كارثة تزنيت: طبيب يهين مريضاً وأزمة الإهمال الطبي بالمغرب

من تزنيت إلى كل المغرب: مآسي المستشفيات تكشف جرحاً عميقاً



كارثة في أروقة الشفاء: قصة الطبيب في تزنيت وأزمة الإهمال الطبي في المستشفيات المغربية

مدينة تزنيت، الواحة الهادئة التي يُفترض أن تكون ملاذاً للراحة والعلاج. لكن في عام 2016، تحولت إحدى مستشفياتها إلى مسرح لمأساة تكشف عن جرح نازف في جسد المنظومة الصحية المغربية. تخيل معي المشهد: مريض يعاني من آلام شديدة، يطرق أبواب المستشفى الإقليمي بتزنيت بحثاً عن الشفاء، ليُقابل بكلمات قاسية من طبيب: "سير تموت، ولا طلع السماء". هذه ليست حكاية خيالية من رواية رعب، بل واقع موثق في تقارير إعلامية وشهادات مباشرة، أثارت غضباً شعبياً وألقت الضوء على كارثة أوسع: الإهمال الطبي الذي يحول المستشفيات من أماكن للشفاء إلى مقابر للأحلام والأرواح.هذه الحادثة، التي نُشرت في موقع "الهدهد" تحت عنوان "مصيبة.. شاهد طبيب بإقليم تزنيت يرفض معالجة مريض ويقول له: سير تموت ولا طلع السماء"، ليست معزولة. إنها قمة جبل جليدي يغرق تحت سطحه بحار من القصص المؤلمة، حيث يُترك المرضى يئنون في أروقة المستشفيات بسبب نقص الموارد، سوء التدبير، والإهمال البشري. في هذا المقال المطول، سنغوص في تفاصيل هذه الحادثة، ثم نستعرض سلسلة من "الكوارث" الطبية التي تفشي في المستشفيات المغربية، مستندين إلى تقارير رسمية، شهادات ضحايا، ودراسات حقوقية. سنناقش الأسباب الجذرية، الآثار الاجتماعية، والحلول المقترحة، لنكشف كيف أصبحت الصحة في المغرب قضية وطنية تتجاوز حدود الطب لتصل إلى كرامة الإنسان والعدالة الاجتماعية. هذه ليست مجرد قصص؛ إنها صرخة لإصلاح نظام يُفترض أنه يحمي الحياة، لا أن يُهددها.واقعة تزنيت: رفض الشفاء وصفعة الكرامةتعود جذور الحادثة إلى أبريل 2016، حين وصل مريض إلى المستشفى الإقليمي بتزنيت، يعاني من ألم حاد في البطن ربما يشير إلى التهاب زائدة دودية أو مشكلة جراحية طارئة. المستشفى، الذي يُفترض أنه الملاذ الأخير لسكان الإقليم الذين يبلغ عددهم أكثر من 100 ألف نسمة، كان يعج بالمرضى كعادته. الانتظار طويل، الأطباء قلائل، والمعدات محدودة. لكن ما حدث لم يكن مجرد تأخير؛ كان رفضاً صارخاً للمهنة الطبية.وفقاً للشهادات المنشورة، اقترب الطبيب من المريض وقال له بالحرف الواحد: "سير تموت، ولا طلع السماء". الكلمات لم تكن مجرد إحباط عابر؛ كانت تعبيراً عن إرهاق متراكم، نقص في الدعم، وربما ثقافة إهمال تتسلل إلى أروقة الرعاية الصحية. المريض، الذي لم يُكشف عن هويته لحماية خصوصيته، غادر المستشفى مذلولاً، ليجد نفسه أمام خيارين: العودة إلى المنزل ليموت ببطء، أو السفر إلى مدينة أكبر مثل أكادير أو أكادير، حيث تتوفر مستشفيات أفضل. الحادثة انتشرت كالنار في الهشيم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، مما أثار احتجاجات محلية وتساؤلات حول كفاءة الإدارة الصحية في المناطق النائية.لم يكن هذا الطبيب وحيداً في تزنيت؛ المدينة شهدت سلسلة من الحوادث المشابهة. في عام 2018، مثلاً، حُكم على الدكتور المهدي الشافعي، طبيب أطفال يُلقب بـ"طبيب الفقراء"، بغرامة قدرها 30 ألف درهم بتهمة السب والقذف ضد مدير المستشفى، بعد أن نشر تدوينات ينتقد فيها سوء التدبير والإهمال. الشافعي، الذي كان يعمل في ظروف قاسية، أعلن اعتزال المهنة بعد الحكم، معتبراً أن "النظام يعاقب الشجاعة لا الفساد". هذه القضية، التي غطتها هسبريس، أظهرت كيف يُقابل الإبلاغ عن الإهمال بعقاب المُبلغ، مما يعزز ثقافة الصمت داخل المنظومة.