واقع التقاعد في المغرب: بين المعاشات الزهيدة وأزمة الإدارة

 التقاعد في المغرب: تحديات المعاشات وحياة المتقاعدي


التقاعد في المغرب: رحلة الحياة بعد العمل، تحديات شهادة الحياة، وأزمة المعاشات

مقدمة

التقاعد ليس مجرد توقف عن العمل، بل هو مرحلة جديدة في حياة الفرد، تحمل معها آمالاً بالراحة والاستقرار، ولكن أيضاً تحديات اقتصادية واجتماعية. في المغرب، يُعد نظام التقاعد جزءًا أساسيًا من منظومة الحماية الاجتماعية، حيث تدير مؤسسات مثل الصندوق المغربي للتقاعد (CMR)، الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)، والنظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (RCAR) معاشات ملايين المتقاعدين. ومع ذلك، يواجه هذا النظام انتقادات بسبب تفاوت المعاشات، سوء إدارة الأموال، وتحديات إدارية مثل قضية شهادة الحياة. هذا المقال يغوص في تفاصيل نظام التقاعد في المغرب، حياة المتقاعدين، التحديات التي يواجهونها، بما في ذلك الادعاءات المتعلقة بسوء إدارة أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وحالات المتقاعدين الذين يتلقون معاشات زهيدة تصل إلى 160 درهم شهريًا.

عرض

نظام التقاعد في المغرب: نظرة شاملة

نظام التقاعد في المغرب يتكون من عدة أنظمة تلبي احتياجات فئات مختلفة من العاملين، سواء في القطاع العام أو الخاص أو العاملين لحسابهم الخاص. فيما يلي نظرة على الأنظمة الرئيسية:
1.الصندوق المغربي للتقاعد (CMR):
يُغطي موظفي القطاع العام، بما في ذلك الموظفين المدنيين والعسكريين، وموظفي الجماعات الترابية وبعض المؤسسات العامة.
يعتمد على نظام التوزيع، حيث تمول اشتراكات العاملين النشطين معاشات المتقاعدين الحاليين.
يتم احتساب المعاش بناءً على آخر راتب ومدة الخدمة، مع معدل استبدال يصل إلى 2% لكل سنة خدمة (بحد أقصى 70% من الراتب الأخير).
2.الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS):
يُغطي العاملين في القطاع الخاص والأجراء، بالإضافة إلى بعض الفئات من العاملين لحسابهم الخاص.
يتطلب الحد الأدنى للاستفادة من معاش الشيخوخة 3240 يوم اشتراك (أي حوالي 9 سنوات).
المعاش يعتمد على متوسط الأجور المصرح بها خلال السنوات الأخيرة، مما يؤدي غالبًا إلى معاشات أقل مقارنة بالقطاع العام.
3.النظام الجماعي لمنح رواتب التقاعد (RCAR):
يشمل العاملين في القطاع العام غير المشمولين بنظام CMR، مثل موظفي بعض المؤسسات العامة.
يعتمد على نظام الرسملة، حيث يتم تجميع الاشتراكات في حسابات فردية لتمويل المعاشات.
4.نظام التقاعد التكميلي (روكور):
نظام طوعي يسمح للأفراد بتكوين ادخار تقاعدي إضافي، وهو خيار مناسب للعاملين لحسابهم الخاص أو من يرغبون في تعزيز دخلهم التقاعدي.

شروط التقاعد

السن القانوني: يتراوح بين 60 عامًا للأجراء في القطاع الخاص و63 عامًا لموظفي القطاع العام، مع إمكانية التمديد في بعض الحالات (مثل القضاة أو الأساتذة الجامعيين).
التقاعد المبكر: يُسمح به لمن قضوا 21 عامًا من الخدمة (للرجال) أو 15 عامًا (للنساء) في القطاع العام، أو لمن تتراوح أعمارهم بين 55 و60 عامًا مع شروط معينة في القطاع الخاص.
مدة الاشتراك: في نظام CNSS، يجب أن يصل عدد أيام الاشتراك إلى 3240 يومًا على الأقل للاستفادة من معاش الشيخوخة.

أنواع أنظمة التقاعد

نظام الرسملة: يعتمد على تجميع الاشتراكات في حسابات فردية، مثل نظام RCAR.
نظام التوزيع: يعتمد على التضامن بين الأجيال، حيث تمول اشتراكات العاملين النشطين معاشات المتقاعدين، وهو النظام المعتمد في CMR.
النظام المختلط: يجمع بين الرسملة والتوزيع، ويُستخدم في بعض الأنظمة التكميلية.

