جحيم الصحراء الجزائرية: شهادات الأسرى ومستقبل النزاع على الصحراء الغربية
المحتجزون المغاربة في تيندوف: جحيم الاحتجاز وأمل التحرير
المقدمةفي أعماق الصحراء الجزائرية، حيث تندى الرمال بحرارة الشمس القاسية وتختبئ الرياح العاتية خلف الكثبان الرملية، تقع مخيمات تيندوف، تلك المناطق النائية التي تحولت إلى سجون مفتوحة لعقود من الزمن. هذه المخيمات، التي أقامتها جبهة البوليساريو الانفصالية بدعم جزائري، ليست مجرد ملاذ للاجئين كما يدعي أنصارها، بل هي شاهدة على واحدة من أكثر الانتهاكات الإنسانية إصراراً في تاريخ النزاعات المعاصرة. وفي قلب هذا النزاع، الذي اندلع في السبعينيات من القرن الماضي حول الصحراء الغربية، يقبع عشرات المواطنين المغاربة، الذين أصبحوا أسرى حرب محتجزين منذ أكثر من أربعين عاماً. هم ليسوا مجرد أرقام في سجلات الدبلوماسية، بل أرواح حية تحمل قصصاً من الألم والصمود، تذكرنا بأن النزاعات السياسية لا تُحسم على الطاولات فحسب، بل تُكتب بدماء ومعاناة الأفراد.يعود جذر هذه القضية إلى عام 1975، عندما انسحبت إسبانيا من الصحراء الغربية، مما أدى إلى اندلاع حرب دامت ستة عشر عاماً بين المغرب، الذي يعتبر الصحراء أرضاً مغربية أصيلة، وجبهة البوليساريو، التي تسعى إلى إقامة "جمهورية صحراوية" مستقلة بدعم من الجزائر. خلال هذه الحرب، وقعت معارك شرسة أسفرت عن احتجاز آلاف الأسرى من الجانبين، لكن القدر الأوفر كان للمغاربة. وفقاً لتقارير منظمة الصليب الأحمر الدولي، تجاوز عدد الأسرى المغاربة ألفي وأربعمائة شخص، معظمهم جنود وأفراد من الجيش الملكي الذي دافع عن السيادة المغربية. أُفرج عن معظمهم تدريجياً بحلول عام 2005، بعد تدخلات دولية، إلا أن عشرات منهم بقوا في الظلام، محتجزين في ظروف لا تتوافق مع أبسط معايير حقوق الإنسان. يقدر المغرب عددهم اليوم بحوالي خمسين إلى ستين أسيرًا، بينما ترفض الجزائر والبوليساريو الاعتراف بهم، معتبرة إياهم "مرتزقة" أو "غزاة".تكمن أهمية هذه القضية في كونها ليست مجرد فصل من تاريخ حرب، بل رمزاً للانتهاكات المنهجية التي تستمر حتى اليوم، في 25 أكتوبر 2025. ففي ظل التطورات الدبلوماسية المتسارعة، حيث يدعم المغرب خطة الحكم الذاتي كحل واقعي للنزاع، وتتزايد الاعترافات الدولية بسيادته على الصحراء، يبرز مصير هؤلاء المحتجزين كاختبار حقيقي للمجتمع الدولي. هل ستظل معاناتهم رهينة للصراعات الإقليمية، أم أن قرارات الأمم المتحدة المرتقبة ستفتح أبواب التحرير؟ هذا المقال يغوص في أعماق هذه القضية، مستعرضاً تاريخ الاعتقال، وصفاً للمعاملة القاسية، ومستقبلاً محتملاً يحمل بذور الأمل، مستنداً إلى شهادات الأسرى السابقين، تقارير المنظمات الدولية، والتطورات الأخيرة.العرضجذور الاعتقال: من ساحات الحرب إلى زنازن التيندوفبدأت قصة الاعتقال مع أولى المعارك الدامية في الصحراء. في عام 1979، على سبيل المثال، سقط الجندي المغربي زايد شرفي في قبضة ميليشيات البوليساريو أثناء اشتباكات عنيفة في منطقة لبيرات، إحدى أكبر المعارك في تاريخ النزاع. كان شرفي، الذي كان يدافع عن أرض يعتبرها وطناً، يعيش لحظة الاستسلام تحت الضغط الشديد، ليجد نفسه فجأة في قلب الصحراء الجزائرية، محاطاً بجدران من الرمال والأسلاك الشائكة. لم يكن شرفي وحده؛ فقد أسرت البوليساريو حوالي ألف وسبعمائة وثلاثة وأربعين أسيراً مغربياً في تلك المعركة وحدها، وفقاً لشهادات تاريخية موثقة. هؤلاء الأسرى، الذين كانوا ينتمون إلى طبقات اجتماعية متواضعة، أُجبروا على الاعتراف بـ"غزوهم" للصحراء تحت التعذيب، في تسجيلات تلفزيونية تعتبر اليوم دليلاً على الانتهاكات.