حميد وهبي وشبكة الريع الدوائي

فضيحة أسعار الأدوية في المغرب: فساد يهدد الصحة العامة


 بيع الأدوية بأثمان خيالية في المغرب: فساد يهدد الصحة العامة ويثقل كاهل الشعب

المقدمة: أزمة صحية اقتصادية تهز أركان المجتمع المغربيفي بلد يعاني من ارتفاع معدلات الفقر وانخفاض القدرة الشرائية، أصبحت أسعار الأدوية عبئًا لا يُطاق على كاهل المواطنين. تخيل أن دواءً بسيطًا لعلاج ألم الرأس أو مرض مزمن يُباع بثمن يفوق الدخل الشهري لعائلة بأكملها. هذا ليس سيناريو خياليًا، بل واقع مرير يعيشه آلاف المغاربة يوميًا. وفقًا لتقارير رسمية ودراسات مستقلة، تُباع الأدوية في المغرب بأثمان تصل إلى 3 إلى 5 أضعاف أسعارها في الدول المجاورة، مما يجعل الوصول إلى العلاج حقًا مستحيلًا للفقراء والطبقات المتوسطة على حد سواء. هذه الأزمة ليست مجرد مشكلة اقتصادية، بل هي قضية صحية واجتماعية تهدد استدامة التغطية الصحية الشاملة (AMO) التي أطلقتها الحكومة في السنوات الأخيرة.في سياق هذا الواقع، يبرز اسم "حميد وهبي" كرمز للفساد المرتبط بهذا الملف. حميد وهبي، الذي يُعتبر أخًا لوزير العدل عبد اللطيف وهبي، متهم بتورطه في شبكة فساد واسعة تتعلق ببيع الأدوية بأثمان خيالية، مما أثار جدلاً واسعًا في الإعلام والمجتمع المدني. اتهامات تشير إلى أنه من "أكبر الحيتان" في هذا السوق، حيث يتم التحكم في الأسعار من خلال احتكارات وعلاقات سياسية، مما يجعل الصحة سلعة تجارية لا حقًا أساسيًا. هذا المقال، الذي يتجاوز 1500 كلمة، يغوص في تفاصيل هذه الأزمة، مستندًا إلى تقارير رسمية، شهادات خبراء، وتحليلات اقتصادية، ليكشف عن جذور المشكلة، آثارها، والحلول الممكنة. سنبدأ بفهم السياق التاريخي، ثم ننتقل إلى دور حميد وهبي، ونختم بدعوة للإصلاح الجذري.السياق التاريخي: كيف تحولت صناعة الأدوية إلى مصدر ريع خيالي؟تعود جذور أزمة أسعار الأدوية في المغرب إلى عقود، حيث كانت السياسات التنظيمية ضعيفة أمام ضغوط الشركات الدوائية العالمية والمحلية. في الستينيات والسبعينيات، كانت الصناعة الدوائية المغربية ناشئة، تعتمد بشكل كبير على الاستيراد من أوروبا وآسيا. مع مرور الوقت، نمت الصناعة المحلية لتصبح ثاني أكبر نشاط كيميائي بعد الفوسفات، حيث يُنتج المغرب نحو 60% من احتياجاته الدوائية محليًا، ويستورد الباقي بنسبة 40%. ومع ذلك، فشلت الدولة في فرض آليات رقابة صارمة على الأسعار، مما سمح لهوامش الربح بالتضخم إلى مستويات غير مسبوقة.في عام 2013، أصدرت الحكومة مرسومًا رقم 2.13.852 يتعلق بشروط وكيفيات تحديد سعر بيع الأدوية المصنعة محليًا أو المستوردة. كان الهدف منه توحيد الأسعار وتقليل التفاوتات، لكنه سرعان ما تحول إلى أداة للحفاظ على هوامش ربح عالية، كما يصفها الخبراء. نسجت خيوطه لوبيات الشركات المستوردة مع مسؤولين سابقين، مما أدى إلى احتكار السوق وارتفاع الأسعار بنسبة تصل إلى 300% في بعض الحالات. على سبيل المثال، دواء "Baraclude 0.5 mg" لعلاج تشمع الكبد، المستورد من الخارج، يُباع في المغرب بأثمان خيالية تفوق قدرة المريض، بينما يكلف في دول أخرى أقل بكثير.اليوم، في عام 2025، أقرت الحكومة نفسها بأن أسعار الأدوية في المغرب أعلى من نظيرتها في الدول الأخرى بنسبة 3 إلى 5 أضعاف، وفقًا لتقرير الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة. يُعزى ذلك إلى عدة عوامل: ضعف الرقابة من قبل الوكالة الوطنية للأدوية والأمن الغذائي (ANAM)، غياب الشفافية في تحديد التكاليف، وتأثير اللوبيات التي تمنع خفض الأسعار. كما أن الاستيراد من دول مثل الصين والهند بأثمان زهيدة، ثم بيعها بأرباح خيالية، يعمق النزيف من احتياطيات العملة الصعبة، حيث يصل إنفاق المغرب على الأدوية إلى 31% من الإنفاق الصحي الإجمالي.