جبروت تهز المغرب: تسريبات تكشف فساد المخزن وتجسس الحموشي

 تسريبات جبروت: من CNSS إلى قمع GENZ212


مقدمة

تسريبات "جبروت" السيبرانية، التي بدأت في أبريل 2025، هزت المغرب بكشفها أسراراً حساسة عن الفساد والتجسس داخل أجهزة "المخزن". هذه الهجمات، التي يُعتقد أنها جزائرية المنشأ، استهدفت مؤسسات مثل الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، الأمن الوطني، والوكالة العقارية، مكشفة عن صفقات مشبوهة وقمع احتجاجات "جيل Z". وسط نفي رسمي وتوترات إقليمية، أثارت التسريبات غضباً شعبياً وجدلاً حول هشاشة الأمن السيبراني. هذا المقال يستعرض أحدث تسريبات "جبروت"، تداعياتها، وأثرها على استقرار النظام المغربي، مع التركيز على اتهامات خطيرة ضد عبد اللطيف الحموشي، رئيس المخابرات الداخلية.
عرضبداية جبروت: ضربات سيبرانية متتاليةفي أبريل 2025، أعلنت مجموعة "جبروت"، التي تعمل عبر تيليغرام، اختراق قاعدة بيانات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، مسربة معلومات شخصية ومالية لمليوني موظف ونصف مليون شركة. شملت التسريبات رواتب، حسابات بنكية، وهويات، مما أثار مخاوف من الاحتيال. ادّعت المجموعة أن الهجوم رد على استفزازات مغربية، مثل اختراق حساب وكالة الأنباء الجزائرية على منصة إكس، حيث غُيّر اسمها إلى "الصحراء المغربية". هذه الخطوة وضعت "جبروت" كلاعب سياسي في نزاع الصحراء الغربية والتوترات الحدودية بين البلدين.في يونيو، استهدفت المجموعة الوكالة الوطنية للمحافظة العقارية، مسربة آلاف الوثائق العقارية وشهادات الملكية، بما يعادل أربعة تيرابايت من البيانات. هذه الهجمة جاءت كرد على تجميد أصول جزائرية في فرنسا، مما يعكس طابعاً إقليمياً للصراع. لم تتوقف "جبروت" عند هذا الحد، بل اخترقت وزارة العدل ووكالة السلامة الطرقية، مكشفة بيانات قضاة وموظفين، في رسالة واضحة لاستهداف النظام المغربي بكل أجهزته.في يوليو وأغسطس، تحولت التسريبات إلى فضائح سياسية، حيث كشفت عن صفقات عقارية مشبوهة لوزراء مثل عبد اللطيف وهبي وفاطمة الزهراء المنصوري، إلى جانب ثروة محمد راجي، أحد كبار مسؤولي المخابرات. كما أعادت إحياء اتهامات باستخدام برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي للتجسس على قادة عسكريين، وزراء، وحتى الملك محمد السادس، في سياق يُوصف بـ"حرب الخلافة" داخل النظام العلوي. هذه الوثائق، التي شملت تقارير داخلية مثل "L159265"، أثارت هلعاً في الأجهزة الأمنية، مع إشارات إلى تورط عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، في عمليات مراقبة داخلية.تسريبات أكتوبر 2025: ضربة القوات الأمنية والخوصصةفي أكتوبر 2025، وصلت حملة "جبروت" إلى ذروتها مع تسريبات استهدفت قوات الأمن المساعدة، التي اتهمت بقمع احتجاجات "جيل Z" (GENZ212) في مدن مثل الرباط وطنجة. هذه الاحتجاجات، التي اندلعت مطالبة بتحسين الخدمات الصحية والتعليمية، واجهت عنفاً أمنياً، مما دفع "جبروت" لنشر بيانات شخصية لنحو 100 ألف عنصر من قوات الأمن المساعدة، بما في ذلك أسماء، صور، وعناوين. هددت المجموعة بنشر سبعة تيرابايت إضافية من بيانات المديرية العامة للأمن الوطني (DGSN) والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST)، تشمل معلومات عن ضباط المخابرات، إذا استمر القمع. هذه التسريبات ربطت القمع بأوامر مباشرة من عبد اللطيف الحموشي، رئيس المخابرات، والقصر الملكي، مما زاد من الغضب الشعبي.