صرخة الشباب وسط الاعتقالات الجماعية
قمع الاحتجاجات في ربوع المغرب: يوم 27 سبتمبر 2025.. صرخة جيل Z ورد السلطة بالعصا والاعتقالات الجماعية
في يوم 27 سبتمبر 2025، الذي يُعدُّ تاريخيًا في تاريخ الحراك الاجتماعي المغربي، تحولت شوارع المدن الكبرى مثل الرباط والدار البيضاء وطنجة ومراكش وفاس إلى ساحات احتجاج حاشدة، حيث خرج آلاف الشباب من جيل Z إلى الشوارع مرددين هتافات تُلخص غضبهم المكبوت: "الشعب يريد إسقاط الفساد!"، "مستشفى تليق بنا!"، "تعليم يحمي مستقبلنا!". لم تكن هذه الاحتجاجات مجرد مظاهر عفوية، بل كانت نتاج حملة منظمة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، دعت إليها جمعيات شبابية وناشطون مستقلون تحت شعار "#GenZ212"، مطالبة بإصلاح جذري للمنظومتين الصحية والتعليمية، ومحاربة الفساد الذي يلتهم موارد الدولة. ومع ذلك، سرعان ما تحول اليوم إلى فصل مأساوي آخر في سجل القمع الحكومي، حيث ردت السلطات الأمنية باعتقالات تعسفية جماعية، مطاردات عنيفة، وتدخلات خشنة، تذكر بالأيام السوداء لحركة 20 فبراير عام 2011. هذا المقال يغوص في تفاصيل ما جرى، مدعومًا بتقارير ميدانية وشهادات من وسائل الإعلام ومنظمات حقوقية، مع التركيز على الأرقام والأحداث الملموسة للقمع والاعتقالات، محاولًا فهم جذورها ومآلاتها المحتملة.
السياق: جيل Z يقول "كفى" لنظام متهالك
يأتي يوم 27 سبتمبر 2025 في خضم أزمة معيشية واجتماعية عميقة تعصف بالمغرب. منذ سنوات، يعاني الشباب المغربي – الذين يشكلون نحو 30% من السكان – من بطالة تفوق 35% في بعض الفئات، وتردي في الخدمات العامة. المنظومة الصحية، التي كانت وعدًا بـ"الرعاية الشاملة" في عهد الملك محمد السادس، أصبحت رمزًا للفشل: مستشفيات مزدحمة بنقص في الأسرة والأدوية، وانتظار يصل إلى أشهر لعمليات جراحية بسيطة. أما التعليم، فهو يعاني من صفوف مكتظة، ومعدات عتيقة، ومناهج لا تتناسب مع سوق العمل. وفقًا لتقارير منظمة الصحة العالمية، انخفضت جودة الخدمات الصحية في المغرب بنسبة 15% منذ 2020، بسبب جائحة كورونا وغياب الاستثمارات الفعالة. أما البنك الدولي، فيشير إلى أن 40% من الشباب المغاربة يفتقرون إلى المهارات الأساسية اللازمة للاندماج في سوق العمل.بدأت الدعوة للاحتجاجات قبل أيام، عبر منصات مثل إنستغرام وتيك توك، حيث أطلقت حملة "#GENZ212"، مستلهمة من رموز الثورات العربية. أعلنت الجمعيات الشبابية عن مسيرات في ست مدن رئيسية، بدءًا من الساعة السادسة مساءً، تطالب بـ"خدمات عامة تليق بكرامة الأمة". وفي 18 سبتمبر، نشرت صفحة "الشباب يقول كفى" دعوة مفتوحة: "لن ننتظر المزيد من الوعود الفارغة. 27 و28 شتنبر: الشارع ملكنا!". كانت هذه الدعوة تُلخص إحباط جيل نشأ على وعود الدستور 2011، الذي وعد بحقوق الإنسان والحريات، لكنه تحول إلى ورقة ميتة أمام الواقع. وفي سياق أوسع، تتزامن هذه الاحتجاجات مع موجة أخرى من الغضب الشعبي، مثل الوقفات الاحتجاجية ضد التطبيع مع إسرائيل في 26 سبتمبر، حيث خرج 110 مظاهرات في 58 مدينة، مما يعكس تنوع المطالب الشعبية.
