توقيف يونس أفطيط: ضربة لحرية الصحافة في المغرب

اعتقال صحفي بلادنا24 يشعل الجدل حول استقلالية الإعلام


المقدمة
في صباح يوم الخميس 25 سبتمبر 2025، هز خبر توقيف الصحفي المغربي البارز يونس أفطيط، مدير نشر موقع "بلادنا24"، الوسط الإعلامي والحقوقي في المملكة المغربية. كان التوقيف مفاجئاً، حيث اقتحمت عناصر الشرطة منزله في مدينة المحمدية دون إعلان مسبق عن الأسباب، مما أثار موجة من الغضب والتساؤلات حول حدود حرية التعبير في بلد يُعتبر نفسه نموذجاً ديمقراطياً في المنطقة العربية. يونس أفطيط، الذي اشتهر بمقاطع فيديو ناقدة للسياسات الحكومية ومقالات جريئة تكشف عن فساد وإخفاقات إدارية، لم يكن هذا التوقيف حدثاً معزولاً في مسيرته المهنية. إنه جزء من سلسلة من التحديات والاضطهادات التي واجهها هذا الصحفي الشاب، الذي تحول إلى رمز للصحافة المستقلة في المغرب. مع تصاعد التوترات الاجتماعية والاقتصادية في البلاد، خاصة في ظل احتجاجات قطاع الصحة الأخيرة، يأتي هذا الحدث ليُعيد إشعال النقاش حول دور السلطات في كبح الإعلام الناقد. في هذا المقال، سنستعرض مسيرة أفطيط المهنية، الأحداث الرئيسية التي تعرض لها، مع التركيز على التطورات الدراماتيكية لهذا اليوم، لنفهم كيف يُشكل هذا التوقيف اختباراً حقيقياً لاستقلالية الإعلام المغربي.العرضيونس أفطيط، البالغ من العمر 35 عاماً، بدأ مسيرته الصحفية ككاتب ميداني في وسائل إعلام محلية صغيرة، قبل أن يؤسس موقع "بلادنا24" في عام 2018، الذي سرعان ما أصبح منصة رئيسية للصحافة الاستقصائية في المغرب. يركز الموقع على قضايا الشفافية الحكومية، حقوق الإنسان، والفساد في القطاعات العامة، مما جعله هدفاً للانتقادات الرسمية. اشتهر أفطيط بفيديوهاته على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث ينتقد بأسلوب ساخر ومباشر سياسات الحكومة، مثل إخفاقات برنامج التنمية البشرية أو سوء إدارة قطاع الصحة. هذه المقاطع، التي تجمع ملايين المشاهدات، حولته إلى صوت شعبي، خاصة بين الشباب والطبقات المتوسطة المتضررة من الإصلاحات الاقتصادية. ومع ذلك، لم تكن هذه الشهرة مجانية؛ فقد كانت مصحوبة بسلسلة من الضغوط القانونية والإعلامية التي تهدد مصداقية الإعلام المستقل في المغرب.
بدأت الأحداث الدراماتيكية في مسيرة أفطيط في يناير 2025، عندما قدم مالك إحدى المقاولات الصناعية شكوى ضده بتهمة "بث وتوزيع ادعاءات كاذبة بقصد التشهير"، بناءً على فيديو نشره أفطيط يتحدث فيه عن "معمل سري لصنع المثلجات" دون الإشارة صراحة إلى اسم الشركة. رغم أن الفيديو كان تحقيقاً صحفياً عاماً، إلا أن التعليقات على وسائل التواصل أثارت جدلاً، مما دفع الدرك الملكي بالمحمدية إلى استدعائه للتحقيق. هنا، تفاجأ أفطيط بمتابعته بالقانون الجنائي بدلاً من قانون الصحافة والنشر، رغم امتلاكه بطاقة مهنية صادرة عن المجلس الوطني للصحافة. في أبريل 2025، أيدت محكمة الاستئناف بالدار البيضاء الحكم الابتدائي، محكومة عليه بستة أشهر حبس موقوف التنفيذ وغرامة قدرها 5000 درهم. اعتبر أفطيط هذا الحكم "انتهاكاً للحريات"، مشيراً في تصريحات لوسائل إعلامية إلى أنه يُحرم من حماية قانون الصحافة بينما يستفيد آخرون غير صحفيين منه. أثار الحكم تضامناً واسعاً من نقابات الصحفيين، الذين رأوا فيه محاولة لإسكات الأصوات الناقدة، خاصة في ظل تزايد الشكاوى ضد الإعلاميين المستقلين.
لم تتوقف الضغوط عند هذا الحد؛ فقد تعرض أفطيط لمساومات من جهات حكومية، كما كشف في مقابلة تلفزيونية قبل أيام قليلة من توقيفه، نشرت في 23 سبتمبر 2025. تحدث عن محاولات لإجباره على سحب مقالات حول فساد في المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بعمالة الناظور، مقابل وعود بترقيات أو إسقاط التهم. رفض أفطيط هذه المساومات، معتبراً إياها "خيانة للمهنة"، مما زاد من حدة التوتر. كما تعرض لتهديدات بالسجن المباشرة بعد نشر سلسلة مقالات في أغسطس 2025، تكشف عن إخفاقات في قطاع الصحة، مصحوبة باحتجاجات في أكادير ومدن أخرى. هذه الاحتجاجات، التي طالبت بتحسين الخدمات الطبية، ربطها أفطيط بتقارير تحقيقية نشرها، مما جعله هدفاً للانتقام الرسمي. في فبراير 2025، شهدت قضيته انتصاراً جزئياً عندما برأته محكمة أخرى من تهم إضافية، في قرار أشاد به اتحاد المقاولات الصحفية الصغرى كـ"انتصار للعدالة وحرية التعبير". ومع ذلك، كانت هذه البراءة مجرد وقفة مؤقتة في مسيرة مليئة بالتحديات.


