طرد 16 تلميذًا من مدرسة الأخوين بإفران: أزمة تهز التعليم الخاص

جدل حقوقي وتربوي حول قرار إداري مثير للجدل

 طرد 16 تلميذًا من مدرسة الأخوين بإفران: جدل حقوقي وتعليمي يهز الوسط التربوي المغربي

المقدمةفي قلب مدينة إفران، المعروفة بـ"سويسرا المغرب" بفضل مناخها البارد وجمالها الطبيعي الجبلي، تقع مدرسة الأخوين، إحدى أبرز المؤسسات التعليمية التابعة لجامعة الأخوين الشهيرة. تأسست هذه الجامعة في عام 1995 كمشروع تعليمي خاص يهدف إلى تقديم تعليم عالي الجودة باللغة الإنجليزية، وسرعان ما امتدت جذورها إلى التعليم الأساسي والثانوي من خلال مدرسة الأخوين، التي تُعد بوابة للطلاب الشباب للانضمام إلى الجامعة لاحقًا. تُعتبر المدرسة نموذجًا للتعليم الدولي في المغرب، حيث تجمع بين المناهج المغربية والدولية، وتستقطب أبناء النخبة والطبقة المتوسطة العليا، مع رسوم سنوية تتراوح بين 4000 إلى 6000 درهم مغربي لكل طالب، بالإضافة إلى تكاليف إضافية للسكن والوجبات.ومع ذلك، في بداية الموسم الدراسي 2025/2026، شهدت هذه المؤسسة ذات السمعة الطيبة أزمة غير مسبوقة أثارت جدلاً واسعًا على الصعيد الوطني. في 10 سبتمبر 2025، أعلنت إدارة المدرسة عن طرد 16 تلميذًا دفعة واحدة، في قرار وُصف بـ"التعسفي" و"غير الإنساني" من قبل أولياء أمور الطلاب. هذا الحدث لم يكن مجرد إجراء إداري روتيني، بل تحول إلى قضية حقوقية وتربوية تكشف عن مشكلات عميقة في نظام التعليم الخاص بالمغرب، بما في ذلك زيادة الرسوم غير المبررة، الإدارة الفردية، والتضارب في المصالح. يأتي هذا القرار في سياق أوسع من التوترات بين الإدارة والجمعيات الأهلية، حيث يُتهم المدير بأنه ضابط سابق في قوات المارينز الأمريكية، مما يثير تساؤلات حول مدى توافقه مع اللوائح المغربية التي تتطلب جنسية مغربية لمديري المدارس العمومية غير الربحية ذات الطابع الخاص.يُعد هذا المقال تحليلًا مطولاً لهذه الأزمة، يغطي خلفيتها، تفاصيلها، الآراء المتنافسة، والتداعيات المحتملة. سنستعرض في المقدمة السياق العام، ثم ننتقل إلى العرض الرئيسي الذي يفصل الأحداث والأطراف المعنية، ونختم بتقييم للدروس المستفادة وتوصيات للمستقبل. الهدف هو ليس فقط توثيق الحدث، بل أيضًا إبراز أهمية حماية حقوق التلاميذ في ظل التحديات الاقتصادية والتربوية التي يواجهها المغرب اليوم، حيث يبلغ عدد الطلاب في المدارس الخاصة حوالي 10% من إجمالي الطلاب، أي أكثر من 800 ألف طالب وفق إحصاءات وزارة التربية الوطنية لعام 2025.العرضخلفية الحدث وتطور الأزمةبدأت الأزمة في أوائل شهر سبتمبر 2025، مع بدء العام الدراسي الجديد. أصدرت إدارة مدرسة الأخوين إشعارات رسمية إلى أولياء أمور 16 طالبًا، تفيد بحرمان أبنائهم من متابعة الدراسة، دون تقديم أسباب واضحة أو إجراءات تأديبية مسبقة. وفقًا لمصادر محلية في إقليم إفران، جاء هذا القرار كرد فعل على احتجاجات الآباء على زيادة مفاجئة في رسوم التدريس، بلغت في بعض الحالات 200%، مما رفع التكلفة السنوية إلى مستويات غير معقولة بالنسبة للعديد من الأسر. على سبيل المثال، إذا كانت الرسوم السابقة حوالي 5000 درهم، فقد ارتفعت إلى 10,000 درهم أو أكثر، دون إعلان مسبق أو تبرير اقتصادي واضح، مثل ارتفاع تكاليف التشغيل أو تحسين البرامج التعليمية.