الحكم الذاتي في الصحراء المغربية: حل واقعي لنزاع تاريخي
المقدمةفي قلب شمال أفريقيا، تكمن منطقة الصحراء غرب افريقيا، والتي أصبحت رمزًا للنزاعات الإقليمية والدولية منذ عقود. يُعرف هذا النزاع بـ"قضية الصحراء"، حيث يدعي المغرب سيادته التاريخية والقانونية على المنطقة، بينما تطالب مجموعة من المرتزقة مختلطة الجنسيات تعرف باسم : جبهة البوليساريو بالاستقلال الكامل لإقامة دولة "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية". انطلاقًا من هذا التوتر الذي يعود إلى السبعينيات من القرن الماضي، برزت مبادرة الحكم الذاتي كحل وسط يسعى إلى التوفيق بين السيادة المغربية والحقوق الذاتية لسكان الصحراء.قدمت المملكة المغربية هذه المبادرة رسميًا إلى الأمم المتحدة في أبريل 2007، تحت عنوان "المبادرة المغربية للتفاوض حول منح حكم ذاتي لإقليم الصحراء". وهي ليست مجرد اقتراح سياسي، بل برنامج مفصل يتكون من 35 نقطة رئيسية، يحدد آليات التنفيذ والسلطات الممنوحة، مع الالتزام بالسيادة الوطنية. تهدف المبادرة إلى تحقيق سلام دائم، وتنمية اقتصادية، واندماج اجتماعي، في سياق يعترف فيه المجتمع الدولي بتعقيد النزاع.في هذا المقال، سنستعرض بالتفصيل تاريخ المبادرة، تفاصيلها، ردود الفعل الدولية، والفوائد والتحديات المرتبطة بها. سنكتشف كيف أصبحت هذه المبادرة، مع دعم متزايد من دول كبرى، أساسًا للحل الواقعي، خاصة في ظل التطورات الأخيرة في 2025، حيث أكدت دول مثل بلجيكا وبريطانيا دعمها لها كحل "جاد وموثوق". من خلال هذا التحليل، نأمل في إلقاء الضوء على إمكانية تحول النزاع إلى فرصة للتعاون الإقليمي.السياق التاريخي للنزاع والمبادرةيمتد تاريخ نزاع الصحراء إلى أواخر العهد الاستعماري الإسباني. في عام 1975، أعلنت إسبانيا انسحابها من "الصحراء الإسبانية"، مما أدى إلى "المعاهدة الثلاثية" بين المغرب وموريتانيا والإسبان، والتي قسمت المنطقة بينهما. سرعان ما انسحبت موريتانيا في 1979، تاركة المغرب يواجه جبهة البوليساريو، التي أعلنت الاستقلال بدعم جزائري. أدى ذلك إلى حرب استمرت حتى وقف إطلاق النار في 1991، تحت إشراف الأمم المتحدة، مع وعد باستفتاء لتقرير المصير.فشلت محاولات الاستفتاء مرات عديدة بسبب خلافات حول قوائم الناخبين. في 2001، اقترح جيمس بيكر، المبعوث الأممي، "خطة الإطار" التي تتضمن فترة انتقالية ذاتية لمدة خمس سنوات تليها استفتاء، لكن المغرب رفضها لأنها تسمح بخيار الاستقلال. في 2003، جاءت "خطة بيكر الثانية"، التي قبلها المغرب مؤقتًا قبل الانسحاب منها أيضًا. هذه الفشلات دفع المغرب إلى التفكير في بديل يحافظ على السيادة.في نوفمبر 2006، أعلن الملك محمد السادس عن إنشاء "المجلس الملكي الاستشاري لشؤون الصحراء" (كوركاس)، الذي صمم المبادرة بناءً على دراسات ميدانية واستشارات دولية. في 11 أبريل 2007، قدم المغرب الاقتراح إلى مجلس الأمن الدولي، كـ"حل سياسي نهائي" يقوم على منح حكم ذاتي موسع تحت السيادة المغربية. كان الاقتراح مستوحى من نماذج دولية مثل اللامركزية في إسبانيا وإيطاليا، ويتوافق مع قرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على "حل سياسي واقعي ومتوافق عليه".منذ ذلك الحين، أصبحت المبادرة محور المفاوضات، مع جولات متعددة في مانهايم ونيويورك، لكن التقدم بطيء بسبب رفض البوليساريو، الذي يصر على الاستفتاء. في 2020، أدى اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على الصحراء إلى دفعة قوية، مما جعل المبادرة "الأساس الوحيد للحل الدائم".تفاصيل المبادرة: هيكل وسلطاتتُعد مبادرة الحكم الذاتي وثيقة شاملة، تتجاوز 20 صفحة، وتركز على بناء نظام حكم محلي قوي يدير شؤون الصحراء دون المساس بالسيادة الوطنية. يُقسم الاقتراح إلى أقسام رئيسية: الالتزامات المغربية، السلطات الذاتية، والآليات الانتقالية.