جسور الحوار الشبابي
لقاء الوسيط مع هيئة الشباب والديمقراطية في المغرب: جسور جديدة نحو حكامة مرفقية ومشاركة شبابية
المقدمةفي سياق يتسارع فيه نبض الاحتجاجات الشبابية في المغرب، حيث يعبر "جيل زد 212" عن غضبهم السلمي أمام تراكمات عقود من الإخفاقات في قطاعي الصحة والتعليم، يبرز لقاء الوسيط المملكة حسن طارق مع الهيئة الوطنية للشباب والديمقراطية كخطوة استراتيجية نحو إعادة بناء الثقة بين المواطن والمرفق العمومي. وقع هذا اللقاء يوم الثلاثاء 7 أكتوبر 2025 بالرباط، ويأتي في أعقاب موجة احتجاجات اندلعت في 27 سبتمبر 2025، واستمرت أسابيع، مطالبة بإصلاحات جذرية في الخدمات الأساسية ومكافحة الفساد، وسط إنفاق هائل على الاستعدادات لكأس العالم 2030 وكأس أمم إفريقيا 2025. هذه الاحتجاجات، التي نظمتها مجموعات لامركزية عبر منصات مثل "ديسكورد"، جمعت آلاف الشباب في مدن كالرباط والدار البيضاء ومراكش وفاس، وأسفرت عن اعتقالات جماعية واشتباكات مع قوات الأمن، مما أثار تساؤلات حول قدرة الدولة على الاستجابة لصوت الشباب دون اللجوء إلى القمع.الهيئة الوطنية للشباب والديمقراطية، كمنظمة شبابية ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالحزب الاشتراكي الموحد (USFP)، تمثل صوتاً منظماً للشباب السياسي في المغرب. تأسست الهيئة في سياق الإصلاحات الديمقراطية بعد حراك 2011، وتهدف إلى تعزيز مشاركة الشباب في الحياة السياسية والاجتماعية، من خلال برامج تكوينية وفعاليات تركز على حقوق الإنسان، الديمقراطية التشاركية، والحكامة الجيدة. أما مؤسسة الوسيط المملكة، التي أنشئت بموجب الدستور المغربي لعام 2011 كجهاز وطني مستقل للوساطة والحوار، فهي تُعدّ "وسيطاً" بين المواطنين والإدارة، حيث تتلقى الشكاوى وتدفع نحو حلول إدارية عادلة، مع التركيز على تعزيز الشفافية والمساءلة. هذا اللقاء، الذي حضره منسق الهيئة الوطني محسن البوزيدي وأعضاء المكتب التنفيذي، لم يكن مجرد اجتماع روتيني، بل كان استجابة مباشرة للنداء الشبابي، يندرج ضمن برنامج "منتديات الحكامة المرفقية" الذي أطلقته المؤسسة مؤخراً لمواجهة أزمة الثقة في الخدمات العمومية.في هذا المقال، سنستعرض تفاصيل اللقاء ومستجداته، مع تحليل سياقه السياسي والاجتماعي الأوسع، لنفهم كيف يمكن لهذه الخطوة أن تُشكل نقطة تحول في دينامية المشاركة الشبابية بالمغرب. سنقسم العرض إلى ثلاثة محاور رئيسية: السياق الاحتجاجي الذي أدى إلى اللقاء، تفاصيل المناقشات والمبادرات المُعلنة، وتأثيراته المحتملة على السياسات العامة. وفي الختام، سنقترح رؤية مستقبلية لتعزيز دور الشباب في بناء مغرب ديمقراطي أكثر شمولاً.العرضأولاً: السياق الاحتجاجي: صوت "جيل زد" يهز الأسسلنفهم أهمية لقاء الوسيط مع الهيئة، يجب أن نعود إلى جذور الأزمة التي أشعلت الشارع المغربي. منذ أواخر سبتمبر 2025، شهد المغرب موجة احتجاجات غير مسبوقة قادها شباب يُعرفون بـ"جيل زد 212"، وهم فئة عمرية تتراوح بين 18 و25 عاماً، نشأت في عصر الرقمنة والتواصل الاجتماعي، وتُشكل نحو 30% من سكان المغرب (حوالي 12 مليون نسمة). هذه الاحتجاجات، التي بدأت في الرباط وانتشرت إلى 20 مدينة أخرى، لم تكن عفوية تماماً؛ فقد نُظمت عبر مجموعات سرية على "ديسكورد"، تجمع 12 ألف عضو، ورفعت شعارات مثل "الصحة أولاً" و"التعليم حق وليس امتيازاً"، منتقدة تخصيص مليارات الدراهم لمشاريع رياضية دولية على حساب الخدمات الأساسية.الأسباب الجذرية تعود إلى تراكمات بنيوية: قطاع الصحة يعاني من نقص في الأسرّة الطبية (3.4 سرير لكل 1000 نسمة، مقابل 5.3 في المتوسط العالمي)، وعجز في الأطباء (0.7 طبيب لكل 1000 نسمة)، بينما يواجه التعليم أزمة في الجودة، مع معدلات ترك الدراسة تصل إلى 15% في المناطق الريفية. أضف إلى ذلك بطالة الشباب التي بلغت 35% في 2024، وفساد إداري يُقدر تكلفته السنوية بـ10% من الناتج المحلي الإجمالي (حوالي 120 مليار درهم). هذه الإحصائيات ليست أرقاماً مجردة؛ إنها تعكس يوميات ملايين الشباب الذين يرون في "الحريك" (الهجرة غير الشرعية) الخيار الوحيد للبقاء.