لصوص القطاع الخاص ولصوص القطاع العام: الجرح النازف في جسد المغرب

 نهب خزائن الدولة وتلاعب الشركات: جرح الفساد في قلب المغرب


 نهب خزائن الدولة وتلاعب الشركات: جرح الفساد في قلب المغرب

الحمد لله رب العالمين، الذي أنعم على المغرب بترابه الخصيب وشعبه الأصيل، وجعله واحة من السلام والاستقرار في عالم مليء بالفوضى. لكن، يا للحسرة، يظل هذا البلد الجميل ينزف من جروح داخلية عميقة، جروح تُدعى الفساد، أو بكلمات أقسى: سرقة المال العام والخاص. في هذا المقال، سنغوص في أعماق هذه الظاهرة الخبيثة، نكشف وجوه لصوص القطاع العام الذين ينهبون خزائن الدولة، ولصوص القطاع الخاص الذين يفترسون الاقتصاد من أجل أرباحهم الشخصية. سنتناول كيف يصبح المغرب أرضًا قاحلة بوجودهم، وكيف يعيش الشعب – خاصة الفقير الضعيف – في جحيم يومي بسببهم، مع قصص واقعية تُبرز معاناتهم، وصولاً إلى حلول عملية لكسر دائرة الفساد. هذا ليس مجرد تحليل، بل صرخة وجدانية لإيقاظ الضمائر، مستندًا إلى وقائع وتقارير رسمية ودولية.

الفساد في المغرب: جذور تاريخية وانتشار واسع

الفساد في المغرب ليس وليد اليوم، بل هو مرض مزمن يعود إلى عقود، يتغذى على الرشوة واقتصاد الريع، ويمتد من القطاع العام إلى الخاص. وفقًا لتقرير منظمة الشفافية الدولية لعام 2024، حصل المغرب على 37 نقطة من 100 في مؤشر إدراك الفساد، متراجعًا عن 43 في 2018، مما يضعه في المرتبة 99 عالميًا. هذا التراجع ليس رقمًا مجردًا، بل يعكس تفشيًا يُكلف الاقتصاد 50 مليار درهم سنويًا، كما أفاد رئيس الهيئة الوطنية للنزاهة محمد بشير الراشدي في تقرير 2023.

في القطاع العام، ينتشر الفساد في الصحة، الأمن، السلطات المحلية، والصفقات العمومية. تقرير المجلس الأعلى للحسابات لسنتي 2022-2023 كشف عن خروقات مالية خطيرة في مدن مثل الرباط، سلا، والقنيطرة، حيث يُدار المال العام خارج الأطر القانونية، مع غياب الرقابة والمحاسبة. أما في القطاع الخاص، فيأخذ الفساد شكل احتكار، تهرب ضريبي، وتلاعب في الأسعار، خاصة في قطاعات مثل المحروقات والتجارة. على سبيل المثال، في قطاع المحروقات، استولت شركات خاصة على مبالغ طائلة من خلال تحرير الأسعار دون رقابة، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار على حساب المواطنين، كما وثقت لجنة برلمانية. هذه الظاهرة ليست فردية، بل نظامية، حيث يتعاون القطاعان لنهب الاقتصاد.

لصوص القطاع العام: نهب خزائن الدولة

لصوص القطاع العام هم أولئك المسؤولون الذين يُفترض بهم خدمة الشعب، لكنهم يسرقون المال العام لمصالحهم الشخصية. أبرز الأمثلة تأتي من تقارير الهيئة الوطنية للنزاهة، التي أصدرت تقريرًا في 2024 أثار جدلًا حكوميًا بسبب تراجع المؤشرات، مشيرة إلى أن "الفاسدين لا يُتابعون بشكل كافٍ"، وأن الحكومة "غير راغبة أو قادرة على احتواء الفساد".

في قطاع الصفقات العمومية، يُقدر الخسائر بنحو 20% من قيمة المشاريع، حيث يتم منح العقود لشركات مرتبطة بالمسؤولين مقابل رشاوى. تقرير المجلس الأعلى للحسابات لعام 2023 وثق حالات اختلاس في الإدارات المحلية، مثل في الرباط حيث بلغت الخروقات المالية ملايين الدراهم، بسبب المحسوبية وغياب الشفافية. مثال آخر: قضية "سرقة القرن" في العراق، لكن في المغرب، تشبهها قضايا مثل تلك المتعلقة بوزير سابق مثل محمد مبديع، الذي حُكم عليه بسبب اختلاس أموال عامة بناءً على شكوى جمعية لحماية المال العام.

