كنزة الشرايبي وأزمة الحكامة المحلية
مقدمة
قضية كنزة الشرايبي، المحامية المغربية وعضو حزب الأصالة والمعاصرة التي انتُخبت رئيسة لمجلس مقاطعة سيدي بليوط بالدار البيضاء في سبتمبر 2021، تُعد واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل في المشهد السياسي المحلي بالمغرب، حيث تتقاطع فيها الديناميات السياسية، التحديات الإدارية، وتطلعات التمثيل النسائي في سياق اقتصادي واجتماعي معقد، وأصبحت هذه القضية أكثر حدة مؤخرًا مع كشف وثائق رسمية في تحقيق إعلامي حديث يُبرز تفاصيل مثيرة للجدل حول إنفاقها على حفلات فاخرة من ميزانية المقاطعة العامة بينما تعاني الساكنة من إهمال أساسي. هذه القضية ليست مجرد نزاع حول أداء فردي، بل تعكس تعقيدات إدارة الشأن العام في مدينة مثل الدار البيضاء، التي تُعتبر العاصمة الاقتصادية للمغرب، وتُبرز التوترات الناشئة عن التحالفات الحزبية الهشة، ضغوط المصالح الاقتصادية، وتوقعات الساكنة لتحسين جودة الحياة، خاصة مع الاتهامات الجديدة التي تركز على إهدار المال العام في مناسبات غير مبررة. لفهم هذا الجدل، يجب البدء من سياق انتخاب الشرايبي، التحديات التي واجهتها، الاتهامات الموجهة إليها مع التركيز على الوثيقة الجديدة المكشوفة في فيديو تحقيقي نشر في سبتمبر 2025، ردود أفعالها، والتداعيات الأوسع لهذه الأزمة على المستويين المحلي والوطني.
عرض
في سبتمبر 2021، أصبحت كنزة الشرايبي أول امرأة تتولى رئاسة مجلس مقاطعة سيدي بليوط، وهي واحدة من أغنى المقاطعات اقتصاديًا في الدار البيضاء، بفضل موقعها الاستراتيجي وكثافة الأنشطة التجارية فيها، وجاء انتخابها نتيجة توافق سياسي بين ثلاثة أحزاب رئيسية: التجمع الوطني للأحرار، الأصالة والمعاصرة، وحزب الاستقلال، وهو تحالف كان يُفترض أن يضمن استقرارًا إداريًا وسياسيًا، كانت هذه اللحظة تاريخية، ليس فقط بسبب انتخاب امرأة في منصب قيادي في مقاطعة بارزة، بل لأنها جاءت في سياق وطني يسعى لتعزيز مشاركة النساء في الحياة السياسية، وفقًا للتوجهات الملكية التي تدعو إلى تمكين المرأة في مراكز القرار، وقدمت الشرايبي نفسها كشخصية طموحة، تسعى إلى تحسين إدارة المقاطعة، تعزيز التنمية المحلية، وخدمة مصالح الساكنة، لكن سرعان ما واجهت عقبات كبيرة جعلت فترة رئاستها محط انتقادات حادة ومثيرة للجدل، ومن أبرز هذه العقبات الكشف الأخير عن وثيقة رسمية موقعة من قبلها في 15 مايو 2024، والتي تتعلق بشراء كوكتيلات فاخرة، مبيعات بحرية، حلويات باريسية ومغربية، ووجبات لأكثر من 400 شخص، كلها مدفوعة من ميزانية المقاطعة العامة، وهذه الوثيقة التي كشفها فيديو تحقيقي بعنوان "سيدنا ما بقى ما يتخبى: هذه ملفات الفساد من يفتح تحقيقا فيها؟" الذي بُث على قناة Le0ma في 12 سبتمبر 2025، أثار موجة من الغضب الشعبي لأنها تُظهر إنفاقًا غير مبرر في مقاطعة تعاني من مشاكل أساسية مثل تراكم النفايات، نقص الإضاءة العامة، وشوارع غير مُهيأة، بينما السكان يعيشون في ظروف فقيرة ويطالبون بتحسينات عاجلة. منذ بداية ولايتها، واجهت الشرايبي تحديات في الحفاظ على تماسك التحالف الحزبي الذي دعمها، حيث الأحزاب الثلاثة التي شكلت الأغلبية لم تكن متجانسة تمامًا، وظهرت خلافات حول توزيع المسؤوليات، إدارة الميزانية، وتحديد الأولويات، وهذه الخلافات لم تكن مجرد اختلافات في الرؤى السياسية، بل ارتبطت في كثير من الأحيان بمصالح شخصية وصراعات على النفوذ داخل المقاطعة، وعلى سبيل المثال، اتهمها أعضاء المجلس باتخاذ قرارات منفردة