مأساة سيدي قاسم: تسعة قتلى في حادث نقل مزدوج مروع

حادث سير قاتل يكشف تحديات السلامة المرورية في المغرب


حادثة السير المروعة في إقليم سيدي قاسم: مأساة تسعة أرواح ودعوة للإصلاح

في مساء يوم السبت 4 أكتوبر 2025، وقعت واحدة من أكثر حوادث السير مأساوية في المغرب، حيث لقي تسعة أشخاص حتفهم وأصيب ستة آخرون بجروح بليغة إثر اصطدام عنيف بين سيارة نقل مزدوج وشاحنة لنقل البضائع على الطريق الإقليمية رقم 4042، بمحاذاة دوار تعاونية الحوش واحد في جماعة الشبانات، قيادة زيرارة، إقليم سيدي قاسم، شمال غرب المغرب، على بعد حوالي 134 كيلومترًا من العاصمة الرباط. السيارة النقل المزدوج، التي تُستخدم بشكل شائع في المناطق الريفية لنقل الركاب بشكل غير رسمي، كانت تقل 15 شخصًا، بما في ذلك السائق، مما يعكس الاكتظاظ الخطير الذي غالبًا ما يُفاقم مثل هذه الكوارث. وصف شهود عيان الحادث بأنه "مروّع"، حيث أدى التصادم القوي إلى تهشم الجزء الأمامي من السيارة بالكامل، بينما انحرفت الشاحنة عن الطريق إلى حافة الطريق الضيقة. النقطة التي شهدت الحادث معروفة بمنعرجاتها الحادة وسوء حالتها، مما يجعلها واحدة من النقاط السوداء التي تتكرر فيها الحوادث في المناطق الريفية. الضحايا، الذين ينتمي معظمهم إلى جماعتي "بني بوشيبت" و"تاغزو" بإقليم الحسيمة، كانوا من أبناء المناطق الريفية، يعتمدون على هذا النوع من النقل الرخيص للتنقل اليومي، سواء للعمل أو زيارة الأهل، ليصبحوا ضحايا مأساة كان يمكن تجنبها.الاستجابة الطارئة والتحقيقات الأوليةفور وقوع الحادث حوالي الساعة السادسة مساءً، هرعت السلطات المحلية، بما في ذلك عناصر الدرك الملكي والوقاية المدنية، إلى مكان الحادث للتعامل مع المشهد المؤلم. تم نقل الستة مصابين على وجه السرعة إلى المركز الاستشفائي الإقليمي بسيدي قاسم، حيث وصفت حالتهم بالخطيرة، مع إصابات تشمل كسورًا متعددة وجروحًا عميقة قد تؤدي إلى مضاعفات طويلة الأمد. أما الضحايا التسعة الذين لقوا حتفهم، فقد تم نقل جثامينهم إلى مستودع الأموات في نفس المستشفى لإجراءات التشريح وتحديد الهوية، تمهيدًا لتسليمهم إلى ذويهم. باشرت مصالح الدرك الملكي تحقيقًا فوريًا تحت إشراف النيابة العامة لتحديد مسؤولية الحادث، مع التركيز على عوامل مثل السرعة الزائدة، حالة الطريق، أو إهمال أحد السائقين. تقارير أولية أشارت إلى أن الشاحنة ربما كانت تسير بسرعة غير مناسبة للطريق الضيق، بينما السيارة المزدوجة كانت محملة بأعداد تفوق سعتها، مما زاد من خطورة التصادم. الحادث أثار موجة من الحزن في المنطقة، حيث عبر السكان المحليون عن تضامنهم مع العائلات المنكوبة، مطالبين بتحقيق شفاف ومحاسبة المسؤولين.دور وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماءتتحمل وزارة التجهيز والنقل واللوجستيك والماء، بقيادة الوزير محمد عبد الجليل، مسؤولية رئيسية في معالجة أزمة حوادث السير في المغرب. الوزارة تشرف على تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للسلامة الطرقية 2017-2026، التي تهدف إلى خفض عدد الوفيات بنسبة 50% بحلول 2026. تشمل الاستراتيجية تحسين البنية التحتية للطرق، تشديد الرقابة على وسائل