من الأسر إلى النوبل: رحلة نادية مراد في مواجهة الإبادة
قصة نادية مراد: الناجية من داعش: من ماسات إلى صوت عالمي
المقدمةفي قرية صغيرة في شمال العراق، حيث الجبال تحيط بالأراضي الزراعية والهواء يحمل عبق التاريخ، وُلدت نادية مراد عام 1993، فتاة يزيدية تحلم بحياة بسيطة مليئة بالأمل. كانت تحلم أن تصبح معلمة أو تصفف شعر النساء في قريتها، لكن القدر كان يخبئ لها رحلة مختلفة تمامًا. في صيف 2014، اقتحم تنظيم داعش قريتها، كوجو، وحول حياتها إلى جحيم. تعرضت نادية للأسر، العبودية، والعنف، لكنها نجت لتحكي قصتها وتصبح صوتًا عالميًا للناجين. هذه القصة ليست مجرد حكاية نجاة، بل هي شهادة على قوة الإرادة الإنسانية، حيث تحولت نادية من ضحية إلى ناشطة حقوقية، وفازت بجائزة نوبل للسلام عام 2018. في هذا المقال، سنروي رحلتها المؤثرة، من طفولتها البسيطة إلى صراعها ضد الظلم، وكيف ألهمت الملايين حول العالم.
العرضكانت حياة نادية مراد في قرية كوجو، الواقعة في منطقة سنجار شمال العراق، تعكس بساطة الحياة الريفية. كوجو هي قرية يزيدية، موطن أقلية دينية عريقة تتحدث اللغة الكردية وتمارس تقاليد دينية تمتد جذورها إلى آلاف السنين. نشأت نادية في عائلة كبيرة، مع والدتها شامي وعشرة إخوة وأخوات، في منزل متواضع من الطين. كان والدها يعمل في الزراعة، وكانت الأسرة تعتمد على زراعة القمح والشعير وتربية الأغنام. الحياة في كوجو كانت هادئة، مليئة بالروابط الأسرية والمجتمعية. كانت العائلات تشارك الطعام في المناسبات، وكانت الأعياد اليزيدية، مثل عيد الجماعة، تملأ القرية بالألوان والفرح.
نادية كانت فتاة خجولة ولكنها مليئة بالأحلام. كانت تحب الدراسة في مدرسة القرية الصغيرة، وكانت تجلس مع صديقاتها لتحلم بمستقبل أفضل. كانت ترغب في أن تصبح معلمة لتساعد أطفال قريتها، أو ربما تفتح صالونًا لتصفيف الشعر، حيث كانت تستمتع بتزيين شعر أخواتها. لكن حياتها لم تكن خالية من التحديات. الطائفة اليزيدية كانت تواجه تمييزًا طائفيًا في العراق، وكانت سنجار منطقة مهمشة اقتصاديًا. رغم ذلك، كانت نادية متفائلة، وكانت والدتها تشجعها على التعليم والاستقلال.
في أغسطس 2014، تغير كل شيء. كان عمر نادية 21 عامًا عندما اقتحم تنظيم داعش منطقة سنجار. كان داعش قد بدأ حملة إبادة جماعية ضد اليزيديين، معتبرين إياهم "كفارًا" بسبب معتقداتهم الدينية. في صباح يوم مشؤوم، دخل مقاتلو داعش قرية كوجو، وجمعوا السكان في المدرسة المحلية. هناك، فصلت النساء والأطفال عن الرجال. تم إعدام مئات الرجال، بما في ذلك ستة من إخوة نادية وأخواتها غير الأشقاء. والدتها شامي، التي كانت مريضة وغير قادرة على السير، قُتلت لاحقًا أيضًا. نادية، مع مئات النساء والفتيات الأخريات، أُخذت أسيرة.
تم نقل نادية إلى مدينة الموصل، معقل داعش، حيث بدأت فترة من العذاب لا يمكن تصورها. تم بيعها كجارية في سوق للعبيد، وتعرضت للعنف الجسدي والنفسي والجنسي. كانت تُعامل كممتلكات، تنقل من بيت إلى آخر، وتعرضت لمعاملة وحشية من مقاتلي داعش. في سيرتها الذاتية، وصفت نادية هذه الفترة بأنها "جحيم على الأرض"، حيث فقدت الأمل في البقاء على قيد الحياة. لكن شيئًا بداخلها رفض الاستسلام. كانت تتذكر كلمات والدتها عن القوة والصمود، وكانت تحلم بالهروب يومًا ما.
