حيل الحكومة فاشلة: لا قائد لجيل زد 212 حتى يُعتقل أو يُبعث وراء الشمس...اليوم الثالث

جيل زد 212: من الشاشات إلى الشوارع: صوت جيل بلا قائد

جيل زد 212: صوت الشباب المغربي في وجه الإهمال.. بين الشوارع والشاشات، حيث يبحث عن قائد للحوار أو الاعتقال؟

المقدمة: شرارة الغضب الذي أشعل الشوارعفي أواخر سبتمبر 2025، تحولت الشوارع المغربية من ساحات هادئة إلى ميادين احتجاج حية، حيث يتردد صدى شعارات مثل "الصحة أولاً، ما بغيناش كأس العالم" و"لا صحة لا تعليم، هذا مغرب الله كريم". كانت هذه الكلمات ليست مجرد هتافات عفوية، بل تعبيراً عن غضب متراكم لدى جيل كامل، جيل زد المغربي، الذي يُرمز إليه بـ"212" – إشارة إلى الرمز الدولي للاتصال بالمغرب. انطلقت هذه الاحتجاجات في مدن مثل الرباط، الدار البيضاء، أغادير، طنجة، وجدة، ومراكش، وسرعان ما امتدت إلى أكثر من 11 مدينة، في واحدة من أكبر الحركات الشبابية منذ حراك الريف عام 2017.ما الذي أشعل هذه الشرارة؟ في مدينة أغادير، وفاة 8 نساء حوامل في مستشفى محلي بسبب سوء الإدارة والإهمال، كانت القطرة التي أفاضت الكأس. هذا الحادث لم يكن معزولاً؛ إنه جزء من أزمة أعمق في قطاعي الصحة والتعليم، حيث يُخصص المغرب مليارات الدراهم لاستضافة كأس العالم 2030 وكأس أمم أفريقيا 2025، بينما يعاني المواطنون من نقص الأدوية، وازدحام المستشفيات، وتدهور جودة التعليم. الشباب، الذين يشكلون نحو 30% من سكان المغرب (حوالي 12 مليون نسمة)، يرون في هذا تناقضاً صارخاً: ملاعب فخمة مقابل مستشفيات متهالكة، وملاعب كرة قدم مقابل مدارس تفتقر إلى الكتب والمعلمين.في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل هذه الاحتجاجات، ونستعرض تاريخ "جيل زد 212" كحركة لامركزية، ونناقش الاستعداد الحكومي للحوار مقابل مخاوف الاعتقال، مستذكرين قصة ناصر الزفزافي، قائد حراك الريف الذي أصبح رمزاً للقمع. سنحاول الإجابة على السؤال الذي يتردد في أروقة الحكومة: "مع من سنتفاوض؟ أين المسؤول عن جيل زد 212 لنقبض عليه؟"، مع التركيز على أن هذه الحركة ليست مجرد فوضى، بل دعوة لإصلاح جذري يمكن أن يغير وجه المغرب إذا تم التعامل معها بحكمة.جذور الغضب: أزمة الصحة والتعليم في المغرب.. أرقام تكشف الجرحلنبدأ بالأساسيات: ما هي الأسباب الرئيسية وراء انفجار هذه الاحتجاجات؟ قطاع الصحة في المغرب يعاني من نقص حاد في الموارد. وفقاً لتقارير منظمة الصحة العالمية، يبلغ متوسط عدد الأسرة الطبية في المغرب 1.1 سرير لكل 1000 نسمة، مقارنة بمتوسط عالمي يقارب 2.9. في أغادير، حيث اندلعت الشرارة، أدى نقص الأكسجين والأجهزة الطبية إلى وفاة النساء الحوامل، مما أثار غضباً شعبياً. هذا ليس حدثاً منفرداً؛ في 2024، سجل المغرب أكثر من 500 حالة وفاة بسبب تأخر الإسعاف، وفقاً لوزارة الصحة نفسها. الشباب يرون في هذا إهمالاً مباشراً لهم، إذ يشكلون الفئة الأكثر تأثراً بالبطالة (47% بين الشباب في الربع الثاني من 2025، حسب بنك المغرب)، مما يجعلهم يعتمدون على الرعاية العامة المتدهورة.