استثمارات إسرائيلية في "الذهب الأخضر": زراعة الأفوكادو في المغرب كرمز للشراكة الاقتصادية والأزمة المائية
المقدمة: بين الذهب الأخضر والجفاف الذهبيفي سياق الشراكات الاقتصادية المتزايدة بين المغرب وإسرائيل بعد اتفاقيات أبراهام عام 2020، أصبحت زراعة الأفوكادو، الذي يُلقب بـ"الذهب الأخضر" لقيمته الاقتصادية العالية، محورًا لاستثمارات مشتركة. وفقًا لتقرير نشرته سكاي نيوز عربية بعنوان "إسرائيل تستثمر في 'الذهب الأخضر' بالمغرب"، وقعت شركة "مهادرين" الإسرائيلية، أكبر مصدر للفواكه في إسرائيل، اتفاقية مع الشركة المغربية "شردود" لزراعة الأفوكادو على مساحة 455 هكتارًا في مناطق الغرب والساحل المغربيين. هذا الاستثمار، الذي بلغ قيمته الأولية 80 مليون درهم مغربي (حوالي 8.9 مليون دولار أمريكي)، يهدف إلى إنتاج 10,000 طن سنويًا للتصدير إلى أسواق أوروبا، مستفيدًا من التقنيات الإسرائيلية في الري بالتنقيط والزراعة المستدامة.ومع ذلك، يأتي هذا الاستثمار في وقت يعاني فيه المغرب من أزمة مائية حادة، حيث دخل الجفاف عامه الثامن في سبتمبر 2025، مع انخفاض مستويات السدود إلى أقل من 33% من سعة الملء. الأفوكادو، الذي يستهلك نحو 2000 متر مكعب من الماء لإنتاج طن واحد، يُعد مثالًا صارخًا على كيفية استنزاف الموارد المائية لصالح التصدير الزراعي، مما يثير جدلاً حول التوازن بين النمو الاقتصادي والاستدامة البيئية. في هذا التقرير، سنستعرض تفاصيل هذه الشراكة، رابطًا إياها بقضية الاستنزاف المائي في المغرب، مع الإشارة إلى كيفية رفض دول مثل إسرائيل ودول أوروبية لزراعة هذه المحاصيل داخل أراضيها بسبب استهلاكها المفرط للماء.خلفية الشراكة المغربية-الإسرائيلية: من الاتفاقيات إلى الحقول الخضراءبدأت الشراكة الزراعية بين المغرب وإسرائيل بشكل مكثف بعد توقيع اتفاقيات السلام في ديسمبر 2020، التي شملت تعاونًا في مجالات الأمن الغذائي والتكنولوجيا الزراعية. إسرائيل، التي تُعد رائدة عالميًا في إدارة المياه رغم ندرتها (مع توفير 98 متر مكعب للفرد سنويًا فقط)، رأت في المغرب فرصة للاستثمار في أراضٍ خصبة ومناخ معتدل. الاتفاقية الخاصة بزراعة الأفوكادو تم توقيعها في 2021، وبدأت الزراعة الفعلية في 2022 على مساحة 455 هكتارًا (حوالي 458 هكتارًا حسب بعض التقارير)، موزعة بين منطقة الغرب (حيث التربة الخصبة) والساحل (للاستفادة من الرطوبة). الاستثمار مشترك بنسبة 50-50، مع التركيز على تصدير الإنتاج إلى أوروبا، حيث يصل سعر الأفوكادو إلى 5-7 يورو للكيلوغرام.شاول شيلاك، الرئيس التنفيذي لشركة مهادرين، أكد في تصريحات لسكاي نيوز أن "المغرب يوفر تكاليف مياه أقل مقارنة بإسرائيل، مما يجعل الإنتاج أكثر تنافسية". هذا الاستثمار جزء من خطة أوسع، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين 200 مليون دولار في 2024، مع تركيز على الزراعة والتكنولوجيا. ومع ذلك، يستهلك هذا المشروع نحو 4,000-8,000 متر مكعب من الماء للهكتار الواحد سنويًا، مستمدًا أساسًا من الفرش الجوفية في منطقة سوس-ماسة، التي تعاني بالفعل من انخفاض مستوياتها بمعدل 1-2 متر سنويًا.