ريح الثورة: خربوشة والقايد عيسى

صوت الكلمة أمام السيف


قصة خربوشة والقايد عيسى: صوت الريح في وجه العاصفة

في أرض عبدة الخصبة، حيث تتدفق أنهار الدار البيضاء كأوردة حياة خضراء، وتُعانق التلال الخضراء سماءً زرقاء لا تنتهي، كانت الحياة في القرن التاسع عشر عشرًا من التناقضات. كان السلطان عبد العزيز يحكم من الرباط بيد من البارود والحرير، لكن في الريف، حيث يعيش الرعاة والفلاحون، كانت السلطة تُدار بقبضة حديدية من قبل القواد المخزنيين. ومن بين هؤلاء، برز اسم القايد عيسى بن عمر كظلال الجبل الأسود: قوي البنية، حاد النظر، وقلبه كالحجر الذي لا يلين. ولد عيسى في عام 1879 في قرية صغيرة قرب آسفي، ابن لعائلة عبدية عريقة، تعلّم فنون الحرب من صغره، وصعد في سلّم السلطة بفضل ذكائه الماكر وولائه الأعمى للمخزن. عُيّن قائدًا على منطقة عبدة في سن الثلاثين، وسرعان ما أصبح رمزًا للقمع والجباية، يجمع الضرائب بالسيف قبل القلم، ويُخمد أي شرارة تمرد بلهيب البارود.أما خربوشة، فكانت ابنة هذه الأرض نفسها، مولودة في عام 1865 في قبيلة أولاد زيد، تلك القبيلة الشجاعة التي تتوزع بين السهول والجبال، تعتمد على الزراعة والرعي، وتحمل في دمائها روح الثوار القدامى. سميت خربوشة – أو "الخربوشة" كما يُلقّبها أهلها – على اسم الريح الجنوبية التي تهبّ في الصيف، حارة ومدمرة، لكنها تحمل معها وعود المطر. كانت خربوشة طفلة ذات عيون سوداوين كالليل، وشعر أسود يتدفق كأنهار الوادي، نشأت في خيمة من الصوف الأبيض، تسمع قصص الجدات عن بطولات الأجداد ضد الغزاة البرتغاليين والإسبان. منذ طفولتها، كانت الكلمات رفيقتها؛ ففي ليالي الشتاء الباردة، تجلس بجانب النار، تستمع إلى الشعراء الرحّالة ينشدون العيطة – ذلك الفن المغربي الشعبي الذي يمزج بين الغناء والشعر والإيقاع – وسرعان ما بدأت تقلّد أصواتهم، ثم تبتكر كلماتها الخاصة. كانت أمها، فاطمة الزيدية، امرأة قوية تعمل في الحقول، تعلّمها خربوشة أن "اللسان أقوى من السيف إذا كان يحمل الحق". وأبوها، محمد بن زيد، راعيًا يقود قطيعه عبر التلال، يروي لها حكايات عن الظلم الذي يُمارَس على الرعية من قبل القواد.

مع مرور السنين، تزوجت خربوشة من رجل يُدعى الحاج علي، فلاحًا طيّب القلب يملك أرضًا صغيرة على ضفاف وادي أم الربيع. عاشا في سلام نسبي، يربيان ثلاثة أبناء: أحمد الذي يشبه أباه في هدوئه، وعائشة الصغيرة ذات الضحكة المدوّية، ويوسف الشجاع الذي يحب الصيد في الغابات. كانت حياة خربوشة مليئة بالأعمال اليومية: تحرث الأرض مع النساء في الفجر، تجمع الزيتون في الخريف، وفي المساء، تجلس مع الجيران حول الدار، تنشد أشعارًا عن الحب والطبيعة. لكنها كانت تحمل في قلبها نارًا خفية؛ فالقايد عيسى، الذي سمع عنه الجميع، كان يُثقل كاهل القبيلة بضرائب باهظة، يأخذ الثلث من المحصول دون رحمة، ويُجند الشباب للحروب المخزنية بعيدًا عن أراضيهم. كانت الشائعات تتردّد في الأسواق: "عيسى يأكل لحم الرعية، ويشرب دماء الأطفال". ومع ذلك، كانت خربوشة تُكمِم غضبها بالصمت، حتى جاء ذلك اليوم المشؤوم في صيف عام 1895.كان الجو حارًا كالفرن، والشمس تُذيب التراب إلى طين أحمر. في قرية تارودانت الصغيرة، حيث تقع أراضي أولاد زيد، اجتمع الرجال تحت شجرة الزيتون الكبيرة، يناقشون الظلم الذي وصل حده. 