أما التعليم، فهو الجرح الآخر. معدل التسرب المدرسي يصل إلى 10% سنوياً، وفقدان البوصلة في المناهج يجعل الخريجين غير قادرين على مواجهة سوق العمل. في تقرير للجزيرة نت، يُشار إلى أن 40% من الشباب المغاربة لا يملكون مهارات رقمية أساسية، رغم أنهم "جيل زد" الرقمي. الشعار "المدرسة العمومية أمام الانهيار" ليس مبالغة؛ إنه واقع يومي لملايين الطلاب الذين يدرسون في فصول متهالكة بدون كهرباء أو إنترنت. هذه الأزمات تتفاقم مع التركيز على الرياضة: المغرب يبني ثلاثة ملاعب جديدة ويجدد ستة أخرى بتكلفة تفوق 10 مليارات درهم، بينما ميزانية الصحة لم ترتفع سوى 5% في 2025.هذه الأرقام ليست مجرد إحصاءات؛ إنها قصص حياة. شاب في الدار البيضاء ينتظر ساعات لفحص طبي بسيط، أو طالبة في وجدة تدرس تحت ضوء شمعة. جيل زد، المولود بعد 2000، نشأ في عصر الإنترنت، يرى هذا التناقض بوضوح: كيف يُنفق على كرة قدم دولية بينما يموت الأطفال في المستشفيات؟ هذا الغضب ليس جديداً؛ إنه امتداد لحراك الريف، لكنه اليوم أكثر تنظيماً عبر المنصات الرقمية.من هو "جيل زد 212"؟ حركة لامركزية بدون قائد واحد.. التحدي الأكبر للحكومةالآن، نصل إلى قلب المسألة: من هم "جيل زد 212"؟ هذه ليست حزب سياسي أو نقابة تقليدية؛ إنها حركة شبابية لامركزية، نشأت في منتصف سبتمبر 2025 على منصات مثل ديسكورد، إنستغرام، وتيك توك. الاسم "Gen Z 212" يجمع بين هوية الجيل الرقمي العالمي (Gen Z) ورمز المغرب الهاتفي (+212)، مما يعكس طابعها المحلي-العالمي. وصل عدد الأعضاء في مجموعاتها إلى 12 ألفاً على ديسكورد، حيث يُوصف المكان بـ"فضاء للنقاش" فقط، يجمع شباباً مستقلين لا ينتمون إلى أحزاب أو تيارات سياسية.دعت الحركة إلى مظاهرات يومي 27 و28 سبتمبر، تحت شعارات "المغرب يستحق الأفضل" و"إصلاح التعليم والصحة". لم يكن هناك قائد مرئي؛ التنسيق عبر الإنترنت، مع هاشتاغات مثل #GENZ212 و#FreeKoulchi (حرية الكل). هذا اللامركزية هي قوتها وسلاحها: لا يمكن اعتقال "قائد" واحد، كما حدث مع ناصر الزفزافي في 2017. الزفزافي، الذي قاد حراك الريف مطالبًا بالتنمية والعدالة، أُلقي القبض عليه بتهم "التحريض على العنف"، وحُكم عليه بـ20 عاماً سجناً. اليوم، تتساءل الحكومة: "أين المسؤول عن جيل زد 212 لنتفاوض معه.. أو نقبض عليه؟" الإجابة: لا يوجد "هو" واحد؛ إنهم آلاف الشباب الذين يتواصلون عبر الشاشات، مستوحين من حركات مشابهة في نيبال وبيرو.هذه الحركة تعكس خصائص جيل زد العالمي: تفضيل التعبير الرقمي، التركيز على القضايا الاجتماعية، والرفض للهياكل التقليدية. في المغرب، يضيفون لمسة محلية بمقارنة الإنفاق على المونديال بالحاجة إلى مستشفيات. وفقاً لإدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، هي "جزء من الشرارة" بعد غضب أغادير، ومطالبها "اجتماعية صرفة واقعية". لكن السلطات تراها تهديداً، خاصة مع تزامنها مع كأس أمم أفريقيا، مما يثير شكوكاً حول "جهات خارجية"، كما يدعي بعض النشطاء.