الاستنزاف المائي في المغرب: الأفوكادو كمحرك رئيسييعاني المغرب من ندرة مائية مزمنة، حيث يُقدر إجمالي الموارد المتجددة بحوالي 20-29 مليار متر مكعب سنويًا، لكن الاستغلال يصل إلى 12.6 مليار متر مكعب، معظمها في الزراعة (87%). الجفاف المستمر منذ 2018 أدى إلى انخفاض معدلات ملء السدود إلى 28.44% في يناير 2025، وفقًا لتقارير وزارة التجهيز والماء. في هذا السياق، أصبحت زراعة الأفوكادو رمزًا للاستنزاف، حيث يُزرع على أكثر من 15,000 هكتار في المغرب، مما يستهلك حوالي 90 مليون متر مكعب من المياه الافتراضية سنويًا (أي ما يعادل احتياجات مياه شرب لمدينة كبيرة مثل الرباط لأشهر).النائبة البرلمانية فاطمة التامني، في جلسة برلمانية في فبراير 2024، انتقدت هذه الزراعة بشدة، قائلة: "في منطقة الغرب تتم زراعة منتجات تستنزف الموارد المائية بإفراط مثل الأفوكادو الذي لا يدخل في المائدة المغربية بل يوجه كله للتصدير". هذا التصريح، الذي انتشر عبر ريل على فيسبوك، يعكس مخاوف واسعة من "تصدير الفقر المائي"، حيث يُصدر المغرب أكثر من 4 مليارات متر مكعب من المياه الافتراضية سنويًا عبر المنتجات الزراعية، معظمها إلى أوروبا.الشراكة مع إسرائيل تضيف طبقة من التعقيد. على الرغم من تقنيات الري بالتنقيط التي توفر حتى 30% من الماء، إلا أن الاستهلاك الكلي يظل مرتفعًا، خاصة في مناطق جافة مثل سوس، حيث يتم استخراج 1.5 مليار متر مكعب من الفرش الجوفية سنويًا مقابل تجدد 300 مليون فقط. تقرير منظمة CARE لعام 2023 يشير إلى أن هذا الاستنزاف يفاقم الهجرة الريفية، حيث يؤثر على 500,000 فلاح، ويزيد من عبء النساء في جلب الماء بنسبة 60%.المحاصيل المرفوضة في إسرائيل ودول أجنبية: تصدير الندرة المائيةما يثير الجدل أكثر هو أن إسرائيل نفسها ترفض زراعة الأفوكادو على نطاق واسع داخل أراضيها بسبب الاستهلاك المفرط للماء. في إسرائيل، يُقيد زراعة الأفوكادو إلى 758 هكتارًا فقط في المناطق الشمالية الرطبة نسبيًا، مع الاعتماد على مياه التحلية بنسبة 50%، وفقًا لتقرير "كيف تغلبت إسرائيل على أزمة المياه" الصادر عن وزارة الزراعة الإسرائيلية. السبب الرئيسي هو أن إسرائيل تواجه ندرة مائية شديدة، وتُفضل تخصيص المياه للمحاصيل الأساسية مثل الحبوب، مع قيود صارمة على الري في الجنوب الجاف. في الضفة الغربية، يُمنع الفلسطيين من الوصول إلى 80% من المياه الجوفية، بينما يُستخدمها المستوطنون في زراعة محاصيل مكثفة مثل الموز والحمضيات، كما وثقت منظمة العفو الدولية في تقرير "احتلال المياه" لعام 2017، محدثًا في 2023.