الفضائح السياسية في المغرب: انهيار الثقة وصرخة جيل Z ضد الفساد
الفضائح السياسية في المغرب انهيار الثقة وصرخة الشعب
مقدمةفي قلب المغرب الذي يقدس تاريخه بالكفاح والصمود يتسرّب الفساد كالسموم الخفية يأكل من أوصال المؤسسات ويذيب أركان الثقة العامة. إنه ليس خطأ عابرا أو زلة إدارية بل داء مزمن يتغوّل في كل زاوية من زوايا الحكم يحوّل المناصب العليا إلى محطّات للاستغلال والإفساد ويجعل الأموال العامّة غنيمة للمتمرّدين على القانون. في عامي 2024 و2025 انفجرت سلسلة من الفضائح السياسيّة التي كشفت عن عمق الجرح حيث اختلطت سرقة المال بالتلاعب بمصائر البشر وتحوّلت الخدمات الأساسيّة كالصحّة والتعليم إلى أدوات للفشل والإهمال. هذه الفضائح ليست مجرّد عناوين صحفيّة بل هي انعكاس لفشل النظام في حماية الشعب من أولئك الذين يُفترض بهم خدمته فتُسرق المليارات المقدّسة للتطوير وتتفتّت المستشفيات والمدارس بينما يترفّع المسؤولون في قصورهم المشبعة بالفسوق. وفي هذه المقالة نتطرّق إلى أبرز هذه الفضائح زمنيّا وموضوعيّا لنكشف عن الدّرس الذي يجب أن تتعلّمه الأجيال فالفضيحة ليست نهاية بل بداية للإصلاح إن أُريد ذلك. إنّها صرخة جيل Z وغضب الشعب الذي يطلب حقه ودعوة للملك والحكومة لإعادة بناء الثّقة على أساس الشفافيّة والمساواة.عرضبدأت سلسلة الفضائح في عام 2024 بقضيّة صفقة تحلية المياه التي أثارت عاصفة من الغضب العامّ والمطالب باستقالة الرئيس الحكوميّ عزيز أخنوش. كانت هذه الصّفقة تتعلّق بمشروع تحليّة مياه البحر في دار البيضاء والّتي فازت بها شركة أفريقيا غاز المنتمية لعائلة أخنوش بقيمة تتجاوز 6.5 مليار درهم مغربيّ (حوالى 623 مليون يورو). وما أثار الجدل ليس فوز الشّركة فحسب بل تدخّل أخنوش نفسه كرئيس حكومة في دعم المشروع ما أدّى إلى اتهامات بتضارب المصالح والفساد المؤسّس. دافع أخنوش عن قراره أمام البرلمان مؤكّدا أنّ الصّفقة كانت تتماشى مع القانون ولكنّ حزب العدالة والتنمية (PJD) لم يقبل بذلك وطالب باستقالته فورا مشيرا إلى أنّ هذه الصّفقة تُمثّل أكبر فضيحة في تاريخ الحكومة الحاليّة. أثارت القضيّة غضب الرأي العامّ حيث رأى المواطنون فيها دليلا على كيفيّة تحويل المشاريع العامّة إلى مصالح شخصيّة فتُنْفَقُ الأموال على من يملكون القُدْرَةَ بينما يعثُرُ الشَّعْبُ فيْ نَقْصِ الْمِيَاهِ وَالْخَدَمَاتِ. وفي سياق مماثل أكّدت تقارير هيئة النزاهة ومنظّمة "ترانسبَرَنْسِيْ إِنْتَرْنَاشْيُونَالْ" تراجع المغرب في مؤشّر الفساد لعام 2024 حيث وصل إلى المركز 99 من 180 دولة بنقطة 37 من 100 ما يُشير إلى تفاقم المشكلة وعجْزِ الْجُهُودِ الْحَكُومِيَّةِ عَنْ مُوَاجَهَتِهَا.وفي عام 2025 انفجرت فضيحة التسريبات الالكترونية (سايبر ليكس) في يوليو والتي هزت اساسات المؤسسة السياسية المغربية. نشرت مجموعة قراصنة تسريبات كشفت عن مسؤولين كبار في الحكومة والمؤسسات بما في ذلك تورط في صفقات مشبوهة وتدخلات في الانتخابات. ادعت مجموعة الهكرز الجزائرية "جباروت" (المعنى "القوة المطلقة") مسؤوليتها عن هجوم الكتروني تابِع لثلاثة اشهر والذي تضمن اختراق مواقع وزارة الشمال الاقتصادي وصندوق التأمينات الاجتماعية وتسريب وثائق تكشف عن ثروة الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري (وزيرة السكن والمدينة) التي تتجاوز 46 مليار درهم (5 مليارات دولار) وشبهات في شراء الوزير عبد اللطيف الوهبي (وزير العدل) لقصر فخم في الرباط بقيمة 11 مليون درهم ونقله الى زوجته بقيمة 1 مليون فحسب لتفادي الضرائب. نفت المنصوري الاتهامات مؤكدة ان ثروتها معلنة منذ 2009 ودافع الوهبي عن النقل كجعل لعمل زوجته المنزلي ولكن الصمت الحكومي اوحى بغطاء للفساد ما ادى الى مطالبات الاحزاب اليسرى بتحقيق قضائي واستقالات. اثارت هذه التسريبات شكوكا حول دوافع "جباروت" فهل هي كشف حقيقة ام هجوم جزائري لزعزعة الاستقرار؟ وفي اي حال زادت من عمق الفقران العام بالحكومة واشعلت نار الغضب التي انفجرت في احتجاجات جيل Z.
