"بن نسناس" يُحرج إسبانيا: اختراق الجزر الجعفرية
مقال: مغامرة "بن نسناس" في الجزر الجعفرية: إثارة الجدل وتجديد النقاش حول السيادة المغربية
المقدمةفي صيف عام 2025، هزّ اليوتيوبر المغربي الشهير، المعروف بلقب "بن نسناس"، الأوساط السياسية والإعلامية في كل من المغرب وإسبانيا بحدث غير مسبوق. تمكّن هذا الشاب المغامر من التسلل سباحةً إلى جزيرة إيزابيل الثانية، إحدى جزر أرخبيل تشافاريناس (الجزر الجعفرية) الخاضعة للسيطرة الإسبانية منذ عام 1848، متجاوزًا أنظمة المراقبة العسكرية الصارمة. لم تكن هذه المغامرة مجرد فعل فردي يهدف إلى جذب الانتباه على منصات التواصل الاجتماعي، بل تحوّلت إلى قضية سياسية وأمنية أثارت جدلاً واسعًا، أعادت فتح ملف السيادة المغربية على هذه الجزر، وكشفت عن هشاشة الأمن الإسباني في هذه المناطق الحساسة. هذا المقال يستعرض تفاصيل الحادثة، ردود الفعل الإسبانية والمغربية، والتداعيات السياسية والرمزية لهذا الفعل الجريء، مع تحليل عميق لسياقه التاريخي والسياسي.العرضالسياق التاريخي للجزر الجعفريةتُعدّ الجزر الجعفرية، المعروفة إسبانيًا باسم "تشافاريناس"، أرخبيلاً صغيرًا يتكون من ثلاث جزر رئيسية: إيزابيل الثانية، الكونغرس، والملك، وتقع قبالة السواحل الشمالية للمغرب، بالقرب من مدينة الناظور. هذه الجزر، إلى جانب مدينتي سبتة ومليلية وجزر أخرى مثل جزيرتي الحسيمة وباديس، تشكّل ما تُسميه إسبانيا "مناطق السيادة الإسبانية". منذ احتلالها في منتصف القرن التاسع عشر، ظلت هذه الجزر نقطة خلاف سياسي بين المغرب وإسبانيا، حيث يؤكد المغرب أنها جزء لا يتجزأ من أراضيه، بينما تدّعي إسبانيا سيادتها عليها بناءً على معاهدات استعمارية قديمة.هذا الخلاف ليس جديدًا، فقد شهدت العلاقات المغربية-الإسبانية توترات متكررة بسبب هذه الأراضي، خاصة في ظل الحساسية الجيوسياسية لمنطقة مضيق جبل طارق. الجزر الجعفرية، على وجه الخصوص، تُعتبر مناطق عسكرية محظورة تخضع لمراقبة مشددة من قبل الجيش الإسباني، ولا يُسمح بدخول المدنيين إليها إلا بتصاريح رسمية نادرة.مغامرة "بن نسناس": التفاصيل والرمزية"بن نسناس"، اليوتيوبر المغربي الذي يتابعه أكثر من 2.16 مليون مشترك على قناته على يوتيوب، ليس غريبًا عن المغامرات الجريئة. فقد سبق له أن تسلل إلى جزر كبدانة في عامي 2022 و2023، لكنه هذه المرة اختار هدفًا أكثر حساسية: جزيرة إيزابيل الثانية. في مقطع فيديو مدته حوالي 50 دقيقة، وثّق "بن نسناس" مغامرته التي بدأت بالسباحة لمسافة تقارب 4 كيلومترات من منطقة رأس الماء قرب السعيدية، متجاوزًا أنظمة المراقبة العسكرية والرادارات الإسبانيةفي الفيديو، ظهر اليوتيوبر وهو يتجول بحرية تامة في الجزيرة، مستعرضًا مباني مهجورة، بقايا منشآت عسكرية، وحتى مقبرة استخدمها الجيش الإسباني. لم يواجه أي تدخل عسكري أو دوريات أمنية خلال تجواله في وضح النهار، وهو ما أثار استغرابًا واسعًا واعتبرته وسائل الإعلام الإسبانية "فضيحة أمنية". أكثر من ذلك، أدلى "بن نسناس" بتصريحات مثيرة للجدل، حيث أشار إلى أن الأرض التي يقف عليها هي "أرض مغربية"، وأنه "أول مغربي يدخلها بهذه الطريقة". هذه التصريحات لم تكن مجرد تعليق عابر، بل حملت طابعًا سياسيًا ورمزيًا قويًا، أعادت إشعال النقاش حول السيادة المغربية على هذه الجزرردود الفعل الإسبانية: غضب وتحقيقاتلم تمر مغامرة "بن نسناس" مرور الكرام في إسبانيا، فقد أثارت ردود فعل غاضبة على المستويات السياسية والعسكرية والإعلامية. وزارة الدفاع الإسبانية أعلنت عن فتح تحقيق رسمي عاجل للتحقق من كيفية تمكن شاب مدني من اختراق منطقة عسكرية محظورة دون أن يتم رصده أو اعتراضه. صحيفة "إل فارو دي مليلية" وصفت الحادث بـ"الخرق الأمني الكبير"، مشيرة إلى أن الفيديو كشف عن ثغرات خطيرة في منظومة المراقبة العسكرية.