الاستجابة الحكومية: بين الوعود بالحوار والقمع الفعلي.. ذكرى الزفزافي تلوح في الأفقكيف ردت الحكومة؟ في بيان رسمي، أقرت بوجود "مشاكل في الصحة"، ووعدت بـ"حلها قدر المستطاع"، مع تأكيد رئاسة الأغلبية الحكومية على "حسن الإنصات للمطالب الاجتماعية" عبر الحوار داخل المؤسسات. هذا يبدو إيجابياً، لكنه يصطدم بالواقع: منذ 27 سبتمبر، منعت السلطات المظاهرات في الرباط والدار البيضاء، وأوقفت عشرات الشبان لفترات قصيرة، بل وصل الأمر إلى اشتباكات عنيفة في 29-30 سبتمبر، مع إحراق سيارات الدرك وإغلاق طرق سريعة. رويترز وصف التواجد الأمني بـ"المكثف"، وفرانس 24 أشارت إلى "حملة توقيفات" لمنع التجمعات.هنا يبرز التناقض: الحكومة تتحدث عن "التجاوب الإيجابي"، لكن الفعل يذكر بقمع حراك الريف. الزفزافي، الذي كان يطالب بتحسين الخدمات في الحسيمة، أصبح رمزاً للقمع عندما اعتُقل في مظاهرة سلمية، متهماً بـ"الخيانة للوطن". اليوم، يخشى الشباب من تكرار السيناريو؛ ففي تغريدات على إكس (تويتر)، يُشار إلى "بلطجية" يستغلون الاحتجاجات للتخريب، مما يبرر القمع. أنباء عن وفاة شاب في وجدة بسبب دهس أمني، وإصابة آخر، أثارت غضباً إضافياً، مع دعوات لـ"الاستماع الحقيقي" بدلاً من "الاعتقال الوقائي".السؤال الحكومي "مع من نتفاوض؟" يعكس ارتباكاً: في عصر الرقمي، لا قائد مركزي يُقبض عليه. هذا يتطلب حواراً مع المنصات، لا مع أفراد. تنظيمات مثل فيدرالية اليسار الديمقراطي علقت مشاركتها في الانتخابات احتجاجاً على المنع، مما يوسع الدائرة. إذا استمرت الوعود دون فعل، قد تتحول الحركة إلى شيء أكبر، كما في نيبال حيث أدت احتجاجات جيل زد إلى استقالة حكومية.الخاتمة: فرصة للتغيير أم خطر التصعيد؟.. جيل بدون قائد ينتظر الإصلاحاحتجاجات جيل زد 212 ليست مجرد رد فعل على وفاة في أغادير؛ إنها صرخة جيل يشكل مستقبل المغرب، يطالب بأولويات عادلة: صحة للجميع، تعليم يبني أحلاماً، فرص عمل لا بطالة. الحكومة أمام مفترق: هل ستختار الحوار مع هذا "الجيل اللامركزي"، مستلهمة من تجارب عالمية ناجحة مثل الإصلاحات في تشيلي بعد احتجاجات 2019؟ أم ستكرر خطأ الزفزافي، محولة الغضب إلى ثورة؟اليوم، 1 أكتوبر 2025، تستمر الاحتجاجات رغم القمع، مع دعوات ليوم 3 أكتوبر. إذا فُهمت هذه الحركة كفرصة، يمكن أن تولد إصلاحات جذرية: زيادة ميزانية الصحة إلى 10% من الناتج المحلي، إصلاح التعليم بالتكنولوجيا، برامج تشغيل للشباب. لكن إذا اعتُبرت "تهديداً خارجياً"، كما يدعي بعض النشطاء، فسيكون الثمن باهظاً. جيل زد 212 ليس بحاجة إلى قائد يُقبض عليه؛ إنه يحتاج إلى حكومة تسمع صوته قبل أن يصبح صرخة.في النهاية، المغرب يستحق أفضل من التناقضات؛ يستحق شباباً يبني، لا يحتج. الخطوة الأولى: فتح قنوات حوار رقمية، الاعتراف بالمطالب، والتنفيذ الفوري. غير ذلك، والشوارع ستظل تشهد على جيل يبحث عن عدالته.. حتى لو لم يكن له وجه واحد.
تعليقات