إصلاحات محمد السادس: 140 مليار درهم للصحة والتعليم رداً على جيل زد 212
الإصلاحات الاجتماعية في المغرب: بين صرخة جيل زد ووعد الميزانية الجديدةالمقدمةفي أجواء الخريف المغربي الدافئة، حيث تتداخل ألوان الشمس الغاربة مع أصوات الشوارع النابضة بالحياة، شهد المغرب في الأسابيع الأخيرة تحولاً سياسياً واجتماعياً يعكس توترات عميقة في نسيج المجتمع. بدأ الأمر بصرخة شبابية عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث أطلقت حركة "جيل زد 212" – الجيل الذي يحمل رقم هاتف المغرب الدولي كرمز للوحدة الوطنية – سلسلة من الاحتجاجات السلمية في مدن مثل الرباط، الدار البيضاء، مراكش، وطنجة. هذه الحركة، التي نشأت في أواخر سبتمبر 2025، لم تكن مجرد رد فعل عفوي على تدهور الخدمات العامة، بل كانت تعبيراً عن إحباط جيل يولد في عصر الرقمنة والوعود الكبرى، لكنه يواجه واقعاً من البطالة، نقص المستشفيات، وأقسام تعليمية متهالكة.في 19 أكتوبر 2025، ترأس الملك محمد السادس، نصره الله، مجلساً وزارياً استثنائياً بالقصر الملكي بالرباط، خصص للتداول في التوجهات العامة لمشروع قانون المالية لسنة 2026. كان هذا الاجتماع، الذي حضره رئيس الحكومة عزيز أخنوش وأعضاء الوفد الملكي، بمثابة رد ملكي مباشر على مطالب الشباب، حيث أعلن عن زيادة دراماتيكية في ميزانية قطاعي الصحة والتعليم تصل إلى 140 مليار درهم (حوالي 15 مليار دولار أمريكي)، مع إحداث 27 ألف منصب شغل جديد. هذه الخطوة لم تكن مجرد إجراء إداري، بل كانت محاولة لاستعادة الثقة في الدولة، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت هذه الإصلاحات كافية لإسكات صوت الشارع أم أنها مجرد خطوة أولى في طريق طويل نحو تغيير جذري.في هذا المقال، سنستعرض بشكل مطول سياق الاحتجاجات، تفاصيل الاجتماع الوزاري، وتداعيات الميزانية الجديدة، مع التركيز على التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهها المغرب. سنحاول أن نفهم كيف يمكن لهذه الأحداث أن تشكل مستقبل المملكة، مستندين إلى بيانات رسمية وشهادات من الشارع والإعلام. فالمغرب، الذي يسعى لتحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4.8% في 2025، يحتاج إلى توازن دقيق بين الاستقرار السياسي والعدالة الاجتماعية، وهو ما يجعل هذه اللحظة تاريخية بكل معنى الكلمة.العرضنشأة حركة "جيل زد 212": صرخة الشباب في وجه الإهمالبدأت حركة "جيل زد 212" كفكرة افتراضية على منصة ديسكورد في 27 سبتمبر 2025، حيث جمع شباب في العشرينيات من عمرهم تحت شعار "الصحة والتعليم أولوية وطنية". هذا الجيل، الذي يمثل نحو 25% من سكان المغرب (حوالي 10 ملايين نسمة)، نشأ في ظل الثورة الرقمية، لكنه يعاني من معدلات بطالة تصل إلى 35% بين الشباب الجامعيين، وفقاً لتقارير البنك الدولي. المطالب الرئيسية كانت واضحة: تحسين الخدمات الصحية، حيث ينتظر المرضى ساعات طويلة في المستشفيات العمومية بسبب نقص الأطباء (نسبة طبيب لكل ألف نسمة لا تتجاوز 0.7)، وإصلاح التعليم الذي يعاني من 40% من التلاميذ في المرحلة الابتدائية غير القادرين على القراءة الأساسية، كما أشارت دراسة اليونسكو لعام 2024.