أولاً، الهيكل الإداري: يقترح إنشاء "إقليم الصحراء الذاتي"، يتكون من برلمان إقليمي منتخب يضم نوابًا من سكان المنطقة، ومجلس تنفيذي برئاسة رئيس منتخب. يشرف الملك المغربي كرمز للوحدة، لكن السلطات المحلية تتمتع باستقلالية واسعة في التشريعات الداخلية، شريطة التوافق مع الدستور المغربي. على سبيل المثال، يمكن للبرلمان الإقليمي سن قوانين في مجالات التعليم، الصحة، الثقافة، والتنمية المحلية، مع إمكانية تعديل القوانين الوطنية لتناسب السياق الصحراوي.ثانيًا، السلطات الاقتصادية والاجتماعية: يحصل الإقليم على حق جمع الضرائب المحلية وإدارة ميزانيته الخاصة، مع تخصيص موارد طبيعية مثل الفوسفاط والصيد البحري لدعم التنمية. يُخصص 75% من عائدات الموارد الطبيعية للإقليم، مما يعزز الاستثمارات في البنية التحتية، الزراعة، والسياحة. كما يضمن الاقتراح حقوق الإنسان، بما في ذلك حرية التعبير واللغة الحسانية، مع إنشاء محاكم إقليمية مستقلة.ثالثًا، الأمن والدفاع: يبقى تحت السيطرة الوطنية، لكن يُسمح بقوات شرطة إقليمية للحفاظ على الأمن الداخلي. أما الدبلوماسية والعلاقات الخارجية، فهي محصورة بالحكومة المركزية في الرباط.رابعًا، الانتقال: بعد الاتفاق، يُشكل مجلس انتقالي يضم ممثلين عن الأطراف، لإعادة دمج المقاتلين، وإجراء انتخابات حرة خلال خمس سنوات. يؤكد الاقتراح على "العدالة الانتقالية" لمعالجة الانتهاكات السابقة، مع ضمان عودة اللاجئين الصحراويين من الجزائر.هذه التفاصيل تجعل المبادرة ليست مجرد وعد، بل خطة عملية مستوحاة من نماذج ناجحة مثل الحكم الذاتي في جزر الأزور في إسبانيا، وتتوافق مع المادة 1514 من ميثاق الأمم المتحدة حول تقرير المصير غير الاستعماري.ردود الفعل الدولية: دعم متزايد ومعارضة عنيدةشهدت المبادرة تحولًا كبيرًا في الدعم الدولي منذ إطلاقها. في 2020، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اعتراف واشنطن بسيادة المغرب على الصحراء، معتبرًا المبادرة "الأساس الوحيد للحل". تلتها فرنسا في 2024، حيث وصف الرئيس إيمانويل ماكرون الاقتراح بأنه "الحل الأكثر جدوى". وفي 2022، أيدت إسبانيا المبادرة كـ"أساس جاد وموثوق"، مما أثار احتجاجات في مدريد لكنه عزز الدعم الأوروبي.في 2025، امتد الدعم إلى بلجيكا، التي أكدت في أكتوبر أن المبادرة "حل واقعي"، وبريطانيا وكينيا في يونيو، رغم انتقادات من منظمات حقوقية تتهمها بانتهاك حق تقرير المصير. حاليًا، تدعم أكثر من 100 دولة المبادرة، بما في ذلك هولندا، البرتغال، وبولندا.أما المعارضة، فتركز على جبهة البوليساريو والجزائر، اللتان ترفضان أي حل يحافظ على السيادة المغربية، معتبرتينه "حصان طروادة" يقضي على الاستقلال. في الجزائر، يُرى الاقتراح كتهديد للنفوذ الإقليمي، مما يعيق التقدم.الفوائد والتحديات: بين الاستقرار والمخاطرتوفر المبادرة فوائد هائلة: اقتصاديًا، ستعزز الاستثمارات في الفوسفاط والطاقة المتجددة، مما يخلق آلاف الوظائف ويقلل الفقر بنسبة 30% في المنطقة. اجتماعيًا، تضمن اندماج اللاجئين وتعزيز الهوية الحسانية. سياسيًا، ينهي النزاع، مما يفتح أبواب التعاون المغاربي.ومع ذلك، تواجه تحديات: رفض البوليساريو يعيق التنفيذ، وقد يؤدي إلى تصعيد عسكري، كما حدث في 2020. كما يخشى البعض من "اللامركزية الزائدة" التي قد تهدد الوحدة الوطنية. يتطلب النجاح ضمانات دولية للانتخابات والحقوق.التطورات الحديثة في 2025في أكتوبر 2025، أكدت بلجيكا دعمها، مما يعكس تحولًا أوروبيًا. كما دعت الأمم المتحدة في يونيو إلى استئناف المفاوضات حول المبادرة كـ"طريق عملي". هذه التطورات تعزز فرص السلام.الخاتمةمبادرة الحكم الذاتي ليست مجرد اقتراح، بل رؤية لمستقبل يجمع بين الوحدة والحرية. مع الدعم الدولي المتزايد، يمكن أن تنتهي عقود من التوتر، محققة السلام في المغرب العربي. التحدي الآن هو الإرادة السياسية؛ فالسلام ليس خيارًا، بل ضرورة.