مأساة الدخول المدرسي في المغرب: لوبيات الكتب تثقل كاهل الفقراء

استغلال تجاري يهدد التعليم العادل


 مأساة الدخول المدرسي في المغرب: لوبيات الكتب والأدوات المدرسية تثقل كاهل المواطن الفقير
المقدمة
مع اقتراب موسم الدخول المدرسي في المغرب، تتجدد معاناة الأسر المغربية، خاصة ذات الدخل المحدود، في مواجهة تكاليف باهظة تحول العودة إلى المدرسة من مناسبة للفرح إلى عبء مالي ثقيل. ففي الوقت الذي يُفترض أن يكون التعليم حقًا أساسيًا لكل طفل، أصبح الدخول المدرسي في المغرب، خاصة في المدارس الخاصة، مرادفًا للضغط الاقتصادي والاستغلال التجاري. تكاليف الكتب المدرسية، الأدوات، الدفاتر، الأغلفة، والرسوم الأخرى ترتفع بشكل صارخ، حيث تصل تكلفة تجهيز طفل واحد في المدرسة الابتدائية إلى حوالي 4000 درهم، وربما تزيد إلى 7000 درهم أو أكثر مع استكمال اللوازم. هذه الأرقام الباهظة تثير تساؤلات حول وجود لوبيات تسيطر على سوق الكتب واللوازم المدرسية، وتستغل حاجة المواطنين لتحقيق أرباح طائلة على حساب الطبقات الفقيرة. في هذا المقال، سنستعرض هذه المأساة بعمق، مع تسليط الضوء على الأسباب، الأطراف المتورطة، بما في ذلك دور النشر الكبرى وشبكات التوزيع، والحلول الممكنة، مستعيدين ذكريات السبعينيات عندما كان الدخول المدرسي يقتصر على لوحة وطباشير ودفتر وقلم، وكيف تحول التعليم إلى تجارة مربحة تهدد القدرة الشرائية للمواطن المغربي.
العرض
1. الواقع المرير لتكاليف الدخول المدرسي
الدخول المدرسي لعام 2025-2026، الذي بدأ رسميًا في 8 شتنبر 2025، يأتي في ظل ظروف اقتصادية صعبة، حيث تشهد الأسعار ارتفاعًا عامًا في مختلف القطاعات. وفقًا لتقارير إعلامية، فإن تكلفة تجهيز طفل في المدرسة الابتدائية قد تصل إلى 4000 درهم في البداية، مع توقعات بزيادة تصل إلى 3000 درهم إضافية لتغطية الكتب، الدفاتر، الأغلفة، الأقلام، واللوازم الأخرى. هذه الأرقام ليست مجرد أعباء مالية، بل هي انعكاس لأزمة أعمق تتعلق بغياب تنظيم صارم لسوق الكتب واللوازم المدرسية، خاصة في القطاع الخاص.
في السبعينيات، كان التعليم العمومي في المغرب يتميز بالبساطة والمجانية إلى حد كبير. كان الطفل يحتاج فقط إلى لوحة، طباشير، دفتر، وقلم ليتمكن من متابعة دراسته. لم تكن هناك متطلبات معقدة أو لوازم باهظة الثمن، وكان التعليم العمومي يحظى بثقة الأسر. أما اليوم، فقد أصبحت قائمة المستلزمات المدرسية طويلة ومكلفة، تشمل كتبًا مستوردة، دفاتر بمواصفات خاصة، أغلفة، أقلام بأنواع معينة، وحتى أدوات إضافية مثل الآلات الحاسبة أو الأدوات الهندسية. هذا التحول لم يأتِ من فراغ، بل هو نتيجة تغييرات هيكلية في النظام التعليمي وسيطرة لوبيات تجارية على السوق.
