إلياس العماري والقضية الفلسطينية: مقترح مثير للجدل
مقترح إسقاط الجنسية عن اليهود المغاربة ما بعد 1967: سياقاته، تداعياته، وتحدياته
مقدمةفي عام 2018، أثار إلياس العماري، الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة (PAM) في المغرب، جدلاً واسعاً عندما طرح فكرة تقديم مقترح قانون يهدف إلى إسقاط الجنسية المغربية عن اليهود المغاربة المقيمين في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد حرب 1967. هذا المقترح، الذي جاء في سياق لقاء مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، أُعلن كموقف سياسي داعم للقضية الفلسطينية ومناهض للاحتلال الإسرائيلي. لكنه سرعان ما أثار ردود فعل متباينة، تتراوح بين الدعم من بعض الأوساط الشعبية والسياسية، والرفض القوي من اليهود المغاربة والمجتمع الدولي، معتبرينه تمييزياً وغير عملي. في هذا المقال، سنستعرض السياق التاريخي والسياسي للمقترح، ردود الفعل التي أثاره، التحديات القانونية والأخلاقية التي واجهته، وتداعياته على المشهد السياسي المغربي والعلاقات مع الجالية اليهودية المغربية.السياق التاريخي: اليهود المغاربة والعلاقة مع إسرائيلللمغرب تاريخ طويل من التعايش بين المسلمين واليهود، يعود إلى قرون مضت، حيث كانت الجالية اليهودية جزءاً لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي والثقافي للمملكة. قبل منتصف القرن العشرين، كان يعيش في المغرب حوالي 250,000 يهودي، يشكلون واحدة من أكبر الجاليات اليهودية في العالم العربي. لكن بعد تأسيس دولة إسرائيل عام 1948، شهد المغرب موجات هجرة كبيرة لليهود المغاربة، خاصة في الخمسينيات والستينيات، مدفوعة بعوامل سياسية (مثل الحروب العربية-الإسرائيلية) واقتصادية واجتماعية. بحلول السبعينيات، هاجر معظم اليهود المغاربة إلى إسرائيل، فرنسا، كندا، ودول أخرى، تاركين وراءهم جالية صغيرة في المغرب لا تتجاوز بضعة آلاف من الأفراد.على الرغم من هذه الهجرة، حافظ اليهود المغاربة على ارتباط وثيق بالمغرب، سواء عبر الزيارات، الحفاظ على التراث الثقافي، أو الاعتزاز بالهوية المغربية. الملك محمد الخامس، ثم الملك الحسن الثاني، والآن الملك محمد السادس، لعبوا أدواراً بارزة في تعزيز هذا الارتباط من خلال سياسات تهدف إلى حماية التراث اليهودي، مثل ترميم المعابد والمقابر اليهودية، وإدراج الثقافة اليهودية ضمن الهوية الوطنية المغربية في دستور 2011.ومع ذلك، ظل الموقف الرسمي المغربي داعماً للقضية الفلسطينية، حيث يرأس الملك محمد السادس لجنة القدس، وهي هيئة تابعة لمنظمة التعاون الإسلامي تهدف إلى دعم القضية الفلسطينية. هذا الدعم لم يمنع وجود علاقات غير رسمية مع إسرائيل على مدى عقود، خاصة في المجالات الأمنية والاقتصادية، حتى جاء التطبيع الرسمي في ديسمبر 2020 ضمن اتفاقيات أبراهام، بدعم من الولايات المتحدة، والذي تضمن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية.خلفية مقترح إلياس العماريفي هذا السياق المعقد، جاء مقترح إلياس العماري عام 2018 كمحاولة للتعبير عن موقف سياسي قوي داعم للقضية الفلسطينية. خلال لقاء مع خالد مشعل في الرباط، أعلن العماري عن نية حزب الأصالة والمعاصرة تقديم مشروع قانون يستهدف إسقاط الجنسية المغربية عن اليهود المغاربة المقيمين في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة بعد حرب 1967. هذه المستوطنات، التي تشمل مناطق في الضفة الغربية، القدس الشرقية، وقطاع غزة (قبل الانسحاب الإسرائيلي منه عام 2005)، تُعتبر غير قانونية بموجب القانون الدولي، وفق قرارات الأمم المتحدة مثل قرار مجلس الأمن 2334.المقترح لم يكن موجهاً ضد اليهود المغاربة ككل، بل استهدف فئة محددة اختارت الإقامة في المستوطنات، وهي الفئة التي يُنظر إليها في الأوساط العربية والفلسطينية على أنها تساهم في استمرار الاحتلال. وفقاً لتصريحات العماري، كان الهدف هو إرسال رسالة سياسية قوية ضد الاحتلال الإسرائيلي، مع الإبقاء على دعم المغرب التاريخي للقضية الفلسطينية.ردود الفعل: جدل داخلي ودوليلم يمر المقترح مرور الكرام، بل أثار ردود فعل متباينة وعميقة، سواء داخل المغرب أو في الشتات اليهودي المغربي:
- رد الجالية اليهودية المغربية:
- اليهود المغاربة في إسرائيل، الذين يُقدر عددهم بحوالي 800,000 نسمة، عبّروا عن رفضهم القاطع للمقترح. سيمون سكيرا، الأمين العام لفدرالية اليهود المغاربة في فرنسا، وصف المقترح بـ"الطائش" و"التمييزي"، مشيراً إلى أن العديد من اليهود المغاربة اختاروا العيش في المستوطنات لأسباب اقتصادية، مثل توفر السكن بأسعار معقولة، وليس بدوافع سياسية أو أيديولوجية. كما أكد أن اليهود المغاربة يحتفظون بحبهم للمغرب وملكه، وأن مثل هذا القانون يهدد هويتهم المغربية.
- تم تنظيم حملة توقيعات من قبل الجالية اليهودية المغربية في إسرائيل لمراسلة الملك محمد السادس ومستشاره أندري أزولاي، وهو شخصية يهودية مغربية بارزة، للتدخل ومنع تنفيذ المقترح.
- ردود داخل الحزب:
- داخل حزب الأصالة والمعاصرة، حاولت القيادة تخفيف حدة الجدل. محمد أشرورو، رئيس الفريق البرلماني للحزب، أوضح أن المقترح لم يكن مشروع قانون رسمي، بل فكرة أولية تحتاج إلى نقاش داخلي ودراسة قانونية معمقة. هذا التصريح جاء لتهدئة التوترات، لكنه لم يمنع الانتقادات من استهداف الحزب بتهمة الشعبوية.
- ردود سياسية أخرى:
- أحزاب معارضة، مثل حزب العدالة والتنمية الذي كان يقود الحكومة آنذاك، رأت في المقترح محاولة من حزب الأصالة والمعاصرة لاستغلال القضية الفلسطينية لكسب شعبية سياسية، خاصة أن الحزب كان يسعى لتعزيز مكانته كقوة معارضة قوية.
- بعض السياسيين والمحللين اعتبروا أن المقترح يفتقر إلى الواقعية، حيث إنه لن يساهم بشكل مباشر في دعم الفلسطينيين، بل قد يعقّد العلاقات الداخلية والخارجية للمغرب.
- ردود دولية:
- على المستوى الدولي، لم يحظَ المقترح بتغطية واسعة في وسائل الإعلام الغربية، لكنه أثار قلقاً في الأوساط اليهودية العالمية، خاصة في إسرائيل وفرنسا. بعض المحللين رأوا أن المقترح قد يُفسر على أنه خطوة معادية للسامية، على الرغم من تأكيد العماري أن الهدف هو استهداف المستوطنات وليس اليهود كديانة.