أما الدول الأوروبية، فهي تفرض قيودًا أكثر صرامة. في إسبانيا، أكبر منتج أفوكادو في أوروبا، قلصت الحكومة زراعة الأفوكادو بنسبة 20% في أندلسيا بسبب الجفاف، حيث يُعتبر الاستهلاك (2000 متر مكعب للطن) غير مستدام، وفقًق لتقرير تشاتام هاوس عن "المخاطر المائية في التجارة العالمية". إسبانيا تستورد الآن 110,000 طن من المغرب في 2024، مما يعني "تصدير الندرة" إلى الجنوب. فرنسا وهولندا ترفضان زراعة البطيخ الأحمر والتوت في المناطق الجافة، معتبرة إياها مخالفة لمعايير الاستدامة الأوروبية، لكنهما تستوردانهما من المغرب، حيث يستهلك البطيخ 450 متر مكعب للطن، والتوت 4 مليارات متر مكعب إجماليًا.هذه المحاصيل، بما في ذلك الطماطم (200 متر مكعب للطن) والفراولة، تُزرع في المغرب على حساب الفرش الجوفية، بينما تُرفض في بلدان الاستيراد لأسباب بيئية. دراسة نشرت في مجلة Resources عام 2023 أظهرت أن المغرب يُصدر صافيًا 595.74 مليار متر مكعب من المياه الافتراضية بين 2000-2017، مع تركيز 72% على المنتجات المكثفة.التأثيرات الاقتصادية والبيئية والاجتماعية: توازن هشاقتصاديًا، تساهم هذه الشراكات في نمو الصادرات الزراعية بنسبة 10% من إجمالي الصادرات المغربية، محققة 70 مليار درهم في 2025، لكنها تزيد التضخم الغذائي بنسبة 3.6%، وفقًا لصندوق النقد الدولي. الجفاف خفض النمو الزراعي إلى 1.3% في 2022، مما أدى إلى خسائر تصل إلى 20 مليار درهم.بيئيًا، يُهدد الاستنزاف التنوع البيولوجي، مع انتشار التصحر في سوس بنسبة 15%، وانتشار الأمراض المائية في المناطق الريفية. تقرير البنك الدولي لعام 2024 يحذر من وصول الندرة إلى "الشديدة" بحلول 2050، مع انخفاض المياه للفرد إلى أقل من 500 متر مكعب.اجتماعيًا، يؤثر على النساء بنسبة 60%، كما في تقرير FAO، ويزيد الفقر الريفي إلى 20%، مع هجرة 500,000 شخص إلى المدن.الحلول المقترحة: نحو استدامة حقيقيةللتصدي لهذه الأزمة، يجب على المغرب تنفيذ "خطة المغرب الأخضر 2020-2030"، مع توسيع التحلية (17 محطة، بما في ذلك الجرف الأصفر بـ100 مليون متر مكعب في 2025)، ونقل المياه بين الأحواض (مشروع بـ1.4 مليار كيلومتر). اقتراحات أخرى تشمل حظر زراعة المحاصيل المكثفة في الجنوب، دعم المحاصيل المقاومة مثل اللوز (يستهلك 500 متر مكعب فقط)، وتعزيز الري الدقيق بنسبة 75% كما في إسرائيل. كما يُوصى بإعادة تقييم الشراكات الأجنبية لفرض شروط بيئية، وإنشاء "محاكم مائية" كما اقترح المجلس الوطني لحقوق الإنسان.الخاتمة: الذهب الأخضر أم الذهب الدامي؟الشراكة الإسرائيلية في زراعة الأفوكادو على 455 هكتارًا تمثل نموذجًا مزدوجًا: فرصة اقتصادية للمغرب، لكنها تهديد للموارد المائية في بلد يعاني الجفاف. بينما ترفض إسرائيل وأوروبا هذه المحاصيل داخليًا، يتحمل المغرب عبء الاستنزاف. الحل يكمن في سياسات جريئة تضمن الاستدامة، لتحويل "الذهب الأخضر" إلى مصدر فخر، لا مصدر أزمة.