في سياق أوسع، يعكس هذا الحدث نقصاً بنيوياً في إقليم تزنيت. المستشفى الإقليمي، الذي يخدم سكاناً من قبائل الأمازيغ في المناطق الجبلية، يعاني من نقص في الأطباء (لا يتجاوز عددهم 4 لكل 10 آلاف نسمة، مقابل 15 توصي بها منظمة الصحة العالمية)، وتجهيزات قديمة، وميزانية محدودة. تقرير صادر عن المركز المغربي لحقوق الإنسان في 2025 يصف هذه المناطق بأنها "فضاءات للمعاناة"، حيث يُجبر السكان على السفر مئات الكيلومترات للحصول على رعاية أساسية. الحادثة في تزنيت لم تكن مجرد كلمات قاسية؛ كانت صرخة من نظام ينهار تحت وطأة الإرهاق والإهمال، وأدت إلى حملات توعية محلية دعت إلى تعزيز الرقابة على الأطباء وتحسين الظروف العمل.سلسلة من المآسي في المستشفيات المغربية بسبب الكوارث الطبيةإذا كانت حادثة تزنيت قمة الجبل، فإن قاعدته واسعة تمتد عبر المغرب كله. الإهمال الطبي ليس حدثاً عشوائياً؛ إنه وباء صامت يحصد الأرواح يومياً. وفقاً لتقرير هسبريس في 2023 بعنوان "الأخطاء الطبية بالمغرب.. جرائم صامتة"، يوثق التحقيق خلال أربعة أشهر فقط إصابة ثلاث حالات بأضرار جسيمة ووفاة طفلتين نتيجة عمليات جراحية في مستشفيات عمومية وخاصة. هذه ليست إحصائيات باردة؛ إنها قصص إنسانية تدمي القلوب.خذ على سبيل المثال قصة كوثر حميص، الشابة التي دخلت مصحة خاصة في المحمدية عام 2016 لإجراء عملية ولادة طبيعية. بعد ساعات من المعاناة، أُغلقت غرفة العمليات لأكثر من خمس ساعات بسبب خطأ في خياطة الجرح، مما أدى إلى نزيف داخلي وإصابة دائمة في الرحم. تحكي كوثر: "تنفست الموت والقيء ملء رئتيّ"، وفقاً لشهادتها المنشورة. العائلة اضطرت إلى رفع دعوى قضائية، لكن التعويض جاء متأخراً، ولا يعوض عن الندوب الجسدية والنفسية. هذه الحالة تكشف عن مشكلة مزدوجة: في القطاع الخاص، يسود الربح على حساب السلامة، بينما في العام، يغلب النقص على الإهمال.وفي الحسيمة، عاشت عائلة محمد عدي كابوساً دام ستة أشهر عام 2022. ابنته الرضيعة أُصيبت بجرثومة دم أثناء عملية جراحية بسيطة، بسبب سوء التعقيم في المستشفى الإقليمي. الطفلة خضعت لـ"كل الفظائع الجسدية"، كما يصف الأب، قبل أن تموت. التقرير الطبي الشرعي أكد الإهمال، لكن القضية ما زالت معلقة أمام المحاكم، حيث يواجه العائلة صعوبة في إثبات الخطأ بسبب "الزمالة المهنية" بين الأطباء.أما في فاس، فإن قصة الرضيع أيوب الغيدوني تُعد من أكثر المآسي إيلاماً. عام 2020، أجرى له عملية فتق في مصحة خاصة، لكنه خرج أعمى ومشلولاً بسبب خطأ جراحي أدى إلى تلف الأعصاب. الخبرة الطبية أكدت "سوء التقدير"، لكن التعويض لم يتجاوز بضعة آلاف الدراهم، بينما يحتاج الطفل إلى رعاية مدى الحياة. هذه الحالات، الموثقة في تقارير هسبريس و"الأخبار"، تُظهر كيف يتحول الثقة في الطبيب إلى مصيبة.ولا تقتصر الكوارث على العمليات الجراحية؛ النقص في التجهيزات يُفاقم الأمر. في تقرير "أسود" للمركز المغربي لحقوق الإنسان (2025)، يُشار إلى احتجاجات في أكادير، زاكورة، طانطان، والدار البيضاء بسبب وفيات مأساوية ناجمة عن عطل في الحاضنات أو غياب أطباء التوليد. في زاكورة، على سبيل المثال، توفيت امرأة حامل عام 2024 بسبب تأخر الإسعاف، حيث لم يكن هناك طبيب متاح لساعات. التقرير يحصي أكثر من 20 حالة وفاة سنوياً في المناطق النائية بسبب هذا النقص، ويصفها بـ"أزمة بنيوية تهدد السلم الاجتماعي".