صمود أغرضان ورأس الماء: قصة الماء والكرامة
مسيرة أغرضان من أجل الماء والطريق: نضال مستمر، ومعاناة رأس الماء بعد الترحيل
مقدمة: صوت النضال من أجل الحياة الكريمة
في المغرب، حيث تتعدد التحديات أمام السكان في المناطق الريفية، تبرز قصص نضال شعبي تعكس إصرار المواطنين على تأمين أبسط مقومات الحياة: الماء والطريق والكهرباء. في أغرضان، وهي منطقة تقع في إقليم الصويرة، خرج السكان في مسيرات احتجاجية للمطالبة بحقهم في الماء الصالح للشرب وتحسين البنية التحتية للطرق. أما في رأس الماء، القريبة من عين الشقف في إقليم مولاي يعقوب، فتعيش الأسر التي رُحِّلت وبنت منازلها معاناة مستمرة بسبب الحرمان من رخص الماء والكهرباء بعد سنوات من الانتظار. هذا المقال يروي قصتي هاتين المنطقتين، مع تسليط الضوء على التحديات، النضالات، والآمال المعلقة.أغرضان: صرخة من أجل الماء والطريق
أغرضان، الواقعة في إقليم الصويرة بجهة مراكش آسفي، هي منطقة ريفية تتميز بتضاريسها الجبلية وجمالها الطبيعي. لكن هذا الجمال يتناقض مع التحديات اليومية التي يواجهها سكانها، حيث يعانون من نقص حاد في الماء الصالح للشرب وضعف البنية التحتية للطرق. في عام 2017، نظم سكان جماعة أيت داوود، التي تضم أغرضان، مسيرة احتجاجية مشياً على الأقدام للتعبير عن غضبهم من انقطاع الماء وللمطالبة بتحسين الطرق التي تربط مناطقهم بالعالم الخارجي.هذه المسيرة، التي وثقتها صحيفة هسبريس، كانت تعبيراً عن إحباط تراكم على مدى سنوات. السكان، الذين يعتمدون على الزراعة وتربية المواشي، وجدوا أنفسهم محرومين من الماء، مما أثر على حياتهم اليومية والاقتصادية. الطرق الوعرة زادت من عزلتهم، حيث يصعب الوصول إلى الأسواق أو المدارس أو المستشفيات. رفع المحتجون شعارات تطالب بحقهم الدستوري في الماء، مستندين إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2010 الذي يعتبر الماء الصالح للشرب حقاً أساسياً من حقوق الإنسان.خلال المسيرة، أشار فاعلون جمعويون مثل خالد شارة إلى أن السلطات المحلية عقدت اجتماعات مع ممثلي المكتب الوطني للماء الصالح للشرب، وتم الوعد بحلول مؤقتة مثل حفر بئر جديد لتوفير الماء لمدة 22 ساعة يومياً. لكن هذه الحلول لم تكن كافية، ولم تستجب للاحتياجات طويلة الأمد. المطالبة بتحسين الطرق ظلت أيضاً دون استجابة كافية، مما دفع السكان إلى مواصلة الاحتجاجات في أوقات لاحقة.المشكلة في أغرضان ليست فريدة، بل تعكس واقع العديد من المناطق الريفية في المغرب. التضاريس الصعبة وقلة الموارد المالية تجعل من الصعب مد شبكات الماء والكهرباء أو تحسين الطرق. لكن هذا لا يبرر الإهمال المستمر، خاصة وأن السكان يرون أن مناطقهم غنية بالإمكانات الطبيعية التي يمكن أن تسهم في التنمية لو تم استغلالها بشكل صحيح.رأس الماء: أحلام مؤجلة قرب عين الشقف