حياة المتقاعدين في المغرب: بين الأمل والتحديات

بعد سنوات من العمل الشاق، يتطلع المتقاعدون في المغرب إلى حياة هادئة يقضونها مع العائلة، أو يستمتعون بالسفر، أو يمارسون هواياتهم. ومع ذلك، فإن واقع حياة المتقاعدين يختلف بناءً على ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية.
الجوانب الإيجابية
وقت الفراغ: يجد العديد من المتقاعدين فرصة للاستمتاع بوقتهم، سواء من خلال السفر الداخلي إلى مدن مثل مراكش أو أكادير، أو زيارة الأماكن الدينية مثل المساجد والزوايا.
الروابط العائلية: يلعب المتقاعدون دورًا كبيرًا في دعم الأسرة، خاصة في رعاية الأحفاد أو تقديم الدعم المعنوي والمادي لأبنائهم.
الأنشطة الاجتماعية والثقافية: يشارك بعض المتقاعدين في الجمعيات الخيرية أو الأنشطة الثقافية مثل النوادي الأدبية أو الرياضية.
التحديات
التكيف النفسي: الانتقال من الحياة العملية إلى التقاعد قد يكون صعبًا، خاصة لمن كانوا يشغلون مناصب ذات مسؤولية عالية.
تكاليف المعيشة: مع ارتفاع أسعار السلع الأساسية والخدمات، تجد فئة كبيرة من المتقاعدين صعوبة في تغطية احتياجاتهم اليومية، خاصة إذا كانت معاشاتهم منخفضة.
الرعاية الصحية: على الرغم من وجود التأمين الصحي الإجباري (AMO)، إلا أن تغطيته لا تشمل دائمًا جميع الأمراض أو الأدوية، مما يضع عبئًا ماليًا إضافيًا على كبار السن.
العزلة الاجتماعية: قد يعاني بعض المتقاعدين من الشعور بالعزلة، خاصة إذا كانوا يعيشون بعيدًا عن أسرهم أو في مناطق ريفية.

قضية شهادة الحياة: من العبء الإداري إلى التحول الرقمي

كانت شهادة الحياة وثيقة إلزامية يُطلب من المتقاعدين تقديمها بشكل دوري لتأكيد استمرار استحقاقهم للمعاش التقاعدي. هذه العملية كانت تشكل عبئًا كبيرًا على المتقاعدين، خاصة كبار السن أو المقيمين في المناطق النائية، حيث كان عليهم زيارة الإدارات أو مراكز البريد لتقديم الوثيقة.
التطورات الأخيرة
إلغاء شهادة الحياة في CMR: في نوفمبر 2023، أعلن الصندوق المغربي للتقاعد عن إلغاء شرط تقديم شهادة الحياة نهائيًا، وذلك بفضل التحول الرقمي وتبادل المعطيات مع مؤسسات أخرى مثل وزارة الداخلية. هذا القرار خفف العبء عن حوالي 400,000 متقاعد وأرمل/ة في القطاع العام.
وضع CNSS: لا يزال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي يطالب بمراقبة دورية للحياة، حيث يُطلب من المتقاعدين الإدلاء بشهادة الحياة سنويًا أو نصف سنويًا في بعض الحالات. يتم إبلاغ المتقاعدين عبر الرسائل أو الإعلانات في الصحف وموقع CNSS الإلكتروني.
التحديات المستمرة: رغم التقدم في CMR، لا يزال المتقاعدون في القطاع الخاص يواجهون صعوبات بسبب البيروقراطية، خاصة في المناطق الريفية حيث قد تتطلب العملية السفر لمسافات طويلة.
الحلول المقترحة
توسيع نطاق التحول الرقمي ليشمل CNSS، بحيث يتم التحقق من حالة المتقاعدين تلقائيًا عبر قواعد البيانات الحكومية.
إنشاء مراكز دعم ميدانية للمتقاعدين في المناطق النائية.
توعية المتقاعدين بحقوقهم وتسهيل الوصول إلى الخدمات الإدارية.

