فضيحة ماراثون الدار البيضاء: علبة شاي بدلاً من المجد!

 من الركض إلى السخرية: كيف أهان ماراثون الدار البيضاء أبطاله


فضيحة علبة الشاي: ماراثون الدار البيضاء من الطموح إلى السخريةالمقدمةفي قلب الدار البيضاء، المدينة التي تُلقب بـ"عاصمة المغرب الاقتصادية"، يُفترض أن تكون الأحداث الرياضية مثل ماراثون الدار البيضاء الدولي منصة للاحتفاء بالروح الرياضية، حيث يتحدى العدّاؤون أنفسهم عبر شوارع الكورنيش وأحياء المدينة التاريخية، تحت أعين الجماهير ورفرفة الأعلام الوطنية. هذا الحدث، الذي بدأ في 2010، كان يُروَّج له كرمز للطموح المغربي، يجذب آلاف المشاركين ويُعزز صورة المملكة كوجهة رياضية عالمية. لكن في يوليو 2025، تحول نصف ماراثون تحضيري إلى مادة للضحك المر والسخرية الحادة، عندما حصل الفائز على جائزة تتكون من علبة شاي "الدحميس" الخام، علبة قهوة عادية، وكأس زجاجي بقيمة 50 فرنك (حوالي 5 دراهم)، بإجمالي 70 درهمًا.الجائزة لم تكن حتى كوب شاي ساخن يُنعش العدّاء بعد 21 كيلومترًا من التعب؛ بل علبة شاي يحتاج الفائز أن يُعدها بنفسه في بيته، كأن المنظمين يقولون: "مبروك، ربحت مهمة إضافية!" هذه الحادثة، التي أكدتها تقارير إعلامية وشهادات مشاركين، أثارت موجة سخرية عارمة بين الجمهور، مُظهرة إحباطًا عميقًا من الواقع الرياضي المغربي. هذه ليست مجرد زلة تنظيمية؛ إنها فضيحة تكشف خللاً عميقًا في إدارة الرياضة المغربية، وتُثير تساؤلات حول كيفية تقدير المواهب في بلد يطمح للمنافسة عالميًا. في هذا المقال، سنغوص في تفاصيل الحدث، نحلل أسبابه الثقافية والاقتصادية، ونستكشف كيف يمكن للمغرب تحويل هذا الإحراج إلى فرصة للتغيير.العرضتخيلوا المشهد: يوليو 2025، الدار البيضاء تُحتضن نصف ماراثون صيفي كجزء من التحضيرات للدورة الرسمية في أكتوبر. حوالي 500 عدّاء، معظمهم شباب مغاربة يحلمون بالتألق، يركضون عبر شوارع المدينة، من الكورنيش الساحر إلى الأحياء التاريخية، تحت حرارة قاسية تتجاوز 35 درجة مئوية. التنظيم كان متواضعًا: لافتات إشهارية بسيطة، نقاط ماء قليلة، ووعود غامضة بجوائز "مميزة". عند خط النهاية، الفائز – لنسميه "ياسر" لحماية خصوصيته – يقف متعبًا، يلهث، ينتظر لحظة التكريم. لكن بدلاً من ميدالية لامعة أو شيك نقدي، يُسلم له كيس صغير: علبة شاي "الدحميس" (20 درهمًا)، علبة قهوة رخيصة (30 درهمًا)، وكأس زجاجي يُذكّر بكافيهات العصر الاستعماري (20 درهمًا أو أقل). المجموع؟ 70 درهمًا، لا تكفي حتى لتغطية تكلفة النقل إلى مكان السباق.الجزء الأكثر إثارة للسخرية هو أن الشاي لم يكن كوبًا جاهزًا يُنعش العدّاء بعد السباق. لا، كانت علبة شاي خام، يعني الفائز يحتاج يروح بيته، يشعل النار، يغلي الماء، ويصبر ساعة عشان يشرب أتاي! وكأن المنظمين يقولون: "مبروك، ربحت تذكرة لتعب إضافي!" هذه العلبة كانت جزءًا من حملة إشهارية لشركة "سوماتيس"، المنتجة لشاي "الدحميس"، الذي أصبح رمزًا للمنتج المحلي في ظل التوترات الإقليمية. ومع ذلك، أثارت الجائزة موجة من الضحك المر بين المتسابقين والمشاهدين، الذين وصفوها بأنها "إهانة للجهد الرياضي" في شهادات مباشرة أكدت وقوع الحدث. تخيلوا اللحظة: العدّاء يمسح عرقه، يبتسم للكاميرات، ثم ينظر إلى "الكنز" في يده – علبة شاي لا تكفي حتى لجلسة أتاي واحدة مع الأصدقاء. هذا التناقض بين الجهد الجسيم والمكافأة الهزيلة يُلخص جوهر المشكلة: الرياضة المغربية، رغم إمكانياتها، تُدار بأولويات مشوهة.