استمرت الاحتجاجات لأسبوعين، مع مظاهرات سلمية في 15 مدينة، جذبت آلاف المشاركين. في الدار البيضاء، على سبيل المثال، تجمع أكثر من 5 آلاف شاب أمام مقر وزارة الصحة، يحملون لافتات تقول "لا للموت في الطوابير"، مشيرين إلى حالات وفيات بسبب تأخير العلاج. ومع ذلك، شهدت بعض التظاهرات اشتباكات مع قوات الأمن، أدت إلى اعتقال 269 شخصاً، معظمهم أُفرج عنهم لاحقاً. الحركة، غير المنتمية إلى أي حزب، اعتمدت على وسائل التواصل لتنظيمها، حيث بلغ هاشتاغ #جيل_زد_212 أكثر من 2 مليون تغريدة في أسبوع واحد على منصة X (تويتر سابقاً).من الناحية الاجتماعية، تعكس هذه الحركة تحولاً في الوعي الشبابي. الشباب المغاربة، الذين يشكلون 60% من السكان تحت سن 30 عاماً، يرفضون النموذج التقليدي للاحتجاجات السياسية، مفضلين التركيز على القضايا اليومية. كما قال أحد المتظاهرين في مقابلة مع قناة الجزيرة: "نحن لسنا ضد الملك، بل ضد النظام الذي يسرق أحلامنا". هذا التمييز بين الولاء للملكية والنقد للحكومة أثار جدلاً، حيث اتهم بعض الإعلاميين الحركة بالتأثر الخارجي، بينما رآها آخرون كصوت أصيل للتغيير. ومع ذلك، أعلنت الحركة تعليق الاحتجاجات مؤقتاً في 11 أكتوبر، لإعطاء فرصة للحكومة للرد، مما يعكس نضجاً سياسياً يتجاوز الغضب العابر.الاجتماع الوزاري: لحظة حاسمة في القصر الملكيفي 19 أكتوبر 2025، بالتزامن مع ذروة الاحتجاجات، عقد الملك محمد السادس مجلساً وزارياً استثنائياً، وفقاً لبلاغ الديوان الملكي. حضر الاجتماع رئيس الحكومة عزيز أخنوش، ووزيرا الصحة والتعليم، بالإضافة إلى وزراء آخرين. كان الهدف الرئيسي التداول في مشروع قانون المالية 2026، مع التركيز على "التنمية الاجتماعية كمحور أساسي للاستقرار الوطني". أكد الملك في كلمته، التي نقلها موقع المركز الإعلامي الملكي، أن "الدولة ملتزمة بتحقيق العدالة الاجتماعية، وأن مطالب الشباب ليست رفاهية بل حق أصيل". هذا الاجتماع لم يكن الأول من نوعه؛ فقد سبقه اجتماعات مشابهة في 2023 حول الإصلاح الاقتصادي، لكنه كان الأكثر إلحاحاً بسبب الضغط الشعبي.من بين المصادقات الرئيسية، كان تعيين ولاة وعمال جدد في مناطق الجنوب، لتعزيز التنمية الترابية، وتعديل قوانين تتعلق بإنتاج الطاقة الكهربائية. كما ناقش المجلس رفع التعويضات العائلية للقطاع الخاص، وتحديث قوانين زيوت الاستهلاك. ومع ذلك، سرق إعلان الميزانية الأضواء، حيث وصف الملك الإصلاحات بأنها "جزء من رؤية شاملة لمغرب صاعد"، مشدداً على أهمية الاستثمار في الإنسان كرأس المال الأول. هذا الاجتماع أثار إعجاباً دولياً، حيث رحبت الاتحاد الأوروبي بالخطوة كدليل على التزام المغرب بالأجندة التنموية المستدامة.