"القايد يطلب الضريبة الثالثة هذا العام، ومحصولنا ناقص بسبب الجفاف!" صاح أحمد بن سالم، شيخ القبيلة. "سنقاوم! لن نُدْخِلَ خيولهم إلى حقولنا!" ردّ عليه يوسف، ابن خربوشة، الذي كان قد بلغ السابعة عشرة، ويحمل في عينيه بريق الثورة. قرّر الرجال الانتفاضة: سيقطعون الطريق على قافلة الضرائب، ويعلنون رفضهم للجباية. انتشرت الخبر كالنار في الهشيم، وفي الخيام، بدأت النساء يعدّن الطعام والأدوية، بينما يصقل الرجال سيوفهم القديمة.خربوشة، التي كانت تعمل في الحقل، سمعت الضجيج من بعيد. ركضت إلى الخيمة، حيث وجدت زوجها عليًا يرتدي رداءه الأبيض، جاهزًا للمعركة. "لا تذهب، يا علي! هذا موت!" صاحت، ودموعها تسيل كالمطر. لكنه ضمّها إلى صدره وقال: "الظلم يقتلنا كل يوم، يا خربوشة. إذا لم نقاوم اليوم، متى؟" قبل أن يغادر، أمسكت بيده وقالت: "إذا متّ، سأجعل اسمك يعيش في الشعر". في تلك الليلة، لم تنم؛ جلست بجانب النار، وكتبت أول قصيدة لها عن الثورة: "يا أولاد زيد، أبناء السيف والرمح / قوموا من سباتكم، فالعدو يقترب / عيسى الذئب يلتهم لحمنا، ويشرب دمنا / لكن الريح ستأتي، وستُطْفِئَ نارَهْ".في الصباح، انطلقت القافلة المخزنية: مائة فارس على خيول سوداء، يقودهم القايد عيسى بنفسه، رجل طويل القامة ذو لحية سوداء كثيفة، وعيون كالحجر الرمادي. كان يرتدي جلبابًا أخضر مطرزًا بالذهب، وسيفه منحنيًا كفك الثعبان. عندما وصلوا إلى الوادي الضيّق، حيث كمَدْ أولاد زيد الكمين، انفجر القتال. أصوات السيوف تتصادم، والبارود يملأ الهواء برائحة الموت. قاتل علي بشراسة، يحمي الجانب الأيمن، بينما يوسف، ابن خربوشة، يرمي الحجارة من الأعلى. لكن قوة عيسى كانت أكبر؛ كان جنوده مدرّبين، وخيولهم سريعة. 

في ساعات قليلة، انهار التمرد. سقط عشرات القتلى، وأُحرقت الخيام، وأُخِذَ السجناء. قُتِلَ علي أمام عيني يوسف، الذي نجا بأعجوبة وهرب إلى الجبال. عندما وصلت خربوشة إلى الميدان، وجدت جثة زوجها ملقاة في بركة من الدماء، محاطة بأشلاء الزيتون. صرخت صرخة مزّقت السماء: "يا ربي، يا ظالمين! هذا ليس عدلًا، هذا ذبحًا!" حملت الجثة إلى الخيمة، ودفنتها بنفسها تحت شجرة التين، ثم جلست هناك، تبكي وتنشد: "يا علي، يا نور عيني، ذهبتَ وتركتَني / عيسى الغادر قتلَكَ، لكن صوتي سيبقى / سأهجوَهُ بالكلمات، حتى يحترقَ من الخجل".من ذلك اليوم، تحولت خربوشة من امرأة ريفية هادئة إلى شاعرة الثورة. لم تعد تخاف؛ بل صارت تتجول في القرى المجاورة، تنشد قصائدها في الأسواق والمساجد، تجمع النساء والرجال حولها كالفراشات حول الضوء. كانت قصائدها هجاءً لاذعًا، يصف فيها عيسى كـ"الكلب الذي ينبح في الظلام، لكنه يخاف الضوء". في إحدى القصائد الشهيرة، قالت:"يا عيسى بن عمر، يا ابن الغدر والخيانة