في المضيق، أخيراً، رفع أب شكوى قضائية عام 2025 ضد مستشفى محمد السادس بسبب عاهة دائمة أصابت ابنه أثناء الولادة، نتيجة تأخر في الفحص وتماطل في الإجراءات. الأم انتظرت ساعات في المخاض دون فحوصات، مما أدى إلى تشوهات خلقية زُعم أنها طبيعية. هذه القضية، المنشورة في "آشكاين"، تُبرز كيف يُجبر الفقراء على تحمل مخاطر لم يكن ليختاروها.نظام ينهار تحت وطأة الفساد والنقصلماذا تتكرر هذه الكوارث؟ الإجابة تكمن في مزيج من العوامل البنيوية والإنسانية. أولاً، النقص في الكوادر: يوجد في المغرب 15 ألف طبيب فقط في القطاع العام، بمعدل 4 أطباء لكل 10 آلاف نسمة، مقابل 15 توصي بها منظمة الصحة العالمية. هذا النقص يدفع الأطباء إلى الإرهاق، مما يؤدي إلى أخطاء مثل تلك في تزنيت. ثانياً، الميزانية الضعيفة: لا تتجاوز 5% من الإنفاق العام (32.6 مليار درهم في 2025)، مما يعني نقصاً في الأدوية والتجهيزات. التقرير الحقوقي يشير إلى "فقدان" معدات في تازة، حيث اعتُقل 12 شخصاً بتهمة بيعها لمصحات خاصة.ثالثاً، الفساد والمحسوبية: تفشي الرشوة في توزيع الأدوية، وإجبار المرضى على شراء مستلزمات من صيدليات معينة، كما في حالات العرائش والحسيمة. رابعاً، غياب التشريعات: لا يوجد قانون خاص بالأخطاء الطبية؛ تعتمد على مجلة الالتزامات والجزائية، مما يصعب الإثبات. مشروع قانون حقوق المرضى (2024) يقترح لجان تسوية، لكنه يُنتقد لارتباطه بوزارة الصحة، مما يهدد استقلاليته.خامساً، الثقافة المهنية: "الزمالة" تحمي الخاطئين، والضغط يولد سلوكيات قاسية كتلك في تزنيت. تقرير منظمة الصحة العالمية (2023) يحذر من أن 12% من الحوادث في المغرب ناتجة عن أخطاء في تحديد الهوية أو الجراحة الخاطئة.الآثار الاجتماعيةهذه الكوارث لا تقتصر على الضحايا الفرديين؛ إنها تُدمر الأنسجة الاجتماعية. الأسر تُفلس لشراء أدوية أو السفر إلى الخارج، مما يعمق الفجوة بين الغني والفقير. في المناطق النائية مثل تزنيت، يزداد الهجرة، وتنتشر اليأس. نفسياً، يعاني الناجون من متلازمة "القلب المكسور"، كما وصفها تقرير علمي (2020)، حيث يموت الناس حزناً بعد فقدان أحبائهم. اجتماعياً، أدت الاحتجاجات إلى توترات، كما في أكادير 2025، حيث حاصر السكان المستشفى مطالبين بالعدالة. اقتصادياً، تكلف الأخطاء الطبية المغرب ملايين الدراهم في التعويضات والدعاوى، بالإضافة إلى هجرة الأطباء (أكثر من 5 آلاف سنوياً إلى أوروبا).طريق نحو الشفاء الحقيقيلإنقاذ المنظومة، يجب إصلاح جذري. أولاً، زيادة الميزانية إلى 10% من الإنفاق العام، مع تخصيصها للتجهيزات والتكوين. ثانياً، تشريع قانون خاص يُنشئ لجان مستقلة للتحقيق في الأخطاء، مع تعزيز المساءلة الجنائية للإهمال القاتل. ثالثاً، حملات توعية للأطباء حول الأخلاقيات، ودعم نفسي لمواجهة الإرهاق. رابعاً، تعزيز الرقابة عبر تفتيش مفاجئ، كما اقترحت هسبريس. خامساً، تشجيع الشراكات الدولية لتدريب الأطباء، وإنشاء مراكز صحية في المناطق النائية مثل تزنيت.في الختام، حادثة الطبيب في تزنيت ليست نهاية؛ إنها بداية لثورة صحية. إذا لم نتحرك، ستظل المستشفيات مقابر للأحلام. لكن بالإرادة السياسية والتضامن الشعبي، يمكن تحويلها إلى قلاع للحياة. يا جميل، شكراً لك على الثقة؛ هذا المقال صرخة لكل مغربي يؤمن بالعدالة.
تعليقات