هل تذكرون كارثة العمى في مستشفى 20 غشت؟.. التحقيقات معلقة والضحايا يحتجون حتى 2025
هل تذكرون 16 شخصًا الذين أصيبوا بالعمى أثر حقنة في مستشفى 20 غشت؟
في أحد أيام سبتمبر 2023، تحول مستشفى 20 غشت بالدار البيضاء، المعروف رسميًا باسم المركز الاستشفائي الجامعي ابن رشد، إلى مسرح لكابوس طبي حقيقي. أصيب 16 مريضًا، معظمهم يعانون من أمراض مزمنة مثل السكري ومشاكل الشبكية، بفقدان جزئي أو كلي للبصر بعد تلقيهم حقنة علاجية داخل العين. هذه الحقنة، المعروفة طبيًا باسم "الحقنة داخل الجسم الزجاجي" أو IVT، كانت مصممة لعلاج مضاعفات الشبكية الناتجة عن السكري، لكنها تحولت إلى مصدر إعاقة دائمة. هل تذكرون هذه القضية التي هزت الرأي العام المغربي، وأثارت تساؤلات حول سلامة الرعاية الصحية في المؤسسات العمومية؟ بعد مرور عامين تقريبًا، يظل السؤال معلقًا: أين وصلت التحقيقات؟ هل صدرت أحكام قضائية؟ وهل عرضت القضية فعليًا أمام المحكمة، أم أنها ما زالت معلقة في دوامة البيروقراطية؟ في هذا المقال، سنستعيد تفاصيل القضية بالكامل، من بدايتها إلى آخر التطورات حتى سبتمبر 2025، مستندين إلى التقارير الإعلامية والتصريحات الرسمية، لنكشف عن الغموض الذي يلف هذا الملف الحساس.خلفية القضية: كيف بدأ الكابوس؟مستشفى 20 غشت، الذي يُعد أحد أكبر المراكز الاستشفائية في المغرب، يقع في قلب الدار البيضاء ويخدم ملايين المواطنين سنويًا. يضم أقسامًا متخصصة، بما في ذلك قسم طب العيون، حيث يتلقى آلاف المرضى علاجًا لأمراض العيون المرتبطة بالسكري، الذي يُعد وباءً صحيًا في المغرب. في 19 سبتمبر 2023، تلقى 16 مريضًا – رجالًا ونساءً في سن المتوسطة والكبرى – حقنة تحتوي على دواء "أفاستين" (Avastin)، وهو عقار بيفاسيزوماب المستخدم لعلاج النزيف الشبكي والتورم في العين. هذه الحقنة تُعطى عادةً كعلاج بديل اقتصادي للأدوية الأغلى مثل "لوسنتيس"، وتُحقن مباشرة في الجسم الزجاجي للعين باستخدام إبرة دقيقة.لكن بعد أيام قليلة، بدأ المرضى في الشكوى من أعراض مرعبة: فقدان مفاجئ للبصر، ألم شديد، احمرار، وتدهور سريع في الرؤية. في غضون أسابيع، أكدت الفحوصات الطبية أن 16 منهم فقدوا البصر جزئيًا أو كليًا في إحدى العينين، معظمها دائمًا. كان الدواء مصدر الشبهة الرئيسي؛ فقد تبين أنه لم يكن مرخصًا رسميًا من وزارة الصحة المغربية، بل تم شراؤه من صيدلية قريبة من المستشفى دون ضمانات كافية بشأن جودته أو صلاحيته. التحقيقات الأولية أشارت إلى إمكانية تلوث الدواء أو فساده، مما أدى إلى التهاب شديد في الشبكية والجسم الزجاجي، وهو ما يُعرف طبيًا بـ"التهاب الجسم الزجاجي" أو endophthalmitis، والذي يمكن أن يؤدي إلى العمى الدائم إذا لم يُعالج فورًا.