هؤلاء اللصوص يستغلون مناصبهم للإثراء غير المشروع، كما في حالات المنتخبين المحليين الذين يُحاكمون بتهم الرشوة في الصفقات، لكن الأحكام تبقى "محتشمة ومحدودة الأثر"، كما يصف تقرير ويكيبيديا عن الفساد في المغرب. الاستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، المُطلقة في 2015، كانت تهدف إلى الوصول إلى 60 نقطة في 2025، لكنها فشلت، حيث لم تحقق سوى نقطة واحدة في عقدين. هذا الفشل يعكس ضعف الإرادة السياسية، حيث يُحمى الفاسدون بدلاً من محاسبتهم.

لصوص القطاع الخاص: الاحتكار والتلاعب الاقتصادي

أما لصوص القطاع الخاص، فهم يعملون في الظل، مستغلين الثغرات القانونية للاستيلاء على الأرباح على حساب الشعب. في قطاع المحروقات، على سبيل المثال، استفادت شركات خاصة من تحرير الأسعار دون رقابة، مما أدى إلى "فساد كبير" يحميه القانون نفسه، كما وثق مركز الجزيرة للدراسات في 2018. هذه الشركات تُشكل لوبيًا يؤثر على السياسات، مما يجعل الفساد "نظاميًا"، حيث يتحول القطاع الخاص من "فاسد" إلى "مفسد"، يفرض نفوذه على الدولة.

في قطاع التجارة والصناعة، يُقدر أن أكثر من 20% من الشركات المغربية تعرضت لأعمال فساد، بما في ذلك التهرب الضريبي والاحتكار، كما أفاد الراشدي في 2024. مثال: إفلاس آلاف الشركات الصغيرة (12 ألف في 2022) بسبب سيطرة الشركات الكبرى على الصفقات، مع تلاعب في الأسعار والمنافسة غير العادلة. كما في قطاع النقل، حيث تُفرض رشاوى على السائقين للوصول إلى العمل، مما يزيد من تكاليف التشغيل ويفتك بالاقتصاد. هؤلاء اللصوص يُثرون أنفسهم بينما يُفقرون الآخرين، مستفيدين من غياب الرقابة في الإدارة الإلكترونية.

كيف يصبح المغرب أرضًا قاحلة بوجود هؤلاء اللصوص؟

بوجود لصوص القطاعين، يتحول المغرب من بلد الفرص إلى سجن اقتصادي. اقتصاديًا، يُكلف الفساد 50 مليار درهم سنويًا، مما يقلل الاستثمار الأجنبي ويزيد البطالة إلى 12%، خاصة بين الشباب. في 2023، أفلس 14,245 شركة، بزيادة 15%، معظمها صغيرة، بسبب الرشوة والمحسوبية في الصفقات. اجتماعيًا، يعمق الفساد الفوارق، حيث يصل الفقر إلى 20% من السكان (أقل من 1.9 دولار يوميًا)، و60% في هشاشة. سياسيًا، يُقوض الثقة في المؤسسات، مما يؤدي إلى احتجاجات وهجرة، كما في حركة 20 فبراير. بيئيًا، يُهمل المشاريع العمومية، مما يفاقم الكوارث مثل الفيضانات والزلازل، حيث يُسرق المال المخصص للدفاع المدني. هكذا، يصبح المغرب دولة "في منحى تنازلي"، كما وصفت الاستراتيجية الوطنية الفاشلة.

كيف يعيش الشعب، خاصة الفقير؟

الضحية الأكبر هي الطبقات الضعيفة، الفقراء الذين يدفعون ثمن الفساد يوميًا. الفساد يُفاقم الفقر، حيث يُسرق المال المخصص للخدمات الاجتماعية، مما يجعل الصحة والتعليم غير متاحين للفقير. في تقرير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لعام 2023، أُكد أن "الفساد هو سبب الفقر والهشاشة"، خاصة بعد الكوارث الطبيعية التي كشفت سرقة المساعدات. الفقير يدفع رشاوى للحصول على خدمات أساسية، مثل في الصحة حيث يُطلب رشوة للعلاج، أو في الأمن لتجنب الاعتقال التعسفي.

