انتهاكات الأمن المغربي في احتجاجات جيل زد: تقرير الجمعيات الحقوقية

انتهاكات الأمن المغربي في احتجاجات جيل زد: صوت الجمعيات الحقوقية يفضح نمطًا ممنهجًا من القمع


مقدمةمنذ اندلاع احتجاجات حركة "جيل زد 212" في 27 سبتمبر 2025، أصبحت الشوارع المغربية شاهدة على صرخة جيل يائس يطالب بتغيير جذري في نظام يُتهم بالفساد والإهمال. هذه الحركة الشبابية، التي تجمع آلاف الشباب في مدن مثل الرباط، مراكش، أكادير، وجدة، وإنزيغان، لم تكن مجرد احتجاجات عفوية، بل تعبيرًا عن تراكم عقود من الإحباطات الاجتماعية والاقتصادية. المتظاهرون، معظمهم من الشباب تحت سن الثلاثين، رفعوا شعارات تطالب بإصلاحات في التعليم، الصحة، مكافحة الفساد، وتحقيق العدالة الاجتماعية، مستلهمين من حركات عالمية مثل "الربيع العربي" و"بلاك لايفز ماتر". ومع ذلك، سرعان ما تحولت هذه التظاهرات السلمية إلى ساحة لقمع عنيف، حيث ارتكبت قوات الأمن انتهاكات جسيمة وثقتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (AMDH) في تقريرها الأولي الصادر في أواخر أكتوبر 2025. هذا التقرير، الذي استعرضته قناة هسبريس في فيديو نشر على يوتيوب، يُعد وثيقة دامغة تكشف عن أكثر من 2100 اعتقال، بينهم 330 قاصرًا، وأكثر من 240 حكمًا قضائيًا بالسجن النافذ، بعضها يصل إلى 15 عامًا. وفقًا للجمعية، هذه الانتهاكات ليست حوادثًا عرضية، بل جزء من "نمط ممنهج يهدف إلى إرهاب المتظاهرين وإيقاف الاحتجاجات"، مستندًا إلى قوانين وطنية مثل المرسوم الملكي لسنة 1958 بشأن الحريات العامة، وقانون الإجراءات الجنائية، إلى جانب المعايير الدولية لحقوق الإنسان.في هذا المقال، نستعرض بالتفصيل هذه الانتهاكات كما وثقتها الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، مع الاستناد إلى شهادات المتضررين والمراقبين الميدانيين، ونوسع النظرة لتشمل السياق التاريخي والتأثيرات الاجتماعية. كما نلقي الضوء على الردود الدولية والدعوات للإصلاح، لنفهم كيف أن هذه الأحداث لا تقتصر على جيل زد، بل تهدد أسس الديمقراطية في المغرب.خلفية حركة جيل زد: صرخة جيل محروم من الفرصقبل الخوض في الانتهاكات، يجب فهم جذور الحركة. "جيل زد"، الذي يشمل الشباب المولودين بين 1997 و2012، يمثل أكثر من 30% من سكان المغرب، وهو الجيل الأكثر تعرضًا لأزمات الاقتصاد الريعي والفجوة الاجتماعية. في ظل معدلات بطالة تصل إلى 40% بين الشباب الجامعيين، وبعد جائحة كوفيد-19 التي أدت إلى تفاقم الفقر، اندلعت الاحتجاجات كرد فعل على ميزانية 2025 التي أُقرت دون استشارة شعبية، مع تخصيصات هائلة للمشاريع الملكية بينما يعاني التعليم والصحة من نقص مزمن. كما أشارت الجمعية في تقريرها، فإن هذه المطالب ليست ثورية، بل أساسية: "حق في تعليم مجاني وصحة عادلة، ومحاسبة الفاسدين". الاحتجاجات بدأت سلمية، مع رفع لافتات وغناء أغاني ثورية، لكن الرد الأمني السريع حولها إلى مواجهات عنيفة، مما يذكر باحتجاجات حراك الريف في 2016-2017، حيث سُجلت آلاف الاعتقالات وأحكام قاسية أدت إلى إدانات دولية.