النقل، وإطلاق حملات توعية للسائقين والمشاة. في سياق حادث سيدي قاسم، أكدت الوزارة على ضرورة معالجة النقل المزدوج غير المنظم، الذي يشكل تحديًا كبيرًا في المناطق الريفية. تعمل الوزارة بالتعاون مع الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية (NARSA) لتحليل أسباب الحوادث، مع التركيز على تحديث الطرق الإقليمية مثل الطريق 4042، التي تفتقر إلى الإشارات المرورية، الحواجز الآمنة، وإنارة كافية. كما تسعى الوزارة إلى فرض معايير صارمة على حالة المركبات، خاصة الشاحنات والسيارات المستخدمة في النقل المزدوج، التي غالبًا ما تكون متهالكة أو غير مطابقة لمعايير السلامة. في تصريحات سابقة، شدد رئيس الحكومة عزيز أخنوش على أن حوادث السير تمثل "تحديًا وطنيًا"، مشيرًا إلى أن المغرب يخسر سنويًا ما يعادل 1.69% من الناتج المحلي بسبب الحوادث، وهو ما يتطلب استثمارات كبيرة في البنية التحتية والتوعية.صرف التعويضات: إصلاحات جديدة في ظل ولاية أخنوشمنذ تولي عزيز أخنوش رئاسة الحكومة في شتنبر 2021، شهدت سياسات التعويض عن حوادث السير تطورات ملحوظة. في 4 شتنبر 2025، أقر مجلس الحكومة مشروع قانون رقم 70.24 لتعديل الظهير الشريف لسنة 1984، بهدف رفع قيمة التعويضات بنسبة 64% على مراحل، مع توسيع نطاق المستفيدين ليشمل فئات مثل الطلبة، المتدربين، وذوي الاحتياجات الخاصة. هذا التعديل يهدف إلى ضمان صرف التعويضات بسرعة وعدالة، مع تحسين قواعد الاحتساب بناءً على الأجر الأدنى أو الكسب المهني. في عام 2024، بلغ إجمالي التعويضات المؤداة من شركات التأمين حوالي 7.9 مليارات درهم، مع تسجيل أكثر من 143 ألف حادث جسماني أودى بحياة 4024 شخصًا. يتولى الصندوق الوطني للتقاعد والتأمين، بالتعاون مع شركات التأمين، إدارة التعويضات في حالات الفرار أو السائقين غير المؤمنين، مما يوفر شبكة أمان للضحايا مثل عائلات ضحايا حادث سيدي قاسم. هذه الإصلاحات جاءت استجابة لانتقادات حول "هزالة" التعويضات السابقة، التي كانت لا تتناسب مع التضخم أو الخسائر الاجتماعية. كما أُطلقت مبادرات لتسريع معالجة الملفات، مع ضمان الشفافية في التعامل مع العائلات المتضررة، وهو ما يُعد خطوة إيجابية لكنها لا تزال تواجه تحديات تنفيذية في المناطق النائية.أسباب الحوادث المرورية: النقل المزدوج وتحديات المناطق الريفيةيُعد النقل المزدوج، الذي يشمل سيارات وحافلات صغيرة تُستخدم بشكل غير رسمي، من أبرز أسباب الحوادث في المغرب، خاصة في المناطق الريفية مثل سيدي قاسم. هذه المركبات غالبًا ما تكون متهالكة، تفتقر إلى صيانة دورية، وتحمل ركابًا أكثر من طاقتها، مما يجعلها عرضة للتصادمات القاتلة مع الشاحنات الثقيلة. في المناطق الريفية، يعتمد السكان على هذا النقل بسبب غياب وسائل نقل عامة موثوقة وآمنة، مما يضعهم في مواجهة مخاطر يومية. تشير إحصاءات عام 2024 إلى تسجيل 143,304 حوادث جسمانية، أدت إلى 4024 وفاة وإصابة 11,224 شخصًا بجروح خطيرة، بزيادة 5.2% عن 2023. الأسباب الرئيسية تشمل السرعة الزائدة، عدم الانتباه، سوء حالة الطرق، ونقص الرقابة على السائقين. وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، يُعد المغرب من بين الدول ذات معدلات الوفيات المرورية العالية في إفريقيا، حيث تمثل المناطق الريفية نسبة كبيرة من الضحايا بسبب البنية التحتية الضعيفة والنقل غير المنظم.