في الوقت نفسه، كشفت وثائق عن صفقات "خوصصة مقنعة" عبر برنامج SPI-RFA، حيث بيعت مستشفيات ومدارس عمومية لصناديق استثمارية خاصة مرتبطة بالهولدينغ الملكي. هذه المرافق أُعيد تأجيرها للدولة بتكاليف باهظة، مما يثقل كاهل المواطنين ويفاقم أزمات القطاعات الأساسية. هذه الصفقات، التي أشرفت عليها نادية فتاح العلوي، وزيرة الاقتصاد، أُثيرت كدليل على الفساد البنيوي الذي يغذي الاحتجاجات. التسريبات، التي نُشرت على تيليغرام ومنتديات الدارك ويب، جاءت بدون طلب فدية، مما يعزز الطابع السياسي للعمليات.تسريبات عن عبد اللطيف الحموشي: اتهامات بالخيانة والتجسسعبد اللطيف الحموشي، المدير العام للأمن الوطني والمديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST)، أصبح الهدف الرئيسي لـ"جبروت" في حملة مكثفة خلال أغسطس وسبتمبر 2025. كشفت التسريبات عن تورط جهازه في عمليات تجسس داخلي باستخدام "بيغاسوس"، ليس فقط على معارضين وسياسيين، بل على أعلى المناصب، بما في ذلك الملك وعائلته، تحت غطاء "حماية الدولة". وثائق مسربة، مثل تلك المتعلقة بمحمد راجي، نائبه، أظهرت ثغرات متعمدة في أنظمة التجسس لبيع أسرار الدولة، مع إشارات إلى صفقات فساد تشمل تدفقات مالية مرتبطة بالمخدرات والأسلحة.في أغسطس، ألقت "جبروت" قنبلة بكشف أن DGST استخدمت طباخاً أجنبياً لإدخال دواء "سبيرونولاكتون" (هرمون يُستخدم للتلاعب بالهرمونات) في طعام ولي العهد الأمير مولاي الحسن، في محاولة لإضعافه جسدياً وسياسياً كجزء من "حرب خلافة" داخل النظام. هذه الاتهامات، التي وُصفت بـ"خيانة عظمى"، أثارت هلعاً داخل الأجهزة الأمنية، حيث يُقدم الحموشي كـ"رجل الملك" الذي يبني إمبراطورية على حساب الاستقرار. كما كشفت قوائم بأسماء كبار مسؤولي DGST، مثل رئيس التنصت محمد راجي ورئيس مكافحة التجسس عبد الله رزرازي، متهمين ببيع معلومات لدول أجنبية، مع صور شخصية وتفاصيل مالية تكشف عن ثروات غير مبررة.في أكتوبر، ربطت التسريبات الحموشي مباشرة بقمع احتجاجات GENZ212، حيث أصدر تعليمات لفؤاد علي الهمة بالتعامل "بحزم وقوة"، بما في ذلك اعتقالات عشوائية وتسلل عملاء مدنيين لإثارة شغب. "جبروت" نشرت رسائل داخلية تكشف عن مخططات لترهيب الصحفيين وفقدان السيطرة على الشارع، مع تهديد بنشر بيانات كاملة للأجهزة الأمنية إذا استمر القمع. هذه التسريبات أضعفت صورة الحموشي، الذي كان يُثير الخوف، إلى درجة إثارة الشفقة، وسط تكهنات بأنه هدف لصراعات داخلية أو حملة جزائرية لإضعافه كمنافس في "حرب الخلافة"، خاصة مع تقارير عن تدهور صحة الملك.