مشروع محطة "نور" للطاقة الشمسية في ورزازات جدلاً مشابهاً. هذا المشروع، الذي يُعد أكبر محطة طاقة شمسية مركزة في العالم، جذب مليارات الدولارات من تمويل أوروبي (من ألمانيا وإسبانيا وفرنسا، بالإضافة إلى بنك الاستثمار الأوروبي)، لكنه جاء على حساب حقوق السكان المحليين. غُطيت أكثر من 3000 هكتار من الأراضي الزراعية والرعوية، مما أدى إلى نزوح مجتمعات ريفية دون تعويض كافٍ، وانتهاكات لحقوق العمال في ظروف عمل قاسية. تقرير صادر عن معهد وبرتال في 2019 كشف أن عمليات التشاور مع السكان كانت شكلية، وأن الفوائد الاقتصادية لم تصل إلى المجتمعات المحلية، بينما استُثمر في تكنولوجيا متقدمة تخدم مصالح الدول المانحة أكثر من الاحتياجات المغربية. هذا المشروع، الذي يُقدم كرمز للانتقال الطاقي، أثار احتجاجات محلية مكتومة، وكشف عن كيفية أن التمويل الخارجي يُستخدم لتعزيز الشراكات الدولية على حساب التنمية المستدامة المحلية، خاصة في ظل أزمات مائية وزراعية تعصف بالمنطقة.مثال آخر يتعلق بقرارات التمويل في إطار التعاون اللامركزي، كما حدث في 2021 مع مبادرات اللامركزية المغربية. في إطار الرؤية الجديدة للتنمية، أطلقت الحكومة برامج لدعم مشاريع دولية، لكن تقارير المجلس الأعلى للحسابات (في 2019 و2023) كشفت عن خروقات في إدارة هذه الأموال، حيث تم تخصيص ملايين الدراهم لمشاريع في إفريقيا جنوب الصحراء دون تقييم كافٍ للأثر المحلي. على سبيل المثال، في مدينة مراكش، أُنفقت أموال جماعية على دعم مشاريع تعليمية في دول إفريقية، بينما تعاني مدارس مراكش من نقص في الكراسي والكتب. هذه القرارات، التي تُبرر بالتضامن الإفريقي، أدت إلى أحكام تأديبية ضد مسؤولين، كما أصدر المجلس الأعلى للحسابات قرارات في حق مسؤولين بسبب سوء إدارة ميزانيات الجماعات، حيث تم التركيز على المشاريع الخارجية أثناء أزمات محلية مثل جائحة كوفيد-19.
في سياق أوسع، يُظهر نموذج التنمية الجديد (NMD) لسنة 2021، الذي أطلقه الملك محمد السادس، تناقضات مشابهة. هذا النموذج يهدف إلى تعزيز اللامركزية والشراكات الدولية، لكنه يواجه انتقادات من منظمات مثل المركز الوطني لحقوق الإنسان (CNDH)، التي أكدت في مذكرتها لعام 2020 أن التنمية يجب أن تبدأ بالحقوق الأساسية محلياً. بدلاً من ذلك، شهدنا زيادة في التمويلات لمشاريع خارجية، مثل تلك المتعلقة بـ"صندوق الاستثمار الأفريقي"، حيث استثمر المغرب مليارات الدراهم في بنوك وطاقة إفريقية، بينما يعاني الشباب المغربي من بطالة تصل إلى 13%، وفقاً لتقارير البنك الدولي لعام 2024. هذه السياسات تُغذي شعوراً بالظلم، حيث يُرى فيها تفضيل "الصورة الدولية" على الواقع المعيشي.التأثير الاجتماعي لهذه القرارات يتجاوز الجدل الفوري؛ إنه يعمق الشقة بين الدولة والمواطن. في طنجة، على سبيل المثال، أدى القرار إلى حملات على وسائل التواصل، حيث يشارك المواطنون قصصاً شخصية عن معاناتهم الصحية، مثل تأجيل عمليات جراحية بسبب نقص الأجهزة، مقابل دعم مستشفى أوغندي. هذا الغضب يعكس أزمة ثقة أعمق، حيث يشعر الشباب أن أصواتهم لا تُسمع، وأن الإصلاحات الرسمية مجرد وعد فارغ. الاحتجاجات، التي بدأت في أكادير، أصبحت اليوم حركة وطنية، تطالب بميزانية صحة تصل إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يوصي منظمة الصحة العالمية، وببرامج تعليمية تضمن فرص عمل حقيقية.