تطور أرقام ضحايا حوادث السير منذ بداية ولاية أخنوشمنذ تولي عزيز أخنوش رئاسة الحكومة في شتنبر 2021، شهدت إحصاءات حوادث السير تقلبات ملحوظة. في عام 2020، قبل بداية ولايته، انخفضت الوفيات بنسبة 18% إلى حوالي 3200 حالة بسبب قيود جائحة كورونا التي قللت من حركة التنقل. لكن مع عودة الحياة الطبيعية، ارتفعت الأرقام تدريجيًا. في 2021، سجل المغرب حوالي 3499 وفاة، ثم ارتفعت إلى 3819 وفاة في 2023، بزيادة 9.5% في الأشهر العشرة الأولى مقارنة بـ2022. وفي 2024، وصلت الوفيات إلى 4024، مع اقتراب الحصيلة من مستويات قياسية. في الربع الأول من 2025، سجلت زيادة ملحوظة في الحوادث، مما يعكس تحديات مستمرة مثل زيادة عدد المركبات (حوالي 5 ملايين مركبة في 2024)، سوء السلوكيات المرورية، ونقص الرقابة الفعالة. حوادث بارزة مثل انقلاب حافلة في أزيلال عام 2023 (24 قتيلًا) واصطدام في خريبكة (9 قتلى) تؤكد استمرار المشكلة. الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الحوادث تقدر بحوالي 19.5 مليار درهم سنويًا، أي 1.69% من الناتج المحلي الإجمالي، مما يضع ضغطًا على الحكومة لتسريع الإصلاحات. رغم الجهود مثل تحسين الطرق السريعة وتشديد الغرامات، فإن المناطق الريفية لا تزال تعاني من نقص الاستثمارات، مما يزيد من تعقيد المشكلة.الآثار الاجتماعية والاقتصاديةتتجاوز آثار حوادث مثل سيدي قاسم الأرقام والإحصاءات، إذ تترك ندوبًا عميقة في المجتمعات المحلية. العائلات التي فقدت أحباءها، غالبًا معيليها، تواجه تحديات اقتصادية ونفسية كبيرة. النقل المزدوج، رغم خطورته، يبقى خيارًا أساسيًا للفقراء في المناطق الريفية، حيث تكلفة النقل العام الرسمي قد تكون باهظة أو غير متوفرة. هذا الحادث أعاد إشعال النقاش حول ضرورة توفير بدائل نقل آمنة وميسورة التكلفة، مع إصلاحات عاجلة للطرق الإقليمية. على المستوى الاقتصادي، تؤدي الحوادث إلى خسائر هائلة، سواء في الأرواح، الأضرار المادية، أو تكاليف العلاج والتعويضات. الحكومة، من خلال الوكالة الوطنية للسلامة الطرقية، أطلقت حملات توعية مثل "السلامة الطرقية مسؤولية الجميع"، لكن النتائج لا تزال محدودة في ظل ضعف التنفيذ في المناطق النائية.الدروس المستفادة ودعوة للإصلاحتُذكرنا فاجعة سيدي قاسم بأن السلامة المرورية ليست مجرد إحصاءات، بل قضية حياة وموت. يجب على الحكومة، بقيادة وزارة التجهيز والنقل، تسريع تحسين الطرق الإقليمية، تشديد الرقابة على النقل المزدوج، وتطوير وسائل نقل عامة آمنة وبأسعار معقولة. إصلاحات التعويضات الأخيرة خطوة إيجابية، لكنها لا تعوض عن خسارة الأرواح. المجتمع المغربي، الذي عبّر عن تضامنه مع ضحايا الحادث، يطالب بتحقيق شفاف ومحاسبة المسؤولين، سواء كانوا سائقين أو مسؤولين عن صيانة الطرق. هذه المأساة دعوة للعمل الجماعي لمنع تكرار مثل هذه الحوادث، مع التركيز على استثمارات طويلة الأمد في البنية التحتية، التدريب، والتوعية، لضمان أن لا تُقطع حياة أخرى بسبب إهمال أو نقص في التخطيط.
تعليقات