على الصعيد السياسي، استغل حزب "فوكس" اليميني المتطرف الحادثة لتأجيج التوترات مع المغرب، حيث طالب زعيم الحزب في مليلية، خافيير دييغو، باستدعاء السفير الإسباني من الرباط، معتبرًا أن ما حدث هو "استفزاز خطير" يهدد الأمن القومي الإسباني. الحزب ذهب أبعد من ذلك، مقترحًا ضم الجزر الجعفرية إلى مدينة مليلية المحتلة، ومتهمًا حكومة بيدرو سانشيز بالتساهل مع المغرب. هذه الدعوات لم تكن مجرد رد فعل عابر، بل محاولة لاستغلال الحادثة لكسب رأس مال سياسي داخل إسبانيا، خاصة في ظل الجدل المستمر حول العلاقات المغربية-الإسبانية.من الناحية الإعلامية، سادت حالة من القلق والغضب في الصحافة الإسبانية. صحيفة "ABC" وصفت الحادث بأنه "صدمة في الأوساط العسكرية"، مشيرة إلى أن "بن نسناس" تمكن من التجول بحرية دون أي تدخل، مما يثير تساؤلات حول فعالية الحاميات العسكرية المتمركزة في الجزر. بعض المحللين الإسبان ذهبوا إلى حد التحذير من أن مثل هذه الأفعال قد تشجع آخرين على محاكاة "بن نسناس"، مما قد يؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة.الرد المغربي: دعم شعبي وصمت رسميفي المغرب، تلقى "بن نسناس" دعمًا واسعًا من الجمهور، خاصة على منصات التواصل الاجتماعي، حيث اعتبره الكثيرون رمزًا للجرأة والتحدي للاحتلال الإسباني. تعليقات المتابعين أشادت بمغامرته كرسالة قوية تؤكد السيادة المغربية على الجزر، مع إشادات بقدرته على تجاوز الأنظمة الأمنية الإسبانية بوسائل بسيطة. ومع ذلك، لم تصدر السلطات المغربية أي تصريحات رسمية بشأن الحادث، مما يعكس نهجًا دبلوماسيًا حذرًا لتجنب التصعيد مع إسبانيا.الأحزاب المغربية، من جانبها، لم تتخذ موقفًا واضحًا، لكن هناك ميل عام نحو دعم فكرة السيادة المغربية على الجزر مع الحفاظ على خطاب متزن يدعو إلى حل الخلافات عبر القنوات الدبلوماسية. هذا الصمت الرسمي يعكس حساسية القضية، حيث يسعى المغرب إلى الحفاظ على علاقاته الإيجابية مع إسبانيا، خاصة بعد تحسن العلاقات في السنوات الأخيرة بفضل اتفاقيات التعاون في مجالات الهجرة والاقتصاد.التداعيات السياسية والرمزيةمغامرة "بن نسناس" ليست مجرد حدث فردي، بل تحمل دلالات سياسية وتاريخية عميقة. أولاً، كشفت الحادثة عن هشاشة المنظومة الأمنية الإسبانية في الجزر الجعفرية، مما وضع الحكومة الإسبانية في موقف محرج أمام الرأي العام المحلي. ثانيًا، أعادت الحادثة فتح ملف السيادة المغربية على هذه الجزر، وهو ملف ظل عالقًا لعقود دون حل نهائي. ثالثًا، أظهرت القوة الرمزية للأفراد في التأثير على النقاشات السياسية عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث تحولت مغامرة فردية إلى قضية وطنية.من ناحية أخرى، أثارت الحادثة تساؤلات حول مستقبل العلاقات المغربية-الإسبانية. فبينما تسعى إسبانيا إلى تعزيز دفاعاتها في الجزر، كما أشارت إلى ذلك بتخصيص ميزانية قدرها 600 ألف يورو في عام 2024، يستمر المغرب في تأكيد سيادته القانونية والتاريخية على هذه الأراضي. الحادثة قد تكون دافعًا لتكثيف النقاشات الدبلوماسية حول هذه القضية، خاصة في ظل التوترات التي أثارتها تحركات سياسية إسبانية مماثلة، مثل رفع النائب اليميني ألفيس بيريز لعلم إسباني في إحدى الجزر الصخرية قبالة الحسيمة.الخاتمةمغامرة "بن نسناس" في الجزر الجعفرية لم تكن مجرد فعل مغامر أو محاولة لجذب الانتباه، بل كانت رسالة سياسية قوية أعادت إحياء النقاش حول السيادة المغربية على هذه الأراضي المحتلة. الحادثة كشفت عن ثغرات أمنية خطيرة في المنظومة الإسبانية، وأثارت ردود فعل متباينة بين الدعم الشعبي المغربي والغضب الإسباني. بينما يواصل المغرب سياسته الحذرة في التعامل مع هذه القضية الحساسة، فإن الحادثة تُظهر كيف يمكن للأفراد، بوسائل بسيطة، أن يُحدثوا تأثيرًا كبيرًا على الساحة السياسية. في النهاية، تبقى الجزر الجعفرية رمزًا للصراع التاريخي بين المغرب وإسبانيا، وربما تكون هذه الحادثة بداية لمرحلة جديدة من النقاشات الدبلوماسية التي قد تقرب الطرفين من حل نهائي لهذا الخلاف الممتد عبر قرون.