أحداث اليوم: من الصرخة السلمية إلى الاعتقالات الجماعية والمطاردات العنيفة
بدأ اليوم بهدوء نسبي، لكن الاستنفار الأمني كان واضحًا منذ الصباح. في الرباط، طوقت قوات مكافحة الشغب شارع محمد الخامس، الذي شهد مئات الشباب يتجمعون مرددين "الفساد يقتلنا!". في الدار البيضاء، حاولت مجموعات من الشباب الوصول إلى ميدان الوحدة الإفريقية، لكن الشرطة فرقتهم باستخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات. وفقًا لتقارير المنظمة المغربية لحقوق الإنسان (AMDH)، تم اعتقال أكثر من 70 شخصًا في الرباط وحدها، بينهم نساء وشباب في العشرينيات، معظمهم لم يرتكبوا أي عنف. في طنجة، وثقت فيديوهات متداولة على X (تويتر سابقًا) مطاردات للمتظاهرين في الأحياء الشعبية، حيث أُلقي القبض على 45 آخرين، بينما في مراكش، أُغلقت الطرق الرئيسية لمنع التجمعات.ومع ذلك، تكشف التقارير الأحدث عن أرقام أكبر بكثير للاعتقالات. حسب شهادات ناشطين ومنشورات على X، بلغ عدد المعتقلين أكثر من 7000 في مختلف المدن، بما في ذلك الرباط، الدار البيضاء، فاس، مكناس، والجديدة، معظمهم من الشباب والنساء الذين شاركوا في وقفات سلمية أمام البرلمان والمستشفيات. في الدار البيضاء، سُجلت اعتقالات جماعية أمام المستشفيات، حيث أُلقي القبض على عشرات المتظاهرين أثناء رفع لافتات تطالب بـ"إصلاح فوري للمستشفيات". كما وثقت فيديوهات حالات سحل وتعنيف، مثل تلك التي نشرتها شبكة رصد، حيث يظهر شرطيون يسحلون شابًا في شارع الرباط، مما أثار غضبًا واسعًا. في فاس، أُبلغ عن مطاردات في الأحياء الشعبية، مع اعتقال 20 ناشطًا على الأقل، بينما في الجديدة، فرقت القوات الأمنية تجمعًا لـ50 شخصًا باستخدام الغاز، مما أسفر عن إصابات طفيفة لثلاثة متظاهرين بسبب الاختناق.كانت الاعتقالات تعسفية واضحة: لم تكن هناك محاولات للعنف من المتظاهرين، بل كانت الوقفات سلمية، مع رفع لافتات تطالب بـ"إصلاح فوري للمستشفيات وتقليل عدد التلاميذ في الصفوف". ومع ذلك، ردت السلطات بتكتيكات مألوفة: الاستدعاءات المسبقة للناشطين، والتخويف عبر الهواتف، ثم التدخل الجسدي. في فيديو متداول، يُظهر كيفية دهس شرطي لشاب يحاول الفرار، مما أثار غضبًا واسعًا على وسائل التواصل. وفي بيانها، أكدت AMDH أن "هذه الاعتقالات تنتهك الدستور المغربي، الذي يضمن حرية التظاهر السلمي في المادة 21". كما أشارت إلى حالات تعذيب محتملة في مراكز الاحتجاز، حيث شُوهدت كدمات على وجوه المفرج عنهم لاحقًا، وفقًا لشهادات نشرتها جماعة العدل والإحسان. في الوقت نفسه، نفت مصادر أمنية أي عنف، مدعية أن التدخلات كانت "منضبطة" ولم تسفر عن إصابات، لكن الفيديوهات تثبت خلاف ذلك، مع تسجيل إصابات في الرباط وطنجة.لم تقتصر الأحداث على المدن الكبرى؛ في الجديدة ومكناس، شهدت وقفات محلية اعتقالات جماعية بلغت 30 حالة في مكناس وحدها، بينما في الريف (جرادة وطنجة)، تذكر المتظاهرون باحتجاجات 2016-2017، حيث قُمِعَت حركة الحراك بالقوة. وفي تصريح لصحيفة "القدس العربي"، وصف ناشطون اليوم بأنه "عودة إلى عصر الرصاص"، مشيرين إلى أن السلطة "تخشى صوت الشباب أكثر من أي شيء آخر".
