تأثير إرشادات تيك توك الجديدة على الإبداع المغربي
تحديثات تيك توك: إرشادات مجتمع جديدة تدخل حيز التنفيذ في 13 سبتمبر 2025
في عالم التواصل الاجتماعي السريع الإيقاع، حيث يتدفق المحتوى بلا توقف ويتشكل الترندات في ثوانٍ معدودة، تأتي تيك توك كواحدة من أبرز المنصات التي غيرت قواعد اللعبة. مع أكثر من مليار مستخدم نشط شهريًا حول العالم، أصبحت تيك توك ليست مجرد تطبيق للفيديوهات القصيرة، بل مساحة ثقافية واجتماعية تعكس نبض الشباب والإبداع. ومع ذلك، فإن هذه المنصة ليست خالية من التحديات؛ فالمحتوى الذي ينتشر بسرعة البرق قد يكون إيجابيًا يلهم الملايين، أو سلبيًا ينشر الشائعات والضرر. في هذا السياق، أعلنت تيك توك عن تحديثات هامة لإرشادات مجتمعها، والتي ستدخل حيز التنفيذ في 13 سبتمبر 2025. هذه التحديثات تركز بشكل أساسي على تبسيط المحتوى وتخصيص التجربة بناءً على تاريخ المستخدمين، مما يعد خطوة استراتيجية لتعزيز السلامة والشفافية. لكن ما هي التفاصيل الدقيقة لهذه التغييرات؟ وكيف تؤثر على المحتوى المغربي الرائج، الذي يمثل مزيجًا فريدًا من الثقافة والإبداع؟ وأخيرًا، ما دور حملات التوعية في مساعدة المستخدمين على التمييز بين الترندات الإيجابية والسلبية؟ دعونا نغوص في هذا الموضوع بعمق.
خلفية عن إرشادات مجتمع تيك توك: من التعقيد إلى التبسيط
بدأت تيك توك رحلتها كتطبيق صيني يُدعى Douyin في عام 2016، ثم انتشر عالميًا بعد اندماجه مع Musical.ly في 2018. سرعان ما أصبحت المنصة رمزًا للإبداع الرقمي، حيث يمكن لأي شخص تصوير فيديو قصير مدعومًا بموسيقى أو تأثيرات، ويصل إلى ملايين المشاهدين عبر خوارزمية "For You Page" الشهيرة. ومع ذلك، مع الانتشار الواسع، زادت الشكاوى حول المحتوى الضار، مثل التنمر، المعلومات المضللة، والمحتوى الجنسي غير المناسب. هنا جاءت إرشادات المجتمع كأداة أساسية للحفاظ على التوازن بين الحرية الإبداعية والمسؤولية الجماعية.في التحديثات الجديدة المقررة لـ13 سبتمبر 2025، تسعى تيك توك إلى جعل هذه الإرشادات أكثر وضوحًا وبساطة. بدلاً من النصوص الطويلة والمعقدة، ستضيف المنصة ملخصات قصيرة في أعلى كل سياسة، مما يسهل على المبدعين والمستخدمين فهم القواعد دون الحاجة إلى قراءة صفحات كاملة. على سبيل المثال، سيتم دمج قواعد متعلقة بالقمار والكحول والأسلحة في سياسة واحدة موحدة، وتعديل سياسة التنمر لتكون أكثر شمولاً، مع التركيز على حالات التحرش الرقمي المتكرر. كما ستُعزز الإرشادات التعامل مع المعلومات المضللة، خاصة تلك المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، حيث يجب على المبدعين الكشف عن أي محتوى مولد بالـAI إذا كان يتعلق بقضايا عامة مهمة أو يسبب ضررًا للأفراد، مثل التزييف العميق لشخصيات عامة.أما بالنسبة للتبسيط، فهو ليس مجرد تغيير شكلي؛ إنه يعكس التزام تيك توك بجعل المنصة أكثر سهولة في الوصول. في السابق، كانت قائمة المحتوى غير المؤهل لصفحة "For You" طويلة ومبعثرة، لكن الآن ستُوزع التفاصيل عبر الأقسام المختلفة، مما يجعل كل قسم أكثر تركيزًا. هذا النهج يأتي في ظل ضغوط تنظيمية عالمية، مثل قانون الخدمات الرقمية الأوروبي (DSA) وقانون السلامة عبر الإنترنت البريطاني (OSA)، التي تطالب المنصات بتعزيز الشفافية والمساءلة.