تفاصيل الميزانية: زيادة تاريخية للصحة والتعليمالجوهر الرئيسي للميزانية الجديدة هو الرفع الاستثنائي للإنفاق على الصحة والتعليم إلى 140 مليار درهم، بزيادة 22.8% مقارنة بـ2025، حيث كانت الميزانية السابقة 117 مليار درهم. يُخصص 90 مليار درهم للتعليم، وهو ما يمثل زيادة بنسبة 6% عن العام السابق، بما في ذلك إحداث 19 ألف منصب شغل جديد، وتعميم التعليم الأولي عبر إنشاء 4,800 قسم جديد بحلول 2026-2027، ليصل إجمالي الأقسام إلى 40 ألف. كما سيتم تحديث 500 مدرسة في المناطق الريفية، مع التركيز على التكوين المهني لمواجهة البطالة الشبابية.أما قطاع الصحة، فيحصل على 50 مليار درهم، وهو ارتفاع بنسبة 56% عن الـ32 مليار درهم السابقة، مع 8 آلاف منصب جديد، وتحديث 90 مستشفى، وافتتاح مراكز صحية جامعية في 10 مدن. هذا الإنفاق يغطي نفقات الموظفين بنحو 16.43 مليار درهم، ويخصص 5 مليارات لشراء معدات طبية حديثة، بما في ذلك أجهزة التصوير بالرنين المغناطيسي. وفقاً لتقرير هسبريس، ستشمل الإجراءات تسريع برنامج "التغطية الصحية الشاملة" ليصل إلى 90% من السكان بحلول 2027. هذه الأرقام ليست مجرد أرقام؛ فهي ترد على إحصائيات مقلقة، مثل 269 ضحية للاتجار بالبشر في 2024، معظمها في الاستغلال الجنسي والعمالي، والتي ترتبط بنقص الخدمات الاجتماعية.هذه الزيادة الإجمالية بنسبة 22.8%، مع إحداث 27 ألف منصب جديد، تلخص التحول الرئيسي، لكنها تثير تساؤلات حول التنفيذ: هل ستكون هذه الأموال محصنة من الفساد، الذي يُقدر بنسبة 10% من الميزانيات العامة وفقاً لتقارير الشفافية الدولية؟التأثير والردود: بين الترحيب والتشكيكردود الفعل على الإعلان كانت مختلطة. في الشارع، رحب الشباب بالخطوة كـ"انتصار جزئي"، حيث غردت حسابات #جيل_زد_212: "شكراً للملك، لكن الطريق طويل"، مع 500 ألف إعادة تغريد. ومع ذلك، أعرب بعض المتظاهرين عن الشك، معتبرين أن "الأرقام جميلة، لكن التنفيذ هو التحدي". الحكومة، من جانبها، أكدت التزامها، مع إعلان أخنوش عن لجنة رقابة مستقلة للميزانية. دولياً، أشادت الجزيرة بالزيادة كـ"استجابة لمطالب جيل زد"، بينما حذرت فرانس 24 من "تراجع الزخم الشعبي" إذا لم يتم التنفيذ الفوري.في سياق أوسع، ترتبط هذه الأحداث بقضايا أخرى، مثل دعم بلجيكا لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء، ووفاة فنان مغربي بارز (الذي لم يُكشف عن اسمه بعد)، مما أضاف طابعاً عاطفياً للأحداث. كما أن ولي العهد مولاي الحسن أُوكلت إليه مهمة رسمية تتعلق بالشباب، مما يعزز الرسالة الملكية.الخاتمةفي الختام، يمثل الاجتماع الوزاري لـ19 أكتوبر 2025 وميزانيته الجديدة نقطة تحول في مسار المغرب نحو مجتمع أكثر عدلاً. حركة "جيل زد 212"، بصرخاتها السلمية، أثبتت أن الشباب قادر على دفع التغيير، بينما رد الملك محمد السادس يؤكد التزام الدولة بالإصلاح. ومع ذلك، يبقى التحدي في التنفيذ: هل ستتحول هذه الأرقام إلى مستشفيات حديثة ومدارس مجهزة، أم ستبقى وعدًا على الورق؟ المستقبل يعتمد على حوار مستمر بين الشارع والدولة، حيث يمكن للمغرب، بتاريخه العريق وشبابه الطموح، أن يصبح نموذجاً للتنمية الشاملة في المنطقة. إنها فرصة ليس فقط للإصلاح، بل لإعادة بناء الثقة، فالمغرب – كما قال الملك – "مملكة صاعدة" إذا ما استثمر في أبنائه. شكراً لك على القراءة، ودعونا نتابع معاً مسار هذا التغيير الواعد.
تعليقات