للمغرب: إهمال المرضى العقليين وترحيلهم بعيداً عن الأنظار

صرخة من أجل الكرامة: وقف تهميش المرضى العقليين في المغرب

مقال:عتاب وتوبيخ للدولة المغربية حول معاملة المرضى العقليين

في قلب المغرب، بلد التاريخ العريق والثقافة الغنية، حيث تتعانق الجبال الشامخة مع السهول الخصبة، وتتجلى روعة المدن السياحية في مراكش وفاس وطنجة، هناك فئة من المجتمع تعيش في الظل، منبوذة ومهمشة، يتم التعامل معها بطريقة تخالف أبسط مبادئ الإنسانية والكرامة. إنهم المرضى العقليين، أولئك الذين يعانون من اضطرابات نفسية وعقلية، والذين، بدلاً من أن يجدوا الرعاية والدعم في أحضان المؤسسات الصحية والاجتماعية، يجدون أنفسهم مطرودين في الشوارع، مرميين كأنهم أعباء لا قيمة لها، بل ويتم ترحيلهم بعيداً عن الأعين السياحية في ممارسات تنم عن الوضاعة وقلة الإنسانية. هذا المقال ليس مجرد كلمات، بل هو عتاب قلبي لدولة تتباهى بحضارتها، وتوبيخ صريح لسياساتها التي تخلت عن أبنائها الأكثر هشاشة.