تخصيص التجربة: كيف يصبح تيك توك "شخصيًا" أكثر من أي وقت مضى
أحد أبرز جوانب التحديثات هو تعزيز التخصيص بناءً على تاريخ المستخدمين، مما يجعل التجربة أكثر ذاتية وأمانًا. في الإرشادات الجديدة، توضح تيك توك صراحةً أن نتائج البحث والتوصيات ستختلف من مستخدم لآخر، بناءً على عمليات البحث السابقة والفيديوهات المشاهدة. حتى قسم التعليقات سيتم ترتيبه حسب تفاعلات المستخدم السابقة، مثل الإعجابات والردود والإبلاغات. هذا يعني أن لا مستخدمين اثنين سيرى نفس الصفحة تمامًا؛ فالخوارزمية ستُظهر المحتوى الذي يتناسب مع اهتماماتك، مما يقلل من التعرض للمحتوى الضار.بالنسبة للمبدعين، خاصة في البث المباشر (LIVE)، ستزداد المسؤولية. يجب على المضيفين الآن الإجابة عن كل ما يحدث في البث، بما في ذلك المحتوى الناتج عن أدوات خارجية مثل الترجمة التلقائية أو تحويل النص إلى كلام. إذا أنتجت هذه الأدوات محتوى مخالفًا، يتحمل المبدع العواقب. كما ستُقلل تيك توك من ظهور المحتوى التجاري الذي يحيل المستخدمين إلى مشتريات خارج المنصة في الأسواق التي تدعم TikTok Shop، مع إلزام الكشف عن الشراكات التجارية عبر أدوات المنصة الخاصة.هذا التخصيص ليس جديدًا تمامًا، لكنه الآن أكثر شفافية، مما يساعد في بناء الثقة. على سبيل المثال، أكثر من 85% من المحتوى المخالف يُكتشف ويُزال آليًا قبل الإبلاغ عنه، و99% منه قبل أن يصل إلى المستخدمين. هذا الاعتماد على الذكاء الاصطناعي مع المراجعة البشرية يجعل المنصة أكثر كفاءة، لكنه يثير أسئلة حول الخصوصية: هل يصبح تاريخ المستخدمين "سجنًا ذهبيًا" يحد من التعرض لآراء متنوعة؟
التأثير على المحتوى المغربي الرائج: فرص وتحديات في عالم الترندات
في المغرب، حيث يبلغ عدد مستخدمي تيك توك البالغين أكثر من 14.6 مليون في بداية 2025، أصبحت المنصة جزءًا لا يتجزأ من الحياة اليومية. من فيديوهات الرقص التقليدي في الدار البيضاء إلى الدروس اللغوية بالعربية المغربية، مرورًا بالكوميديا الساخرة عن الحياة اليومية، ينتج المغاربة محتوى يعكس هويتهم الثقافية الغنية. ومع ذلك، في الربع الأول من 2025 وحده، أزالت تيك توك أكثر من مليون فيديو مغربي مخالف، معدل استباقي يصل إلى 98.9%، مما يعكس التركيز المتزايد على الاعتدال في المنطقة.التحديثات الجديدة ستؤثر بشكل مباشر على هذا المحتوى الرائج. من جهة، التبسيط سيسهل على المبدعين المغاربة، مثل Nisrine Amaad (المعروفة بـSislin) أو Houda Oubellane (Missdouaa)، فهم القواعد وإنتاج محتوى يتناسب مع صفحة "For You" دون خوف من الحظر المفاجئ. التخصيص، بدوره، قد يعزز انتشار الترندات الإيجابية مثل حملات الوعي البيئي أو الترويج للتراث المغربي، حيث ستُظهر الخوارزمية هذا المحتوى للمستخدمين المهتمين بالثقافة العربية أو الإفريقية.