من عبارة "ياكل البيسكوي" إلى ترشيد الطاقة: تحليل قرار المجلس الجماعي
قرار إغلاق المحلات التجارية عند الواحدة صباحًا في أكادير: بين التنظيم الجماعي والجدل الشعبيالمقدمة: أكادير، المدينة التي لا تنام... أم التي يُجبرها النوم المبكر؟أكادير، عاصمة جهة سوس ماسة، هي أكثر من مجرد وجهة سياحية شهيرة بشمسها الذهبية وشواطئها الرملية الذهبية. هي مدينة نابضة بالحياة، حيث يلتقي الإيقاع السياحي الدولي بالحياة اليومية لسكانها المحليين الذين يبلغ عددهم أكثر من مليون نسمة. في أحيائها مثل أنفا أو فكس، تتحول الشوارع ليلاً إلى سوق مفتوحة مليئة بأصوات الضحك، رائحة الشاي المغربي، وأضواء المقاهي التي تمتد إلى ساعات الفجر. المحلات التجارية هنا ليست مجرد أماكن بيع؛ إنها مراكز اجتماعية تجمع العائلات والأصدقاء، خاصة في مدينة تعتمد اقتصاديًا على السياحة بنسبة تصل إلى 40% من الناتج المحلي، وفقًا لتقارير الجهة الإقليمية. لكن في أكتوبر 2025، أثار قرار المجلس الجماعي لأكادير، الذي يحدد إغلاق المحلات التجارية والمقاهي عند الساعة الواحدة صباحًا، موجة من الجدل الواسع. هذا القرار، الذي أُقر في الدورة العادية لشهر أكتوبر، لم يكن مجرد تنظيم إداري؛ بل أصبح رمزًا للتوتر بين الحاجة إلى التنظيم العام والحفاظ على الحيوية الاقتصادية والاجتماعية. وفي خضم هذا الجدل، برزت عبارة شهيرة نسبت إلى أحد أعضاء المجلس الجماعي – أو ربما كاتبه – تقول: "سدوا مع الواحدة صباحًا، واللي بغى ياكل ياكل البيسكوي"، في إشارة ساخرة إلى أن الجوع الليلي يُحل ببساطة بوجبة خفيفة مثل البسكويت، بدلاً من الوجبات الشهية في المطاعم المتأخرة. في هذا المقال المطول، سنغوص في خلفيات هذا القرار، تأثيراته، والآراء المتنافسة حوله، مستندين إلى الواقع الميداني في أكادير، لنكشف كيف يعكس هذا الإجراء التحديات الأوسع للمدن المغربية في عصر ما بعد الجائحة.أكادير، التي أعيد بناؤها بعد الزلزال المدمر عام 1960، أصبحت نموذجًا للتنمية الحضرية في المغرب. مع نموها السياحي الذي يجذب ملايين الزوار سنويًا، شهدت المدينة انتشارًا للمحلات التجارية الصغيرة والمتوسطة، من البوتيكات الفاخرة في أنفا إلى الأسواق الشعبية في الحي الإداري. قبل هذا القرار، كانت العديد من هذه المحلات تعمل حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحًا، خاصة في موسم السياحة الصيفي. لكن الضغوط الاقتصادية، المرتبطة بارتفاع أسعار الطاقة العالمية وانخفاض السياحة بنسبة 15% في 2024 بسبب التوترات الجيوسياسية، دفع السلطات المحلية إلى البحث عن حلول لترشيد الاستهلاك وتعزيز الأمن. هكذا، أصبح قرار الإغلاق عند الواحدة صباحًا – مع فتح السادسة صباحًا – محور نقاش حاد، يمزج بين الضرورة الإدارية والسخرية الشعبية.خلفية القرار: من الطوارئ الصحية إلى التنظيم الجماعييعود جذر هذا القرار إلى الدروس المستفادة من جائحة كورونا، التي فرضت في 2020 إغلاقًا للمحلات عند السادسة مساءً، ثم التاسعة ليلاً مع حظر التجول. في أكادير، التي كانت من المدن الأكثر تضررًا بسبب كثافتها السياحية، أدى ذلك إلى انخفاض في الإصابات بنسبة 30% خلال الأشهر الأولى، وفقًا لتقارير وزارة الصحة. مع انحسار الوباء، تم تخفيف القيود تدريجيًا، لكن في 2025، عاد الضغط بسبب أزمة الطاقة العالمية، حيث ارتفعت فواتير الكهرباء بنسبة 20% في المغرب. المجلس الجماعي لأكادير، برئاسة عزيز أخنوش منذ 2021، رأى في تنظيم الأوقات فرصة لتوفير الطاقة الليلية، التي تشكل 25% من الاستهلاك في المدينة، كما أفاد البلاغ الرسمي للمجلس في 13 أكتوبر 2025.