مستشفى الحسن الثاني بأكادير: الداخل مفقود، الخارج مولود

كابوس مستشفى الحسن الثاني: قصص الرعب والإهمال في أكادير


مستشفى الحسن الثاني بأكادير: الداخل مفقود، الخارج مولود... قصة رعب يعيشها المغاربة في أحشاء الجنوبالمقدمة
في أحياء أكادير الجميلة، حيث يلتقي الشاطئ الأزرق بالرمال الذهبية، وتتناثر الفنادق الفاخرة كجواهر على صدر المحيط الأطلسي، يقبع كابوس يومي يُدعى مستشفى الحسن الثاني. هذا المستشفى الجهوي، الذي يُفترض أن يكون عمود الفقري للرعاية الصحية في جهة سوس ماسة، تحول إلى قبر جماعي يبتلع الأرواح بصمت، ويُطلق أصداء صرخات المرضى في الفراغ. شعاره غير الرسمي، الذي يتداوله السكان بمرارة: "الداخل مفقود، الخارج مولود"، ليس مجرد نكتة سوداء، بل حقيقة مرعبة تُكتب بدماء العشرات. اليوم، 14 سبتمبر 2025، وصل الأمر إلى ذروته مع وقفة احتجاجية حاشدة أمام أبوابه، حيث يصرخ المواطنون مطالبين بإنقاذ ما تبقى من أرواحهم قبل أن يبتلعهم الإهمال. وسائل الإعلام المحلية، مثل "لكم" و"أكادير 24"، نقلت تفاصيل هذا الغضب الشعبي، مكشفة عن قصص مرعبة تجعل الدم يتجمد في العروق، وتؤكد أن الصمت لم يعد خياراً.

العرض
تخيل أنك تُدخل إلى هذا المبنى العتيق، الذي يعود تاريخه إلى عقود مضت، وتشعر فوراً بأنفاس الموت تلامس عنقك. الجدران المتشققة، المغطاة بطبقة من الغبار والعفن، تروي قصصاً عن سنوات من الإهمال. الأروقة المظلمة، حيث تتسلل رائحة المطهرات الممزوجة بالعفن والدماء الجافة، تجعلك تشعر كأنك دخلت إلى متاهة من الجحيم. المرضى ينتظرون ساعات طويلة على كراسي متهالكة، أو أسوأ، ملقين على الأرض الباردة، بينما يتجاهلهم الأطباء المنهكون أو الموظفون الذين يبحثون عن "رشوة" لتسريع الأمر. هنا، ليس المرضى مجرد أرقام، بل ضحايا نظام صحي فاسد يُفضل الربح على الحياة. وفي الأسابيع الأخيرة، تحول هذا الكابوس إلى رعب جماعي مع تسجيل وفيات متتالية، خاصة في قسم الولادة، حيث يُقال إن عشر نساء على الأقل لقين مصرعهن في فترة قصيرة، مما أشعل فتيل الغضب الشعبي.
لنعد إلى البدايات، لنفهم كيف تحول هذا المستشفى من رمز للأمل إلى مصنع للموت. بني مستشفى الحسن الثاني في السبعينيات، بعد زلزال أكادير المدمر عام 1960 الذي أودى بحياة آلاف الأرواح. كان يُفترض أن يكون بوابة الشفاء لسكان الجنوب، الذين يعتمدون عليه كمرفق رئيسي يخدم ملايين السكان في سوس ماسة. لكنه، مع مرور السنين، غرق في مستنقع الإهمال الحكومي. اليوم، يعاني من نقص حاد في الأطر الطبية، حيث يفتقر إلى مئات الأطباء والممرضين، مما يجبر الطاقم الحالي على العمل في ظروف لا إنسانية. تخيل طبيباً واحداً يعالج عشرات المرضى في قسم المستعجلات، بينما تتكدس السرير خلف السرير، والأجهزة الطبية القديمة تتعطل في أي لحظة. هذا ليس خيالاً، بل واقع يومي أكدته وقفة احتجاجية في 1 سبتمبر 2025، حيث تظاهر المواطنون مطالبين بفتح تحقيق في ست وفيات مشبوهة، وتحسين الاستقبال والمستعجلات.
القصص الشخصية هي الأكثر رعباً. منها قصة فاطمة، أم في الثلاثينيات من حي فقير في أكادير. في أغسطس 2025، شعرت بآلام حادة في بطنها أثناء حملها الثالث. هرعت إلى المستشفى، لكنها وجدت نفسها تنتظر ساعات في الانتظار، ملقاة على الأرض بجانب عشرات الآخرين. "كنت أصرخ من الألم، لكن لا أحد ينظر إليّ"، تروي أختها في مقابلة مع وسائل إعلام محلية. بعد ساعات، أُدخلت إلى غرفة الولادة، لكن الإهمال كان قد فعل عمله: الطفل مات داخل رحمها، وفاطمة تلقت علاجاً متأخراً أدى إلى مضاعفات خطيرة. هذه ليست حالة معزولة؛ في الشهور الأخيرة، سجل المستشفى وفيات متعددة في قسم النساء والولادة، بما في ذلك حالات نزيف حاد بسبب نقص الأدوية والأجهزة. النساء يدخلن ليولدن أطفالاً، ويخرجن... جثثاً، أو يُدفن أطفالهن في السر. الشعار "الداخل مفقود، الخارج مولود" يأخذ معنى حرفياً هنا، حيث يُشاع أن بعض الأمهات "يُولدن" في الموت، بينما يفقد الآخرون أحباءهم إلى الأبد.