مع مرور السنوات، تحولت مخيمات تيندوف إلى نظام احتجاز منظم، يديره قادة البوليساريو بدعم لوجستي من الجزائر. رفضت الجبهة تطبيق اتفاقيات جنيف الخاصة بأسرى الحرب، مما أدى إلى احتجاز طويل الأمد يتجاوز العقود. بحلول التسعينيات، بدأت عمليات الإفراج التدريجي تحت ضغط دولي، لكن القلة الباقية – ربما خمسون شخصاً – أصبحت "النسيان المنظم". يصف تقرير هيومن رايتس ووتش لعام 2008 هذه المخيمات بأنها "مناطق محظورة" حيث يُمنع الوصول إليها، مما يعيق أي تحقيق مستقل. وفي السنوات الأخيرة، مع تزايد الاحتجاجات داخل المخيمات، كشفت جلسات اللجنة الأممية الرابعة في أكتوبر 2025 عن انتهاكات جسيمة، بما في ذلك قمع الأصوات المعارضة واستغلال "اللاجئين" لأغراض سياسية.المعاملة القاسية: جحيم يفوق الوصفإذا كان الاعتقال جريمة بحد ذاته، فإن المعاملة التي يتعرض لها هؤلاء المحتجزون تُعدّ انتهاكاً لكرامة الإنسان الأساسية. شهادات الأسرى السابقين، الذين نجوا من هذا الجحيم، ترسم لوحة مرعبة من التعذيب الجسدي والنفسي. يروي زايد شرفي، في مقابلة مع هسبريس عام 2019، تفاصيل يوم حادي عشر غشت 1979، حيث تعرض للضرب المبرح والحرمان من الطعام لأيام، ثم نقل إلى زنزانة تحت الأرض حيث كان يُجبر على العمل الشاق تحت الشمس الحارقة. "كنا نُعامل كحيوانات، يُشق صدورنا ويُبقر بطوننا، ويُنزع ألسنتنا إذا تكلمنا عن وطننا"، يقول أسير سابق آخر في فيديو يعود إلى عام 2024، مشيراً إلى مشاهد التعذيب السادي بحضور مسؤولين جزائريين. هذه الشهادات ليست استثناء؛ ففيلم الوثائقي "الهاربون من تيندوف"، الذي صدر مؤخراً، يوثق قصص نجاة أسرى هربوا عبر الصحراء، محملين بذكريات التعذيب في "معجزات قسم"، وهي زنازين سرية حيث قضى بعضهم أكثر من عشرين عاماً.لا تقتصر الانتهاكات على التعذيب الجسدي؛ فالسوء التغذوي والحرمان الطبي يُعتبران أدواتاً للكسر النفسي. في يونيو 2025، حذر تحقيق أممي من أزمة سوء تغذية كارثية في المخيمات، حيث يعاني المحتجزون من سوء التغذية الحاد، مما يؤدي إلى أمراض مزمنة دون علاج. منظمة غير حكومية معتمدة لدى الأمم المتحدة أشارت في مارس 2024 إلى أن النساء في المخيمات – بما في ذلك أقارب المحتجزين – يتعرضن للإنجاب القسري والعنف، مما يُفاقم الوضع الإنساني. وفي فبراير 2025، شهدت المخيمات مواجهات عنيفة بين السكان وعناصر البوليساريو، أسفرت عن احتجاجات واسعة تطالب بحرية التنقل والعودة إلى الوطن، كما وثقته تغريدات على منصة إكس (تويتر سابقاً). هذه الاحتجاجات، التي وصفت بـ"الاحتقان المتزايد" في سبتمبر 2025، تكشف عن انهيار النظام الإداري، حيث يُغرق المخيمات بجنسيات أجنبية لتبديد المساعدات الدولية، مما يؤزم معاناة السكان الأصليين والمحتجزين على حد سواء.