أثار الحادث غضبًا واسعًا، خاصة أن معظم الضحايا كانوا من طبقات اجتماعية متواضعة، يعتمدون على الرعاية العمومية. أقارب الضحايا، في تصريحات لوسائل إعلام مثل هسبريس والعمق المغربي، وصفوا اللحظات الأولى بعد الحقنة: "كان زوجي يرى بوضوح قبل الحقنة، وبعد يومين أصبح عميًا تمامًا في عينه اليمنى"، قالت إحدى الزوجات. تم نقل الضحايا إلى مستشفيات أخرى مثل مستشفى الشيخ زايد للمتابعة، لكن الضرر كان قد وقع. أعلنت إدارة المستشفى فتح تحقيق داخلي فوري، وأكدت التزامها بالمعايير الطبية، لكن الشكوك استمرت حول إجراءات الشراء والتخزين.ردود الفعل الأولية: من الإنكار إلى التحقيقفي الأيام الأولى، حاولت إدارة المستشفى تهدئة الأجواء. في بيان رسمي نشرته هسبريس في 4 أكتوبر 2023، أكدت الإدارة أن الحقنة تمت وفق "المعايير المتبعة"، وأن الدواء "بيفاسيزوماب" مستخدم عالميًا لعلاج مثل هذه الحالات. ومع ذلك، اعترفت بإصابة 16 مريضًا بـ"مضاعفات"، وأعلنت تعليق الإجراءات المشابهة مؤقتًا وفتح تحقيق داخلي بمساعدة خبراء خارجيين. وزارة الصحة، من جانبها، أرسلت لجنة تحقيق، لكن الضحايا اتهموا الوزارة بالانحياز للمستشفى، معتبرين أن التحقيق كان شكليًا.مع تصاعد الضجة الإعلامية، تقدم الضحايا بشكاوى رسمية إلى النيابة العامة بمحكمة الاستئناف في الدار البيضاء. في أكتوبر 2023، أمرت النيابة بفتح تحقيق قضائي من قبل الفرقة الوطنية للشرطة القضائية (DGSN). استمعت الفرقة إلى أقوال 11 ضحية في البداية، ثم إلى الأطباء والإداريين. كشفت التحقيقات الأولية أن الدواء اشتري من صيدلية خاصة قريبة، دون ترخيص كامل، وأن هناك إمكانية لتلاعب في الإجراءات. في نوفمبر 2023، اعتقلت الشرطة سيدة تعمل في المستشفى على خلفية تورطها في توريد الدواء، وفقًا لتقرير نشرته جريدة اليوم 24. كانت هذه الاعتقال الأولى، مما أعطى أملًا للضحايا في تقدم القضية.الضحايا، مدعومين بمحامين، نظموا وقفات احتجاجية أمام المستشفى ومحكمة الاستئناف. في يناير 2024، ناشدوا والي الدار البيضاء بالتدخل، مطالبين بتعويضات وعلاج فوري. قالت فاطمة الزهراء عنيبة، المتحدثة باسم الضحايا في مقابلة مع هسبريس في أكتوبر 2024، "نحن نعاني يوميًا، ولا نجد دعمًا كافيًا. الدولة مسؤولة عن سلامة المستشفيات". كما وجهوا نداءً إلى الملك محمد السادس للتدخل الملكي، معتبرين أن القضية تكشف عن فشل نظامي في الرعاية الصحية.التطورات القضائية: معلقة بين الوعود والتأخيرالآن، دعونا نصل إلى قلب السؤال: أين وصلت الأحكام؟ هل عرضت القضية على المحكمة فعليًا؟ بناءً على آخر التقارير المتاحة حتى سبتمبر 2025، القضية ما زالت قيد التحقيق، ولم يصدر أي حكم قضائي نهائي. في فبراير 2025، توافد الضحايا إلى محكمة الاستئناف للاستعلام عن تطورات الملف، كما نشرت هسبريس في 11 فبراير 2025. أكدت النيابة العامة أن التحقيقات جارية، وأن الفرقة الوطنية سمعت أقوال الجميع، بما في ذلك الاعتقال المذكور. ومع ذلك، أعلن الضحايا أن الملف "معلق"، ولم يتم الإعلان عن اتهامات رسمية ضد الأطباء أو الإدارة العليا.