من الناحية الاقتصادية، يُثير القرار تساؤلات حول كفاءة الإنفاق العمومي. ميزانية 2025، التي زادت بنسبة 13% لتصل إلى 73 مليار دولار، تركز على مشاريع كبرى مثل كأس العالم، لكنها تفتقر إلى تخصيصات كافية للقطاعات الاجتماعية. تقارير الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي تشير إلى أن المغرب يحقق نمواً بنسبة 3.2% في 2024 رغم الجفاف، لكنه يعاني من عدم مساواة إقليمية، حيث تتركز الاستثمارات في المدن الكبرى، بينما تهمل المناطق الريفية والحدودية. في الشرق المغربي، على سبيل المثال، يواجه السكان تحديات المناخ وأمن الحدود مع الجزائر، مع مشاريع تمويل خارجي لا تلبي احتياجاتهم المحلية، كما يصف تقرير كارنيغي لعام 2025.
خاتمة
للتغلب على هذه الأزمة، يحتاج المغرب إلى إعادة ترتيب الأولويات. يجب أن يبدأ التعاون الدولي بالداخل: ربط التمويلات الخارجية بمشاريع محلية، مثل تجهيز مستشفيات طنجة قبل أي دعم خارجي. كما يتطلب الأمر مشاركة المواطنين في صنع القرارات، عبر استشارات حقيقية، لتجنب الشعور بالإقصاء. في الختام، قرار عمدة طنجة ليس مجرد خطأ إداري؛ إنه مرآة لتحديات أكبر تواجه المغرب في توازن بين الطموح الدولي والعدالة الاجتماعية. إذا لم تُسمع أصوات الاحتجاجات، فقد تتحول إلى حركة تغيير جذري، تُعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والشعب. الوقت ليس للكلام، بل للعمل: الصحة والتعليم ليسا رفاهية، بل حق أساسي يجب أن يسبق أي تضامن خارجي.
في أكتوبر 2025، يعيش المغرب لحظة تاريخية من التوتر الاجتماعي، حيث يتردد صدى الاحتجاجات في الشوارع والساحات العامة، مطالبة بإصلاحات جذرية في قطاعي الصحة والتعليم. هذه الاحتجاجات، التي اندلعت في أغسطس الماضي في مدينة أكادير بعد سلسلة وفيات مأساوية لنساء حوامل في مستشفى الحسن الثاني، سرعان ما امتدت إلى مدن أخرى مثل الرباط، الدار البيضاء، طنجة، وجدة، وبني ملال. الشعارات التي يرفعها المتظاهرون، معظمهم من جيل الشباب "جيل زد 212"، تكشف عن عمق الإحباط: "الصحة والتعليم أولاً"، و"مابقيناش كأس العالم"، في إشارة إلى التركيز الحكومي على إعداد البلاد لاستضافة كأس العالم 2030 على حساب الاحتياجات الأساسية. في هذا السياق المتوتر، يأتي قرار المجلس الجماعي لطنجة، برئاسة العمدة منير ليموري، بتخصيص دعم مالي قدره 1.2 مليون درهم لتجهيز مستشفى في منطقة إيسينغيرو بأوغندا، ليثير موجة من الغضب والجدل. هذا القرار، الذي أعلن في 29 سبتمبر 2025، يُنظر إليه كرمز لاختلال الأولويات، حيث يُخصص المال لدعم دولي بينما تعاني مستشفيات طنجة نفسها من نقص حاد في التجهيزات والأدوية، وتستمر الاحتجاجات في المدينة ضد تدهور الخدمات الصحية.