القرار، الذي نوقش في الدورة العادية لأكتوبر تحت النقطة 11 من جدول الأعمال، ينص على: فتح المحلات التجارية والمقاهي من السادسة صباحًا حتى الواحدة صباحًا يوميًا، مع استثناءات للمطاعم السياحية في المناطق الرئيسية مثل الشاطئ، التي يمكن أن تمتد إلى الثانية صباحًا في عطلات نهاية الأسبوع. يُطبق الإجراء بموجب القانون الإطار 113-14 المتعلق بالجماعات الترابية، مع غرامات تصل إلى 10,000 درهم للمخالفين، ومسؤولية الشرطة الإدارية عن التنفيذ. هذا الإطار مستوحى جزئيًا من تجارب دول أخرى، مثل مصر التي حددت إغلاقًا عند العاشرة مساءً في 2025 لترشيد الطاقة، لكنه يتناسب مع السياق المغربي الذي يجمع بين التراث الإسلامي الذي يشجع على الراحة الليلية والحياة الحضرية الحديثة.في سياق أكادير، يأتي القرار كجزء من خطة أوسع للتنمية المستدامة، حيث أعلن المجلس عن حملة "أكادير خضراء" لتقليل الانبعاثات الكربونية بنسبة 15% بحلول 2030. الإغلاق المبكر يقلل من الإضاءة الليلية في الشوارع، مما يوفر حوالي 500 مليون درهم سنويًا للمدينة، وفقًا لتقديرات الوكالة الوطنية للطاقة والمعادن. لكن الجدل اندلع فور الإعلان، مع اتهامات بأن القرار يقمع الحياة الليلية التي تميز أكادير كـ"مدينة الشمس والشواطئ".التأثيرات الاقتصادية: خسارة التجار مقابل توفير الطاقةاقتصاديًا، يُعد القرار ضربة لقطاع التجارة الصغيرة في أكادير، الذي يشمل أكثر من 5,000 محل تجاري، ويعتمد بنسبة 35% على الساعات الليلية، خاصة مع السياح الأوروبيين الذين يفضلون التسوق المتأخر. اتحاد التجار المحلي يقدر الخسائر اليومية بنحو 2,000 درهم لكل محل، مما قد يؤدي إلى إفلاس 20% من الأعمال الصغيرة إذا استمر الإجراء دون دعم. على سبيل المثال، صاحب مقهى شهير في أنفا، السيد محمد، أفاد في مقابلة مع "أكادير 24" بأن "الساعات بعد الـ11 ليلاً تشكل 40% من إيراداتي، ومع الإغلاق، سأضطر إلى تسريح عاملين". هذا يعكس واقعًا أوسع، حيث يعاني الاقتصاد المغربي من تضخم بنسبة 5.5% في 2025، وفقًا للبنك المركزي.ومع ذلك، يرى المدافعون عن القرار فرصًا في التحول الرقمي. مع انتشار تطبيقات التوصيل مثل "جوميا" و"غلوباي"، ارتفع حجم الطلبات الليلية بنسبة 50% في أكادير، مما يشجع التجار على الاستثمار في الخدمات عبر الإنترنت. المجلس الجماعي أعلن عن برنامج دعم بقيمة 10 ملايين درهم لتدريب 1,000 تاجر على الرقمنة، بالإضافة إلى إعفاءات ضريبية للعمليات الإلكترونية. كما يقلل القرار من التكاليف التشغيلية، مثل الكهرباء التي ارتفعت أسعارها بنسبة 18%، مما يوفر لكل محل حوالي 800 درهم شهريًا. على المستوى الوطني، يساهم في دعم الاقتصاد الأخضر، حيث يقلل من استهلاك الوقود في النقل الليلي، ويحسن جودة الهواء في مدينة تعاني من التلوث بنسبة 12% أعلى من المعدل الوطني، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة لعام 2025.بالنسبة للسياحة، الركيزة الرئيسية لأكادير، يُعتبر القرار مزدوج التأثير. من جهة، يحمي الشواطئ من الازدحام الليلي، مما يعزز الاستدامة البيئية ويجذب السياح البيئيين. من جهة أخرى، يثير مخاوف من فقدان المنافسة مع مدن مثل مراكش، حيث تمتد الحياة الليلية إلى الفجر دون قيود صارمة.التأثيرات الاجتماعية والصحية: هدوء الليل أم قمع الحيوية؟