أنتَ قايد المخزن، لكن قلبَكَ أسودُ كالليلِ

قتلتَ أزواجَنا، وأحرقتَ بيوتَنا،

لكن الريح خربوشة آتية، ستُمزِّقُ رداءَكَ

يا ذئبَ عبدة، ستأكلُكَ كلمتي كالسمِّ

في يومٍ من الأيام، ستنهارُ عرشُكَ،

ويعودُ الحقُّ إلى أهلِهِ، يا طاغيةَ الزمانِ".انتشرت هذه القصيدة كالوباء؛ يغنّيها الفلاحون في الحقول، ويهمس بها التجار في آسفي، وحتى في الرباط، وصل صداها إلى قصور السلطان. أثارَ ذلك غضب عيسى، الذي كان يُعتبر في بلاطه شاعرًا هو نفسه، ينشد المدائح للسلطان. في قصره الصغير بقرية الجديدة، جلس مع مستشاريه، وجهه أحمر كالنار. "من هذه المرأة التي تجرؤ على هجائي؟" صاح. أرسل جواسيسه، الذين عادوا يقولون: "إنها خربوشة بنت محمد الزيدية، أرملة علي، شاعرة من أولاد زيد. كلماتها تحرّض القبائل ضدّكَ، يا مولاي". ابتسم عيسى ابتسامة ماكرة، وقال: "سأدعوها إلى حضرةِي. سأُكْرِمْهَا، ثم أُسْكِتْهَا". كان يعتقد أن الذهب والوعود ستُلْيِنْ لسانَها، كما حدث مع غيرها من الشعراء.في يومٍ من أيام الشتاء، وصلَ النداءُ إلى خربوشة: "القايد عيسى يدعوكِ إلى قصره لتُنْشِدِيْ قُصَائِدَكِ في حفلةٍ كريمة". تردّدتْ قليلًا، لكن يوسف، ابنَها، شجّعَها: "اذهبي يا أمي، اجعلي صوتَكِ يُسْمَعْ في وجهِهِ مباشرةً". 

ارتدتْ خربوشة رداءَها الأبيضَ المطرَّزَ بالحُلِيِّ البسيطة، وحملتْ معَها عُودَهَا الصغيرَ – آلة موسيقية تُشْبِهُ القيثارَ – وركبتْ الحمارَ معَ قافلةٍ من النساءِ للحمايةِ. عندَما وصلتْ إلى قصرِ عيسى، الذي يقعُ على تلٍّ يطلُّ على البحرِ، أُذْهِلَتْ بفخامَتِهِ: جدرانُ طينٍ مُزَيَّنَةٌ بالفسيفساءِ، وحدائقُ مليئَةٌ بالبرتقالِ والياسمينِ، وجنودٌ يحرسونَ البوابَةَ كالتماثيلِ. أُدْخِلَتْ إلى الصالةِ الكبيرةِ، حيثُ جلسَ عيسىُ على عرشٍ من الخشبِ المُنْقَشِ، مُحَاطًا بِعَشْرَةِ مَنْشَدِينَ ومُسْتَشَارِينَ.بدأَ الحفلُ بِمَدَائِحِ لِلسُّلْطَانِ، ثمْ دُعِيَتْ خُرْبُوشَةُ لِلْإِنْشَادِ. وقفتْ في وَسَطِ الصَّالَةِ، عَيْنَاهَا تُحَدِّقَانِ فِيْ عَيْنَيْ عِيسَى بِجَرْأَةٍ لَا تُخْفَى، وَضَرَبَتْ عَلَى عُودِهَا نَغْمَةً حَزِينَةً كَصَوْتِ الرِّيَحِ فِيْ الْوَادِي. بَدَأَتْ بِقَصِيدَةٍ عَنْ الْحُبِّ وَالْأَرْضِ، لِتُرْيِحْ قَلْبَهُ، ثُمَّ انْتَقَلَتْ فَجْأَةً إِلَىْ الْهَجَاءِ:"يَا عِيسَى بْنَ عُمَرْ، يَا قَايْدَ الْغَدْرِ وَالْخِيَانَةْ