ردود الفعل: نفي رسمي وغضب شعبيردت الحكومة المغربية بسرعة، واصفة التسريبات بـ"الدعاية الجزائرية المفبركة". أعلنت وزارة الداخلية في أكتوبر 2025 عن تحقيقات داخلية وتعاون مع شركة NSO الإسرائيلية للتحقق من سلامة برمجيات "بيغاسوس". كما أطلقت لجان تحقيق في مدن مثل بني ملال للتحقق من اتهامات الفساد، في محاولة لامتصاص الغضب الشعبي. على الصعيد الدولي، نفت إسرائيل تورط NSO في عمليات داخلية مغربية، لكن تقارير إعلامية غربية أشارت إلى تطابق جزئي مع تسريبات سابقة عن البرنامج.على منصة إكس، تصاعدت حملات مثل #جبروت_الحقيقة و#GENZ212، مع مطالبات باستقالة وزراء وتحقيق برلماني من أحزاب المعارضة مثل فيدرالية اليسار الديمقراطي. في الريف والجنوب، حيث تتفاقم الأزمات الاجتماعية، أثارت التسريبات غضباً عارماً، مع اتهامات للمسؤولين بخيانة الشعب. محللون سياسيون رأوا في التسريبات محاولة لإضعاف النظام المغربي، سواء عبر دعم جزائري أو صراعات داخلية بين فصائل المخابرات، خاصة مع تقارير عن تدهور صحة الملك محمد السادس، مما يعزز نظرية "حرب الخلافة".ردود فعل غير رسمية من الجزائر رحبت بالتسريبات كـ"كشف لفساد المخزن"، بينما اتهم البعض "جبروت" بأنها "عميل مزدوج" أو أداة لدول أجنبية. في المقابل، رد مغاربة بتسريبات مضادة، مثل 34 جيجابايت من بيانات وزارة الصناعات الدوائية الجزائرية، مما يعكس تصعيداً في الحرب السيبرانية.التداعيات: أمن مهدد وتوترات متصاعدةتسريبات "جبروت" كشفت عن ثغرات خطيرة في الأمن السيبراني المغربي، مما دفع الحكومة لتخصيص ملايين الدراهم لتعزيز المديرية العامة لأمن أنظمة المعلومات. تعيينات أمنية جديدة، مثل الجنرال عبدالله بوطريج، جاءت لمواجهة الأزمة، لكن الشكوك حول قدرة الأجهزة على حماية البيانات استمرت. اقتصادياً، زادت التسريبات من الضغط على الحكومة، التي تواجه احتجاجات بسبب تدهور الخدمات العمومية. إقليمياً، عمقت التوتر مع الجزائر، حيث تُستخدم التسريبات كأداة في صراع الصحراء. دولياً، أثارت التساؤلات حول علاقات المغرب مع إسرائيل والغرب بسبب استخدام "بيغاسوس".شعبياً، غذت التسريبات فقدان الثقة في الأجهزة الأمنية والسياسية، مع تصاعد الدعوات للمحاسبة. الحراك الشعبي، الذي يقوده جيل الشباب، وجد في التسريبات وقوداً لمطالب الإصلاح، مما يهدد بتفجير غضب أوسع إذا لم تُعالج الأزمات. بالنسبة للحموشي، أدت التسريبات إلى عزلة سياسية، مع حملات إعلامية تحاول إنقاذ صورته، لكن الاتهامات بالتلاعب بالهرمونات والقمع جعلته هدفاً للشفقة والنقد، مما يهدد استقراره في منصبه.

خاتمة

تسريبات "جبروت" ليست مجرد هجمات سيبرانية، بل هي مرآة تعكس فساداً بنيوياً وهشاشة أمنية في المغرب. من اختراق قواعد بيانات حساسة إلى كشف صفقات الخوصصة وقمع الاحتجاجات، أثبتت المجموعة أن الأسرار لم تعد آمنة في العصر الرقمي. الاتهامات ضد الحموشي بالخيانة والتجسس أضفت طبقة من التعقيد، مهددة الثقة في الجهاز الأمني. رغم نفي السلطات، أعادت التسريبات فتح نقاش الشفافية والمحاسبة، وسط توترات إقليمية متصاعدة. هل ستؤدي إلى إصلاحات جذرية أم إلى تشديد القبضة الأمنية؟ الإجابة تكمن في استجابة النظام، لكن "جبروت"، سواء كانت شبحاً أم أداة سياسية، أثبتت أنها قوة لا يُستهان بها، قد تغير قواعد اللعبة السياسية في المغرب إلى الأبد.
تعليقات