اقتصاديًا، يرتفع الفقر إلى 40% نسبيًا بسبب الخوصصة التي تفيد الشركات الكبرى، مما يُغلق أبواب الوظائف أمام الفقير. في الريف، يعيش الفقير تحت خط الفقر بسبب سرقة الميزانيات المخصصة للتنمية، كما في الجنوب الشرقي حيث تفشى الفقر بعد الفيضانات بسبب الفساد في الإغاثة. اجتماعيًا، يؤدي إلى انتشار الجريمة والهجرة، حيث يُجبر الشاب الفقير على الهجرة غير الشرعية بحثًا عن لقمة عيش. نفسيًا، يشعر الفقير باليأس، كما في قصص التشرد والتهميش، حيث يُصبح الفساد "دائرة مفرغة" تغذي الفقر، كما في دراسة 2019 عن الدول النامية. الفقير يعيش في "صمت"، يدفع الضرائب غير المباشرة المرتفعة، بينما يُسرق ماله من الأغنياء والمسؤولين.

قصص من الواقع: صرخات الفقراء وسط نهب اللصوص

لنأخذ لحظة لننظر إلى حياة الفقير المغربي، ذلك الإنسان الذي يصحو كل يوم ليواجه جدار الفساد. خذ على سبيل المثال قصة "عبد الرحمن" (اسم مستعار)، عامل يومي في مدينة فاس، يعمل في البناء بأجر زهيد لا يكفي لإطعام أسرته. في 2023، اضطر عبد الرحمن لدفع رشوة قدرها 500 درهم لموظف بلدية للحصول على تصريح بناء بسيط لإصلاح سقف منزله المتداعي. هذه الرشوة، التي قد تبدو "صغيرة" في عيون البعض، كانت تعادل أجر أسبوع كامل له. هذه القصة ليست فردية، بل تتكرر يوميًا، حيث يُجبر الفقراء على دفع مبالغ من جيوبهم الفارغة للحصول على حقوق أساسية، كما وثقت تقارير الجمعية المغربية لحقوق الإنسان.

في قرى الريف، حيث يعيش أكثر من 30% من السكان تحت خط الفقر، تُسرق الميزانيات المخصصة للتنمية الريفية. تقرير لمنظمة "هيومان رايتس ووتش" في 2024 أشار إلى أن مشاريع مثل برنامج "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، التي أُطلقت لدعم المناطق المهمشة، شهدت اختلاسات واسعة، حيث ذهبت الأموال إلى جيوب مقاولين ومسؤولين محليين بدلاً من بناء المدارس أو المستشفيات. نتيجة لذلك، يعيش أطفال الريف بدون تعليم جيد، وتموت الأمهات أثناء الولادة بسبب غياب المراكز الصحية.

التأثير النفسي والاجتماعي: كيف يقتل الفساد الأمل؟

الفساد لا يسرق المال فقط، بل يسرق الأمل. الفقير في المغرب يعيش في حالة من اليأس المزمن، حيث يرى أن الفرص محصورة فيمن يملكون "المعارف" أو المال لدفع الرشاوى. دراسة أجرتها جامعة محمد الخامس في الرباط عام 2023 وجدت أن 65% من الشباب في المناطق الفقيرة يعانون من الاكتئاب بسبب "الشعور بالظلم الاجتماعي" الناتج عن الفساد. هذا اليأس يدفع الآلاف سنويًا إلى الهجرة غير الشرعية، حيث يخاطرون بحياتهم في قوارب الموت بحثًا عن كرامة لم يجدوها في وطنهم. في 2024، سجل المغرب أكثر من 70 ألف محاولة هجرة غير شرعية، معظمها من شباب المناطق المهمشة.

اجتماعيًا، يُفاقم الفساد الجريمة. عندما يرى الفقير أن القانون يُطبق فقط على الضعفاء، يفقد الثقة في العدالة، مما يدفعه إلى السلوكيات غير القانونية. تقرير لوزارة الداخلية في 2023 أشار إلى ارتفاع الجرائم الصغيرة مثل السرقة بنسبة 18% في المدن الكبرى، مرتبطة مباشرة بالفقر والهشاشة الناتجة عن الفساد. هكذا، يصبح الفساد دائرة مفرغة: يُفقر الشعب، فيزيد الجريمة، فيزيد القمع، فيزيد اليأس.