عرض
لنعد إلى جذور الأزمة. الاحتجاجات في المغرب ليست حدثاً مفاجئاً، بل هي نتاج تراكم سنوات من الإهمال النظامي في القطاعين الاجتماعيين الأساسيين. في قطاع الصحة، تكشف الإحصاءات الرسمية عن واقع قاتم: ميزانية الصحة لسنة 2025، التي تبلغ حوالي 118 مليار درهم مشتركة مع التعليم، لا تكفي لمواجهة الإكتظاظ الشديد في المستشفيات. مستشفى الحسن الثاني في أكادير، على سبيل المثال، شهد وفاة ثماني نساء حوامل في أقل من أسبوعين، بسبب نقص الأجهزة الطبية المتقدمة، وغياب الإجراءات الوقائية الأساسية، وتأخر الاستجابة الطبية. هذه الحوادث لم تكن معزولة؛ ففي الدار البيضاء، يعاني مستشفى 20 أغسطس من تدفق يومي يفوق طاقته الاستيعابية بأضعاف، مما يؤدي إلى تأجيل العمليات الجراحية وانتشار الأمراض المعدية. أما في طنجة، فالمستشفى الجامعي الذي استثمر فيه البلد 2.33 مليار درهم، يبدو اليوم كمبنى مهجور، مع جدران متشققة، وأقسام طوارئ تعج بالمرضى دون أدوية كافية، كما تظهر الصور المسربة والشهادات الشخصية للمواطنين على وسائل التواصل الاجتماعي.في قطاع التعليم، الوضع لا يقل سوءاً. المدارس العمومية تعاني من نقص المعلمين، وانخفاض جودة البرامج التعليمية، و"فقدان البوصلة" كما وصفه خبراء في تقارير الجزيرة نت وفرانس 24. آلاف الطلاب يتركون المقاعد الدراسية سنوياً بسبب الإغلاقات المتكررة للمدارس الريفية، أو بسبب عدم توفر الكتب والأدوات التعليمية. الاحتجاجات، التي بدأت سلمية، تحولت إلى وقفات واسعة، مع توقيف عشرات النشطاء وتدخلات أمنية قوية لتفريق المتظاهرين. الحكومة ردت بإعلان ميزانية طارئة قدرها 200 مليون درهم لأكادير، وإعفاء بعض المسؤولين عن مناصبهم، لكن هذه الإجراءات اعتُبرت شكلية، إذ استمرت الاحتجاجات حتى 2 أكتوبر 2025، مطالبة بزيادة حقيقية في الميزانيات وإصلاحات هيكلية.
في خضم هذا الغليان، يبرز قرار عمدة طنجة كقطرة الماء التي أغرقت الكوب. المجلس الجماعي لطنجة، الذي يرأسه منير ليموري، قرر تخصيص 1.2 مليون درهم من "الصندوق لدعم التعاون اللامركزي الدولي" لبناء وتجهيز مستشفى متعدد التخصصات في إيسينغيرو، أوغندا. هذا المبلغ، الذي يُقابل 120 ألف درهم مغربي تقريباً (وليس 120 مليون كما انتشر خطأً في بعض المنشورات)، سيُعرض للتصديق في دورة أكتوبر 2025. القرار، الذي يُقدم كمبادرة تضامنية دولية، يأتي في وقت تُظهر فيه تقارير هسبريس وديتا فور أن مستشفيات طنجة تعاني من "أوضاع متردية"، مع احتجاجات يومية ضد نقص التجهيزات. على إكس (تويتر سابقاً)، انتشرت تعليقات مثل: "عمدة طنجة يمول مستشفى بأوغندا ويتجاهل مستشفيات مدينته"، مصحوبة بصور وفيديوهات تكشف عن الإهمال. موقع "ديتا فور" نشر تقريراً بعنوان "أوغندا قبل طنجة"، يصف القرار بأنه "استغراب واسع"، مشيراً إلى أن هذا الدعم يأتي وسط معاناة السكان المحليين من أمراض مزمنة غير معالجة بسبب نقص الأدوية.لم يصدر تعليقاً رسمياً من العمدة ليموري حتى الآن، لكن المجلس يبرر القرار كجزء من التعاون الدولي، الذي يُعتبر أداة لتعزيز صورة المغرب كدولة مسؤولة عالمياً. ومع ذلك، يواجه اتهامات بـ"التجاهل المحلي"، خاصة مع ميزانية الصحة الوطنية التي لا تغطي الاحتياجات الأساسية. الضغط الشعبي يتزايد، مع استمرار الاحتجاجات، ويُخشى أن يؤدي هذا القرار إلى تصعيد أكبر في طنجة، المدينة التي شهدت بالفعل تدخلات أمنية قوية لتفريق المتظاهرين.