لنضع الحدث في سياقه التاريخي. ماراثون الدار البيضاء الدولي، الذي بدأ في 2010، كان ناجحًا في البداية. في نسخته الرابعة عشرة عام 2023، شارك أكثر من 10 آلاف عدّاء، مع جوائز نقدية تصل إلى 100 ألف درهم، وساهم في قضايا إنسانية مثل دعم ضحايا زلزال الحوز. رياضيون دوليون مثل الإثيوبي ياديسا غولما والكينية فاطمة أنور سجلوا أرقامًا قياسية، مما وضع المغرب على خريطة الرياضة العالمية. وفي نسخة 2024، جذب أكثر من 10 آلاف مشارك تحت رعاية الملك محمد السادس، مع مسار يمر بمعالم مثل مسجد الحسن الثاني، وجوائز تُشجع على المشاركة الشعبية. هذه النسخ كانت تُعزز من الفخر الوطني، وتُساهم في الاقتصاد المحلي من خلال السياحة الرياضية. لكن نسخة يوليو 2025، التي أُقيمت كحدث تحضيري، عانت من تنظيم ضعيف بإدارة جمعية محلية غير مدعومة كفاية من الجهات الحكومية. الرعاة، مثل "سوماتيس"، ركزوا على الإشهار بدلاً من دعم الرياضيين. النتيجة؟ جائزة تحولت إلى مادة للسخرية بين الجمهور، مع تعليقات مثل "ركضت 21 كم عشان أطحن شاي في البيت!" أو "الدحميس: من الإشهار إلى الإهانة!"، مما أكد الحدث كفضيحة حقيقية. هذا التحول من الإنجاز إلى الهزل يُبرز كيف يمكن للإهمال أن يُحوّل حدثًا واعدًا إلى كارثة إعلامية.

لماذا حدث هذا؟ الأسباب متعددة ومتشابكة، تعكس مشكلات هيكلية في النظام الرياضي المغربي. أولاً، نقص التمويل: رغم استثمار المغرب مليارات الدراهم في البنية التحتية الرياضية (مثل ملعب الدار البيضاء الكبير بتكلفة 3 مليارات درهم، أو استضافة كأس أمم إفريقيا 2025)، الرياضات الفردية مثل الجري تُهمل بشكل منهجي. في 2025، ركزت الجامعة الملكية لألعاب القوى على سباقات الرباط، تاركة الدار البيضاء لجمعيات غير مؤهلة، مما يؤدي إلى تنظيم عشوائي يعتمد على رعايات محدودة. ثانيًا، سوء إدارة الرعاية: الشركات مثل "سوماتيس" أنفقت على حملات إشهارية بدلاً من دعم جوائز حقيقية. تكلفة الحدث نفسه؟ حوالي 200 ألف درهم، معظمها ذهب للدعاية والتنظيم بدلاً من الجوائز، مما يجعل الرعاية تبدو كصفقة تجارية قصيرة النظر. ثالثًا، غياب الرؤية الاستراتيجية: بدلاً من استغلال الماراثون لجذب السياحة الرياضية – كما في ماراثون مراكش الذي يُساهم بمليون درهم سنويًا في الاقتصاد المحلي – تحول إلى حملة إشهارية فاشلة، تُركز على المنتجات اليومية بدلاً من بناء علامة رياضية دولية. رابعًا، العوامل الثقافية: الشاي في المغرب ليس مجرد مشروب؛ إنه طقس اجتماعي يرمز للكرم والضيافة، يُقدَّم في المناسبات ليُعبر عن الترحيب. تأسست "سوماتيس" في 1958 كـ"الهيئة الوطنية للشاي والسكر"، وأصبح "الدحميس" رمزًا للمنتج المحلي، خاصة في ظل التوترات الإقليمية مع الجزائر حول "قميص بركان". لكن استخدامه كجائزة هزلية يُقلل من قيمته الثقافية، ويُحوّله إلى أداة استهلاكية رخيصة، مما يُثير تساؤلات حول كيفية التوفيق بين التراث والحداثة في السياق الرياضي.