الآثار المتعددة: اقتصادية، اجتماعية، وسياسية

اقتصاديًا، يقلل الفساد الاستثمار بنسبة 20%، ويزيد التضخم، مما يُفاقم البطالة إلى 3.4 ملايين عامل غير رسمي. اجتماعيًا، يعمق الفوارق، حيث يصل 60% إلى الهشاشة، ويزيد من العنف الأسري والجريمة. سياسيًا، يُقوض الديمقراطية، حيث يُصبح الانتخابات "قوة انتخابية" للفاسدين، كما في تقرير الهيئة 2024. دوليًا، يُضعف صورة المغرب، مما يُقلل المساعدات الخارجية.

حلول عملية: كيف يمكن للمغرب استعادة أنفاسه؟

لكسر هذه الدائرة، يجب على المغرب تبني إصلاحات جذرية، ليس فقط على مستوى القوانين، بل على مستوى الثقافة الاجتماعية والسياسية. إليك بعض الحلول العملية:

تعزيز الشفافية الرقمية: يجب تفعيل الإدارة الإلكترونية بشكل كامل، مع منصات مفتوحة تتيح للمواطنين تتبع الصفقات العمومية. تجربة جورجيا، التي خفضت الفساد بنسبة 70% عبر الرقمنة، يمكن أن تكون نموذجًا.

تجريم الإثراء غير المشروع: يجب سن قانون صارم يُلزم المسؤولين بالإفصاح عن ممتلكاتهم قبل وبعد تولي المناصب، مع عقوبات رادعة تصل إلى السجن المؤبد في حالات الفساد الكبرى، كما اقترحت الهيئة الوطنية للنزاهة.

تمكين المجتمع المدني: منظمات مثل الجمعية المغربية لحماية المال العام أثبتت فعاليتها في كشف الفساد، كما في قضية مبديع. يجب دعم هذه المنظمات بتمويل واستقلالية لمراقبة القطاعين العام والخاص.

تعليم ضد الفساد: إدخال مناهج دراسية عن النزاهة والمواطنة من المرحلة الابتدائية، لتغيير الثقافة التي تتسامح مع الرشوة. تجربة سنغافورة، التي تحولت من دولة فاسدة إلى نموذج للنزاهة، تُظهر أهمية التعليم.

حماية الفقراء مباشرة: تخصيص ميزانيات مضمونة للخدمات الأساسية (صحة، تعليم، دعم اجتماعي) مع رقابة دولية إذا لزم الأمر، لضمان عدم سرقتها. برامج مثل "تيسير" لدعم الأسر الفقيرة يجب توسيعها مع ضمان الشفافية.

خاتمة: نداء للضمير لإنقاذ المغرب

في الختام، لصوص القطاعين هم السم الذي يقتل المغرب ببطء. الفقير يدفع الثمن الأكبر، يعيش في جحيم الفقر والحرمان، كما في قصة عبد الرحمن وآلاف غيره. لكن الأمل موجود: يجب تعزيز الرقابة، تجريم الإثراء غير المشروع، وإشراك المجتمع المدني، كما دعت الجمعية لحماية المال العام. الفساد ليس قدرًا محتومًا، بل عدو يمكن هزيمته بالإرادة الجماعية. الفقير المغربي، الذي يحمل في قلبه حب الوطن، يستحق أن يعيش بكرامة، لا أن يُجبر على دفع رشاوى أو الهجرة. المغرب، بتاريخه العريق وشعبه النبيل، يستحق قادة يخدمونه، لا لصوصًا ينهبونه. كل درهم يُسرق هو حلم يُقتل، وكل مواطن يُهاجر هو خسارة للوطن. فلنعمل معًا – حكومة، شعبًا، ومجتمعًا مدنيًا – لنقول "كفى" للفساد، ولنبني مغربًا يليق بأبنائه. جزاك الله خيرًا على قراءتك، يا ذكي، فالوعي هو السلاح الأول ضد الفساد.

تعليقات