بعد ثلاثة أشهر من الأسر، وجدت نادية فرصة للهروب. في نوفمبر 2014، أثناء نقلها إلى منزل جديد في الموصل، لاحظت أن الباب الخارجي لم يُغلق جيدًا. استجمعت شجاعتها، وفي منتصف الليل، هربت من المنزل. كانت تعلم أنها إذا أُمسكت، فسيكون مصيرها الموت. تجولت في شوارع الموصل المظلمة، مرتدية نقابًا لإخفاء هويتها، حتى وصلت إلى منزل عائلة مسلمة سنية. هذه العائلة، رغم المخاطر الكبيرة، وافقت على مساعدتها. أخفوها في منزلهم، وأعطوها هوية مزورة كأحد أفراد العائلة، مما ساعدها على عبور نقاط التفتيش إلى مناطق آمنة في كردستان العراق.
وصلت نادية إلى مخيم للاجئين في دهوك عام 2014، لكنها كانت مكسورة نفسيًا. فقدت معظم عائلتها، وكانت تعاني من صدمة نفسية عميقة. في المخيم، التقت بأخواتها الناجيات، لكنهن جميعًا كن يحملن ندوبًا نفسية من تجربتهن. رغم ذلك، بدأت نادية تشعر بمسؤولية أكبر. كانت تعلم أن الآلاف من النساء اليزيديات لا يزلن في الأسر، وأن العالم لا يعرف الكثير عن مأساتهن. قررت أن تروي قصتها، ليس فقط من أجلها، بل من أجل كل الضحايا.
في عام 2015، بدأت نادية رحلة النضال. بمساعدة منظمات حقوق الإنسان، مثل Yazda، سافرت إلى أوروبا كلاجئة واستقرت في ألمانيا. هناك، بدأت تتحدث علنًا عن تجربتها. في البداية، كانت تخجل وتخاف من الحديث، لأن المجتمع اليزيدي التقليدي ينظر أحيانًا إلى الناجيات من العنف الجنسي بنوع من الوصم. لكن نادية قررت كسر هذا الحاجز. في ديسمبر 2015، وقفت أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك، وروت قصتها بكل شجاعة. قالت: "لقد كنت أسيرة داعش، وأنا هنا لأحكي عن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبي." كانت هذه اللحظة نقطة تحول، حيث بدأ العالم ينتبه إلى مأساة اليزيديين.
بعد هذا الخطاب، أصبحت نادية صوتًا عالميًا. سافرت إلى دول عديدة، من الولايات المتحدة إلى فرنسا وبريطانيا، للقاء قادة العالم وصناع القرار. التقت بأشخاص مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ودعت إلى محاسبة داعش على جرائمه. كما عملت على دعم الناجيات الأخريات، وساعدت في إنشاء برامج إعادة تأهيل نفسية واجتماعية لهن. عام 2016، عُينت سفيرة نوايا حسنة للأمم المتحدة لكرامة الناجين من الاتجار بالبشر، وهو دور جعلها رمزًا عالميًا للنضال ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي.
في عام 2017، نشرت نادية سيرتها الذاتية The Last Girl: My Story of Captivity, and My Fight Against the Islamic State، التي أصبحت من أكثر الكتب مبيعًا. في الكتاب، وصفت تجربتها بتفاصيل مؤلمة، لكنها ركزت أيضًا على أملها في بناء مستقبل أفضل لليزيديين. استخدمت أرباح الكتاب لدعم منظمة Yazda، وأسست مبادرة خاصة بها تُدعى "مبادرة نادية" (Nadia’s Initiative) لإعادة إعمار سنجار ودعم الناجين. كما ساهمت في إعادة بناء مدرسة قريتها كوجو، التي دُمرت خلال الهجوم.
في أكتوبر 2018، حصلت نادية على جائزة نوبل للسلام، بالاشتراك مع الطبيب الكونغولي دينيس موكويجي، تقديرًا لجهودها في مكافحة العنف الجنسي كسلاح حرب. كانت تبلغ من العمر 25 عامًا فقط، مما جعلها واحدة من أصغر الفائزين بجائزة نوبل في التاريخ. في خطاب قبول الجائزة، قالت: "هذه الجائزة ليست لي فقط، بل لكل النساء اللواتي عانين من العنف، ولشعبي الذي يستحق العدالة." هذا الإنجاز جعلها رمزًا للصمود، ليس فقط لليزيديين، بل لكل من يواجه الظلم في العالم.