أما اليوم، 25 سبتمبر 2025، فيُعد ذروة هذه الأحداث. وفقاً لمصادر مقربة من عائلة أفطيط، اقتحمت عناصر الشرطة منزله في ساعات الصباح الباكر، ونقلوه إلى مركز تحقيق دون إخطار مسبق بالأسباب. حتى الساعة، تظل عائلته في الظلام حول موضوع التحقيق، لكن الوسط الإعلامي يربط التوقيف بمقال نشره أفطيط أمس، ينتقد فيه سياسات الحكومة في التعامل مع احتجاجات الصحة، ويكشف عن تورط مسؤولين في قمع المتظاهرين. أثار التوقيف ردود فعل فورية: أصدرت النقابة الوطنية للصحافة المغربية بياناً يدين "الاعتقال التعسفي"، مطالبة بإطلاق سراحه الفوري وتحقيق مستقل. كما انطلقت حملة تضامن على وسائل التواصل تحت وسم #أطلقوا_سراح_يونس_أفطيط، جمعت آلاف التغريدات من صحفيين وناشطين حقوقيين. خبراء يرون في هذا الحدث تكراراً لأنماط الضغط على الإعلام، مشيرين إلى أن المغرب، رغم تصنيفه في مؤشر حرية الصحافة كدولة "جزئياً حرة"، يشهد تصعيداً في استخدام القانون الجنائي ضد الصحفيين. في سياق إقليمي أوسع، يُقارن توقيف أفطيط بقضايا مشابهة في تونس ومصر، حيث يُستخدم الإعلام كأداة للضغط السياسي. هذا اليوم ليس مجرد حدث فردي؛ إنه إشارة إلى أزمة أعمق في التوازن بين الأمن والحريات في المغرب، خاصة مع اقتراب الانتخابات المحلية في 2026.
التداعيات المحتملة لهذا التوقيف واسعة النطاق. على المستوى الشخصي، قد يواجه أفطيط اتهامات جديدة تتعلق بالتشهير أو نشر معلومات حساسة، مما يهدد حريته وحريته المهنية. أما على المستوى المهني، فإن "بلادنا24" قد يتعرض لإغلاق مؤقت أو رقابة مشددة، مما يحد من قدرته على تغطية القضايا الحساسة. شعبياً، يُتوقع أن يُشعل التوقيف موجة احتجاجات جديدة، خاصة بين الشباب الذين يرون في أفطيط صوتاً لهم. دولياً، قد يجذب انتباه منظمات مثل "مراسلون بلا حدود"، التي حذرت سابقاً من تراجع حرية الصحافة في المغرب. ومع ذلك، هناك أمل في أن يؤدي التضامن الواسع إلى إطلاق سراحه، كما حدث في قضايا سابقة، مما يعزز من قوة الإعلام المستقل.الخاتمةفي الختام، يُمثل توقيف يونس أفطيط في 25 سبتمبر 2025 قمة جبل من التحديات التي واجهها هذا الصحفي الشجاع، من محاكمات جنائية إلى مساومات حكومية، مروراً بتهديدات بالسجن. هذه الأحداث ليست مجرد قصة فردية؛ إنها مرآة تعكس التوترات بين السلطة والإعلام في المغرب، حيث تُستخدم الأدوات القانونية لكبح النقد البناء. إذا أدى هذا التوقيف إلى إسكات أفطيط، فسيكون خسارة للديمقراطية المغربية؛ أما إذا تحول إلى نقطة تحول، مدعوماً بالتضامن الشعبي والدولي، فقد يُعزز من حماية حرية التعبير. في نهاية المطاف، يبقى أفطيط رمزاً للصمود، يذكرنا بأن الصحافة الحرة هي عماد أي مجتمع يطمح للعدالة والشفافية. اليوم، ينتظر العالم رد السلطات المغربية، آملاً في قرار يُعيد الثقة في استقلالية القضاء وحماية الصحفيين.
تعليقات