حظر الاحتجاجات وتفريقها بالقوة: انتهاك أولي للحريات العامةأكدت الجمعية المغربية لحقوق الإنسان أن "حظر أي احتجاج هو هرطقة قانونية"، مشيرة إلى أن قرارات محكمة النقض المغربية أكدت عدم الحاجة إلى إذن مسبق للتظاهرات السلمية، وفقًا للمرسوم الملكي لسنة 1958. ومع ذلك، تم تفريق الاحتجاجات قبل حتى بدايتها في مدن مثل إنزيغان ووجدة، دون احترام الإجراءات القانونية لفض التظاهرات. في إنزيغان، استخدمت قوات الأمن الدراجات النارية لمطاردة المتظاهرين في الشوارع العامة، مع رمي حجارة عليهم، مما أدى إلى إصابات متعددة. أما في "القلعة" بوجدة، فقد أفادت الجمعية بإطلاق نار حي من قبل الدرك الملكي، أسفر عن قتلى وإصابات خطيرة، بما في ذلك حالات دهس بسيارات الأمن. هذه الأفعال تنتهك مبدأ "الشرعية والتناسب" في استخدام القوة، كما حددته الأمم المتحدة في إرشاداتها لقوات الأمن. وفقًا لشهادات المتضررين، كانت هذه التدخلات تهدف إلى "إرهاب الشباب قبل أن يتجمعوا"، مما يعكس استراتيجية وقائية للقمع.الاعتقالات العشوائية: من الاختطاف إلى الملاحقة الجماعيةوصفت الجمعية الاعتقالات بأنها "أشبه بالاختطافات"، حيث تمت بواسطة وحدات كوماندوز خاصة في أوقات غير قانونية، مثل بين الساعة الثانية والخامسة صباحًا، مع انتهاك خصوصية المنازل دون أمر قضائي. استمرت هذه الاعتقالات حتى بعد انتهاء الاحتجاجات في أحياء مثل سيدي يوسف بن علي بمراكش، الكوليا، إنزيغان، ومكناس، لأيام تصل إلى ستة أيام حتى 10 أكتوبر. سجلت الجمعية اعتقال مدونين وناشطين عبر الهواتف المحمولة دون استدعاء رسمي، واعتقال عشوائي لمئات أمام المحاكم أثناء متابعتهم لأخبار زملائهم. بلغ عدد الاعتقالات أكثر من 2100 شخصًا، بينهم أكثر من 1400 يواجهون الملاحقة القضائية، مع 1000 تحت الاعتقال الفعلي. منظمة العفو الدولية أكدت في تقريرها هذه "الاعتقالات الجماعية للمتظاهرين والمراقبين"، مشيرة إلى أنها تنتهك المادة 56 من قانون الإجراءات الجنائية المتعلقة بحالة الجريمة الواقعة في الوقت. مثالًا، في القنيطرة، تم اعتقال مواطنين لمجرد وقوفهم قرب مكان الاحتجاج، دون أدلة، مما يعكس "صيدًا عشوائيًا" للترهيب.ظروف الاحتجاز غير الإنسانية والتعذيب: إهانة للكرامةأبرز التقرير "الازدحام الشديد في مراكز الشرطة، حيث يُحتجز الشباب والفتيات معًا دون احترام الشروط الدنيا للاحتجاز، وفي غياب تام للرعاية الصحية، تاركينهم بدون طعام أو ماء". وثقت الجمعية حالات تحرش جنسي ضد الفتيات الشابات في مراكز الشرطة بالرباط، وإهانات ومعاملة مهينة للكرامة الإنسانية. في الرباط، أفاد 35 محتجزًا أمام النيابة العامة في 30 سبتمبر بتعرضهم للإهانات أثناء الاعتقال، مع استخراج "اعترافات كاذبة مفصلة وغير صحيحة" تحت الضغط والعنف. كذلك، سجلت حالات حبس انفرادي وإحالة محتجزين إلى طبيب نفسي بذريعة "المرض العقلي"، كما في حالة الناصر أنور خمّاوْش في قصبة التادلة، حيث تم اتهامه بالجنون لتبرير التعذيب. هذه الممارسات تنتهك اتفاقية مناهضة التعذيب التي وقعها المغرب، وتثير مخاوف من "غرف التعذيب" المخفية، كما وصفتها منظمات حقوقية دولية.الانتهاكات ضد القاصرين: استهداف الجيل المقبلأثارت الجمعية قلقًا بالغًا بشأن أكثر من 330 قاصرًا يواجهون الملاحقة، حيث لم يُخطر آباؤهم بالاعتقال، وتم استجوابهم دون حضور ولي الأمر، مما ينتهك اتفاقية حقوق الطفل والقانون الوطني. مثالًا، في القنيطرة، تم تسجيل طفل مولود في 2012 كمشارك في الاحتجاجات، مع "اعتراف" موقع منه رغم عدم قدرته على القراءة، وبغياب الوالد. قالت الجمعية: "الاستماع إلى القاصرين دون حضور الوصي غير مسموح به وفقًا للقانون الدولي". في الحسيمة، صدرت أحكام سجن ضد قاصرين، مما دفع الجمعية إلى التدخل لإطلاق سراح بعضهم، لكن القلق يبقى من "زرع الرعب في نفوس الجيل الجديد".