دور المغرب البطولي في حرب 1973
تفاصيل مشاركة المغرب في حرب أكتوبر
مشاركة المغرب في حرب أكتوبر 1973 (المعروفة أيضًا بحرب يوم الغفران) كانت تعبيرًا عن التضامن العربي، حيث أرسل المغرب قوات عسكرية لدعم مصر وسوريا في مواجهتهما ضد إسرائيل. فيما يلي تفاصيل هذه المشاركة استنادًا إلى المعلومات المتاحة:السياق العامبدأت حرب أكتوبر في 6 أكتوبر 1973، عندما شنت مصر وسوريا هجومًا مفاجئًا على إسرائيل بهدف استعادة الأراضي المحتلة في حرب 1967 (سيناء والجولان). كجزء من التضامن العربي، استجابت العديد من الدول العربية، بما في ذلك المغرب، لدعم هذا الجهد الحربي، بقرار من الملك الحسن الثاني، الذي كان يرى في القضية الفلسطينية والتضامن العربي أولوية استراتيجية.تفاصيل المشاركة المغربيةالقوات المرسلة:أرسل المغرب لواء مشاة ميكانيكي إلى مصر، يقدر عدده بحوالي 5000 إلى 6000 جندي، وفقًا لمصادر تاريخية. كما أرسل فصيلة مدرعة إلى سوريا، تضم حوالي 1500 إلى 2000 جندي، مزودين بدبابات من طراز T-62 وAMX-13.
الدور في الجبهة السورية:
شارك الجنود المغاربة إلى جانب قوات عراقية، أردنية، وسعودية، في مواجهة القوات الإسرائيلية التي حاولت استعادة السيطرة على الجولان بعد الهجوم السوري الأولي.
واجهت القوات المغربية ظروفًا صعبة، بما في ذلك نقص الإمدادات والهجمات الجوية الإسرائيلية المتكررة، لكنهم أظهروا صمودًا كبيرًا.
الدور في الجبهة المصرية:
لعبت القوات المغربية دورًا في الدفاع عن المواقع التي تم استعادتها، مما ساعد في تثبيت المكاسب المصرية خلال المراحل الأولى من الحرب.
الملك الحسن الثاني أشرف شخصيًا على قرار إرسال القوات، مما يعكس التزامه بالقضية العربية، على الرغم من التحديات الداخلية التي كان يواجهها المغرب في تلك الفترة، مثل التوترات السياسية والاقتصادية.
المصادر تختلف حول العدد الدقيق للشهداء المغاربة، لكن التقديرات تشير إلى أن العشرات من الجنود المغاربة قُتلوا أو أُصيبوا، خاصة خلال الهجمات الإسرائيلية المضادة في الجولان.
العلاقات الدولية: أسهمت المشاركة في تعزيز العلاقات بين المغرب وكل من مصر وسوريا، وكذلك مع دول عربية أخرى شاركت في الحرب، مثل العراق والأردن.
الأثر الداخلي: على المستوى الداخلي، ساعدت المشاركة في تعزيز الروح الوطنية في المغرب، حيث تم الاحتفاء بالجنود المغاربة كأبطال عند عودتهم.
المشاركة كانت أيضًا جزءًا من سياسة المغرب لمواجهة التحديات الاستعمارية، حيث كان المغرب نفسه قد نال استقلاله مؤخرًا (1956) وكان يرى في دعم القضايا العربية امتدادًا لنضاله ضد الاستعمار.
أسماء القادة المغاربة
كان الملك الحسن الثاني هو القائد الأعلى الذي أمر بإرسال القوات المغربية، وكان يشرف شخصيًا على القرار، مستجيبًا لطلب الفريق المصري سعد الدين الشاذلي الذي التقى به في فبراير 1972 لإقناعه بالمشاركة. أما على المستوى الميداني، فقد قاد "التجريدة المغربية" في الجبهة السورية اللواء أحمد الصفريوي، الذي كان قائد اللواء المدرع، ونائبه العقيد البرنيشي، بالإضافة إلى العقيد عبد القادر العلام الذي استشهد في الجولان أثناء العبور بين الثكنات جراء قذيفة محرقة. حصل الصفريوي والعلام على لقب "بطل الجمهورية العربية السورية" من الرئيس حافظ الأسد تقديرًا لدورهم في تحرير جبل الشيخ ومدينة القنيطرة. هؤلاء القادة أشرفوا على عمليات اللواء المدرع الوحيد الذي امتلكه المغرب آنذاك، مدعومًا بدبابات سورية ومضادات طائرات، مما ساهم في الدفاع عن الجولان ضد الهجمات الإسرائيلية المضادة.