- الدستور المغربي:
- المادة 25 من الدستور المغربي لعام 2011 تنص على أن "لا يجوز سحب الجنسية المغربية من أي مواطن مغربي بالولادة". هذا النص يجعل إسقاط الجنسية عن اليهود المغاربة المولودين في المغرب أمراً غير دستوري، ما لم يتم تعديل الدستور أو إدخال استثناءات قانونية معقدة.
- حتى لو تم تقديم مشروع القانون، فإن تمريره في البرلمان كان سيواجه معارضة قوية، خاصة من الأحزاب الموالية للمؤسسة الملكية، التي تدعم سياسة التعايش والتسامح.
- التمييز المحتمل:
- المقترح أثار تساؤلات حول مدى عدالة استهداف فئة دينية معينة (اليهود المغاربة) دون غيرهم. على سبيل المثال، لم يتضمن المقترح أي إشارة إلى المغاربة من ديانات أخرى أو غير اليهود الذين قد يعيشون في المستوطنات، مما جعل الفكرة تبدو تمييزية في نظر البعض.
- هذا الجانب أثار انتقادات حقوقية، حيث اعتبر البعض أن المقترح قد ينتهك مبادئ المساواة أمام القانون.
- التعقيدات العملية:
- تحديد من يعيش في المستوطنات غير الشرعية كان سيُشكل تحدياً لوجستياً. المغرب لا يملك قاعدة بيانات دقيقة لتتبع المغاربة في الخارج، خاصة في مناطق حساسة مثل المستوطنات.
- تنفيذ مثل هذا القانون كان سيُعقّد العلاقات مع إسرائيل، التي كانت آنذاك تربطها بالمغرب علاقات غير رسمية، ومع الجالية اليهودية المغربية، التي تشكل جسراً ثقافياً واجتماعياً مهماً.
- على المستوى السياسي الداخلي:
- عزز المقترح صورة حزب الأصالة والمعاصرة كحزب معارض قوي يتبنى مواقف جريئة، لكنه أيضاً عرض الحزب لانتقادات بالشعبوية. في سياق التنافس مع حزب العدالة والتنمية، كان المقترح محاولة لجذب الناخبين الذين يدعمون القضية الفلسطينية بقوة.
- لكن الفشل في تقديم المقترح كمشروع قانون رسمي أضعف مصداقية الحزب في هذا الصدد، حيث بدا الأمر كمناورة سياسية أكثر منه مبادرة جادة.
- على العلاقات مع الجالية اليهودية:
- المقترح زاد من توتر العلاقات مع الجالية اليهودية المغربية في إسرائيل وفرنسا، التي شعرت بأنها مُستهدفة بشكل غير عادل. هذا التوتر كان من الممكن أن يؤثر على الجهود الملكية لتعزيز التعايش والحفاظ على التراث اليهودي في المغرب.
- ردود الفعل القوية من الجالية دفعت الحزب إلى التراجع عن الدفع بالمقترح، مما أظهر حساسية هذا الموضوع.
- التطبيع مع إسرائيل:
- بعد عامين من طرح المقترح، أعلن المغرب في ديسمبر 2020 عن تطبيع العلاقات مع إسرائيل ضمن اتفاقيات أبراهام. هذا التطور جعل أي فكرة مشابهة لمقترح العماري غير قابلة للتنفيذ، حيث أصبحت العلاقات مع إسرائيل جزءاً من السياسة الخارجية الرسمية للمغرب.
- التطبيع عزز التعاون في مجالات مثل التجارة، التكنولوجيا، والسياحة، مما جعل استهداف اليهود المغاربة المقيمين في إسرائيل أمراً يتعارض مع المصالح الوطنية.
- الشعبوية السياسية: المقترح بدا للبعض كمحاولة لاستغلال القضية الفلسطينية لكسب تأييد شعبي، خاصة في ظل التنافس السياسي الداخلي. حزب الأصالة والمعاصرة، الذي تأسس عام 2008، كان يسعى لتعزيز مكانته كبديل للأحزاب التقليدية، وهذا المقترح كان بمثابة خطوة لجذب الناخبين الذين يرون في القضية الفلسطينية رمزاً وطنياً وعربياً.