2. لوبيات الكتب واللوازم المدرسية: من هم؟
تشير تقارير وشكاوى المواطنين إلى وجود لوبيات تسيطر على سوق الكتب واللوازم المدرسية في المغرب، خاصة في القطاع الخاص. هذا اللوبي، الذي أصبح اسمه مرادفًا للهيمنة على سوق الكتب المدرسية، يتشكل من مجموعة من دور النشر الكبرى مثل دار كنوز للنشر، دار الشروق الجديدة، ودار المدى للنشر، التي تحتكر تقريبًا كل المستويات الدراسية من الابتدائي إلى الثانوي، وتستفيد من عقود حكومية لتوريد الكتب للمدارس العمومية والخاصة على حد سواء. هذه الدور لا تعمل بمعزل عن شبكة موزعين قوية، ممثلة في شخصيات معروفة مثل ع.أ في الدار البيضاء وم.ح في فاس، الذين يسيطرون على عملية توزيع الكتب ويضمنون وصولها إلى المكتبات المعتمدة فقط، مما يجعل أي محاولة منافسة شبه مستحيلة.
الأمر لا يقتصر على التحكم في التوزيع فقط، بل يمتد إلى تحديد الأسعار بشكل صارم، بعيدًا عن أي منافسة حقيقية. كتاب العلوم للثالثة إعدادي من دار كنوز، على سبيل المثال، قد يكلف دار النشر حوالي 150 درهم، لكنه يصل إلى التلميذ بسعر يتراوح بين 250 و300 درهم، بينما بعض الكتب الأخرى قد تكلف أكثر من ذلك بفعل عمولات الموزعين والرسوم الإضافية التي تُفرض على المكتبات. هذه الزيادة السنوية ليست مرتبطة بتحسين جودة الطباعة أو تطوير المناهج، بل هي خطة مدروسة لضمان أرباح ثابتة ودائمة، تجعل التلميذ والأسر الفقيرة ضحية مباشرة للنظام المالي المهيمن.
اللوبي لا يكتفي بالتحكم في الأسعار فحسب، بل يمتد تأثيره إلى محتوى الكتب والمناهج الدراسية. دور النشر الكبرى تختار التركيز على الكتب الأكثر ربحية وشعبية، مع تجاهل المواد الأقل مبيعًا رغم أهميتها التربوية. بعض كتب الرياضيات والعلوم للابتدائي، على سبيل المثال، يتم تجديدها سنويًا مع تغييرات طفيفة، تُجبر التلاميذ على شراء نسخ جديدة، بينما كان بالإمكان استخدام النسخ السابقة بعد تعديلات بسيطة، وهو ما يمثل استغلالًا واضحًا للحاجة التعليمية للأطفال.
بالإضافة إلى ذلك، تشير تقارير إلى أن بعض الناشرين يستفيدون من دعم حكومي بنسبة 25% لتخفيض أسعار الكتب المدرسية في التعليم العمومي، لكن هذا الدعم لا يمتد إلى الكتب المستوردة أو تلك المستخدمة في المدارس الخاصة. هذه الكتب المستوردة، التي غالبًا ما تكون باللغة الفرنسية أو الإنجليزية، تشهد زيادات سنوية تصل إلى 30% أو أكثر، مما يثقل كاهل الأسر. كما أن تغيير عناوين الكتب أو إصدار طبعات جديدة كل عام يجبر الأسر على شراء كتب جديدة، مما يؤدي إلى تراكم الخسائر لدى أصحاب المكتبات الصغيرة ويزيد من أرباح الناشرين الكبار.

3.تأثير هذه اللوبيات على المواطن الفقير
المواطن المغربي ذو الدخل المحدود هو الضحية الأولى لهذه اللوبيات. ففي ظل متوسط دخل شهري لا يتجاوز 3000 إلى 5000 درهم للأسر المتوسطة، فإن تخصيص 4000 إلى 7000 درهم لتجهيز طفل واحد يمثل عبئًا ماليًا لا يطاق. تشير دراسات إلى أن الأسر المغربية تنفق ما بين 40% إلى 50% من دخلها الشهري على التعليم، سواء في القطاع العمومي أو الخاص. هذا الوضع يدفع العديد من الأسر إلى الاستدانة أو التخلي عن احتياجات أساسية أخرى مثل الغذاء أو الرعاية الصحية.
