مأساة المحتجزين في تندوف والمغرب: صراع الكبرياء الوطني

المحتجزون بين المغرب والجزائر: أزمة إنسانية وسياسية

تندوف

مأساة المحتجزين في تندوف والمغرب: كبرياء الدولتين وغياب الأرقام الدقيقة

تُعد قضية المحتجزين في مخيمات تندوف بالجزائر، ومن الجزائريين في المغرب، واحدة من أعقد الملفات الإنسانية والسياسية في المغرب العربي، حيث تتداخل فيها عوامل التاريخ، الهوية، والكبرياء الوطني. هذه المأساة، التي تمتد جذورها إلى حرب الرمال عام 1963 وتفاقمت مع نزاع الصحراء الغربية، تعكس تعقيدات العلاقات بين المغرب والجزائر، وتبرز تحديات تحقيق الوحدة والاستقرار في المنطقة. في هذا المقال، سنستعرض أبعاد هذه القضية الإنسانية، مع التركيز على أوضاع المحتجزين لدى الطرفين، دور الكبرياء الوطني في تعقيد الحلول، وصعوبة تحديد أرقام دقيقة للمحتجزين منذ حرب الرمال.

خلفية تاريخية: من حرب الرمال إلى نزاع الصحراء

بدأت جذور الصراع بين المغرب والجزائر مع استقلال الجزائر عام 1962. اندلعت حرب الرمال عام 1963 بسبب نزاعات حدودية حول مناطق مثل تندوف وحاسي البيضاء، وهي حرب قصيرة تركت توتراً مزمناً في العلاقات بين البلدين. خلال هذه الحرب، تم طرد عمال مغاربة من الجزائر وتجار جزائريين من المغرب، خاصة من مدينة وجدة، لكن لم يتم توثيق أعداد دقيقة لهؤلاء الأفراد. هذا التوتر مهّد الطريق لنزاع أوسع حول الصحراء الغربية بعد انسحاب إسبانيا عام 1975، حيث أصبحت تندوف مركزاً لمخيمات اللاجئين الصحراويين التي تديرها جبهة البوليساريو بدعم الجزائر.المغرب يرى سكان هذه المخيمات كـ"محتجزين" مغاربة يتم استغلالهم سياسياً، بينما تصفهم الجزائر بـ"اللاجئين" الذين يسعون لتقرير المصير. هذا الخلاف حول التعريف يعكس جوهر الصراع، حيث يتشبث كل طرف بروايته الوطنية، مما يجعل من الصعب التوصل إلى حلول مشتركة أو حتى جمع بيانات دقيقة عن المحتجزين.

المخيمات في تندوف: مأساة إنسانية مستمرة

تأسست مخيمات تندوف منذ عام 1975، وتضم عشرات الآلاف من الصحراويين الذين نزحوا بعد النزاع على الصحراء الغربية. المغرب يعتبر هؤلاء "محتجزين" تحت سيطرة جبهة البوليساريو، بينما تؤكد الجزائر أنهم لاجئون يحق لهم تقرير مصيرهم. تقارير دولية، مثل تقرير هيومن رايتس ووتش (2014)، تشير إلى ظروف إنسانية صعبة في المخيمات، بما في ذلك نقص المواد الغذائية، الرعاية الصحية المحدودة، والتعرض للمناخ الصحراوي القاسي. كما وثقت التقارير انتهاكات مثل تقييد حرية التعبير والتنقل، وتجنيد الأطفال قسراً في الميليشيات المسلحة، وهو انتهاك لحقوق الطفل.

الأرقام غير المحددة في تندوف:

لا توجد أرقام دقيقة لعدد سكان المخيمات بسبب رفض الجزائر والبوليساريو إجراء إحصاء رسمي. تقديرات غير مؤكدة تتراوح بين 90,000 و165,000 شخص، لكن المغرب يتهم الجزائر بتضخيم الأعداد لأغراض سياسية وتسهيل اختلاس المساعدات الإنسانية، كما أشار تقرير المكتب الأوروبي لمكافحة الغش.

لا توجد بيانات واضحة تربط هؤلاء الأفراد مباشرة بحرب الرمال (1963)، حيث يرتبط وجودهم أكثر بنزاع الصحراء الغربية الذي بدأ لاحقاً. ومع ذلك، يرى المغرب أن الجزائر تتحمل مسؤولية هؤلاء كدولة مضيفة، ويتهمها بخرق القانون الدولي عبر تسليم إدارة المخيمات للبوليساريو.

شهادات، مثل تلك المتعلقة باحتجاجات عام 2024 في المخيمات بسبب احتجاز شاب من قبيلة الركيبات، تكشف عن توترات مستمرة وقمع للمعارضة، مما يعزز رواية المغرب عن "الاحتجاز القسري".