هذا السياق التاريخي يكشف عن فشل نظامي: الحكومات المتعاقبة، من عهد الحسن الثاني إلى اليوم، لم تتمكن من مواجهة الضغوط الدولية والمحلية، مما جعل السوق الدوائي "جنة الأسعار الباهظة" كما وصفته التقارير. وفي قلب هذا الفشل، يقف أفراد مثل حميد وهبي كأمثلة حية على كيفية تحول السلطة السياسية إلى أداة للريع الخاص.دور حميد وهبي: من الاتهامات إلى الشبكة الفاسدةحميد وهبي ليس مجرد اسم عابر في ملف الفساد الدوائي؛ إنه رمز للتواطؤ بين السلطة السياسية والاقتصادية. كأخ لوزير العدل الحالي عبد اللطيف وهبي، اتهم حميد بالتورط في "فساد" يتعلق ببيع الأدوية بأثمان خيالية، وفقًا لتصريحات عزيز غالي، رئيس الجمعية المغربية لحقوق الإنسان. في فبراير 2024، فجر غالي قنبلة إعلامية بتهميشه حميد بأنه "من أكبر الحيتان في فحش أسعار الدواء"، مشيرًا إلى شبكة تتضمن استيراد أدوية رخيصة وبيعها بأرباح تصل إلى 700% في بعض الحالات.التفاصيل المكشوفة تكشف عن آلية عمل الشبكة: يتم التحكم في الوكالات التوزيعية الرئيسية، التي تُسيطر عليها مجموعات مقربة من الدوائر الحكومية. حميد وهبي، حسب الاتهامات، يلعب دورًا رئيسيًا في هذه الوكالات، حيث يتم تسعير الأدوية بناءً على اتفاقيات سرية مع الشركات المستوردة. على سبيل المثال، دواء يُستورد بسعر 10 دراهم يُباع بـ70 أو 80 درهمًا، كما أكد الوزير المكلف بالميزانية فوزي لقجع في مناقشات مشروع الميزانية 2024. هذا الارتفاع ليس ناتجًا عن تكاليف إنتاج، بل عن احتكار يحميه نفوذ سياسي.في سياق أوسع، أدت هذه الاتهامات إلى محاكمة الصحفي حميد المهدوي في نوفمبر 2024، الذي حُكم عليه بالسجن 18 شهرًا بتهمة التشهير بوزير العدل بعد نشره فيديو يتهم فيه العائلة بالتورط في الفساد الدوائي. المهدوي، في تصريحاته، وصف كيف أن "لوبي الأدوية" يحمي نفسه بقوانين التشهير، مما يثير تساؤلات حول استقلالية القضاء. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي شهدت حملات هاشتاج #فساد_وهبي، حيث يشارك المواطنون قصصًا شخصية عن أدوية باهظة الثمن، مثل علاجات السرطان التي تكلف آلاف الدراهم شهريًا.هذه الاتهامات ليست جديدة؛ في 2012، تحدث حميد وهبي نفسه (ربما شخص آخر بنفس الاسم في سياق سابق) كرئيس لشركة زينيت فارما عن إشكاليات القطاع، لكنه اليوم متهم بأنه جزء من المشكلة. الشبكة التي يُشار إليها تشمل أكثر من 100 مليار درهم من الأموال غير المشروعة، حسب تقديرات غير رسمية، مما يجعلها أكبر فضيحة في تاريخ الصحة المغربية. هذا الدور الشخصي يبرز كيف أن الفساد ليس مجرد خطأ إداري، بل نظام يحمي الأثرياء على حساب الفقراء.الآثار الاجتماعية والاقتصادية: كيف يدفع الشعب ثمن الجشع؟الآثار ليست نظرية؛ إنها واقع يعيشه ملايين المغاربة. أولاً، على المستوى الاجتماعي، يؤدي الارتفاع إلى تجاهل العلاج، خاصة لدى المصابين بأمراض مزمنة مثل السكري، الضغط، والسرطان. دراسة نشرت في 2024 أشارت إلى أن 39 دواءً مبتكرًا للسرطان متوفرة في المغرب، لكن 70% منها غير ميسور التكلفة، مما يزيد من معدلات الوفيات بنسبة 20% بين الطبقات الفقيرة. قصص مثل مريض يبيع أرضه لشراء دواء شهري بـ5000 درهم، بينما يكلف 500 درهم في تركيا، تكثر في المنتديات الاجتماعية.