رغم نجاحها، واجهت نادية تحديات مستمرة. كانت تعاني من كوابيس وذكريات مؤلمة بسبب صدمتها النفسية، وكانت تخاف على سلامة عائلتها المتبقية في العراق. كما واجهت انتقادات من بعض الأشخاص في مجتمعها الذين اعتبروا حديثها العلني عن العنف الجنسي "خروجًا عن التقاليد". لكن نادية أصرت على مواصلة عملها، مؤمنة بأن الصمت لن يساعد الناجيات الأخريات. كما واجهت تحديات سياسية، حيث كانت الحكومة العراقية بطيئة في محاسبة مرتكبي الإبادة الجماعية، ولا يزال الآلاف من اليزيديين نازحين أو مفقودين.
حتى اليوم، تواصل نادية نضالها. تعيش في ألمانيا، لكنها تزور العراق بانتظام لدعم مشاريع إعادة الإعمار في سنجار. كما تعمل مع منظمات دولية لتوثيق جرائم داعش وتقديم الجناة إلى العدالة. في عام 2020، أطلقت برامج لتعليم الفتيات اليزيديات، مؤمنة بأن التعليم هو مفتاح إعادة بناء المجتمع. كما أصبحت صوتًا بارزًا في مناقشات العدالة الدولية، داعية إلى إنشاء محاكم خاصة لمحاسبة داعش.
الخاتمة
قصة نادية مراد هي شهادة حية على قوة الإنسان في مواجهة أحلك الظروف. من فتاة بسيطة في قرية كوجو، إلى أسيرة عانت من أبشع أشكال العنف، إلى ناشطة عالمية فازت بجائزة نوبل، أثبتت نادية أن الأمل والشجاعة يمكن أن يغيرا العالم. لم تكتفِ بنجاتها الشخصية، بل اختارت أن تكون صوتًا للآلاف من النساء اللواتي عانين مثلها، ولشعبها الذي لا يزال يكافح من أجل العدالة. قصتها تذكرنا بأن الصمود لا يعني فقط البقاء على قيد الحياة، بل تحويل الألم إلى قوة للتغيير. اليوم، نادية ليست فقط رمزًا للناجين من الإبادة الجماعية، بل هي درس حي في كيفية تحويل المأساة إلى رسالة عالمية للأمل والعدالة. نضالها مستمر، وصوتها سيظل يتردد في كل مكان يحتاج إلى تغيير.
المقدمةفي قرية صغيرة في شمال العراق، حيث الجبال تحيط بالأراضي الزراعية والهواء يحمل عبق التاريخ، وُلدت نادية مراد عام 1993، فتاة يزيدية تحلم بحياة بسيطة مليئة بالأمل. كانت تحلم أن تصبح معلمة أو تصفف شعر النساء في قريتها، لكن القدر كان يخبئ لها رحلة مختلفة تمامًا. في صيف 2014، اقتحم تنظيم داعش قريتها، كوجو، وحول حياتها إلى جحيم. تعرضت نادية للأسر، العبودية، والعنف، لكنها نجت لتحكي قصتها وتصبح صوتًا عالميًا للناجين. هذه القصة ليست مجرد حكاية نجاة، بل هي شهادة على قوة الإرادة الإنسانية، حيث تحولت نادية من ضحية إلى ناشطة حقوقية، وفازت بجائزة نوبل للسلام عام 2018. في هذا المقال، سنروي رحلتها المؤثرة، من طفولتها البسيطة إلى صراعها ضد الظلم، وكيف ألهمت الملايين حول العالم.
العرضكانت حياة نادية مراد في قرية كوجو، الواقعة في منطقة سنجار شمال العراق، تعكس بساطة الحياة الريفية. كوجو هي قرية يزيدية، موطن أقلية دينية عريقة تتحدث اللغة الكردية وتمارس تقاليد دينية تمتد جذورها إلى آلاف السنين. نشأت نادية في عائلة كبيرة، مع والدتها شامي وعشرة إخوة وأخوات، في منزل متواضع من الطين. كان والدها يعمل في الزراعة، وكانت الأسرة تعتمد على زراعة القمح والشعير وتربية الأغنام. الحياة في كوجو كانت هادئة، مليئة بالروابط الأسرية والمجتمعية. كانت العائلات تشارك الطعام في المناسبات، وكانت الأعياد اليزيدية، مثل عيد الجماعة، تملأ القرية بالألوان والفرح.