أجور المتقاعدين: تفاوت وتحديات

تختلف قيمة المعاشات التقاعدية في المغرب بشكل كبير حسب القطاع، نظام التقاعد، ومدة الخدمة. فيما يلي تفصيل للأجور في القطاعات المختلفة:
القطاع العام (CMR):
يتم احتساب المعاش بناءً على الراتب الأخير ومدة الخدمة، حيث يحصل المتقاعد على نسبة تصل إلى 2% عن كل سنة خدمة (بحد أقصى 70% من الراتب).
على سبيل المثال، موظف برتبة عالية قضى 35 عامًا في الخدمة قد يحصل على معاش يتراوح بين 6000 و15000 درهم شهريًا أو أكثر.
المعاشات العسكرية غالبًا مرتفعة نسبيًا، حيث يمكن أن تصل إلى 70-80% من الراتب الأخير للضباط العسكريين.
القطاع الخاص (CNSS):
يعتمد المعاش على متوسط الأجور المصرح بها خلال السنوات الأخيرة وعدد أيام الاشتراك.
الحد الأدنى للمعاش في CNSS هو حوالي 1500 درهم شهريًا، لكن هناك حالات استثنائية حيث يتلقى بعض المتقاعدين معاشات زهيدة تصل إلى 160 درهم الى 600 درهم شهريًا! هذه الحالات غالبًا ترجع إلى التصريح بأجور منخفضة جدًا أو فترات اشتراك قصيرة.
متوسط المعاشات في القطاع الخاص يتراوح بين 1500 و4000 درهم، وهو غالبًا غير كافٍ لتغطية تكاليف المعيشة.
العاملون لحسابهم الخاص:
يخضعون لنظام خاص ضمن CNSS، لكن المعاشات غالبًا منخفضة بسبب التصريح بأجور رمزية لتقليل الاشتراكات.
نظام "روكور" التكميلي يوفر خيارًا لتحسين المعاش، لكنه لا يزال غير شائع بسبب ضعف الوعي به.
المعاشات العسكرية:
تُحسب بناءً على عدد أشهر الخدمة مقسومًا على 360، مع ضمان ألا يتجاوز المعاش الراتب الأخير.
في حالة الوفاة، يحصل الورثة (الزوج/الزوجة والأيتام) على 75% من المعاش موزعة بالتساوي.
قضية المعاشات الزهيدة
الحديث عن معاشات بقيمة 160 دراهم شهريًا قد يبدو مبالغًا فيه، لكنه واقع يعيشه بعض المتقاعدين في القطاع الخاص. هذه الحالات تنتج عن:
التصريح بأجور منخفضة: العديد من أرباب العمل في القطاع الخاص يصرحون بأجور أقل من الواقع لتقليل الاشتراكات، مما يؤثر على قيمة المعاش.
فترات اشتراك قصيرة: بعض العمال يعملون في وظائف موسمية أو غير مستقرة، مما يقلل من عدد أيام الاشتراك.
عدم التوعية: قلة وعي العمال بحقوقهم تجعلهم لا يطالبون بالتصريح بأجورهم الحقيقية.

أزمة سوء إدارة أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي

تتردد منذ سنوات اتهامات بسوء إدارة أموال الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، مما أثار جدلاً واسعًا في المغرب. تشمل هذه الاتهامات:
سوء الاستثمار: يُزعم أن بعض استثمارات CNSS لم تكن مجدية، مما أدى إلى خسائر مالية كبيرة.
التوزيع غير العادل: هناك انتقادات بأن الأموال تُستخدم لتغطية عجوزات في قطاعات أخرى بدلاً من تعزيز معاشات المتقاعدين.
الفساد: تقارير غير رسمية تحدثت عن اختلاسات أو سوء تصرف في الأموال، لكن لم يتم إثبات هذه الادعاءات بشكل قاطع.
عدم الشفافية: غياب تقارير دورية واضحة عن أداء الصندوق واستثماراته يزيد من الشكوك حول إدارته.
هذه القضايا أدت إلى تراجع الثقة في النظام، خاصة بين العاملين في القطاع الخاص الذين يعتمدون على CNSS كمصدر رئيسي للمعاش. في المقابل، أعلن الصندوق في السنوات الأخيرة عن إصلاحات تهدف إلى تحسين الحوكمة، مثل تعزيز الرقابة وتطوير الأنظمة الرقمية.

الحلول المقترحة لتحسين نظام التقاعد

لمعالجة التحديات التي يواجهها المتقاعدون في المغرب، هناك عدة مقترحات:
رفع الحد الأدنى للمعاشات: تحديد حد أدنى حقيقي للمعاشات، خاصة في القطاع الخاص، لضمان مستوى معيشة كريم.
مكافحة التصريح بأجور غير حقيقية: فرض عقوبات صارمة على أرباب العمل الذين يصرحون بأجور أقل من الواقع.
تعزيز الشفافية: نشر تقارير سنوية مفصلة عن استثمارات صناديق التقاعد وأدائها.
دعم المتقاعدين في المناطق النائية: إنشاء مراكز دعم ميدانية وتطبيقات رقمية لتسهيل الإجراءات.
توسيع التغطية الصحية: تحسين نظام التأمين الصحي الإجباري ليشمل جميع الأدوية والخدمات الضرورية لكبار السن.

الخاتمة

يُعد نظام التقاعد في المغرب ركيزة أساسية للحماية الاجتماعية، لكنه يواجه تحديات كبيرة تتعلق بتفاوت المعاشات، سوء إدارة الأموال، وتعقيدات إدارية. قرار إلغاء شهادة الحياة من قبل CMR يُعد خطوة إيجابية، لكن هناك حاجة لتعميم هذا الإجراء على CNSS وتحسين آليات المراقبة. معاشات بقيمة 10 دراهم شهريًا هي إهانة لكرامة المتقاعدين ودليل على الحاجة الملحة لإصلاحات جذرية. إن تحسين جودة حياة المتقاعدين يتطلب تعاونًا بين الحكومة، المؤسسات، والمجتمع المدني لضمان عدالة اجتماعية وكرامة لمن أفنوا حياتهم في خدمة الوطن.

المصادر:
الصندوق المغربي للتقاعد (CMR)
الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (CNSS)
هيئة مراقبة التأمينات والاحتياط الاجتماعي (ACAPS)
تقارير إعلامية ودراسات حول التقاعد في المغرب
تعليقات