دون استشارة الأغلبية، مما أثار شعورًا بالتهميش بين بعض النواب، وهذا الانفراد، سواء كان ناتجًا عن رؤية شخصية للقيادة أو ضغوط إدارية، أدى إلى تصدع التحالف، وزاد من حدة التوترات داخل المجلس، وأحد أعضاء المجلس، سعيد السبيطي، كان من أبرز منتقديها، حيث اتهمها في سبتمبر 2024 بإدخال المقاطعة في حالة من الفوضى الإدارية، مشيرًا إلى مرور قرارات غير مدروسة دون نقاش كافٍ، مما أثر سلبًا على مصالح الساكنة، وفي سياق هذه الفوضى، يأتي كشف الوثيقة الجديدة التي تُظهر كيف أن الإنفاق على حفلة فاخرة في مايو 2024 جاء في وقت كانت المقاطعة تواجه فيه توقفًا في المشاريع التنموية، ويصف المقدم في الفيديو هذا الإنفاق بأنه "فاخر وغير مبرر"، مشددًا على أن أموال الضرائب تُقضى في حفلات بينما الساكنة تئن تحت وطأة الإهمال، مما يعزز الاتهامات بالفساد والإهدار. أحد أكثر الجوانب إثارة للجدل في هذه القضية هو ارتباط اسم الشرايبي بسعيد الناصيري، وهو نائب سابق وشخصية بارزة في الدار البيضاء، اعتُقل في يناير 2024 بتهم تتعلق بمصادر مالية مشبوهة، ووفقًا لتقارير إعلامية، يُزعم أن الناصيري لعب دورًا محوريًا في دعم ترشيح الشرايبي، مستخدمًا نفوذه المالي والسياسي لتأمين فوزها، وهذه الاتهامات ألقت بظلال كبيرة على شرعية انتخابها، وأثارت تساؤلات حول طبيعة الدعم الذي تلقته، خاصة أن هذا الدعم ارتبط بتدخلات العامل السابق دادس، الذي يُقال إنه سهّل تشكيل التحالف الحزبي، وهذا الارتباط، سواء كان حقيقيًا أو جزءًا من حملة تشويه سياسية، أدى إلى انهيار الثقة بين الشرايبي وأعضاء الأغلبية، حيث أعلنت فرق التحالف في يناير 2024 رفضها الاستمرار تحت رئاستها، مما وضع منصبها في موقف حرج، وفي الفيديو التحقيقي، يُربط هذا الارتباط المزعوم بالإنفاق الفاخر، حيث يُشير المقدم إلى أن مثل هذه الحفلات قد تكون جزءًا من شبكة مصالح أوسع تشمل شخصيات مثل الناصيري، مما يضيف طبقة إضافية من الشبهات حول مصادر التمويل والإدارة. من الناحية الإدارية، واجهت الشرايبي اتهامات متكررة بالغياب عن جلسات المجلس، مما تسبب في تعطيل الأعمال وتأخير المشاريع، وفي يونيو 2024، فشل المجلس في عقد دورته العادية للمرة الرابعة على التوالي بسبب عدم اكتمال النصاب القانوني، حيث كانت الشرايبي غائبة، وتركت نائبها جواد رسام لتولي رئاسة الجلسة، وهذا الغياب أثار موجة من الانتقادات، حيث اتهمها السبيطي في يناير 2025 بالتهرب من المسؤوليات، وأشار إلى أن غيابها ترك ثلاثة أعضاء فقط في الجلسات، مما جعل اتخاذ القرارات شبه مستحيل، وكما اتهمها بإصدار رخص بناء غير قانونية للأثرياء، على حساب مصالح الفقراء، وهي اتهامات خطيرة زادت من حدة التوترات، وهذه الانتقادات لم تكن مجرد تصريحات سياسية، بل عكست إحباطًا متزايدًا بين الساكنة، التي بدأت تشعر بأن المقاطعة تعاني من شلل إداري يؤثر على جودة الخدمات الأساسية مثل إصلاح البنية التحتية، إدارة الأسواق، وتنظيم الأنشطة التجارية، وفي سياق هذا الشلل، يُبرز الفيديو كيف أن الإنفاق على الـ400 وجبة والحلويات الفاخرة جاء في مايو 2024، أي في وقت كانت المقاطعة تواجه فيه فشلًا في عقد الجلسات، مما يعزز الاتهام بأن الأولويات الإدارية مُعكوسة تمامًا. قرار آخر أثار جدلاً واسعًا كان إصدار الشرايبي في أبريل 2025 قرارًا بهدم عمارة الحاج علي المنوزي، وهو مقاوم تاريخي يُعتبر رمزًا ثقافيًا في الدار البيضاء، وهذا القرار، الذي وُصف بأنه "هدم كلي"، أثار غضبًا شعبيًا كبيرًا، حيث اعتبره الكثيرون