نادية كانت فتاة خجولة ولكنها مليئة بالأحلام. كانت تحب الدراسة في مدرسة القرية الصغيرة، وكانت تجلس مع صديقاتها لتحلم بمستقبل أفضل. كانت ترغب في أن تصبح معلمة لتساعد أطفال قريتها، أو ربما تفتح صالونًا لتصفيف الشعر، حيث كانت تستمتع بتزيين شعر أخواتها. لكن حياتها لم تكن خالية من التحديات. الطائفة اليزيدية كانت تواجه تمييزًا طائفيًا في العراق، وكانت سنجار منطقة مهمشة اقتصاديًا. رغم ذلك، كانت نادية متفائلة، وكانت والدتها تشجعها على التعليم والاستقلال.
في أغسطس 2014، تغير كل شيء. كان عمر نادية 21 عامًا عندما اقتحم تنظيم داعش منطقة سنجار. كان داعش قد بدأ حملة إبادة جماعية ضد اليزيديين، معتبرين إياهم "كفارًا" بسبب معتقداتهم الدينية. في صباح يوم مشؤوم، دخل مقاتلو داعش قرية كوجو، وجمعوا السكان في المدرسة المحلية. هناك، فصلت النساء والأطفال عن الرجال. تم إعدام مئات الرجال، بما في ذلك ستة من إخوة نادية وأخواتها غير الأشقاء. والدتها شامي، التي كانت مريضة وغير قادرة على السير، قُتلت لاحقًا أيضًا. نادية، مع مئات النساء والفتيات الأخريات، أُخذت أسيرة.
تم نقل نادية إلى مدينة الموصل، معقل داعش، حيث بدأت فترة من العذاب لا يمكن تصورها. تم بيعها كجارية في سوق للعبيد، وتعرضت للعنف الجسدي والنفسي والجنسي. كانت تُعامل كممتلكات، تنقل من بيت إلى آخر، وتعرضت لمعاملة وحشية من مقاتلي داعش. في سيرتها الذاتية، وصفت نادية هذه الفترة بأنها "جحيم على الأرض"، حيث فقدت الأمل في البقاء على قيد الحياة. لكن شيئًا بداخلها رفض الاستسلام. كانت تتذكر كلمات والدتها عن القوة والصمود، وكانت تحلم بالهروب يومًا ما.
بعد ثلاثة أشهر من الأسر، وجدت نادية فرصة للهروب. في نوفمبر 2014، أثناء نقلها إلى منزل جديد في الموصل، لاحظت أن الباب الخارجي لم يُغلق جيدًا. استجمعت شجاعتها، وفي منتصف الليل، هربت من المنزل. كانت تعلم أنها إذا أُمسكت، فسيكون مصيرها الموت. تجولت في شوارع الموصل المظلمة، مرتدية نقابًا لإخفاء هويتها، حتى وصلت إلى منزل عائلة مسلمة سنية. هذه العائلة، رغم المخاطر الكبيرة، وافقت على مساعدتها. أخفوها في منزلهم، وأعطوها هوية مزورة كأحد أفراد العائلة، مما ساعدها على عبور نقاط التفتيش إلى مناطق آمنة في كردستان العراق.
وصلت نادية إلى مخيم للاجئين في دهوك عام 2014، لكنها كانت مكسورة نفسيًا. فقدت معظم عائلتها، وكانت تعاني من صدمة نفسية عميقة. في المخيم، التقت بأخواتها الناجيات، لكنهن جميعًا كن يحملن ندوبًا نفسية من تجربتهن. رغم ذلك، بدأت نادية تشعر بمسؤولية أكبر. كانت تعلم أن الآلاف من النساء اليزيديات لا يزلن في الأسر، وأن العالم لا يعرف الكثير عن مأساتهن. قررت أن تروي قصتها، ليس فقط من أجلها، بل من أجل كل الضحايا.
في عام 2015، بدأت نادية رحلة النضال. بمساعدة منظمات حقوق الإنسان، مثل Yazda، سافرت إلى أوروبا كلاجئة واستقرت في ألمانيا. هناك، بدأت تتحدث علنًا عن تجربتها. في البداية، كانت تخجل وتخاف من الحديث، لأن المجتمع اليزيدي التقليدي ينظر أحيانًا إلى الناجيات من العنف الجنسي بنوع من الوصم. لكن نادية قررت كسر هذا الحاجز. في ديسمبر 2015، وقفت أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك، وروت قصتها بكل شجاعة. قالت: "لقد كنت أسيرة داعش، وأنا هنا لأحكي عن الإبادة الجماعية التي يتعرض لها شعبي." كانت هذه اللحظة نقطة تحول، حيث بدأ العالم ينتبه إلى مأساة اليزيديين.