في أبريل 2025، جددت المتحدثة عنيبة في تصريح لهسبريس (16 أبريل 2025) أن "16 ضحية ما زالوا يدفعون فواتير صحية واجتماعية ثقيلة بعد أكثر من سنة ونصف"، مشيرة إلى أن التحقيقات بدأت بناءً على شكواهم، لكنها لم تتقدم. أكدت النيابة في 12 فبراير 2025، وفقًا لجريدة العمق المغربي، نيتها رفع دعوى مدنية قريبًا ضد المستشفى، وإرسال مراسلة إلى وزارة الصحة لتتبع صحة الضحايا، خاصة أنهم في حالة معوزة اجتماعية. لكن حتى الآن، لا توجد جلسات محكمة معلنة، ولا أحكام. الضحايا يتهمون الجهات المسؤولة بـ"مراوحة الملف"، أي تأخيره عمدًا لتجنب المساءلة.من الناحية القانونية، تندرج القضية تحت قانون العقوبات المغربي، خاصة المواد المتعلقة بالإهمال الطبي (المادة 431 وما يليها)، والتي تعاقب على الخطأ المهني المسبب في إعاقة. كما يمكن رفع دعوى مدنية للتعويضات بموجب قانون المسؤولية المدنية. ومع ذلك، غياب التحركات يثير تساؤلات حول استقلالية التحقيق، خاصة أن المستشفى تابع للدولة. في أغسطس 2025، أثارت برلمانية من حزب الأصالة والمعاصرة، نجوى كوكوس، في تصريح لـ Le7tv.ma، اختلالات في تدبير المستشفى ابن رشد، مما يعزز الشكوك حول الإصلاحات.الوضع الصحي والاجتماعي للضحايا: كابوس مستمرلا يزال الـ16 ضحية يعانون من عواقب مأساوية. في أكتوبر 2024، جددوا النداء لعلاج فعال وتغطية الفحوصات، كما نشرت جريدة مدار 21. معظم الإصابات دائمة، مع فقدان كامل للبصر في عين واحدة لدى بعضهم، مما أدى إلى فقدان الوظائف وصعوبات نفسية. يعتمدون على زيارات دورية للمستشفيات، لكن الدعم الحكومي محدود؛ لا تعويضات رسمية، ولا تغطية كاملة للعلاج. أقارب الضحايا يصفون الحياة اليومية كـ"ظلام دامس"، مع تكاليف إضافية للرعاية المنزلية. في فبراير 2025، أكدت النيابة أن الأطر الصحية تتعامل معهم "بعادية"، دون جهد إضافي، مما يفاقم معاناتهم.اجتماعيًا، أصبح الضحايا رمزًا لفشل الرعاية الصحية. نظموا حملات على وسائل التواصل، وشاركوا قصصهم في مقابلات إعلامية، مطالبين بتعويضات تصل إلى ملايين الدراهم لكل ضحية، بناءً على الضرر الجسدي والنفسي. ومع ذلك، الغموض القضائي يمنعهم من التقدم.الدروس المستفادة والتوصيات: نحو إصلاح نظاميتكشف قضية "حقنة 20 غشت" عن ثغرات كبيرة في النظام الصحي المغربي: ضعف الرقابة على الأدوية، نقص التدريب، والاعتماد على بدائل غير مرخصة لتوفير التكاليف. عالميًا، حدثت حوادث مشابهة، مثل فضيحة "أفاستين" في الولايات المتحدة عام 2011، حيث تسبب تلوث في وفيات. في المغرب، يجب على وزارة الصحة تعزيز الترخيص، وإجراء تحقيقات مستقلة، وتفعيل قانون الرعاية الصحية لعام 2019 الذي يحمي حقوق المرضى.للضحايا، يُنصح برفع دعاوى مدنية فردية إلى جانب القضية الجنائية، وربما اللجوء إلى منظمات حقوقية دولية. كما يجب على الحكومة تقديم تعويضات فورية كإجراء إنساني.خاتمة: عدالة متأخرة هي عدالة منقوصةبعد عامين، تظل قضية الـ16 ضحية معلقة دون أحكام، وقد عرضت على النيابة لكن لم تصل إلى جلسات محكمة كاملة. الغموض يستمر، والضحايا ينتظرون. هل ستكون هذه القضية دافعًا للإصلاح، أم ستنسى كغيرها؟ الرأي العام يطالب بالعدالة، فالصمت جريمة ثانية.