أَنْتَ تَحْكُمُ بِالسَّيْفِ، لَكِنَّ قَلْبَكَ أَسْوَدُ كَالْلَّيْلِ

قَتَلْتَ أَزْوَاجَنَا فِيْ وَادِيْ أُمِّ الرَّبِيعِ،

وَأَحْرَقْتَ خِيَامَنَا، وَسَرَقْتَ مَحْصُولَنَا

لَكِنَّ صَوْتِيْ سَيَبْقَى، يَهْزِّمُ عَرْشَكَ الْمُزِيفَ

يَا ذِئْبَ عَبْدَةْ، سَتَأْكُلُكَ كَلِمَاتِيْ كَالسَّمِّ الْفَاسِدِ

فِيْ يَوْمٍ مِنَ الْأَيَّامِ، سَيَنْهَارُ جَبْرُكَ،

وَيَعُودُ الْحَقُّ إِلَىْ أَهْلِهِ، يَا طَاغِيَةَ الزَّمَانِ".سادَ الصَّالَةُ صَمْتٌ ثَقِيلٌ كَالْحَجَارَةِ. وَجْهُ عِيسَىْ أَحْمَرَ كَالنَّارِ، وَيَدَاهُ تَرْجُفَانِ عَلَىْ ذِرَاعَيْ الْعَرْشِ. حَاوَلَ أَنْ يَضْحَكَ، لَكِنَّهُ قَالَ بِصَوْتٍ خَافِتٍ: "جَيِّدَةٌ يَا امْرَأَةْ، لَكِنَّ كَلِمَاتِكِ حَادَّةٌ. هَلْ تَعْلَمِينَ أَنَّ الْمَخْزَنَ يَكْرَمُ الشُّعَرَاءَ، لَكِنَّهُ يُعَاقِبُ الْمُحَرِّضِينَ؟" أَجَابَتْ خُرْبُوشَةُ بِاسْتِكْبَارٍ: "أَنَا لَسْتُ مُحَرِّضَةً، يَا قَايْدُ، أَنَا صَوْتُ الْحَقِّ. إِنْ أَرَدْتَ إِسْكَاتِيْ، فَاقْتُلْنِيْ، لَكِنَّ كَلِمَاتِيْ سَتَبْقَىْ تَتَرَدَّدُ فِيْ الْجِبَالِ".غَادَرَتْ خُرْبُوشَةُ الْقَصْرَ سَالِمَةً، لَكِنَّ عِيسَىْ لَمْ يَسْتَسْلِمْ. أَرْسَلَ جُنُودَهُ لِلْتَّجَسُّسِ عَلَيْهَا، وَحَاوَلَ شِرَاءَ صَمْتِهَا بِذَهَبٍ، لَكِنَّهَا رَفَضَتْ. بَدَأَتْ تَجْمَعُ الْقَبَايِلَ فِيْ لَيَالِيْ الْعِيْطَةِ، تُنْشِدُ قَصَائِدَ تَحْرِيضِيَّةً أَكْثَرَ، وَتَحْكِيْ حِكَايَاتِ الْقَمْعِ. فِيْ إِحْدَىْ الْلَّيَالِيْ، فِيْ جَمْعِيَّةٍ سِرِّيَّةٍ فِيْ الْجِبَالِ، قَالَ يُوسُفُ لِأُمِّهِ: "يَا أُمِّيْ، كَلِمَاتُكِ تَحْرِكُ الْقُلُوبَ، لَكِنَّ عِيسَىْ يَخْطُطُ لِلْانْتِقَامِ". رَدَّتْ: "الْكَلِمَةُ سِلَاحُنَا الْوَحِيدُ، يَا وَلَدِيْ. سَنَحْمِيْهَا بِالْعَزْمِ".