أولياء الأمور، الذين يمثلون جمعية الآباء والأمهات، أكدوا أن أبناءهم كانوا يحصلون على معدلات جيدة ويتمتعون بسلوك إيجابي داخل المدرسة. "ذنبهم الوحيد هو أن آباءهم يطالبون بحقوقهم"، قالت إحدى الأمهات في تصريح لجريدة "أنفاس بريس" في 10 سبتمبر 2025. حاولوا التواصل مع الجهات المعنية، بما في ذلك المديرية الإقليمية للتعليم، جامعة الأخوين، وعمالة إفران، لكن جميع الجهود باءت بالفشل. هذا الطرد الجماعي يُعتبر غير مسبوق في تاريخ المدرسة، التي كانت تُعرف بتسامحها النسبي مع المشكلات التأديبية، حيث لم يتم طرد تلاميذ آخرين معروفين بعدم الانضباط رغم شكاوى متكررة.دور المدير والاتهامات الموجهة إليهفي قلب الجدل يقف المدير الحالي للمدرسة، الذي تم تعيينه منذ عامين تقريبًا برعاية رئيس جامعة الأخوين. وفقًا لتقارير "العمق المغربي" و"هبة بريس"، فإن هذا المدير ليس مغربي الجنسية، بل هو أمريكي سابق في قوات المارينز الأمريكية، وهو ما يتعارض مع المادة 10 من المرسوم رقم 2.00.1016 الصادر في 7 يونيو 2000، الذي يشترط الجنسية المغربية لمديري المدارس العمومية غير الربحية ذات الطابع الخاص مثل مدرسة الأخوين. يُتهم المدير بأسلوبه التسلطي والإدارة الفردية، حيث يتدخل في كل التفاصيل دون استشارة المجلس الإداري أو جمعية الآباء.بالإضافة إلى ذلك، يُشار إلى غيابه المتكرر عن المدرسة بسبب إدارته لمؤسسة أخرى في الولايات المتحدة، وتحديدًا مدرسة "رولينج هيلز" الدولية في كاليفورنيا، حيث تعمل زوجته كمديرة للقبول. هذا التضارب في المصالح أدى، حسب الآباء، إلى تراجع الجودة التعليمية، مع استقالة عدد من الأساتذة الأكفاء الذين لم يتم تعويضهم بشكل مناسب. كما يروج المدير لتجاربه العسكرية السابقة أثناء الاجتماعات مع التلاميذ، مما يُعتبر غير مناسب في سياق تعليمي. في فيديو نشر على يوتيوب بعنوان "طرد 16 تلميذًا من مدرسة الأخوين بإفران.. من مدير يفتخر بانتمائه للمارينز!!"، يظهر المدير يتحدث عن خلفيته العسكرية، مما أثار غضب الآباء الذين يرونه محاولة لفرض ثقافة عسكرية غريبة عن السياق المغربي.
الجوانب الأخلاقية والتربويةلم تقتصر الاتهامات على الإدارة المالية والإدارية، بل امتدت إلى الجانب الأخلاقي. تتهم جمعية الآباء بعض الأساتذة الأجانب، الذين جُلبوا بواسطة المدير، بنشر "الانحلال الأخلاقي" داخل المدرسة. على سبيل المثال، تم طرد أحد الأساتذة مؤخرًا بعد شكاوى من الآباء حول حوارات "جنسية" مع تلاميذ يافعين، لكن المدير ما زال يدعم أستاذًا آخر يعرض صورًا لوشوم على جسده ويسرد مغامراته الشخصية أمام الطلاب. هذه السلوكيات تثير مخاوف بشأن سلامة الطلاب النفسية والأخلاقية، خاصة في مؤسسة تُفترض أنها تحمي الشباب من التأثيرات السلبية.من الناحية التربوية، أفادت الجمعية بأن المدرسة لم تلتزم بتوفير المقررات الدراسية الكاملة رغم الرسوم الباهظة، مما يشير إلى سوء إدارة الموارد. في رسالة سابقة إلى عامل إقليم إفران في يناير 2024، أشارت جمعية الآباء إلى نقص في الموارد البشرية والتكوين البيداغوجي، وهو ما يتردد اليوم في سياق الطرد. يُعد هذا الحدث تكرارًا لمشكلات سابقة في التعليم الخاص بالمغرب، كما في حالة طرد تلميذ توحدي في 2022، حيث أثارت المدارس الخاصة انتقادات لعدم احترامها لحقوق الطلاب ذوي الاحتياجات الخاصة، وفق تقرير "هسبريس".