بعد هذا الخطاب، أصبحت نادية صوتًا عالميًا. سافرت إلى دول عديدة، من الولايات المتحدة إلى فرنسا وبريطانيا، للقاء قادة العالم وصناع القرار. التقت بأشخاص مثل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، ودعت إلى محاسبة داعش على جرائمه. كما عملت على دعم الناجيات الأخريات، وساعدت في إنشاء برامج إعادة تأهيل نفسية واجتماعية لهن. عام 2016، عُينت سفيرة نوايا حسنة للأمم المتحدة لكرامة الناجين من الاتجار بالبشر، وهو دور جعلها رمزًا عالميًا للنضال ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي.
في عام 2017، نشرت نادية سيرتها الذاتية The Last Girl: My Story of Captivity, and My Fight Against the Islamic State، التي أصبحت من أكثر الكتب مبيعًا. في الكتاب، وصفت تجربتها بتفاصيل مؤلمة، لكنها ركزت أيضًا على أملها في بناء مستقبل أفضل لليزيديين. استخدمت أرباح الكتاب لدعم منظمة Yazda، وأسست مبادرة خاصة بها تُدعى "مبادرة نادية" (Nadia’s Initiative) لإعادة إعمار سنجار ودعم الناجين. كما ساهمت في إعادة بناء مدرسة قريتها كوجو، التي دُمرت خلال الهجوم.
في أكتوبر 2018، حصلت نادية على جائزة نوبل للسلام، بالاشتراك مع الطبيب الكونغولي دينيس موكويجي، تقديرًا لجهودها في مكافحة العنف الجنسي كسلاح حرب. كانت تبلغ من العمر 25 عامًا فقط، مما جعلها واحدة من أصغر الفائزين بجائزة نوبل في التاريخ. في خطاب قبول الجائزة، قالت: "هذه الجائزة ليست لي فقط، بل لكل النساء اللواتي عانين من العنف، ولشعبي الذي يستحق العدالة." هذا الإنجاز جعلها رمزًا للصمود، ليس فقط لليزيديين، بل لكل من يواجه الظلم في العالم.
رغم نجاحها، واجهت نادية تحديات مستمرة. كانت تعاني من كوابيس وذكريات مؤلمة بسبب صدمتها النفسية، وكانت تخاف على سلامة عائلتها المتبقية في العراق. كما واجهت انتقادات من بعض الأشخاص في مجتمعها الذين اعتبروا حديثها العلني عن العنف الجنسي "خروجًا عن التقاليد". لكن نادية أصرت على مواصلة عملها، مؤمنة بأن الصمت لن يساعد الناجيات الأخريات. كما واجهت تحديات سياسية، حيث كانت الحكومة العراقية بطيئة في محاسبة مرتكبي الإبادة الجماعية، ولا يزال الآلاف من اليزيديين نازحين أو مفقودين.
حتى اليوم، تواصل نادية نضالها. تعيش في ألمانيا، لكنها تزور العراق بانتظام لدعم مشاريع إعادة الإعمار في سنجار. كما تعمل مع منظمات دولية لتوثيق جرائم داعش وتقديم الجناة إلى العدالة. في عام 2020، أطلقت برامج لتعليم الفتيات اليزيديات، مؤمنة بأن التعليم هو مفتاح إعادة بناء المجتمع. كما أصبحت صوتًا بارزًا في مناقشات العدالة الدولية، داعية إلى إنشاء محاكم خاصة لمحاسبة داعش.
الخاتمة
قصة نادية مراد هي شهادة حية على قوة الإنسان في مواجهة أحلك الظروف. من فتاة بسيطة في قرية كوجو، إلى أسيرة عانت من أبشع أشكال العنف، إلى ناشطة عالمية فازت بجائزة نوبل، أثبتت نادية أن الأمل والشجاعة يمكن أن يغيرا العالم. لم تكتفِ بنجاتها الشخصية، بل اختارت أن تكون صوتًا للآلاف من النساء اللواتي عانين مثلها، ولشعبها الذي لا يزال يكافح من أجل العدالة. قصتها تذكرنا بأن الصمود لا يعني فقط البقاء على قيد الحياة، بل تحويل الألم إلى قوة للتغيير. اليوم، نادية ليست فقط رمزًا للناجين من الإبادة الجماعية، بل هي درس حي في كيفية تحويل المأساة إلى رسالة عالمية للأمل والعدالة. نضالها مستمر، وصوتها سيظل يتردد في كل مكان يحتاج إلى تغيير.