في السياق ذاته، فإن المدارس الخاصة، التي أصبحت ملاذًا للعديد من الأسر بسبب تراجع جودة التعليم العمومي، تستغل هذا الوضع لرفع رسوم التسجيل والتأمين، التي قد تصل إلى 4000 درهم أو أكثر. هذه الرسوم، إلى جانب تكاليف الكتب واللوازم، تجعل التعليم الخاص حكرًا على الطبقات الغنية أو المتوسطة، بينما تُحرم الأسر الفقيرة من فرص متساوية. على سبيل المثال، أسرة ريفية ذات دخل محدود قد تجد نفسها عاجزة عن تحمل تكلفة كتاب علوم بـ300 درهم، ناهيك عن بقية اللوازم التي تتطلبها المدارس الخاصة.

 

4.مقارنة مع الماضي: السبعينيات كمثال للبساطة
في السبعينيات، كان التعليم العمومي في المغرب يعتمد على بساطة اللوازم المدرسية. كان الطفل يذهب إلى المدرسة بلوحة وطباشير، ودفتر واحد أو اثنين، وقلم. لم تكن هناك متطلبات معقدة أو كتب مستوردة باهظة الثمن. كما كان التعليم العمومي مجانيًا إلى حد كبير، وكانت الدولة توفر الكتب واللوازم الأساسية للتلاميذ. هذا النموذج، رغم بساطته، كان كفيلًا بتخريج أجيال متعلمة ساهمت في بناء المغرب الحديث.
اليوم، يعاني التعليم العمومي من أزمات متعددة، بما في ذلك الاكتظاظ في الفصول، ضعف تكوين الأساتذة، ونقص البنية التحتية. هذه الأزمات دفعت العديد من الأسر إلى اللجوء إلى التعليم الخاص، مما فتح الباب أمام استغلال تجاري من قبل المدارس والناشرين. في الوقت نفسه، أصبحت الكتب المدرسية، خاصة المستوردة، رمزًا للاستغلال، حيث تُفرض على الأسر بأسعار لا تتناسب مع دخلها. هذا الوضع يزيد من الفجوة الاجتماعية، حيث يصبح التعليم الجيد حكرًا على الأغنياء، بينما تُترك الأسر الفقيرة لتكافح من أجل توفير الأساسيات.
5. الأثر الاجتماعي والاقتصادي على الأسر الريفية والحضرية
تتفاوت تأثيرات هذه الأزمة بين الأسر الريفية والحضرية. في المناطق الريفية، حيث يعتمد معظم السكان على الزراعة أو أعمال موسمية، تكون القدرة الشرائية أضعف بكثير مقارنة بالمدن. الأسر الريفية غالبًا ما تضطر إلى السفر إلى المدن لشراء الكتب واللوازم، مما يزيد من التكاليف بسبب النقل والإقامة. على سبيل المثال، قد تضطر أسرة من قرية نائية إلى دفع 500 درهم إضافية للسفر إلى الدار البيضاء أو الرباط لشراء كتب مدرسية محددة تُفرضها المدارس الخاصة.
في المناطق الحضرية، رغم توفر المكتبات واللوازم، إلا أن الأسعار المرتفعة والضغط الاجتماعي لتوفير أفضل التجهيزات للأطفال يضعان الأسر في موقف صعب. الأمهات العاملات، على سبيل المثال، غالبًا ما يجدن أنفسهن مضطرات للاقتراض من أجل تغطية تكاليف الدخول المدرسي، خاصة إذا كان لديهن أكثر من طفل في المدرسة. هذا الوضع يؤدي إلى تفاقم الفقر المدني، حيث تصبح الأسر محاصرة بدوامة من الديون.