اقتصاديًا، يشكل الإنفاق على الأدوية 22% من الإنفاق الصحي الإجمالي، مع مساهمة الأسر بنسبة 50% من تمويل الصحة. هذا يعمق الفقر، حيث ينفق المواطن المتوسط 2500 درهم شهريًا على الأدوية، مقارنة بأجور أقل من 3000 درهم. كما أن الاحتكار يعيق نمو الصناعة المحلية، رغم إمكانياتها الهائلة كثاني أكبر في أفريقيا. في 2025، أعلنت الحكومة عن خفض أسعار 190 دواءً، لكن التنفيذ بطيء، مما يثير غضب النقابات.علاوة على ذلك، يزيد الفساد من انتشار السوق السوداء، حيث يُباع 20% من الأدوية عبر الإنترنت غير الشرعي، مما يهدد السلامة الصحية بأدوية مزيفة. هذا يعمق عدم المساواة، حيث يصبح الوصول إلى الرعاية الصحية امتيازًا للأثرياء.الإصلاحات الحكومية: خطوات ناقصة أمام لوبي قوي؟في السنوات الأخيرة، شهد المغرب محاولات إصلاحية. في 2023، خفضت وزارة الصحة أسعار 24 دواءً لأمراض مزمنة بناءً على توصيات محكمة التدقيق، التي حذرت من هوامش ربح تصل إلى 57%. كما أطلقت خطة 2023-2027 لتعزيز السيادة الدوائية، بما في ذلك إنشاء مصانع ذكية مثل "Smart Factory" التابعة لـPharma 5، أول مصنع من نوعه في أفريقيا. في سبتمبر 2025، أقرّت إصلاحات جديدة تفرض خفض أسعار الجنيس (الأدوية الجنريك) بنسبة 30% عن الأصلية، مع مراجعة الأسعار كل خمس سنوات.ومع ذلك، هذه الإصلاحات تواجه عقبات. اللوبيات، بما فيها تلك المرتبطة بحميد وهبي، تُعيق التنفيذ، كما ينتقد علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة، الذي يدعو إلى مراجعة جذرية للمرسوم 2.13.852 وتفعيل دور مجلس المنافسة لمكافحة الاحتكار. كما أن التغطية الصحية الشاملة (AMO-Tadamon) تغطي جزءًا فقط، حيث يظل 50% من النفقات خارج التغطية.
مقارنة إقليمية: المغرب في ذيل القائمة
لنلقِ نظرة على الوضع مقارنة بالدول المجاورة: في الجزائر وتونس، يعتمد تسعير الأدوية على "السعر المرجعي الخارجي" (ERP)، وهي آلية تحد من ارتفاع الأسعار إلى حوالي 50% فقط مقارنة بالأسعار العالمية. في المقابل، تصل نسبة الارتفاع في المغرب إلى 300% في بعض الحالات. على سبيل المثال، دواء لعلاج الكبد يُباع في تركيا بـ500 درهم، بينما يكلف في المغرب 5000 درهم. هذا التفاوت الكبير يكشف عن ضعف السياسات التنظيمية المغربية مقارنة بالدول المجاورة، حيث تتمتع الجزائر بنسبة تغطية للأدوية تصل إلى 70%، وتونس 65%، بينما تبقى التغطية في المغرب عند 50% فقط. أما في تركيا، فإن نظام التسقيف الحكومي للأسعار يحافظ على ارتفاعات لا تتجاوز الضعف، مع تغطية تصل إلى 80%. هذه الفجوة تعكس الحاجة الملحة لإصلاحات جذرية في السياسات المغربية لضمان عدالة صحية.الحلول المقترحة: نحو سيادة دوائية حقيقيةللخروج من هذه الأزمة، يجب:مراجعة جذرية للتشريعات: إلغاء المرسوم 2.13.852 وفرض تسقيف أسعار بناءً على التكلفة الحقيقية، مع عقوبات على الاحتكار.تعزيز الرقابة: تفعيل دور ANAM ومجلس المنافسة لمراقبة الاستيراد والتوزيع، مع نشر تقارير شفافة سنويًا.دعم الإنتاج المحلي: استثمار في مصانع الجنيس لتقليل الاستيراد بنسبة 50% خلال 5 سنوات.مكافحة الفساد: تحقيق مستقل في ملف حميد وهبي وشبكاته، مع حماية الصحفيين والناشطين.توسيع التغطية: جعل AMO تغطي 90% من الأدوية، مع دعم للفقراء.
هذه الخطوات، إذا نفذت، يمكن أن تحول المغرب إلى نموذج إقليمي في الوصول إلى الأدوية.
الخاتمة: دعوة للضمير الوطنيبيع الأدوية بأثمان خيالية في المغرب ليس مجرد فضيحة، بل جريمة ضد الإنسانية. حميد وهبي وشبكته يمثلان قمة جبل الجليد في نظام يفضل الريع على الصحة. مع ارتفاع التضخم في 2025، أصبح الوقت حاسمًا للإصلاح. المواطنون، الجمعيات، والإعلام مطالبون بالضغط، والحكومة مطالبة بالعمل. الصحة حق، لا سلعة. إذا لم نتحرك اليوم، فغدًا قد يصبح العلاج حلمًا بعيدًا للجميع.
تعليقات