وربما كانت ابرز هذه الفضائح احتجاجات جيل Z التي بدأت في اواخر سبتمبر 2025 واستمرت حتى اكتوبر مطالِبة بإصلاح النظام الصحي والتعليمي ومحاسبة الفاسدين. انطلقت الحركة من امام مستشفى حسن الثاني بأكادير بعد وفاة ثماني نساء في عمليات قيصرية فاشلة وتسارعت الى مدن مثل الكازابلانكا ولاقليعة حيث هتف المتظاهرون "الصحة اولى لا نريد كاس العالم" مشيرين الى انفاق مليارات الدولارات على الملاعب لمنافسات 2030 بينما تتفتت المستشفيات والمدارس. وفي ليلة الاربعاء تحولت المظاهرات السلمية الى شغب فاقتحم المتظاهرون مباني عامة ونهبوا بنوك واستخدمت قوات الامن النار في لاقليعة مؤدية الى موت ثلاثة اشخاص واصابة مئات واعتقال اكثر من 1500 شخص بعضهم قاصرون. دافعت حكومة اخنوش عن إجراءاتها مؤكدة ان 70% من المتظاهرين قاصرون وان العنف مستدعى ولكن الحركة القائدة بلاديا ومستخدمة للانترنت (مثل ديسكورد باكثر من 250 الف عضو) واصلت مطالبتها باستقالة الرئيس الحكومي وإصلاحات جذرية مشيرة الى ان المليارات المصروفة على المنافسات الرياضية تأتي من جيب الفقراء. ردت القصر الملكي بزيادة الميزانية بـ16% للصحة والتعليم في 2026 (15 مليار دولار) ولكن الحركة رأت فيها وعدا مشطرا بتحقيقه ومطالبة بإطلاق سراح المعتقلين كدليل على الجدية.وتتشعب هذه الفضائح في قضايا اخرى مثل فضيحة الشهادات المزورة التي كشف عنها حزب الاتحاد الاشتراكي في مايو 2025 حيث اتهم مسؤولون كبار بحمل شهادات مزيّفة للصعود الى مناصبهم ما هز الثقة في المؤسسات التعليمية والادارية. كذلك انكشفت في مارس 2025 قضية دعم اللحوم حيث توجهت الاموال الحكومية الى شركات مرتبطة بسياسيين بدلا من المواطنين مساهمة في ارتفاع الاسعار وتعميق الفقر. وفي القطاع الصحي اثارت في اكتوبر 2025 فضيحة الاحتيال في عقود الامن والنظافة غضبا شديدا اذ تورط مسؤولون في صفقات بمليارات الدراهم مؤدية الى إهمال المستشفيات ووفيات مؤلمة. اما حرب المخابرات في اواسط اغسطس 2025 فكشفت عن صراع داخلي في اجهزة الامن مع هجمات على العرش واتهامات بتهريب المخدرات لتاثير السياسة الخارجية ما اضاف طابعا دراميا الى الاوضاع. الخاتمة تمثل هذه الفضائح مرآة مؤلمة للواقع المغربي حيث يتحول الفساد من خطأ فردي الى نظام يهدد البقاء الاجتماعي. ولكن في عمق هذه الجروح بذرة امل فجيل Z وصرخة الشعب يذكران بان التغيير ممكن اذا اغلقت ابواب الفساد وفتحت للشفافية. يجب على الحكومة والملك ان يتخذا إجراءات جذرية تحقيقات مستقلة إصلاحات قضائية وتعزيز المشاركة العامة فالمغرب يستحق اكثر من فضائح اليوم يستحق غدا يبنيه ابطاله الصادقون. وإن لم يحدث ذلك فإن الصرخة ستتعالى والجيل الجديد سيكتب تاريخه بيده.