الآراء المتنافسة والردود الإعلاميةأثارت الأزمة ردود فعل متباينة. من جهة، يرى الآباء أن الطرد انتقامي ويخالف القانون الأساسي للمؤسسة، الذي يحمي حقوق الطلاب ويمنع الإجراءات التعسفية. سلكوا المساطر القانونية، مطالبين بإعادة الطلاب ومحاسبة الإدارة. من جهة أخرى، دافع بعض المتحدثين عن المدرسة، في تعليقات على "هبة بريس"، عن الحق في طرد الطلاب غير الملتزمين بالقوانين الداخلية، مشيرين إلى أن الآباء "مرشرشين" (فاسدين) وأن المسؤولية تقع عليهم لعدم تربية أبنائهم جيدًا. ومع ذلك، يبدو هذا الدفاع ضعيفًا أمام الاتهامات بالتجاوزات الإدارية.الإعلام المغربي غطى الحدث بشكل واسع، مع مقالات في "أنفاس بريس"، "العمق المغربي"، و"أخبارنا"، بالإضافة إلى فيديوهات على يوتيوب تجاوزت آلاف المشاهدات. كما تابع المنتدى المغربي لحقوق الإنسان (FHDH) الأمر بقلق، مشيرًا إلى انتهاكات محتملة لحقوق الطفل وفق اتفاقية الأمم المتحدة. هذا الجدل يعكس توترًا أوسع في التعليم الخاص، حيث يُشكل 11 ألف مدرسة خاصة جزءًا من نظام يضم أكثر من 11 ألف مؤسسة تعليمية، وفق إحصاءات 2021، لكن مع ارتفاع التكاليف بنسبة 20-30% سنويًا بسبب التضخم.التداعيات على الطلاب والمجتمعبالنسبة للـ16 تلميذًا، يعني الطرد تعطيلًا فوريًا لمسيرتهم الدراسية، مما قد يؤثر على نفسيتهم ويجبرهم على البحث عن مدارس بديلة في وقت متأخر من العام. الأسر، غالبًا من الطبقة الوسطى، تواجه صعوبات مالية إضافية، خاصة مع ارتفاع تكاليف المعيشة في المغرب بنسبة 5% في 2025. على المستوى الاجتماعي، يُبرز الحدث هشاشة الشراكة بين الآباء والإدارات، ويثير دعوات لتشديد الرقابة الحكومية على المدارس الخاصة، التي غالبًا ما تكون خارج السيطرة الكاملة لوزارة التربية.في سياق أوسع، يُعد هذا الحدث انعكاسًا للتحديات التي يواجهها التعليم المغربي، حيث يلتحق حوالي 8.7 مليون طالب بأكثر من 11 ألف مدرسة، لكن الخاص يعاني من عدم الشفافية. كما أن جامعة الأخوين نفسها، رغم شهرتها، تواجه انتقادات سابقة بشأن التكاليف العالية (حوالي 60,000 درهم سنويًا للجامعيين)، مما يجعل المدرسة التابعة لها هدفًا للنقد.الخاتمةفي الختام، يُمثل طرد الـ16 تلميذًا من مدرسة الأخوين بإفران قمة الجليد في مشكلات أعمق تهز أركان التعليم الخاص بالمغرب. من خلال هذا الحدث، نرى كيف يمكن لقرارات إدارية فردية أن تدمر حياة الشباب وتُهدد مبادئ العدالة والشفافية. الإدارة التسلطية، الزيادات غير المبررة في الرسوم، والتجاوزات الأخلاقية ليست مجرد حوادث معزولة، بل أعراض لنظام يحتاج إلى إصلاح جذري. يجب على السلطات المعنية، بما في ذلك وزارة التربية الوطنية والمنظمات الحقوقية، التدخل الفوري لإعادة الطلاب ومحاسبة المسؤولين، مع تطبيق صارم للقوانين المتعلقة بالجنسية والرقابة.الدروس المستفادة واضحة: أولياء الأمور يجب أن يعززوا دورهم في الجمعيات لمراقبة الإدارات، بينما تحتاج الحكومة إلى قوانين أكثر صرامة لتنظيم التعليم الخاص، مثل فرض سقف للزيادات السنوية وتعزيز التفتيش. في نهاية المطاف، التعليم هو حق أساسي لكل طفل، ولا يمكن أن يكون رهينة لمصالح شخصية أو مالية. إذا تم التعامل مع هذه الأزمة بحكمة، يمكن أن تكون نقطة تحول نحو تعليم أفضل وأكثر عدالة في المغرب، حيث يصل عدد الطلاب إلى 9 ملايين، ويستحقون جميعًا فرصة متساوية.
تعليقات