مَرَّتْ أَشْهُرٌ، وَازْدَادَ غَضَبُ عِيسَىْ. فِيْ رَبِيعِ 1896، أَمَرَ بِغَارَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَىْ أُولَادْ زَيْدْ، لَكِنَّ الْقَبِيلَةَ كَانَتْ مُسْتَعِدَّةً هَذِهِ الْمَرَّةْ. انْتَصَرُوا فِيْ مَعْرَكَةٍ صَغِيرَةٍ، وَانْتَشَرَتْ أَخْبَارُ النَّصْرِ، مَعْ قَصِيدَةِ خُرْبُوشَةِ الْجَدِيدَةِ: "نَحْنُ أَبْنَاءُ الْجِبَالِ، لَا نَخَافُ الْعَاصِفَةْ / عِيسَىْ يَهْدِرُ، لَكِنَّنَا نَقْفُ كَالْصَّخْرِ / الْبَارُودُ يَحْرِقُ الْجِلْدَ، لَكِنَّ الْحَقَّ يَبْقَىْ". أَصْبَحَتْ رَمْزًا، وَبَدَأَتْ قَبَايِلُ دَكَالَةْ وَعَبْدَةْ تَتَحَالَفُ مَعَهَا.لَكِنَّ الْقَدَرَ كَانَ قَاسِيًا. فِيْ صَيْفِ 1897، أَثْنَاءَ رِحْلَةِ خُرْبُوشَةِ إِلَىْ قَرْيَةٍ بَعِيدَةٍ لِتَحْرِيضِ الْقَبَايِلِ، وَقَعَتْ فِيْ كَمِينٍ لِجُنُودِ عِيسَىْ. أُسْرَتْ وَأُحْضِرَتْ إِلَىْ الْقَصْرِ مَرَّةً أُخْرَىْ، مَكْبِلَةً بِالْحَدِيدِ. وَجَدَتْ عِيسَىْ أَمَامَهَا فِيْ الصَّالَةِ، وَقَالَ: "الْيَوْمَ سَتَدْفَعِينَ ثَمَنَ كَلِمَاتِكِ، يَا خُرْبُوشَةْ". أَجَابَتْ بِسَمَاحَةٍ: "كَلِمَاتِيْ لَيْسَتْ لِيْ، هِيَ لِلْشَّعْبِ. اقْتُلْنِيْ، وَسَتَرَىْ كَيْفَ تَحْيَا فِيْ أَفْوَاهِهِمْ". حَكَمَ عَلَيْهَا بِالْحُبْسِ فِيْ غُرْفَةٍ صَغِيرَةٍ، وَأَمَرَ بِإِشْعَالِ نَارٍ حَوْلَهَا لِيَحْرَقُوهَا حَيَّةً، كَمَا تَقُولُ الرِّوَايَاتُ الشَّعْبِيَّةُ.لَكِنَّ الْقَبِيلَةَ لَمْ تَتْرُكْهَا. هَاجَمَ يُوسُفُ وَالْمُقَاوِمُونَ الْقَصْرَ فِيْ لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ، وَأَنْقَذُوهَا بِمُعْجِزَةٍ. عَادَتْ خُرْبُوشَةُ إِلَىْ الْجِبَالِ، وَاسْتَمَرَّتْ فِيْ نِضَالِهَا لِعَقُودٍ. مَاتَ عِيسَىْ فِيْ 1914، مَقْتُولًا فِيْ مُوَاجَهَةٍ مَعَ قَبِيلَةٍ أُخْرَىْ، وَقَالَ الْشَّعْبُ إِنَّ لَعْنَةَ خُرْبُوشَةِ أَصَابَتْهُ. أَمَّا هِيَ، فَعَاشَتْ حَتَّىْ أَوَاخِرِ حَيَاتِهَا فِيْ الْعِشْرِينِيَّاتِ، تُعَلِّمُ أَحْفَادَهَا الْعِيْطَةَ وَالْهَجَاءَ، وَتَحْكِيْ قِصَّتَهَا كَدَرْسٍ لِلْأَجْيَالِ.وَهَكَذَا، بَقِيَتْ قِصَّةُ خُرْبُوشَةَ وَالْقَايْدِ عِيسَىْ خَالِدَةً فِيْ الْتَّرَاثِ الْمَغْرِبِيْ، رَمْزًا لِلْمُقَاوَمَةِ الْمَرْأَةِ أَمَامَ الطُّغْيَانِ. فِيْ كُلِّ لَيْلَةِ عِيْطَةٍ، تَتَرَدَّدُ كَلِمَاتُهَا: "الْكَلِمَةُ سِلَاحُ الْفُقَرَاءِ، وَالْحَقُّ نَارٌ لَا تُطْفَأُ".

تعليقات