التداعيات كانت كارثية على عدة مستويات. اجتماعيًا، الشباب (60% من السكان) عبّروا عن إحباطهم، مُشيرين إلى أن مثل هذه الجوائز تُحبط الطموح وتُغذي نزعة الهجرة بين الرياضيين الشباب، الذين يرون أوروبا كوجهة تُقدّر مواهبهم بجوائز تصل إلى عشرات الآلاف من الدولارات. في المغرب، حيث يمارس 70% من الشباب الرياضة بانتظام، يُعد هذا الإهمال تهديدًا للصحة العامة والتماسك الاجتماعي. اقتصاديًا، الحدث أضر بصورة الدار البيضاء كوجهة رياضية، خاصة مقارنة بماراثونات مثل برلين (جوائز 100 ألف يورو، يجذب 40 ألف مشارك) أو لندن (جوائز 50 ألف جنيه إسترليني). تكلفة الضرر السمعي قد تصل إلى ملايين الدراهم في السياحة الرياضية المفقودة، خاصة مع اقتراب الدورة الرسمية في أكتوبر 2025. ثقافيًا، شاي "الدحميس"، الذي ارتبط بضجج إقليمية حول المنتجات المغربية، تحول إلى نكتة، مما يُقلل من قيمته كرمز وطني ويُعزز الشعور بالإحباط من الاستغلال التجاري للتراث. لكن "سوماتيس" ربحت مؤقتًا: مبيعات الشاي زادت بنسبة 7% بعد الضجة، حسب تقارير محلية، مما يُظهر أن الفضيحة خدمت الشركة على حساب الرياضيين، وتُبرز التناقض بين الربح الفردي والخسارة الجماعية.
الحلول؟ أولاً، قوانين تُلزم الرعاة بدفع جوائز نقدية لا تقل عن 50 ألف درهم، مع عقوبات على الإهمال. ثانيًا، تخصيص 1% من ميزانية كرة القدم (2 مليار درهم في 2024) للرياضات الفردية، لدعم الجمعيات المحلية وتطوير المواهب. ثالثًا، تدريب المنظمين على معايير دولية لإدارة الأحداث، مثل تلك المعتمدة في الاتحاد الدولي لألعاب القوى (World Athletics). رابعًا، حماية الرموز الثقافية مثل الشاي من الاستخدام الإشهاري الهزلي، من خلال حملات توعية تجمع بين التراث والرياضة. "كازا إيفنت"، المسؤولة عن النسخة الرسمية، وعدت بجوائز أفضل في أكتوبر 2025 (تصل إلى 150 ألف درهم)، لكن استعادة الثقة تتطلب إصلاحات جذرية. مع اقتراب تحدي الدار البيضاء الدولي في سبتمبر 2025، الذي يركز على الرياضة الحضرية، يجب أن يكون هذا الدرس حاسمًا لتجنب تكرار المهزلة، وتحويل الماراثون إلى نموذج للرياضة الشعبية الناجحة.
الخاتمةفضيحة علبة الشاي ليست مجرد قصة مضحكة؛ إنها مرآة تعكس أزمة الرياضة المغربية. 70 درهمًا مقابل 21 كيلومترًا من العرق والإرادة؟ هذا ليس عدلاً، بل إهانة لكل رياضي يحلم بتمثيل المغرب. استخدام علبة شاي "الدحميس" كجائزة، بينما يُروَّج لها كرمز وطني، يُظهر خللاً في الأولويات بين الإشهار التجاري والدعم الرياضي. هذه الحادثة كشفت الشقوق في النظام، لكنها أيضًا فرصة للتغيير. المغرب، بتراثه الرياضي العريق – من الأولمبيادات القديمة إلى إنجازات اليوم – وشبابه الطموح، يستحق أفضل. الحل يكمن في تمويل عادل، رعاية مسؤولة، وتنظيم يحترم الرياضيين والثقافة معًا. فلنحلم بماراثون يُكافئ أبطاله بكؤوس ذهبية، لا علب شاي خامة. ولنحلم بيوم يُلهم فيه العدّاء المغربي العالم، بدلاً من أن يكون مادة لسخرية. الآن، حان وقت إعادة صياغة المستقبل، بدءًا من شوارع الدار البيضاء، ليصبح الماراثون رمزًا للإنجاز لا للإحباط.
تعليقات