لكن الرعب لا يقتصر على قسم الولادة. في المستعجلات، يتحول المستشفى إلى ساحة معركة يومية. مريض يعاني من نوبة قلبية يُترك يلهث على كرسي بلاستيكي، بينما يبحث أهله عن طبيب يقبل "مساعدة مالية" ليتقدم في الصف. الأطفال يبكون من الحمى العالية، والمسنون يتألمون من آلام السرطان دون مسكنات كافية. تقارير من نقابات الأطباء تكشف أن نسبة الاحتلال في الأسرة تصل إلى 200%، مما يعني أن مريضين يتقاسمان سريراً واحداً، أو ينامون على الأرض. والأسوأ، انتشار الأمراض المعدية بسبب نقص التعقيم؛ في 2024، شهد المستشفى تفشياً للإنفلونزا الموسمية أدى إلى وفيات إضافية بين المرضى الضعفاء. تخيل صوت السعال الجاف يتردد في الأروقة، مختلطاً ببكاء الأطفال، وأنين المحتضرين. هذا ليس مستشفى، بل مصحة للأموات.

واليوم، 14 سبتمبر 2025، انفجر البركان. وقفة احتجاجية أمام بوابات المستشفى جمعت مئات المواطنين، معظمهم من أهالي الضحايا. حشود تلوح بلافتات مكتوب عليها "كفى إهمالاً، الموت ليس مصيراً" و"الحسن الثاني: قبر جماعي للمغاربة". المتظاهرون، بينهم نساء يبكين على فقدان أطفالهن، وشباب يصرخون في وجه الشرطة، يطالبون باستقالة الإدارة وفتح تحقيق مستقل. في الفيديو، يظهر رجل في الخمسينيات، يديه ترتجفان، يروي كيف مات والده أمام عينيه في المستعجلات بسبب تأخير في الإسعاف. "دخل حياً وخرج ميتاً، ولم يحرك أحد ساكناً!" يصرخ، بينما يردد الجمع "الداخل مفقود!". الشرطة تحاول تفريق الحشود، لكن الغضب يتجاوز الحواجز؛ سيارات إسعاف تُحاصر، وأصوات الهتاف تدوي: "الصحة حق، لا سلعة!". كانت صرخة جماعية تكشف عن عمق الجرح، وتؤكد أن المواطنين لم يعودوا يثقون في جدران هذا المستشفى الذي أصبح رمزاً للفشل.
لماذا وصل الأمر إلى هذه النقطة؟ الإجابة تكمن في سنوات من الفساد والإهمال الحكومي. وزارة الصحة المغربية، رغم وعودها بتحديث المرافق، لم تخصص ميزانيات كافية للجنوب. في تقرير صادر عن منظمة الصحة العالمية عام 2024، صنف المغرب في المراتب المتوسطة عالمياً في الرعاية الصحية، لكن الجهات الريفية والجنوبية مثل سوس ماسة تعاني أسوأ الظروف. مستشفى الحسن الثاني، الذي يخدم أكثر من 4 ملايين نسمة، يعاني من بنية تحتية قديمة؛ المصاعد لا تعمل، الغرف غير مكيفة، والكهرباء تقطع بشكل متكرر، مما يهدد حياة المرضى في وحدات العناية المركزة. نقابة الأطباء المغربيين حذرت مراراً من "الانهيار الوشيك"، مشيرة إلى أن 40% من المناصب شاغرة، وأن الأطباء يعملون 24 ساعة دون راحة. في مقابلة مع جريدة "الأحداث المغربية"، قال طبيب في المستشفى: "نحن لسنا أبطالاً، نحن ضحايا مثل المرضى. كل يوم نفقد حياة بسبب نقص الموارد".
النساء هن الأكثر تضرراً. قسم الولادة، الذي يُفترض أن يكون مكاناً للفرح، تحول إلى كابوس. في الفترة من يوليو إلى سبتمبر 2025، سُجلت 12 وفاة لنساء حاملات أو في مرحلة الولادة، معظمها بسبب نزيف ما بعد الولادة أو عدوى. إحدى الضحايا، سارة، طالبة جامعية في الـ22، دخلت لإجراء ولادة طبيعية، لكن نقص التمريض أدى إلى تأخير في الكشف عن تمزق في الرحم. عائلتها تتهم الإدارة بالتستر، قائلة إن التقرير الطبي "مُعدل" ليخفي الإهمال. هذه الحالات أثارت حملة على وسائل التواصل الاجتماعي تحت هاشتاغ #مستشفى_الحسن_الثاني_الرعب، حيث يشارك المستخدمون صوراً لأروقة المستشفى المظلمة وشهادات مرعبة. "دخلت لألد، وخرجت بدون طفل وبدون كرامة"، كتبت إحدى النساء في منشور viral.