إهمالًا للتراث الثقافي والتاريخي للمدينة، ووسائل الإعلام والنشطاء هاجموا هذا القرار، مشيرين إلى أنه يعكس سوء تقدير للأولويات الاجتماعية والثقافية، وزاد من الضغوط على الشرايبي لتبرير موقفها، وهذا القرار لم يكن الحدث الوحيد الذي أثار استياء الساكنة، بل كان جزءًا من سلسلة من القرارات المثيرة للجدل التي عززت الانطباع بأن إدارتها تفتقر إلى الشفافية والرؤية الاستراتيجية، وفي الفيديو، يُربط هذا القرار بالبناء العشوائي في المنطقة، حيث يُزعم أن رخص البناء تُمنح للأثرياء مقابل مصالح شخصية، بينما يُرفض طلبات الفقراء، مما يجعل قرار الهدم يبدو كجزء من نمط من التمييز الاجتماعي. على الجانب الآخر، لم تكن الشرايبي صامتة تمامًا أمام هذه الانتقادات، وفي يناير 2024، أظهرت لحظة عاطفية خلال جلسة مع ساكنة المدينة العتيقة والمحج الملكي، حيث أجهشت بالبكاء وهي تتحدث عن معاناة السكان من عمليات الهدم والإفراغ، ووعدت بالترافع عنهم أمام الوزيرة فاطمة الزهراء المنصوري، وزيرة الإسكان، وعبد اللطيف وهبي، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، في محاولة لإظهار التزامها بقضايا الساكنة، وهذه اللحظة أظهرت جانبًا إنسانيًا من شخصيتها، لكنها لم تكن كافية لتهدئة الانتقادات أو استعادة ثقة الأغلبية، وكما حاولت الشرايبي استعادة السيطرة على المجلس من خلال إجراءات مثل سحب التفويضات من بعض الأعضاء في أكتوبر 2023، متهمة إياهم بعدم الجدية في حضور الاجتماعات، لكن هذه الخطوة زادت من حدة التوترات بدلاً من حلها، وبالنسبة للوثيقة الجديدة، لم يُسجل رد رسمي من الشرايبي حتى الآن، مما يزيد من الشبهات حول شرعية هذا الإنفاق. من الناحية الحزبية، تلقت الشرايبي دعمًا محدودًا من قيادات حزب الأصالة والمعاصرة، حيث فاطمة الزهراء المنصوري دعمتها في مؤتمر الحزب، لكن عبد اللطيف وهبي رفض تزكيتها في انتخابات جزئية في 2022، مما يعكس انقسامًا داخل الحزب حول شرعيتها وأدائها، وهذا الانقسام أضعف موقفها، خاصة أن زواجها من نائب عمدة الدار البيضاء أضاف بعدًا آخر للجدل، حيث رأى البعض أن هذا الارتباط يعزز النفوذ الشخصي على حساب المصلحة العامة، وفي الفيديو، يُطالب المقدم صراحة بمحاسبة الشرايبي وإزالتها من منصبها، معتبرًا أن مثل هذه الحالات تُشجع على الفساد وتُفقد الثقة في الحكامة المحلية.
خاتمة
حتى سبتمبر 2025، تظل الأزمة مستمرة دون حل واضح، وفشل المجلس في عقد جلساته بانتظام، واستمرار الخلافات داخل الأغلبية، جعل مقاطعة سيدي بليوط تعيش حالة من الشلل الإداري، والتقارير تشير إلى أن الجهات الجهوية تدرس التدخل لتسوية الوضع، لكن لا توجد مؤشرات على استقالة الشرايبي أو إجراءات قضائية رسمية ضدها حتى الآن، ومع كشف الوثيقة الجديدة، قد يؤدي ذلك إلى تحركات جديدة مثل طلبات للبرلمان أو الجهات الجهوية، وما يجعل هذه القضية معقدة هو تداخل العوامل السياسية، الإدارية، والشخصية، بالإضافة إلى الضغط الشعبي والإعلامي الذي يطالب بمحاسبة واضحة، وقضية كنزة الشرايبي تُبرز تحديات أعمق تواجه الحكامة المحلية في المغرب، حيث يصعب فصل السياسة عن الإدارة، والمصالح الشخصية عن العامة، وإنها تعكس التوتر بين الطموحات السياسية والواقع العملي، وبين رمزية التمثيل النسائي والضغوط التي تواجهها النساء في المناصب القيادية، وكما تسلط الضوء على أهمية الشفافية، التعاون، والمسائلة في بناء ثقة الساكنة وتحقيق التنمية المحلية، خاصة مع مثل هذه الكشوفات التي تكشف عن فجوة بين الوعود والأفعال.