اجتماعيًا، يُعد القرار خطوة نحو تعزيز الراحة في الأحياء السكنية مثل تلمي أو بيضاوة، حيث يعاني السكان من الضجيج الليلي الناتج عن المقاهي والمحلات. دراسة أجرتها جامعة إبن زهر في أكادير أشارت إلى أن 55% من السكان في المناطق الحضرية يشكون من اضطراب النوم بسبب النشاط المتأخر، مما يزيد من حالات التوتر النفسي بنسبة 18%. الإغلاق عند الواحدة يقلل من التجمعات غير المنظمة، ويحسن الأمن، حيث انخفضت حالات السرقة الليلية بنسبة 15% في المدن ذات التنظيم المماثل، كما أفادت المديرية العامة للأمن الوطني.صحيًا، يعزز القرار الوقاية من الأمراض المعدية، مستلهمًا من تجارب كورونا حيث أدى الازدحام الليلي إلى انتشار سريع في أكادير. مع عودة المتحورات في 2025، يساعد في تشجيع التباعد، ويقلل من خطر الأمراض المزمنة المرتبطة بالسهر، مثل السكري بنسبة 12%، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. السلطات أطلقت حملات توعية مشتركة مع جمعيات محلية، مثل "أكادير صحية"، لتوزيع مواد تعليمية عن فوائد الراحة الليلية.لكن السلبيات واضحة، خاصة بين الشباب الذين يشكلون 45% من سكان أكادير. يرون في القرار قيدًا على الحياة الاجتماعية، وأطلقوا حملة على وسائل التواصل #أكادير_ليلة_حرة، مطالبين بتمديد الساعات في الصيف. هذا يعكس توترًا جيليًا بين التقاليد المحافظة والإيقاع الحضري الشاب.الآراء المتنافسة: السخرية الشعبية والدفاع الرسميالجدل حول القرار ينقسم بين مؤيدين يرونه ضروريًا للأمن والصحة، ومعارضين يصفونه بـ"الخنق الاقتصادي". السيدة ليلى، أم لأربعة في حي تلمي، تقول: "الإغلاق يحمي أطفالنا من الشوارع الخطرة، ويوفر لنا هدوءًا بعد يوم عمل طويل". استطلاع رأي أجراه "ليسيت إنفو" أظهر تأييد 60% من السكان، مستلهمين من النظم الأوروبية في إسبانيا حيث تغلق المحلات عند منتصف الليل.أما المعارضون، فيركزون على الخسائر الاقتصادية. رئيس اتحاد التجار، السيد علي، وصف القرار بـ"غير واقعي"، مشيرًا إلى أنه يفقد أكادير جاذبيتها السياحية. وفي قلب الجدل، تلك العبارة الساخرة: "سدوا مع الواحدة صباحًا، واللي بغى ياكل ياكل البيسكوي"، التي انتشرت على وسائل التواصل كإشارة إلى تبسيط المشكلة. نسبت إلى أحد أعضاء المجلس أو كاتبه الجماعي، تعبر عن النظرة الإدارية البسيطة لمعاناة التجار، حيث يُقترح على الجائعين الليليين اللجوء إلى وجبة بسكويت بدلاً من الوجبات الساخنة. هذه العبارة أثارت موجة من الميمات والتعليقات الساخرة، مثل "البيسكوي ديال المجلس: جاف وممل كالقرارات!"، مما يعكس الغضب الشعبي. في رد رسمي، أصدر المجلس بيانًا في 13 أكتوبر يوضح أن القرار "يهدف إلى التوازن، وليس القمع"، ووعد بمراجعة بعد 6 أشهر بناءً على تقارير ميدانية.هذا الجدل يذكر بقرارات سابقة في الدار البيضاء عام 2022، حيث ألغي إغلاق عند الحادية عشرة بعد احتجاجات، مما يشير إلى إمكانية تعديل في أكادير إذا تصاعد الضغط.الخاتمة: نحو حوار يجمع بين السلامة والحيويةقرار إغلاق المحلات التجارية عند الواحدة صباحًا في أكادير ليس مجرد إجراء؛ إنه اختبار لقدرة المجلس الجماعي على التوفيق بين التنمية المستدامة والاحتياجات اليومية لسكانه. بينما يوفر فوائد صحية واقتصادية طويلة الأمد، مثل توفير الطاقة وتعزيز الأمن، يتطلب تعديلات ليتناسب مع الطبيعة السياحية للمدينة، مثل إنشاء مناطق ليلية مخصصة أو دعم أكبر للتجار. العبارة الساخرة عن "البيسكوي" تذكرنا بأهمية الحوار الشعبي، حيث يجب أن تكون القرارات نتاج استشارات حقيقية، لا إدارة سطحية. في النهاية، تبقى أكادير مثالًا حيًا على كيفية تحول التحديات إلى فرص، محافظة على بريقها كجوهرة المغرب الساحلي، بشرط أن يستمع المسؤولون إلى نبض الشارع.