مأساة في إيطاليا: أم تقتل ابنها بمساعدة زوجته في جريمة هزت الرأي العام

جريمة داخل العائلة: كيف تحولت الغيرة والهيمنة إلى مأساة دامية

في مدينة هادئة تقع شمال شرق إيطاليا وتُدعى جيمونا ديل فريولي، وقعت جريمة هزّت الرأي العام في أواخر يوليو 2025، حين تم اكتشاف مقتل شاب يُدعى أليساندرو فينير، يبلغ من العمر 35 عامًا، لا يعمل وكان يعاني من مشاكل تتعلق بإدمان الكحول، على يد أقرب الناس إليه: والدته وزوجته. الحادثة بدأت عندما تلقت الشرطة مكالمة طارئة من زوجة الضحية، مايلين كاسترو مونسالڤو، وهي شابة من أصول كولومبية كانت تعيش معه ومع حماتها في نفس المنزل. صرخت في الهاتف أنها لم تعد تتحمل، وأن حماتها قتلت زوجها. لم تكن المكالمة واضحة تمامًا، لكنها كانت كافية لإثارة القلق وإرسال دورية فورية إلى المنزل. هناك، لم يجد عناصر الشرطة سوى برميل في المرآب، مغطى بالجير الحي، وفي داخله وُجدت بقايا بشرية مقطعة إلى أجزاء، تعود إلى أليساندرو.
عندما بدأت التحقيقات، اتضح أن الجريمة لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت نتيجة تراكمات وصراعات عائلية امتدت لأشهر، إن لم تكن لسنوات. حسب ما روته مايلين لاحقًا، فإن العلاقة بينها وبين والدة زوجها كانت جيدة في البداية، بل إن الأم كانت تعتبرها ابنتها الثانية، لكنها بدأت تشعر بالخوف والغيرة عندما قرر الزوج أخذ زوجته وطفلتهما حديثة الولادة إلى كولومبيا. كان هذا القرار صادمًا بالنسبة للوالدة، التي شعرت أنه يتم انتزاع ابنها منها، خصوصًا بعد أن كرست حياتها بالكامل له، ورفضت أي فكرة للاستقلال عنه، حتى بعد زواجه.
الأحداث تسارعت بشكل مروع، فقد قامت الأم، لورينا فينير، التي كانت تعمل ممرضة سابقًا، بتخدير ابنها عبر وضع مهدئ قوي في مشروب الليمون الذي قدمته له في يوم الجريمة. لم يكن ذلك كافيًا، فاضطرت إلى استخدام حقنة من الإنسولين - وهي أداة اعتادت استعمالها في مهنتها - لإنهاء حياته. لاحقًا، بدأت في تقطيع جسده بمنشار إلى ثلاثة أجزاء رئيسية، ونقلتها إلى برميل في المرآب وغمرتها بالجير الحي لإخفاء الرائحة وتسريع التحلل. بينما كانت مايلين تعتني بالطفلة في الغرفة المجاورة، كانت الأم تقوم بتنفيذ الجريمة البشعة. وبعد ذلك، ساعدتها مايلين في نقل الأجزاء إلى البرميل، رغم أنها ادعت لاحقًا أنها كانت تحت التهديد النفسي والضغط من الحماة.
الغريب أن الجيران لم يلاحظوا شيئًا غير عادي في الأيام الأولى. لم تكن هناك أي علامات واضحة على الجريمة، لا صراخ، ولا دماء، ولا رائحة مميزة. بدا وكأن الأمور تسير بشكل طبيعي في ذلك المنزل الصغير. لكن بعد مرور يومين، انهارت مايلين نفسيًا، وأدركت فداحة ما حدث، فقررت الاتصال بالشرطة والإبلاغ عن كل شيء. اعترافها كان بمثابة الخيط الأول الذي كشف الفاجعة.
الشرطة ألقت القبض فورًا على لورينا، التي اعترفت لاحقًا بجريمتها وقالت إنها لم تكن تفكر بعقلها في تلك اللحظة، وإنها كانت تخشى فقدان ابنها الوحيد إلى الأبد. أما مايلين، فتم وضعها قيد التحقيق كذلك، لأنها كانت مشاركة في إخفاء الجثة، وربما كانت متواطئة منذ البداية. التحقيقات الأولية أشارت إلى وجود نية مبيتة وتخطيط مسبق للجريمة، ما دفع السلطات إلى توجيه تهمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد.