رأس الماء، الواقعة في جماعة عين الشقف بإقليم مولاي يعقوب، جهة فاس مكناس، هي دوار ومشيخة تضم عدداً من القرى الصغيرة، ويبلغ عدد سكانها حوالي 16,072 نسمة حسب إحصاء 2004. تقع رأس الماء على هضبة سايس، بالقرب من مدينة فاس، وتتميز بموقعها الاستراتيجي كبوابة شرقية للمدينة عبر الطريق السيار فاس-الرباط. لكن، على الرغم من قربها من مركز حضري مثل فاس، تعاني رأس الماء من إهمال واضح في توفير الخدمات الأساسية.بعد ترحيل السكان إلى هذه المنطقة، بذلوا جهوداً كبيرة لبناء منازلهم بأنفسهم، آملين في حياة أفضل. لكن، وبعد مرور سنوات، ظلوا محرومين من رخص الماء الصالح للشرب والكهرباء. هذا الحرمان ليس مجرد نقص في الخدمات، بل هو تحدٍ يؤثر على كرامة السكان وحياتهم اليومية. بدون الماء، يعتمد الأهالي على مصادر تقليدية مثل الآبار أو نقل المياه من مناطق بعيدة، وهي عملية شاقة ومكلفة. أما غياب الكهرباء، فيعني أن الأطفال يدرسون تحت ضوء الشموع، والأسر تعيش في ظلام دامس بعد غروب الشمس.الوضع في رأس الماء يعكس فجوة كبيرة بين التخطيط الرسمي والواقع. المشاريع التي أُعلن عنها، مثل مد شبكات الماء أو الكهرباء، غالباً ما تتوقف عند مرحلة الوعود. على سبيل المثال، في مناطق مشابهة مثل جماعة أسايس، تم حفر بئر وتزويده بآلة لضخ الماء، لكن المشروع لم يكتمل، مما أدى إلى إهدار الأموال دون تحقيق الفائدة المرجوة. هذا الواقع يثير تساؤلات حول كفاءة إدارة الموارد العامة ومدى جدية السلطات في الاستجابة لاحتياجات السكان.التحديات المشتركة: أغرضان ورأس الماء
على الرغم من أن أغرضان ورأس الماء تقعان في إقليمين مختلفين (الصويرة ومولاي يعقوب)، إلا أنهما تشتركان في تحديات بنيوية متشابهة. أولاً، هناك نقص في التخطيط الاستراتيجي الفعال. المشاريع التي تُطلق غالباً ما تفتقر إلى دراسات جدوى دقيقة، مما يؤدي إلى فشلها أو توقفها. ثانياً، ضعف التنسيق بين الجهات المسؤولة، مثل المكتب الوطني للماء والكهرباء والسلطات المحلية، يعيق تقدم المشاريع. ثالثاً، التضاريس الصعبة في أغرضان والقرب النسبي من مركز حضري في رأس الماء لا يُترجمان إلى تحسينات ملموسة بسبب أولويات التمويل التي تميل إلى المناطق الحضرية.العامل الاقتصادي يلعب دوراً كبيراً أيضاً. المشاريع الكبرى مثل مد شبكات الماء والكهرباء أو تحسين الطرق تتطلب استثمارات ضخمة، وفي ظل محدودية الموارد، تُعطى الأولوية غالباً للمدن الكبرى على حساب المناطق الريفية. هذا الاختلال يعمق الشعور بالتهميش لدى سكان أغرضان ورأس الماء، ويدفعهم إلى الاحتجاج أو الاعتماد على مبادرات ذاتية.نضال أغرضان: من المسيرات إلى الأمل
في أغرضان، لم تكن المسيرة الاحتجاجية لعام 2017 الحدث الوحيد. السكان واصلوا الضغط عبر الجمعيات المحلية والتواصل مع السلطات للمطالبة بحلول دائمة. هذه الجهود أحياناً تحقق نتائج جزئية، مثل توفير صهاريج مياه مؤقتة أو إصلاحات طفيفة للطرق، لكن الحلول الشاملة لا تزال غائبة. المشكلة الأساسية تكمن في غياب رؤية طويلة الأمد للتنمية في المناطق الريفية مثل أغرضان. على سبيل المثال، يمكن أن تكون الطاقة الشمسية حلاً مستداماً لضخ المياه، كما أثبتت فعاليتها في مناطق أخرى، لكن مثل هذه الحلول تتطلب إرادة سياسية وتمويلاً كافياً.رأس الماء: الحياة في انتظار الرخص