الجزائريون في المغرب: وجه آخر للصراع

على الجانب الآخر، هناك جزائريون في المغرب، سواء كمهاجرين أو أفراد ارتبطوا بالصراع حول الصحراء. خلال حرب الرمال، تم طرد عدد من العمال المغاربة من الجزائر وتجار جزائريين من المغرب، لكن لا توجد إحصاءات موثقة عن أعداد هؤلاء. تقارير تاريخية تشير إلى أن الحرب أسفرت عن مقتل جنود، مثل 10 جنود مغاربة في هجوم على حاسي بيضاء، لكن لا توجد بيانات واضحة عن أسرى أو محتجزين مدنيين بشكل جماعي. بعد الحرب، لم تُسجل حالات احتجاز جماعي للجزائريين في المغرب، بل كانت هناك عمليات ترحيل متبادلة نتيجة التوترات.في سياق نزاع الصحراء، تتهم الجزائر المغرب بانتهاك حقوق الصحراويين في المناطق الخاضعة لسيطرته، وهو ما وثقه تقرير هيومن رايتس ووتش (2008) الذي أشار إلى قيود على حرية التعبير في الصحراء الغربية بسبب القوانين المغربية التي تحظر المساس بـ"وحدة الأراضي". ومع ذلك، فإن قضية الجزائريين في المغرب أقل بروزاً مقارنة بمخيمات تندوف، وغالباً ما تُدار في إطار قوانين الهجرة أو الإجراءات الأمنية.

الأرقام غير المحددة في المغرب:

لا توجد بيانات دقيقة عن عدد الجزائريين المحتجزين أو المرحلين من المغرب خلال أو بعد حرب الرمال. التركيز في المصادر التاريخية ينصب على الخسائر العسكرية أو الترحيل المتبادل وليس على احتجاز مدنيين.

في الوقت الحاضر، يتم التعامل مع الجزائريين في المغرب، إن وجدوا، كمهاجرين أو في إطار قضايا أمنية فردية، وليس كمحتجزين جماعيين.

تحديات تحديد أرقام المحتجزين

تحديد أعداد المحتجزين لدى الطرفين يواجه عقبات كبيرة:

1.غياب التوثيق الرسمي: حرب الرمال كانت قصيرة (سبتمبر-نوفمبر 1963) وانتهت بوساطة الجامعة العربية ومنظمة الوحدة الأفريقية، دون توثيق دقيق لأعداد الأسرى أو المحتجزين المدنيين.

2.الخلاف حول التعريف: المغرب يرى سكان تندوف كمحتجزين، بينما الجزائر تراهم لاجئين، مما يعيق التوافق على إحصاء محايد.

3.التداخل مع نزاع الصحراء: منذ 1975، تحول التركيز من حرب الرمال إلى نزاع الصحراء الغربية، مما جعل قضية المحتجزين مرتبطة بمخيمات تندوف أكثر من الحرب الأولية.

4.الرفض السياسي: رفض الجزائر إجراء إحصاء لسكان تندوف يثير شكوك المغرب حول الأعداد الحقيقية، بينما غياب بيانات رسمية عن الجزائريين في المغرب يعكس حساسية الملف.

كبرياء الدولتين: عقبة أمام الحل

الكبرياء الوطني يلعب دوراً محورياً في استمرار هذه المأساة. المغرب يرى قضية الصحراء مسألة سيادة ووحدة أراضيه، ويعتبر أي تنازل ضربة لكرامته الوطنية. خطابه الرسمي يشدد على أن الصحراء جزء لا يتجزأ من المملكة، مدعوماً بتزايد الدعم الدولي لخطة الحكم الذاتي، مثل اعتراف الولايات المتحدة وفرنسا. في المقابل، ترى الجزائر نفسها مدافعة عن مبدأ تقرير المصير، وتعتبر دعمها للبوليساريو جزءاً من هويتها الثورية. رفضها إجراء إحصاء في تندوف يُفسر كمحاولة للحفاظ على الوضع الراهن واستخدام المخيمات كورقة ضغط.هذا الكبرياء يتجلى في الخطاب الإعلامي والدبلوماسي، حيث تتبادل الدولتان الاتهامات: الجزائر تتهم المغرب بالاستبداد، والمغرب يتهم الجزائر بتحويل تندوف إلى "سجن كبير" ودعم الإرهاب. هذا التصعيد يعمق الفجوة ويعرقل الحلول الإنسانية والسياسية.الحلول المقترحة وتحدياتهاعلى المستوى الإنساني، هناك دعوات دولية لتحسين أوضاع سكان تندوف، بما في ذلك إجراء إحصاء دقيق، ضمان حرية التنقل، ووقف انتهاكات حقوق الإنسان. المغرب قدم مبادرات مثل عرض لقاحات كورونا للمخيمات عام 2021، لكن الجزائر اعتبرته محاولة سياسية. سياسياً، يقترح المغرب الحكم الذاتي تحت سيادته، بينما تتمسك الجزائر والبوليساريو بالاستفتاء. غياب الثقة يجعل الوساطات الأممية، مثل بعثة المينورسو، غير قادرة على تحقيق تقدم كبير.

الخاتمة: نحو حل يتجاوز الكبرياء

مأساة المحتجزين في تندوف وأوضاع الجزائريين في المغرب تعكس صراعاً أعمق حول الهوية والسيادة. غياب أرقام دقيقة عن المحتجزين منذ حرب الرمال، سواء في تندوف (حيث تتراوح التقديرات بين 90,000 و165,000) أو في المغرب (حيث لا توجد بيانات واضحة عن احتجاز جماعي)، يزيد من تعقيد الملف. إنهاء هذه المأساة يتطلب تجاوز الكبرياء الوطني وبناء ثقة متبادلة، مع التركيز على حلول إنسانية مثل تحسين ظروف المخيمات وإجراء إحصاء شفاف. بدون إرادة سياسية مشتركة ودعم دولي، ستبقى هذه القضية جرحاً مفتوحاً في قلب المغرب العربي، يعيق التعاون والاستقرار الإقليمي.


تعليقات