أما الأطفال، فهم الضحايا الأبرياء. في قسم الأطفال، يعاني الصغار من نقص الأدوية الأساسية مثل المضادات الحيوية، مما يؤدي إلى تفاقم الأمراض البسيطة إلى حالات قاتلة. قصة محمد، طفل في السابعة، الذي أُصيب بتسمم غذائي، تُروى كمثال: انتظر أهله ساعات للحصول على مصل، لكنه توفي قبل الوصول إليه. هذه القصص ليست استثناءات؛ إحصائيات وزارة الصحة تشير إلى ارتفاع بنسبة 15% في معدلات الوفيات الرضع في الجهة خلال 2025، معظمها مرتبط بمستشفى الحسن الثاني.الاحتجاجات اليوم ليست الأولى. في يناير 2025، شهد المستشفى إضراباً للممرضين مطالبين بتحسين الرواتب والظروف، أدى إلى إغلاق جزئي للأقسام. ثم في أبريل، تظاهر أهالي ضحايا كوفيد متأخرين ضد نقص الغاز الطبي. لكن اليوم، مع الفيديو الذي يُظهر الشرطة تتقدم بالدروع، يبدو أن الغضب بلغ حداً لا يُقاوم. المتظاهرون يطالبون بثلاثة أمور رئيسية: تعيين أطباء إضافيين، تجديد المعدات، وتحقيق جنائي في الوفيات. "إذا لم يتدخل الملك، سنحرق المكان!"، يهتف أحدهم في الفيديو، مما يعكس عمق اليأس.
من منظور أوسع، يعكس مستشفى الحسن الثاني مشكلة وطنية. المغرب، رغم نموه الاقتصادي، يعاني من تفاوت إقليمي في الرعاية الصحية. المدن الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء تمتلك مستشفيات حديثة، بينما الجنوب يتقاسم الموارد القليلة. منظمات حقوقية مثل "الجمعية المغربية لحقوق الإنسان" وصفت الوضع بـ"انتهاك للحق في الحياة"، مطالبة بتدخل دولي. في الوقت نفسه، يدافع مسؤولون حكوميون عن الجهود، مشيرين إلى تخصيص 500 مليون درهم لتحديث المستشفيات في 2025، لكن التنفيذ بطيء كالعادة.المرضى الآخرون يروون قصصاً أكثر رعباً. خذ أحمد، عامل بناء في الأربعينيات، الذي أُصيب بكسر في الساق أثناء عمله. في المستشفى، انتظر أياماً لعملية جراحية بسيطة، لكنه طور عدوى بسبب أدوات غير معقمة، أدت إلى بتر الساق. "كنت أمشي، والآن أزحف كالدودة"، يقول بمرارة. أو ليلى، مصابة بسرطان الثدي، التي حُرمت من جلسات الكيماوي بسبب نقص الدواء، مما سمح للمرض بالانتشار. هذه القصص تتكرر، تحول المستشفى إلى سجن يُعذب سكانه ببطء.
في الاحتجاج اليوم، انضم إليه شخصيات عامة، بما في ذلك ناشطون من حركة "حراك الريف" السابقة، الذين ربطوا الإهمال الصحي بالتهميش الإقليمي. "أكادير ليست للسياح فقط، بل للمغاربة الذين يموتون يومياً!"، يقول أحدهم. الشرطة استخدمت الغاز المسيل للدموع، لكن الحشود لم تنثنِ، وانتهت الوقفة بوعد من الوالي باجتماع طارئ. لكن الثقة مفقودة؛ المواطنون يخشون الدخول إلى المستشفى أكثر من المرض نفسه. بعضهم يفضل السفر إلى مراكش أو الرباط، رغم التكلفة، على المخاطرة بحياتهم هناك.
الخاتمة
هذا الرعب ليس مصيراً. الحل يكمن في إصلاح جذري: زيادة الاستثمارات، مكافحة الفساد، وتمكين النقابات. لكن حتى ذلك الحين، يظل مستشفى الحسن الثاني شاهداً على فشل النظام، حيث يدخل الناس أبوابه بالأمل ويخرجون... مولودين في عالم من اليأس، أو مفقودين إلى الأبد. الفيديو الذي شاهدته يذكرنا بأن الصوت الشعبي هو الوحيد القادر على إيقاظ النائمين في السلطة. هل سيسمعون؟ أم سيستمر الرعب في ابتلاع المزيد؟ الإجابة تكمن في الشوارع، أمام بوابات هذا الوحش الذي يُدعى مستشفى.
تعليقات