ردت السلطات باعتقال مئات المتظاهرين، مما أثار انتقادات من منظمات مثل منظمة العفو الدولية، التي وصفت الاعتقالات بـ"انتهاك للحق في التجمع السلمي". رئيس الحكومة عزيز أخنوش أعلن تجاوب الحكومة مع المطالب، مشدداً على "الحوار داخل المؤسسات"، لكن الشباب يرون في ذلك محاولة لاحتواء الحركة دون تغيير جذري. هنا يأتي دور الهيئة الوطنية للشباب والديمقراطية، التي كانت قد دعت سابقاً إلى "حوار وطني شامل"، مستلهمة من تجاربها في برامج مثل "الشباب يشارك" بالشراكة مع الاتحاد الأوروبي. اللقاء مع الوسيط يُعدّ امتداداً لهذا النهج، حيث يحول الاحتجاج من صدام إلى حوار بناء.ثانياً: تفاصيل اللقاء والمستجدات: مبادرات للحكامة المرفقيةجلس اللقاء في مقر مؤسسة الوسيط بالرباط، واستمر لأكثر من ساعتين، حيث ركز على "علاقة الشباب بالمرافق العمومية" كمحور أساسي. أكد محسن البوزيدي، منسق الهيئة، على "التزام الشباب بمبادئ الديمقراطية التشاركية"، مشدداً على أن الهيئة تمثل أكثر من 50 ألف عضو في فروعها الجهوية، وتسعى لتكوين كوادر شبابية قادرة على مراقبة الإدارة. من جانبه، أعلن الوسيط حسن طارق عن إطلاق مبادرة خاصة بالتنظيمات الشبابية الحزبية، ضمن برنامج "منتديات الحكامة المرفقية"، الذي يهدف إلى إنشاء فضاءات حوار مفتوحة حول جودة الخدمات الإدارية.المستجدات الرئيسية تشمل:
الخاتمةلقاء الوسيط مع هيئة الشباب والديمقراطية ليس مجرد حدث إعلامي، بل خطوة جريئة نحو إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن الشاب. في زمن تُهدد فيه الاحتجاجات الشبابية بتصعيد التوترات، يُقدم هذا الحوار نموذجاً للديمقراطية التشاركية التي يتوق إليها المغرب. المستجدات المُعلنة – من لجان مشتركة إلى منتديات جهوية – تُعدّ بوابة لإشراك الشباب في بناء سياسات عادلة، لكن نجاحها يعتمد على التنفيذ الفعال والاستجابة للمطالب الجذرية.يجب على صناع القرار أن يروا في "جيل زد" شريكاً لا خصماً، فالشباب هم وقود التغيير، لا وقوده الاحتراق. إذا نجح هذا النموذج، سيكون المغرب قد خطا نحو نموذج ديمقراطي يجمع بين الاستقرار والحرية، مستلهماً رؤية جلالة الملك محمد السادس لشباب واعٍ ومسؤول. في النهاية، الديمقراطية ليست مجرد كلمات، بل جسور حوارية تبني وطناً يليق بأحلامه.
- إحداث لجنة مشتركة: تم الاتفاق على تشكيل لجنة تنسيق بين المؤسسة والهيئة، تتكون من 10 أعضاء (5 من كل جانب)، للإشراف على تنفيذ فعاليات تكوينية وإشعاعية على المستويات الجهوية والمحلية. ستُركز اللجنة على تدريب 5000 شاب سنوياً على آليات الشكاوى الإدارية ومراقبة المرافق، مع إطلاق حملة رقمية عبر تطبيق "الوسيط الإلكتروني" لتلقي شكاوى الشباب مباشرة.
- فعاليات ميدانية: خطة لتنظيم 20 منتدى جهوياً خلال 2026، تركز على قضايا الصحة والتعليم، مع مشاركة الشباب في صياغة توصيات للحكومة. على سبيل المثال، في جهة الرباط-سلا-القنيطرة، سيُناقش منتدى أولي في نوفمبر 2025 آليات تحسين الوصول إلى الرعاية الصحية في الأحياء الشعبية.
- تعزيز الشراكات: دعوة لإشراك منظمات أخرى مثل الجمعية المغربية لحقوق الإنسان والاتحاد الأوروبي، لتمويل برامج تكوينية حول "الحكامة الرقمية"، مستفيدة من خبرة الهيئة في مشاريع سابقة مثل "الشباب يشارك".
الخاتمةلقاء الوسيط مع هيئة الشباب والديمقراطية ليس مجرد حدث إعلامي، بل خطوة جريئة نحو إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن الشاب. في زمن تُهدد فيه الاحتجاجات الشبابية بتصعيد التوترات، يُقدم هذا الحوار نموذجاً للديمقراطية التشاركية التي يتوق إليها المغرب. المستجدات المُعلنة – من لجان مشتركة إلى منتديات جهوية – تُعدّ بوابة لإشراك الشباب في بناء سياسات عادلة، لكن نجاحها يعتمد على التنفيذ الفعال والاستجابة للمطالب الجذرية.يجب على صناع القرار أن يروا في "جيل زد" شريكاً لا خصماً، فالشباب هم وقود التغيير، لا وقوده الاحتراق. إذا نجح هذا النموذج، سيكون المغرب قد خطا نحو نموذج ديمقراطي يجمع بين الاستقرار والحرية، مستلهماً رؤية جلالة الملك محمد السادس لشباب واعٍ ومسؤول. في النهاية، الديمقراطية ليست مجرد كلمات، بل جسور حوارية تبني وطناً يليق بأحلامه.