عتاب على الإهمال والتهميشيا دولة المغرب، يا من تحملين راية العزة والكرامة، كيف يمكن أن تتركي أبناءك المرضى العقليين يتجولون في الشوارع دون مأوى أو رعاية؟ كيف يمكن أن تتحول شوارع مدنك الجميلة إلى سجون مفتوحة لهؤلاء الأفراد الذين لا ذنب لهم سوى أنهم يعانون من اضطرابات نفسية أو عقلية؟ تقارير رسمية، مثل تلك الصادرة عن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، كشفت أن ما يقرب من 48.9% من المغاربة الذين تزيد أعمارهم عن 15 سنة يعانون أو عانوا من اضطرابات نفسية أو عقلية في مرحلة ما من حياتهم. هذا يعني أن نصف شعبك تقريباً يواجه تحديات الصحة العقلية، فأين هي المؤسسات التي تحميهم؟ أين هي السياسات التي تضمن كرامتهم؟
لقد أصبحت ظاهرة تجوال المرضى العقليين في الشوارع، سواء المسالمين أو العدوانيين، مصدر قلق كبير، كما أشار المرصد الدولي للإعلام وحقوق الإنسان. هؤلاء الأفراد، الذين يفترض أن يكونوا تحت الرعاية الطبية والاجتماعية، يُتركون لمصيرهم في شوارع المدن، يواجهون البرد والجوع والنظرة الدونية من المجتمع. إن هذا الواقع المؤلم ليس مجرد إهمال، بل هو خيانة للقيم التي يفترض أن يقوم عليها المجتمع المغربي، وهي قيم التكافل والإنسانية التي نعتز بها.التوبيخ على ممارسات الترحيلما يزيد الجرح عمقاً هو تلك الممارسات الوضيعة التي تتبعها بعض السلطات في التعامل مع هؤلاء المرضى. فقد أثارت الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة غضبها من ظاهرة ترحيل المرضى العقليين من المدن الكبرى إلى مدن أخرى، مثل زاكورة وتازة وشيشاوة وتارودانت، بحجة الحفاظ على "نظافة" المدن السياحية من أي تهديد محتمل. هذه الممارسات لا تعكس فقط غياب الرؤية الإنسانية، بل هي انتهاك صارخ لحقوق الإنسان التي كفلتها المواثيق الدولية والدستور المغربي نفسه. كيف يمكن لدولة تحترم نفسها أن ترمي مواطنيها المرضى في مدن أخرى كما لو كانوا نفايات، فقط لضمان أن تبدو المدن السياحية "نظيفة" في عيون الزوار الأجانب؟
إن هذا التصرف يذكرنا بالماضي المظلم، حيث كانت مراكز مثل "بويا عمر" تستخدم كمعتقلات للمرضى العقليين، بعيداً عن أعين المجتمع، في ظروف لا إنسانية. لقد تم إغلاق هذا المركز بفضل جهود حقوقية، لكن يبدو أن الدولة استبدلت هذه المراكز بممارسات أكثر خفاءً ولكنها لا تقل قسوة. ترحيل المرضى العقليين إلى مدن نائية، دون توفير الرعاية اللازمة، هو بمثابة إلقاء بهم في المنفى، حيث يُتركون لمواجهة مصيرهم دون دعم أو حماية. هذا ليس حلاً، بل هو تعميق لمعاناتهم وتكريس للوصم الاجتماعي الذي يعانون منه.نقص البنية التحتية وقلة المواردإن عتابنا وتوبيخنا لا يقتصران على الترحيل، بل يمتدان إلى الإهمال المزمن لمنظومة الصحة العقلية في المغرب. فوفقاً لتقارير رسمية، لا يتجاوز عدد الأطباء النفسيين في المغرب 454 طبيباً، وعدد الأسرة المخصصة للمرضى العقليين لا يتجاوز 2431 سريراً. هذا في بلد يعاني فيه حوالي 10 ملايين شخص من اضطرابات نفسية أو عقلية. كيف يمكن لدولة أن تتجاهل هذا العدد الهائل من مواطنيها، تاركة إياهم دون رعاية كافية؟ إن النقص الحاد في المؤسسات الصحية والأطر الطبية المختصة هو دليل واضح على ضعف استثمارات الدولة في هذا القطاع الحيوي.
علاوة على ذلك، فإن الوصم الاجتماعي المرتبط بالأمراض النفسية يدفع العديد من العائلات إلى إخفاء مرضاهم أو حتى سجنهم في منازلهم، كما في حالة خديجة التي شيدت غرفة صغيرة لابنها المريض عقلياً، خوفاً من أن يؤذي الآخرين. هذه ليست حياة كريمة، بل هي مأساة إنسانية تعكس فشل الدولة في توفير بدائل حقيقية. إن المرضى العقليين ليسوا مجرمين ليُحبسوا، ولا هم أعباء ليُرموا في الشوارع، بل هم مواطنون يستحقون الرعاية والاحترام كما ينص على ذلك المبدأ الأول من مبادئ حماية الأشخاص المصابين بمرض عقلي الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تؤكد على حقهم في أفضل رعاية صحية متاحة ومعاملة إنسانية تحترم كرامتهم.السياحة على حساب الكرامةيا دولة المغرب، إن سعيك لجذب السياح وتعزيز صورتك كوجهة سياحية عالمية أمر مشروع، لكن أن يكون ذلك على حساب كرامة مواطنيك هو أمر لا يغتفر. إن ترحيل المرضى العقليين من المدن السياحية إلى مناطق نائية ليس فقط انتهاكاً لحقوقهم، بل هو أيضاً محاولة لإخفاء الحقيقة عن أعين الزوار. هل هذه هي الصورة التي تريدين تقديمها للعالم؟ صورة مدن نظيفة ظاهرياً، بينما تخفين في طياتها معاناة آلاف المواطنين؟ السياحة لا تعني فقط المدن الجميلة والمعالم التاريخية، بل تعني أيضاً مجتمعاً يحترم إنسانيته ويعتني بأضعف أفراده.
إن المرضى العقليين ليسوا "تهديداً" للسياحة، كما تحاول بعض السلطات تصويرهم. إنهم جزء لا يتجزأ من المجتمع، ومعاناتهم هي انعكاس لتقصير الدولة في الوفاء بالتزاماتها تجاههم. بدلاً من ترحيلهم، كان يجب أن تستثمري في بناء مراكز رعاية حديثة، وتأهيل أطر طبية متخصصة، وتشريع قوانين تحمي حقوقهم وتضمن دمجهم الاجتماعي. لقد أوصى المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي بإعادة النظر في مشروع القانون رقم 71.13 المتعلق بحماية المرضى العقليين، بالتشاور مع الجمعيات المهنية والمجتمع المدني، لضمان حماية أمثل لهذه الفئة. فلماذا التأخير؟ لماذا التراجع عن هذا القانون في سبتمبر 2023؟الحلول الممكنةإن عتابنا ليس بغرض الإدانة فقط، بل هو دعوة للتغيير. يا دولة المغرب، إن المرضى العقليين هم أبناؤك، وهم يستحقون منك الرعاية والحماية. إن الحلول موجودة، ولكنها تتطلب إرادة سياسية حقيقية:
  1. إصلاح الإطار القانوني: يجب التعجيل بتفعيل مشروع القانون 71.13 مع مراجعته ليتماشى مع التشريعات الدولية، مع ضمان حماية حقوق المرضى وتجريم أي معاملة غير إنسانية.
  2. تطوير البنية التحتية: زيادة عدد المستشفيات النفسية والأسرة المخصصة للمرضى، مع توزيع جغرافي متكافئ للمؤسسات الصحية لضمان الوصول إلى الرعاية في جميع المناطق.
  3. تأهيل الأطر الطبية: زيادة عدد الأطباء النفسيين والممرضين المختصين، مع تقديم حوافز لتشجيع الشباب على دخول هذا التخصص.
  4. مكافحة الوصم الاجتماعي: إطلاق حملات توعية وطنية لتغيير النظرة السلبية تجاه المرضى العقليين، وتشجيع العائلات على طلب العلاج دون خوف من الإدانة الاجتماعية.
  5. وقف الترحيل: إنهاء ممارسات ترحيل المرضى العقليين فوراً، واستبدالها ببرامج دمج اجتماعي وتأهيل نفسي يضمن عودتهم إلى المجتمع بكرامة.
خاتمةيا دولة المغرب، إن المرضى العقليين ليسوا عبئاً، بل هم اختبار لإنسانيتك. إن معاملتهم بكرامة وحماية حقوقهم ليست مجرد واجب قانوني، بل هي واجب أخلاقي وإنساني. إن تركهم في الشوارع أو ترحيلهم بعيداً عن الأنظار هو وصمة عار على جبين دولة تطمح إلى الريادة. فلتكن الصحة العقلية أولوية وطنية، ولتكن الرعاية الإنسانية شعاراً لسياستك. إننا نعاتبك لأننا نحبك، ونوبخك لأننا نؤمن بقدرتك على التغيير. فلا تخذلي أبناءك، وكوني الدولة التي يستحقها شعبك العظيم.
تعليقات