رد الفعل الرسمي: المنع والتشويه
لم تصدر الحكومة بيانًا رسميًا فوريًا، لكن مصادر أمنية أكدت لوسائل إعلام محلية أن الاعتقالات جاءت "للحفاظ على النظام العام"، مدعية أن بعض المتظاهرين "حاولوا الإخلال بالأمن". هذا الخطاب المألوف يعكس استراتيجية السلطة: تصوير الاحتجاجات كـ"مؤامرة خارجية" أو "عمل فوضوي"، بدلاً من الاعتراف بالمطالب الشرعية. في الواقع، يُظهر تقرير هيومن رايتس ووتش (HRW) لعام 2025 أن المغرب سجل ارتفاعًا بنسبة 25% في حالات قمع الاحتجاجات السلمية منذ 2023، معتمدًا على قوانين مكافحة "الإرهاب" لتبرير الاعتقالات.أما رئيس الوزراء عزيز أخنوش، الذي كان في زيارة عمل إلى نيويورك يومها، فقد نشر تغريدة عامة تتحدث عن "التزام الحكومة بالإصلاحات"، لكنه تجاهل الاحتجاجات تمامًا، مما أثار اتهامات باللامبالاة. في الوقت نفسه، انتشرت حملة تشويه على وسائل التواصل، تتهم المتظاهرين بـ"التحريض على العنف"، رغم أن الفيديوهات تثبت العكس. وفي تطور مقلق، أشارت تقارير إلى دعوات مجهولة لـ"حمل السلاح" في الاحتجاجات، مما قد يكون محاولة لتصعيد التوتر، لكن الشباب رفضوها، مؤكدين على السلمية. كما انتقدت فيدرالية اليسار الديمقراطي هذه المقاربة الأمنية، محذرة من "دوامة عدم الاستقرار"، ودعت إلى حوار جاد مع الحراك.
التأثيرات: انفجار مؤجل ودروس من التاريخ
يُعدُّ قمع 27 سبتمبر نقطة تحول، حيث يُظهر فشل النهج الأمني في احتواء الغضب الشعبي. تاريخيًا، أدى قمع احتجاجات الريف (2017) إلى اعتقال مئات، لكنه أشعل حركات أوسع؛ كذلك، احتجاجات جرادة (2017) أجبرت الحكومة على وعود غير مُنَفَذَة. اليوم، مع انتشار الفيديوهات عالميًا، يواجه المغرب ضغوطًا دولية، خاصة من الاتحاد الأوروبي الذي ربط المساعدات بحقوق الإنسان.من الناحية الاجتماعية، يعمق هذا القمع الشقاق بين الدولة والشباب، الذين يرون فيه دليلًا على "استقرار وهمي"، كما يصفها الكاتب حسن بناجح. الشباب لم يطالب بالإطاحة بالنظام، بل بإصلاحات ملموسة: زيادة ميزانية الصحة إلى 10% من الناتج المحلي (بدلاً من 6%)، وتقليل عدد التلاميذ في الصف إلى 25. رفض الإنصات لهذه المطالب يُفاقم الاحتقان، وقد يؤدي إلى "انفجار مؤجل"، كما حذر بناجح.
خاتمة: نحو حوار أم مواجهة؟
يوم 27 سبتمبر 2025 ليس مجرد حدث عابر، بل صرخة جيل يرفض أن يُسَكَتَ بالقوة والاعتقالات الجماعية. القمع، رغم فعاليته المؤقتة، لا يحل الأزمات؛ بل يُولِّد المزيد من السخط. للخروج من هذا المأزق، يحتاج المغرب إلى حوار وطني حقيقي، يشمل الشباب والمجتمع المدني، مع ضمانات للحريات. فالاستقرار لا يُبنَى بالهراوات، بل بالعدل والكرامة. إذا استمرت السلطة في اختيار العصا، فإن الشوارع ستظل تُغلي، وجيل Z لن يصمت. المغرب، بلد الثورة الزهراء والحراك، يستحق أكثر من الوعود؛ يستحق فعلاً يُغَيِّر الواقع. هل تسمع السلطة الصوت، أم ستُكْمِمُهُ مرة أخرى؟ التاريخ سيحكم.