في رأس الماء، تتفاقم معاناة السكان بسبب الترحيل الذي لم يُرافقه دعم كافٍ. السكان الذين بنوا منازلهم بجهودهم الخاصة يشعرون بخيبة أمل كبيرة، حيث كانوا يتوقعون أن الترحيل سيؤدي إلى تحسين ظروفهم المعيشية. بدلاً من ذلك، وجدوا أنفسهم في مواجهة نفس التحديات القديمة: غياب الماء الصالح للشرب والكهرباء. هذا الوضع يثير تساؤلات حول عدالة السياسات الحكومية في إعادة التوطين، ومدى التزام السلطات بتوفير الخدمات الأساسية للمناطق المهمشة.القرب من مدينة فاس، التي تُعتبر مركزاً حضرياً وعلمياً مهماً، يجعل الإهمال في رأس الماء أكثر إثارة للغضب. فكيف يمكن أن تظل منطقة على بعد كيلومترات قليلة من فاس محرومة من الكهرباء والماء؟ هذا التناقض يعكس اختلالاً في الأولويات، حيث تُركز الاستثمارات على تطوير المدن الكبرى بينما تُهمل المناطق المجاورة.حلول مقترحة ومبادرات ملهمة
على الرغم من التحديات، هناك مبادرات محلية ودولية يمكن أن تُلهم الحلول. في المغرب، برزت مبادرات مثل "سقيا عطاء"، التي يقودها متطوعون شباب لحفر الآبار ومد الأنابيب في القرى النائية. هذه المبادرات تعتمد على التبرعات والجهود الجماعية، وتثبت أن الإرادة المجتمعية يمكن أن تحقق تغييراً حقيقياً. على المستوى الدولي، مبادرة مثل "محمد بن زايد للماء" في الإمارات توفر نموذجاً لاستخدام التكنولوجيا في مواجهة ندرة المياه، وهو ما يمكن تطبيقه في مناطق مثل أغرضان.من الحلول المقترحة:- التخطيط الشامل: إجراء دراسات جدوى دقيقة قبل تنفيذ المشاريع لضمان استدامتها.
- إشراك المجتمع المحلي: الاستماع إلى احتياجات السكان وإشراكهم في تصميم وتنفيذ المشاريع.
- الاستفادة من التكنولوجيا: استخدام الطاقة الشمسية لضخ المياه أو تحلية المياه في المناطق الشبه جافة.
- تحسين التنسيق: تعزيز التعاون بين الجهات الحكومية والجمعيات المحلية لضمان تنفيذ المشاريع بكفاءة.
خاتمة: نحو مستقبل عادل
قصتا أغرضان ورأس الماء ليستا مجرد قصص محلية، بل هما تعبير عن تحديات أوسع تواجه المناطق الريفية في المغرب. في أغرضان، كانت المسيرات صوتاً للنضال من أجل الماء والطريق، بينما في رأس الماء، يعيش السكان في انتظار رخص الماء والكهرباء التي طال انتظارها. هذه القصص تذكرنا بأهمية العدالة في توزيع الموارد، وضرورة الالتزام بحقوق المواطنين الأساسية.السكان في كلا المنطقتين ليسوا مجرد ضحايا، بل هم أبطال يواجهون التحديات بصبر وإصرار. إن تلبية مطالبهم ليست مجرد واجب إنساني، بل استثمار في مستقبل المغرب، حيث يحق لكل مواطن أن يعيش بكرامة، محاطاً بالماء والنور.