6. تجارب دول أخرى: دروس يمكن تعلمها
يمكن للمغرب أن يستفيد من تجارب دول أخرى واجهت تحديات مماثلة في قطاع التعليم. على سبيل المثال، في دول مثل كندا وأستراليا، تُطبق برامج تأجير الكتب المدرسية، حيث يدفع الطلاب رسومًا رمزية سنوية مقابل استخدام الكتب، مع إعادة تدويرها في السنوات التالية. هذا النموذج يقلل من التكاليف على الأسر ويحد من هدر الموارد. في مصر، قامت الحكومة بإطلاق مبادرة لتوفير كتب مدرسية مدعومة للأسر ذات الدخل المنخفض، مع رقابة صارمة على أسعار الكتب في السوق.
في المغرب، يمكن تطبيق نماذج مشابهة من خلال تعزيز دور الدولة في إنتاج الكتب المدرسية محليًا بجودة عالية وبأسعار معقولة. كما يمكن تشجيع المبادرات المجتمعية، مثل إنشاء بنوك للكتب المستعملة، حيث يمكن للأسر التبرع بالكتب القديمة أو استبدالها بأسعار رمزية.
7. حلول مقترحة للحد من هذه المأساة
لحل هذه الأزمة، هناك حاجة إلى تدخل حكومي جاد وشامل. من بين الحلول المقترحة:
تنظيم سوق الكتب المدرسية: يجب على الحكومة فرض سقف أسعار للكتب واللوازم المدرسية، خاصة المستوردة، ومحاسبة الشركات مثل دار كنوز للنشر ودار الشروق الجديدة التي ترفع الأسعار بشكل غير مبرر. كما ينبغي تعزيز دور مجلس المنافسة لمكافحة الاحتكار والمضاربة في هذا القطاع.
دعم التعليم العمومي: تعزيز جودة التعليم العمومي من خلال تحسين البنية التحتية، تكوين الأساتذة، وتوفير الكتب واللوازم مجانًا أو بأسعار رمزية للأسر الفقيرة.
إعادة النظر في الكتب المستوردة: يمكن للحكومة تشجيع إنتاج كتب مدرسية محلية بجودة عالية وبأسعار معقولة، بدلاً من الاعتماد على الكتب المستوردة التي تخضع لتقلبات أسعار العملات الأجنبية.
تفعيل برامج الدعم: توسيع نطاق برامج الدعم المالي للأسر الفقيرة، مثل برنامج "تيسير"، ليشمل تكاليف الكتب واللوازم المدرسية.
تأجير الكتب المدرسية: فكرة تأجير الكتب المدرسية يمكن أن تكون حلاً مبتكرًا لتخفيف العبء عن الأسر. هذا النموذج يسمح للطلاب باستخدام الكتب مقابل رسوم رمزية سنوية، مع إعادة استخدامها في السنوات التالية.
رقابة على الموزعين: وضع آليات لمراقبة شبكات التوزيع، مثل تلك التي يسيطر عليها أشخاص مثل ع.أ وم.ح، لضمان توزيع عادل ومنع الاحتكار.

الخاتمة
إن مأساة الدخول المدرسي في المغرب ليست مجرد أزمة مالية، بل هي انعكاس لأزمة أعمق تتعلق بغياب العدالة الاجتماعية في الوصول إلى التعليم. لوبيات الكتب واللوازم المدرسية، بقيادة دور نشر مثل دار كنوز للنشر، دار الشروق الجديدة، ودار المدى للنشر، وشبكات التوزيع التي يتحكم فيها أشخاص مثل ع.أ وم.ح، تستغل حاجة الأسر إلى تعليم أبنائها، مما يثقل كاهل المواطن الفقير. في الوقت الذي كان فيه التعليم في السبعينيات رمزًا للبساطة والمساواة، أصبح اليوم تجارة مربحة تهدد القدرة الشرائية للأسر المغربية. إن إصلاح هذا الوضع يتطلب إرادة سياسية قوية، تنظيمًا صارمًا للسوق، واستثمارًا حقيقيًا في التعليم العمومي. فقط من خلال هذه الخطوات يمكن استعادة ثقة الأسر في النظام التعليمي، وجعل الدخول المدرسي مناسبة للفرح بدلاً من القلق والضغط المالي. فلنعمل معًا لضمان أن يكون التعليم حقًا للجميع، وليس امتيازًا للأغنياء فقط.
تعليقات