في سياق التحقيق، طُلب إجراء تقييم نفسي للمتهمة الرئيسية، لورينا، لتحديد ما إذا كانت تعاني من اضطرابات عقلية أو نفسية أفقدتها القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ. هذا الإجراء ضروري قبل بدء المحاكمة، لأن دفاعها قد يبني حجته على عدم أهليتها القانونية. من جهة أخرى، حاولت مايلين تبرير مشاركتها بأنها كانت تخاف من فقدان ابنتها إذا تم ترحيلها إلى بلدها، وأنها كانت تحت ضغط نفسي هائل من حماتها، التي كانت شخصية قوية ومهيمنة داخل المنزل.
الجريمة خلفت صدمة واسعة في المجتمع المحلي، لأن العائلة كانت تُعرف بالهدوء والاحترام. الجيران صُدموا حين علموا أن جريمة بهذه البشاعة حدثت على بُعد أمتار منهم دون أن يشعروا بشيء. الصحافة الإيطالية لم تتوقف عن تغطية تفاصيل القضية، ووسائل الإعلام سلطت الضوء على الجانب النفسي والاجتماعي في العلاقات العائلية المضطربة، خصوصًا بين الأزواج وأمهات الأزواج، وما يمكن أن تؤول إليه الأمور حين تتحول الغيرة إلى دافع للقتل.
بعد أيام من الجريمة، تولّت خدمات حماية الأسرة مسؤولية رعاية الطفلة الصغيرة، التي أصبحت يتيمة الأب وأمها في السجن. كثيرون في المدينة أعربوا عن حزنهم على الطفلة التي ستنشأ بعيدًا عن والديها، في حين دعا آخرون إلى ضرورة مراجعة منظومة الدعم الاجتماعي والنفسي للأسر التي تعاني من توترات داخلية.
الحادثة فتحت كذلك نقاشًا عامًا في إيطاليا حول الضغط النفسي الذي يمكن أن تعانيه النساء، سواء كنّ أمهات متعلقات بأبنائهن بشكل مرضي، أو زوجات يشعرن بالاغتراب والوحدة في بلد جديد. كل طرف من أطراف الجريمة كان يعاني من مشاكله الخاصة: الأم التي رفضت الاستقلال عن ابنها، الزوجة التي شعرت بأنها محاصرة، والضحية الذي وجد نفسه بين نارين، ولم ينجُ في النهاية.
المجتمع لم يستوعب بعد كيف يمكن لأم أن تقتل ابنها الذي رعته لسنوات، وكيف لزوجة أن تشارك في هذه الفعلة الشنيعة، أو على الأقل أن تصمت عليها. القضية ما زالت قيد المحاكمة، والعدالة لم تأخذ مجراها النهائي بعد، لكن المؤكد أن جرحًا كبيرًا قد ترك في قلب تلك البلدة الصغيرة، وفي كل من سمع بالقصة.
قد تكون هذه الحادثة مثالًا مأساويًا على أن أقسى الجرائم لا تحدث دائمًا في الشوارع أو على يد غرباء، بل أحيانًا تقع داخل البيوت التي يُفترض أن تكون ملاذًا آمنًا، وعلى يد أشخاص يُفترض أن يكونوا مصدر الأمان والحب. أليساندرو فينير قُتل لا لذنب اقترفه، بل لأنه حاول أن يعيش حياته بحرية، فواجه الرفض من أقرب الناس إليه، وكان الثمن حياته. أما الأم، فستقضي ما تبقى من حياتها في السجن، محاطة بندم لا ينفع، وزوجته، التي كانت تحلم بحياة جديدة، تواجه مصيرًا غامضًا خلف القضبان، بينما الطفلة، التي لم تدرك بعد معنى الموت، ستكبر في عالم لم تختره، يحمل في طياته بداية من الألم قد ترافقها طويلاً.
تعليقات