- الواقعية السياسية: من الناحية العملية، كان المقترح غير قابل للتنفيذ بسبب العوائق الدستورية والسياسية. كما أن استهداف فئة محددة بناءً على إقامتها في مناطق معينة كان سيثير تعقيدات دبلوماسية مع إسرائيل والولايات المتحدة.
- الأبعاد الأخلاقية: المقترح أثار تساؤلات حول مدى عدالة استهداف اليهود المغاربة دون غيرهم، خاصة أن الجنسية المغربية تُعتبر حقاً أصيلاً. هذا الجانب جعل المقترح يبدو متناقضاً مع قيم التعايش التي يروج لها المغرب.
مقترح إلياس العماري، الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، عام 2018، لإسقاط الجنسية المغربية عن اليهود المغاربة المقيمين في المستوطنات الإسرائيلية غير الشرعية في الأراضي الفلسطينية المحتلة ما بعد حرب 1967، كان فكرة طموحة سياسياً، لكنها غير عملية قانونياً وسياسياً. الجدل الذي أثاره كشف عن التوترات الكامنة بين دعم المغرب التاريخي للقضية الفلسطينية والحفاظ على علاقته بالجالية اليهودية المغربية، التي تُعدّ جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية. المقترح، الذي جاء في سياق لقاء مع خالد مشعل، رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس، استهدف إرسال رسالة مناهضة للاحتلال الإسرائيلي، لكنه واجه معارضة قوية من الجالية اليهودية المغربية في إسرائيل وفرنسا، التي اعتبرته تمييزياً و"طائشاً"، مشيرة إلى أن إقامة البعض في المستوطنات كانت لأسباب اقتصادية وليست سياسية.من الناحية القانونية، تعارض المقترح مع المادة 25 من الدستور المغربي لعام 2011، التي تمنع سحب الجنسية من مواطن بالولادة، مما جعل تنفيذه شبه مستحيل دون تعديل دستوري. سياسياً، بدا المقترح شعبوياً للبعض، كمحاولة لكسب تأييد الناخبين في ظل التنافس مع حزب العدالة والتنمية، لكنه أثار انتقادات لعدم واقعيته وتأثيره المحتمل على العلاقات مع الجالية اليهودية وإسرائيل. داخل الحزب، أوضحت قيادات مثل محمد أشرورو أن الفكرة لم تتجاوز مرحلة الاقتراح الأولي، ولم تُترجم إلى مشروع قانون رسمي بسبب الحاجة إلى نقاش موسع ودراسة قانونية.تطورات لاحقة، مثل إعلان المغرب التطبيع مع إسرائيل في ديسمبر 2020 ضمن اتفاقيات أبراهام، أنهت فعلياً أي إمكانية لتقدم مثل هذه المقترحات، حيث أصبحت العلاقات مع إسرائيل جزءاً من السياسة الخارجية المغربية، مدعومة بمصالح اقتصادية ودبلوماسية، بما في ذلك الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء الغربية. كما أن السياسة الملكية، بقيادة الملك محمد السادس، ظلت ملتزمة بتعزيز التعايش مع الجالية اليهودية، سواء داخل المغرب أو في الشتات، من خلال مبادرات مثل ترميم المعابد اليهودية والحفاظ على التراث اليهودي.خاتمةفي النهاية، كشف مقترح العماري عن تعقيدات الموازنة بين المواقف السياسية الداعمة للقضية الفلسطينية والحفاظ على الوحدة الوطنية والهوية المغربية المتعددة. الفكرة، رغم طموحها في إظهار التضامن مع الفلسطينيين، افتقرت إلى الجدوى العملية وأثارت جدلاً تجاوز أهدافها الأصلية، مما جعلها تظل مجرد فكرة نظرية لم ترَ النور كقانون.