شهادات الجنود
توجد شهادات نادرة ومتناثرة من الجنود المغاربة، غالبًا من خلال روايات ضباط سابقين وشهود عيان، حيث لم يتم توثيقها بشكل واسع بسبب السرية العسكرية. يروي ضابط سابق في الجيش الملكي المغربي أنهم قضوا الأشهر الثلاثة قبل الهجوم في صيانة الجنود والمعدات مثل الدبابات، مع تدريبات بدنية واستراتيجية مكثفة للحفاظ على الجاهزية، ووصل الجنود إلى سوريا عبر باخرة إلى اللاذقية في يوليو 1973، ثم انتشروا في الجولان. أما "أبو رياض"، جندي أردني شارك في معارك الجولان، فيصف تقدم القوات المغربية بسرعة مذهلة تحت وابل من النيران الإسرائيلية، حيث كان الجنود "متآلفين ومتقدين بعقيدة عربية ضد المحتل"، ولم يتمكن الإسرائيليون من إيقافهم في البداية، مما أدى إلى تحرير جبل الشيخ. كما ذكر اللواء المتقاعد الغباشي أن الجنود المغاربة في الجبهة المصرية ساهموا في تحطيم خط بارليف، وكانوا يتقدمون ببسالة رغم الظروف الصعبة مثل نقص الإمدادات والهجمات الجوية. هناك أيضًا روايات عن خيانة مزعومة من بعض السوريين، حيث أدى ذلك إلى خسائر إضافية، مثل إعدام قائد سوري مخلص بعد اتهامه بالخيانة، ووصف جنود مغاربة بأنهم "أتون للاستشهاد"، يعترضون الدبابات الإسرائيلية ويطلقون النار حتى اللحظة الأخيرة، مما أدهش السوريين والأعداء على حد سواء. بلغ عدد الشهداء المغاربة حوالي 170، وفق بعض المصادر، وكانت التضحيات تعكس روحًا وطنية عالية، حيث أشاد الملك الحسن الثاني بالعائدين بأنهم "أعليتم رايتنا وأعطيتم العرب درسًا في الشجاعة".
تأثير الحرب على السياسة المغربية
أثرت حرب أكتوبر 1973 بشكل إيجابي على السياسة المغربية الداخلية والخارجية، حيث عززت مشاركة المغرب مكانة الملك الحسن الثاني كزعيم عربي ملتزم بالتضامن، مما ساعد في تعزيز الروح الوطنية ودعم الشرعية الملكية داخليًا، خاصة بعد محاولات انقلاب سابقة مثل تلك في 1972. على الصعيد الخارجي، أكدت المشاركة دور المغرب كقوة إقليمية في العالم العربي، مما حسّن علاقاته مع مصر وسوريا، وأدى إلى تقدير من الدول العربية الأخرى، وساهم في تعزيز الاقتصاد المغربي الذي نما بنسبة 7.3% سنويًا بين 1973 و1977، مدعومًا بقروض أجنبية وقطع الأصول للموالين سياسيًا، بما في ذلك كبار الضباط العسكريين. كما فاجأت المشاركة السرية الرئيس السوري حافظ الأسد، مما أبرز سياسة الحسن الثاني في التوازن بين الالتزام العربي والعلاقات السرية مع إسرائيل، التي استمرت لاحقًا في تسهيل مفاوضات السلام بعد الحرب، مثل دور المغرب في الوساطة بين مصر وإسرائيل. داخليًا، أدت إلى حملات تبرع بالدم في المدن المغربية، تعكس تحمس الشعب، وأعادت الكرامة العربية بعد 1967، مما عزز الاستقرار السياسي رغم التحديات الاقتصادية الناتجة عن الحظر النفطي العالمي. في النهاية، كانت الحرب نقطة تحول أكدت سياسة المغرب في دعم القضايا العربية مع الحفاظ على استقلالية قراراته، مما مهد لتطبيع العلاقات مع إسرائيل لاحقًا في إطار اتفاقيات أبراهام 2020.
الخاتمة
مشاركة المغرب في حرب أكتوبر 1973 كانت رمزًا للتضامن العربي والالتزام بالقضية الفلسطينية والعربية. من خلال إرسال قوات إلى الجبهتين المصرية والسورية، أظهر المغرب شجاعة وصمودًا في مواجهة تحديات عسكرية وسياسية معقدة. هذه المشاركة تركت إرثًا تاريخيًا يُحتفى به في المغرب كجزء من دوره في دعم الوحدة العربية، وتظل ذكرى 6 أكتوبر شاهدة على التضحيات التي قدمها الجنود المغاربة في سبيل القضية العربية.