هذا القرار ليس معزولاً؛ إنه يعكس نمطاً أوسع في سياسات المسؤولين المغاربة، حيث يُفضل التمويل الخارجي أو المشاريع الدولية على الاحتياجات المحلية، خاصة أثناء الأزمات. على سبيل المثال، في 2016، أثار مشروع محطة "نور" للطاقة الشمسية في ورزازات جدلاً مشابهاً. هذا المشروع، الذي يُعد أكبر محطة طاقة شمسية مركزة في العالم، جذب مليارات الدولارات من تمويل أوروبي (من ألمانيا وإسبانيا وفرنسا، بالإضافة إلى بنك الاستثمار الأوروبي)، لكنه جاء على حساب حقوق السكان المحليين. غُطيت أكثر من 3000 هكتار من الأراضي الزراعية والرعوية، مما أدى إلى نزوح مجتمعات ريفية دون تعويض كافٍ، وانتهاكات لحقوق العمال في ظروف عمل قاسية. تقرير صادر عن معهد وبرتال في 2019 كشف أن عمليات التشاور مع السكان كانت شكلية، وأن الفوائد الاقتصادية لم تصل إلى المجتمعات المحلية، بينما استُثمر في تكنولوجيا متقدمة تخدم مصالح الدول المانحة أكثر من الاحتياجات المغربية. هذا المشروع، الذي يُقدم كرمز للانتقال الطاقي، أثار احتجاجات محلية مكتومة، وكشف عن كيفية أن التمويل الخارجي يُستخدم لتعزيز الشراكات الدولية على حساب التنمية المستدامة المحلية، خاصة في ظل أزمات مائية وزراعية تعصف بالمنطقة.مثال آخر يتعلق بقرارات التمويل في إطار التعاون اللامركزي، كما حدث في 2021 مع مبادرات اللامركزية المغربية. في إطار الرؤية الجديدة للتنمية، أطلقت الحكومة برامج لدعم مشاريع دولية، لكن تقارير المجلس الأعلى للحسابات (في 2019 و2023) كشفت عن خروقات في إدارة هذه الأموال، حيث تم تخصيص ملايين الدراهم لمشاريع في إفريقيا جنوب الصحراء دون تقييم كافٍ للأثر المحلي. على سبيل المثال، في مدينة مراكش، أُنفقت أموال جماعية على دعم مشاريع تعليمية في دول إفريقية، بينما تعاني مدارس مراكش من نقص في الكراسي والكتب. هذه القرارات، التي تُبرر بالتضامن الإفريقي، أدت إلى أحكام تأديبية ضد مسؤولين، كما أصدر المجلس الأعلى للحسابات قرارات في حق مسؤولين بسبب سوء إدارة ميزانيات الجماعات، حيث تم التركيز على المشاريع الخارجية أثناء أزمات محلية مثل جائحة كوفيد-19.