المحاكمات السياسية: غياب العدالة والافتراض بالبراءةشابت المحاكمات "غياب معظم معايير المحاكمة العادلة"، بما في ذلك تعيين محامين، التحقيق التفصيلي، والافتراض بالبراءة. اعتمدت على "تصريحات فرق الأمن" فقط، دون تقارير اعتقال أو تفتيش، وتم تقديم المحتجزين بعد انتهاء فترة الحجز الشرطي. صدرت أحكام قاسية، مثل 15 عامًا لأربعة أشخاص في أكادير، 12 عامًا لواحد، 10 أعوام لـ31، و5 أعوام للطالب محمد فازيغ بسبب منشورات على وسائل التواصل. أعربت الجمعية عن "ندم مطلق" لهذه الأحكام السريعة، معتبرة إياها "رسالة من القضاء لإرهاب المتظاهرين". حقوقيون مغاربة وصفوها بـ"محاكمات سياسية تفتقر للضمانات"، كما نشرت الجزيرة في تقريرها.من بين هذه الانتهاكات البارزة، يبرز عدد الاعتقالات الذي بلغ 2100 حالة، معظمها اعتقالات ليلية في مدن مثل مراكش ومكناس. كما سجلت الجمعية أكثر من 330 حالة تتعلق بقاصرين، مثل استجوابهم دون حضور ولي الأمر في القنيطرة. أما الأحكام بالسجن، فقد تجاوزت 240 حكمًا، بما في ذلك 15 عامًا لأربعة أشخاص في أكادير، و5 أعوام لمنشورات على وسائل التواصل. بالإضافة إلى ذلك، لم يتم تحديد عدد الإصابات أو القتلى بدقة، لكنها شملت حالات إطلاق نار في "القلعة" ودهس متظاهرين في وجدة، مع آثار ضربات وإهانات جسدية على عشرات المتضررين.ردود الفعل الدولية والمقارنة مع الاحتجاجات السابقةأثارت هذه الانتهاكات إدانات دولية، حيث وصفت منظمة العفو الدولية القمع بـ"مفرط وغير متناسب"، مطالبة بتحقيقات مستقلة. كما نشرت دويتشه فيله تقارير عن "محاكمات سياسية" تشبه تلك في حراك الريف، حيث سُجن مئات بتهم مشابهة دون أدلة. في الريف، أدى القمع إلى حملة "المبادرة الدولية للمغرب"، وهنا يخشى حقوقيون من تكرار السيناريو، مما يعزز الشعور بالظلم لدى الشباب. اليوم، يُرى جيل زد كامتداد لهذه الحركات، لكنه أكثر تنظيمًا عبر وسائل التواصل، مما يجعله أكثر صمودًا أمام القمع.التأثير الاجتماعي: تهديد للديمقراطية وصوت الشبابهذه الانتهاكات لا تقتصر على الأرقام؛ إنها تُدمر الثقة في الدولة. الشباب، الذين يُشكلون عماد التنمية، يشعرون بالخيانة، مما قد يؤدي إلى عزلة اجتماعية أو هجرة جماعية. كما أشارت الجمعية، فإن "إرهاب الشباب يعني إيقاف أي نقاش وطني حول الإصلاحات". في سياق عالمي، تذكر هذه الأحداث بقمع الاحتجاجات في هونغ كونغ أو تشيلي، حيث أدى الضغط الدولي إلى تغييرات.في ختام تقريرها، دعت الجمعية إلى "احترام فعلي لجميع الحقوق والحريات"، وفتح تحقيقات محايدة، وإطلاق سراح جميع معتقلي التظاهرات السلمية، بما في ذلك معتقلي الريف. كما شددت على ضرورة نقاش وطني حول مكافحة الفساد والعدالة الاجتماعية. هذه الانتهاكات تمثل نمطًا يهدد الحريات في المغرب، مما يستدعي تدخلًا دوليًا فوريًا للحماية الشباب الذين يطالبون بحقوقهم الأساسية. إذا لم يُسمع صوتهم، فإن الصمت سيكون أكبر خسارة.
تعليقات