شركة الطرق السيارة بالمغرب: وتطبيق المخطط الأخضر على حساب المواطن
مقدمة
بين الطموح الوطني والإهمال البيئي تبرز شركة الطرق السيارة بالمغرب (ADM)، الشركة الوطنية المسؤولة عن بناء وصيانة شبكة الطرق السريعة، كرمز للتناقضات العميقة في سياسات الدولة. منذ إنشائها في عام 1989، حققت ADM إنجازات هائلة، حيث امتد الشبكة الطرقية السيارة من مجرد 100 كيلومتر إلى أكثر من 1800 كيلومتر بحلول عام 2025، مما جعل المغرب يمتلك ثاني أكبر شبكة طرق سيارة في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا. هذا التوسع، الذي يأتي في إطار رؤية الملك محمد السادس لتعزيز البنية التحتية، يُقدَّم دائمًا كدليل على الدينامية الاقتصادية والاجتماعية. لكن خلف هذه الإنجازات، تلوح أسئلة دامغة: هل تُدار ADM بمسؤولية طويلة الأمد، أم أنها تعكس ثقافة "أنا وبعدي الطوفان"، حيث يُفضَّل الإنجاز السريع على حساب الاستدامة البيئية؟ وكيف يُطبَّق "المخطط الأخضر" – ذلك البرنامج الذي يهدف إلى حماية البيئة على طول الطرق – بطريقة تُثقل كاهل المواطن، سواء من خلال الرسوم المرتفعة أو التأثيرات السلبية على حياته اليومية؟في هذا المقال المطول، سنستعرض تاريخ ADM، تفاصيل المخطط الأخضر، والانتقادات الموجهة إليها، مع التركيز على كيفية تحويل هذه السياسات إلى عبء على المواطن العادي. سنعتمد على بيانات رسمية وتقارير تحليلية لنكشف عن التوازن الهش بين التنمية والاستدامة في المغرب المعاصر.تاريخ ADM: من الطموح إلى الديون المتراكمةتأسست الشركة الوطنية للطرق السيارة (ADM) كجهاز حكومي لمواكبة التحديث الاقتصادي في المغرب، معتمدة على نموذج الامتياز الذي يجمع بين التمويل العام والخاص. في عام 1989، كانت الشبكة الطرقية السيارة محدودة جدًا، لا تتجاوز 100 كيلومتر، وكانت الدولة تواجه تحديات في ربط المدن الكبرى. مع مرور السنوات، انخرطت ADM في برامج استثمارية ضخمة، مدعومة برؤية الملك محمد السادس، الذي أعلن في نوفمبر 2023 عن تمديد الشبكة إلى 3000 كيلومتر بحلول 2030، باستثمارات تقدر بمليارات الدراهم.اليوم، تربط الشبكة الرئيسية مدنًا مثل الدار البيضاء، الرباط، مراكش، فاس، وطنجة، وتشمل مشاريعًا متقدمة مثل الطريق السيار تيط مليل-برشيد (30 كم بثلاثة ممرات في كل اتجاه، بتكلفة 2.5 مليار درهم)، والتوسعة حول الدار البيضاء لتخفيف الازدحام. وفقًا لتقرير وزارة التجهيز والماء، بلغ البرنامج الاستثماري لـADM بين 2025 و2027 حوالي 7.74 مليار درهم، مع التركيز على مشاريع مثل تثليث الطريق الدار البيضاء-برشيد.ومع ذلك، يُخفي هذا الازدهار مشكلات هيكلية. في يناير 2025، رسم تقرير لمجلس النواب "صورة سوداء" عن واقع ADM، مشيرًا إلى مديونية متراكمة بلغت مليارات الدراهم بسبب الاعتماد المفرط على الاقتراض، وعدم كفاءة الإدارة، والفساد المحتمل في العقود. كما أن الشركة تواجه فوضى في إدارة المشاريع، مثل إلغاء طلبات عروض للطريق المداري لمراكش في يناير 2025، مما أثار تساؤلات حول الشفافية. هذه المشكلات ليست مجرد إدارية؛ إنها تعكس ثقافة "أنا وبعدي الطوفان"، حيث يُركِّز الإداريون على الإنجازات السريعة لتحقيق مكاسب شخصية أو سياسية، تاركين الأجيال القادمة تواجه الديون والتدهور البيئي.المخطط الأخضر: بين الوعود والواقع المرفي إطار الالتزامات الدولية لمكافحة التغير المناخي، أطلقت ADM "المخطط الأخضر" (Programme Vert) كجزء من استراتيجيتها لجعل الشبكة الطرقية مستدامة بيئيًا. يشمل البرنامج مشاريع مثل "الأرض" (Al Ard)، الذي يحمي التلال الطرقية من التعرية المائية باستخدام تقنيات الجينيير البيولوجي، وزراعة الأشجار على طول الطرق لتقليل الانبعاثات الكربونية، وتركيب أنظمة إضاءة LED موفرة للطاقة، وإعادة تدوير المياه في محطات الراحة.