في سياق أوسع، يُظهر نموذج التنمية الجديد (NMD) لسنة 2021، الذي أطلقه الملك محمد السادس، تناقضات مشابهة. هذا النموذج يهدف إلى تعزيز اللامركزية والشراكات الدولية، لكنه يواجه انتقادات من منظمات مثل المركز الوطني لحقوق الإنسان (CNDH)، التي أكدت في مذكرتها لعام 2020 أن التنمية يجب أن تبدأ بالحقوق الأساسية محلياً. بدلاً من ذلك، شهدنا زيادة في التمويلات لمشاريع خارجية، مثل تلك المتعلقة بـ"صندوق الاستثمار الأفريقي"، حيث استثمر المغرب مليارات الدراهم في بنوك وطاقة إفريقية، بينما يعاني الشباب المغربي من بطالة تصل إلى 13%، وفقاً لتقارير البنك الدولي لعام 2024. هذه السياسات تُغذي شعوراً بالظلم، حيث يُرى فيها تفضيل "الصورة الدولية" على الواقع المعيشي.التأثير الاجتماعي لهذه القرارات يتجاوز الجدل الفوري؛ إنه يعمق الشقة بين الدولة والمواطن. في طنجة، على سبيل المثال، أدى القرار إلى حملات على وسائل التواصل، حيث يشارك المواطنون قصصاً شخصية عن معاناتهم الصحية، مثل تأجيل عمليات جراحية بسبب نقص الأجهزة، مقابل دعم مستشفى أوغندي. هذا الغضب يعكس أزمة ثقة أعمق، حيث يشعر الشباب أن أصواتهم لا تُسمع، وأن الإصلاحات الرسمية مجرد وعد فارغ. الاحتجاجات، التي بدأت في أكادير، أصبحت اليوم حركة وطنية، تطالب بميزانية صحة تصل إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي، كما يوصي منظمة الصحة العالمية، وببرامج تعليمية تضمن فرص عمل حقيقية.
من الناحية الاقتصادية، يُثير القرار تساؤلات حول كفاءة الإنفاق العمومي. ميزانية 2025، التي زادت بنسبة 13% لتصل إلى 73 مليار دولار، تركز على مشاريع كبرى مثل كأس العالم، لكنها تفتقر إلى تخصيصات كافية للقطاعات الاجتماعية. تقارير الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي تشير إلى أن المغرب يحقق نمواً بنسبة 3.2% في 2024 رغم الجفاف، لكنه يعاني من عدم مساواة إقليمية، حيث تتركز الاستثمارات في المدن الكبرى، بينما تهمل المناطق الريفية والحدودية. في الشرق المغربي، على سبيل المثال، يواجه السكان تحديات المناخ وأمن الحدود مع الجزائر، مع مشاريع تمويل خارجي لا تلبي احتياجاتهم المحلية، كما يصف تقرير كارنيغي لعام 2025.
خاتمة
للتغلب على هذه الأزمة، يحتاج المغرب إلى إعادة ترتيب الأولويات. يجب أن يبدأ التعاون الدولي بالداخل: ربط التمويلات الخارجية بمشاريع محلية، مثل تجهيز مستشفيات طنجة قبل أي دعم خارجي. كما يتطلب الأمر مشاركة المواطنين في صنع القرارات، عبر استشارات حقيقية، لتجنب الشعور بالإقصاء. في الختام، قرار عمدة طنجة ليس مجرد خطأ إداري؛ إنه مرآة لتحديات أكبر تواجه المغرب في توازن بين الطموح الدولي والعدالة الاجتماعية. إذا لم تُسمع أصوات الاحتجاجات، فقد تتحول إلى حركة تغيير جذري، تُعيد تشكيل العلاقة بين الدولة والشعب. الوقت ليس للكلام، بل للعمل: الصحة والتعليم ليسا رفاهية، بل حق أساسي يجب أن يسبق أي تضامن خارجي.