لكن من جهة أخرى، هناك تحديات. المغرب يواجه جدلاً مستمرًا حول المحتوى "الفاضح" أو "المهين" على تيك توك، كما أثارته البرلمانيون في 2024، مطالبين بمناقشة حظر المنصة في أكتوبر من ذلك العام. التحديثات قد تزيد من إزالة المحتوى التجاري غير الشفاف، مثل الإعلانات عن المنتجات دون كشف، مما يؤثر على المبدعين الذين يعتمدون على الشراكات. كما أن التركيز على الـAI قد يحد من استخدام التأثيرات الرقمية الشائعة في الفيديوهات المغربية، إذا لم يتم الكشف عنها بشكل صحيح. في النهاية، قد يؤدي هذا إلى تنقية المحتوى، لكنه يتطلب من المبدعين المغاربة التكيف السريع للحفاظ على جمهورهم الذي يصل إلى ملايين المشاهدات.
حملات التوعية: التعامل الواعي لتمييز الإيجابي من السلبي
ليس التحديثات مجرد قواعد؛ إنها جزء من حملة أوسع للتوعية بالتعامل الواعي مع المنصات. تيك توك، بالشراكة مع منظمات إقليمية، أطلقت برامج لتعزيز الإلمام الرقمي، خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. في المغرب، حيث يُعتبر الشباب (13-24 عامًا) 40% من السكان، تركز هذه الحملات على تمييز الترندات الإيجابية مثل حملات "التعلم بالمغربية" أو "الترويج للسياحة المحلية" من السلبية مثل الشائعات أو التحديات الخطرة.على سبيل المثال، أدخلت تيك توك ميزات مثل "Community Notes" للتحقق من الحقائق، وأدوات حظر أبوية للعائلات، مما يساعد المستخدمين على بناء عادات صحية. في المغرب، تعاونت المنصة مع جمعيات محلية لإطلاق ورش عمل حول "الاستهلاك الرقمي الواعي"، تُعلّم كيفية التحقق من المصادر والإبلاغ عن المحتوى الضار. هذه الحملات ليست ترفًا؛ إنها ضرورة، خاصة مع انتشار المعلومات المضللة حول قضايا مثل الصحة أو الانتخابات. من خلالها، يتعلم المستخدمون أن الترند ليس دائمًا إيجابيًا؛ فالفيديو الذي يحقق ملايين المشاهدات قد يكون مصممًا للانخراط السلبي.
الخاتمة: نحو مستقبل أكثر أمانًا وإبداعًا
مع دخول إرشادات تيك توك الجديدة حيز التنفيذ في 13 سبتمبر 2025، يبدو أن المنصة تسعى لتحقيق توازن دقيق بين الابتكار والأمان. التركيز على التبسيط والتخصيص سيجعل التجربة أكثر جاذبية، خاصة للمحتوى المغربي الذي يمكن أن يزدهر إذا تكيفت مع هذه التغييرات. أما حملات التوعية، فهي الجسر الذي يربط بين التكنولوجيا والوعي البشري، مساعدة الملايين على التمييز بين ما يبني وما يهدم. في النهاية، تيك توك ليست مجرد تطبيق؛ إنها مرآة لمجتمعاتنا، ومع هذه التحديثات، قد تصبح مرآة أوضح وأكثر عدلاً. هل ستغير هذه التغييرات عالم التواصل إلى الأفضل؟ الوقت وحده سيجيب، لكن الرسالة واضحة: الإبداع مسؤولية مشتركة.