هذا المخطط يأتي في سياق أوسع، حيث يهدف المغرب إلى خفض الانبعاثات بنسبة 18% بحلول 2030، وفقًا لتقرير الأمم المتحدة للتغير المناخي (UNFCCC). على الورق، يبدو المخطط مثاليًا: زراعة آلاف الأشجار، حماية التربة، وتعزيز التنوع البيولوجي. لكن التطبيق يثير الجدل. في مشاريع مثل توسعة الطريق الدار البيضاء-مراكش، أدى تطبيق المخطط إلى تأخيرات تصل إلى أشهر، بسبب دراسات التأثير البيئي الإلزامية، مما أثر على الجدول الزمني للإنجازات.المشكلة الأكبر أن هذا التطبيق يُفرض دون استشارة حقيقية للمجتمعات المحلية. في مناطق مثل الدار البيضاء-سطات، أدى حفر التلال وزراعة الأشجار إلى إعاقة الوصول إلى الأراضي الزراعية، مما أثر على آلاف المزارعين الصغار الذين يعتمدون على هذه الطرق لنقل منتجاتهم. كما أن تكاليف البرنامج – التي تُمَوَّل جزئيًا من خلال الرسوم الطرقية – ترتفع سنويًا، حيث بلغت متوسط الرسوم 0.5 إلى 1 درهم للكيلومتر في 2025، مما يجعل الطرق "رفاهية" للطبقة المتوسطة فقط، بينما يضطر الفقراء إلى الطرق الثانوية المتدهورة.ثقافة الإدارة القصيرة النظرالعنوان "أنا وبعدي الطوفان" ليس مجرد شعار؛ إنه وصف دقيق لنهج ADM في التعامل مع التحديات. في تقرير مجلس النواب لعام 2025، وُصِفَت الشركة بأنها تعاني من "مديونية مرتفعة ومتراكمة" نتيجة عوامل متعددة، بما في ذلك الاعتماد على تمويل خارجي دون خطط طويلة الأمد للسداد. هذا النهج يظهر بوضوح في إلغاء مشاريع مفاجئ مثل الطريق المداري لمراكش، الذي أُلغي في يناير 2025 بسبب "فوضى إدارية"، مما أدى إلى إهدار ملايين الدراهم وتأخير التنمية في المناطق الجنوبية.أما التأثير على المواطن، فيكمن في الازدحام المروري المزمن. في الدار البيضاء، على سبيل المثال، أدى تأخير مشاريع التوسعة بسبب الالتزامات البيئية إلى حوادث مرورية متكررة، مع زيادة بنسبة 15% في الوقت اليومي للتنقل، وفقًا لتقارير وزارة التجهيز. كما أن الرسوم الطرقية، التي تغطي تكاليف المخطط الأخضر، تُثْقِلُ كاهل الأسر ذات الدخل المنخفض. تخيَّل سائقًا يعمل في الدار البيضاء ويعيش في الشاطئ: يدفع 50 درهمًا يوميًا للذهاب والعودة، مقابل دخل شهري يناهز 3000 درهم. هذا ليس تنمية؛ إنه استغلال.بالإضافة إلى ذلك، يُتهَمُ المخطط الأخضر بالكون "شكليًا"، حيث تُزرَعُ الأشجار في مناطق غير مناسبة، مما يؤدي إلى موتها سريعًا بسبب نقص الري، ويزيد من تلوث التربة بسبب استخدام مبيدات كيميائية للحفاظ عليها. في المناطق الريفية مثل درعة تافيلالت، يشكو السكان من إهمال الطرق الثانوية لصالح السيارة، مما يعزل القرى ويفاقم الفقر.التأثير على المواطن: عبء اقتصادي وبيئييُحَوَّلُ تطبيق المخطط الأخضر إلى "حساب المواطن" بطرق متعددة. أولاً، اقتصاديًا: ارتفاع الرسوم يقلل من القدرة الشرائية، خاصة مع تضخم الأسعار بنسبة 6% في 2025. ثانيًا، بيئيًا: التوسعات تدمر الغطاء النباتي، مما يزيد من الفيضانات في مواسم الأمطار، كما حدث في فبراير 2025 قرب الدار البيضاء، حيث غمرت مياه الأمطار الطرق بسبب سوء تصريف المياه الناتج عن أعمال البناء "الخضراء".اجتماعيًا، يعاني المواطن من الازدحام أثناء الأعمال، كما في مشروع الطريق الثاني الرباط-الدار البيضاء، الذي أجري له دراسة تأثير بيئي في 2023، لكنه أدى إلى إغلاقات جزئية أثرت على ملايين السكان. كما أن الشبكة تستفيد منها "أقلية صغيرة"، كما يقول تقرير النواب، حيث لا تمتلك 70% من الأسر سيارة، فتُجْبَرُ على وسائل نقل عامة غير موثوقة.خاتمةشركة الطرق السيارة بالمغرب تمثل مرآة للمغرب: طموحة، ناجحة جزئيًا، لكنها تعاني من ثقافة قصيرة النظر تُفَضِّلُ الإنجازات الإعلامية على الاستدامة. المخطط الأخضر، رغم أهميته، يُطبَّقُ على حساب المواطن، مما يجعله عبئًا بدلاً من حل. لتجاوز هذا، يجب على ADM تعزيز الشفافية، خفض الرسوم للفئات الضعيفة، وإشراك المجتمعات المحلية في التخطيط. فقط هكذا يمكن تحويل "أنا وبعدي الطوفان" إلى "نحن وبعدنا الازدهار". المغرب يستحق بنية تحتية تخدم الجميع، لا تُثْقِلُ كاهلهم.