من الناحية النفسية، يُفرض على الأسرى نظام عزلة كامل، يُمنع فيه الاتصال بالعالم الخارجي. طلبة مغاربة في معهد الدراسات السياسية بباريس فضحوا في فبراير 2022 جرائم التعذيب هذه، مستندين إلى شهادات مباشرة، مما أثار غضباً دولياً. كما أن الجزائر، بتوفير الحصانة للبوليساريو، تتحمل مسؤولية قانونية عن هذه الانتهاكات، بما في ذلك الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي، كما يؤكد تقرير صادر في سبتمبر 2022. هذه المعاملة ليست عشوائية؛ إنها استراتيجية لكسر الروح المغربية، محولة الأسرى إلى أدوات في لعبة سياسية أكبر.التطورات الدولية والمصير المحتمل: بين الضغط والأملمع اقتراب نهاية عام 2025، أصبح مصير هؤلاء المحتجزين محوراً للدبلوماسية المغربية الفعالة. في أكتوبر 2025، استنكر المغرب "الوضع الإنساني الشاذ" في المخيمات أمام المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، مطالبًا بتسجيل فوري للسكان لتحديد هوية المحتجزين وتحريرهم. هذا الطلب ليس جديداً، لكنه يأتي في سياق مسودة قرار مجلس الأمن المسربة في 19 أكتوبر، والتي تمدد ولاية بعثة "المينورسو" حتى 31 يناير 2026، مع دعم واضح للحلول الواقعية مثل الحكم الذاتي. يُرى في هذا القرار إغلاقاً لـ"وهم دولة البوليساريو"، كما وصفته هسبريس، مما قد يؤدي إلى إنهاء "التجارة بمعاناة المحتجزين".لجنة تصفية الاستعمار التابعة للأمم المتحدة اعتمدت في 16 أكتوبر 2025 قراراً يؤكد على المركز القانوني للصحراء، لكنه يفتح الباب للحلول السلمية، مدعوماً بـ102 اعتراف دولي بسيادة المغرب. منشقون عن البوليساريو، مثل أحدهم الذي تحدث في 24 أكتوبر، يرون أن مجلس الأمن يتجه نحو اعتماد الحكم الذاتي كحل نهائي، حتى لو امتد الأمر لسنوات. كما كشفت الأمم المتحدة في 24 أكتوبر لائحة محتملة للعائدين بعد الحكم الذاتي، مما يشير إلى تدخل إماراتي في مجلس الأمن لإغلاق الملف. ومع ذلك، تعترض البوليساريو على المشروع الأمريكي، مهددة بمقاطعة الجلسات، كما أفادت هسبريس في 25 أكتوبر.رغم هذا التقدم، يظل الوضع معلقاً. في أبريل 2025، طالب محتجون في المخيمات بحرية التنقل، مما يعكس تآكل الدعم الداخلي للبوليساريو. تغريدات على إكس تُبرز حملات للعدالة، مثل تلك التي تذكر جرائم التعذيب وتدعو لتحرير الأسرى. المصير المحتمل هو تحرير جماعي عبر الضغط الدولي، خاصة إذا اعتمد مجلس الأمن القرار، مما ينهي نصف قرن من الاحتجاز.الخاتمةفي الختام، يُعدّ مصير المحتجزين المغاربة في تيندوف شاهداً حياً على ثمن النزاعات الذي يدفعه الأبرياء. منذ عقود، يعانون في صمت من تعذيب يفوق التصور، محرومين من حريتهم وحقهم في الحياة الكريمة، بينما يستمر العالم في تجاهل صرخاتهم. لكن مع التطورات الدولية في 2025، خاصة قرارات الأمم المتحدة الداعمة للحلول الواقعية، يلوح أمل في نهاية هذا الجحيم. إن تحرير هؤلاء الأبرياء ليس مجرد واجب إنساني، بل خطوة نحو السلام الإقليمي، حيث يُغلق باب الفتنة ويُفتح باب الوحدة. ندعو المجتمع الدولي إلى الضغط الفوري للتسجيل والتحرير، فالعدالة ليست رفاهية، بل حق أصيل. وفي النهاية، سيبقى صمود هؤلاء الأسرى شاهداً على قوة الروح المغربية، التي لا تنكسر أمام الظلم.