المغرب في قبضة اليأس: لماذا تخلى الشعب عن الأمل؟

أزمة الثقة والعزوف: رحلة المغاربة نحو استعادة الأمل

اليأس المتجذر في المغرب: أزمة ثقة وانعدام الأمل في التغيير

في قلب المغرب، بلد يمتلك تاريخًا غنيًا وتنوعًا ثقافيًا، يعيش المواطنون حالة من اليأس العميق الذي بات يشكل سمة بارزة في المشهد الاجتماعي والسياسي. هذا اليأس ليس مجرد شعور عابر، بل هو نتيجة تراكمات طويلة من الإحباطات الناتجة عن فجوة واسعة بين الوعود الرسمية والواقع اليومي. المواطن المغربي، الذي كان يومًا يعلق آمالًا كبيرة على إصلاحات سياسية واقتصادية، يجد نفسه اليوم أمام واقع يرى فيه أن لا أحد من المسؤولين، ولا حتى الملك، يعير اهتمامًا كافيًا لمعاناته. هذا الشعور دفع الشعب إلى عزوف صريح عن المشاركة في الحياة العامة، سواء كانت سياسية، اقتصادية، أو حتى اجتماعية، مما يطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل البلاد وإمكانية استعادة الأمل.جذور اليأس: أزمات متراكمةاليأس الذي يعيشه المغاربة اليوم ليس وليد الصدفة، بل هو نتيجة سلسلة من الأزمات التي تفاقمت على مر السنين. أول هذه الأزمات هي الوضع الاقتصادي المتردي الذي يعاني منه غالبية المواطنين. ارتفاع أسعار المواد الأساسية والمحروقات، إلى جانب تدهور القدرة الشرائية، جعل الحياة اليومية تحديًا حقيقيًا للطبقات الفقيرة والمتوسطة. على سبيل المثال، تشير تقارير اقتصادية إلى أن أسعار المواد الغذائية شهدت ارتفاعًا بنسبة 20-30% خلال السنوات الأخيرة، بينما الرواتب ظلت شبه راكدة، مما أدى إلى اتساع الفجوة بين دخل المواطنين وتكاليف المعيشة.إلى جانب الأزمة الاقتصادية، يعاني المغرب من تفشي الفساد في مختلف القطاعات، سواء في الإدارات العمومية أو المؤسسات الحكومية. هذا الفساد، الذي يتجلى في الرشوة، المحسوبية، وسوء إدارة الموارد، أدى إلى إحباط المواطنين الذين يرون أن الأموال العامة تُهدر بينما الخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم تتدهور. تقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية في 2024 أشار إلى أن المغرب لا يزال يحتل مرتبة متدنية في مؤشر مدركات الفساد، مما يعكس استمرار هذه الآفة كعامل رئيسي في تعميق اليأس.غياب الحلول الفعالة وتراجع الثقة في المؤسساتإحدى أبرز مظاهر اليأس هي الشعور بأن المسؤولين، سواء في الحكومة أو البرلمان، لا يملكون الإرادة أو القدرة على معالجة المشاكل الحقيقية. السياسات العمومية التي تُعلن عنها الحكومة غالبًا ما تُقابل بالتشكيك، لأنها لا تترجم إلى نتائج ملموسة على أرض الواقع. على سبيل المثال، برامج مثل "المبادرة الوطنية للتنمية البشرية"، التي أُطلقت قبل عقود، لم تحقق النتائج المرجوة في الحد من الفقر أو تحسين البنية التحتية في المناطق النائية، مما جعل المواطنين يفقدون الثقة في مثل هذه المبادرات.أما على المستوى السياسي، فإن الأحزاب السياسية تعاني من أزمة مصداقية حادة. فالشعب يرى أن هذه الأحزاب أصبحت مجرد أدوات لخدمة مصالح النخب، وليست ممثلة حقيقية لتطلعات المواطنين. هذا الشعور عززته الانتخابات التشريعية الأخيرة، التي شهدت نسب مشاركة متدنية، حيث لم تتجاوز في بعض المناطق 30%، وهي إشارة واضحة إلى عزوف المواطنين عن العملية السياسية برمتها.دور الملك: بين التوقعات والواقعفي قلب هذه الأزمة، يبرز دور الملك محمد السادس كعامل محوري في تشكيل الرأي العام. تاريخيًا، كان الملك يُنظر إليه كرمز للوحدة الوطنية و"حامي الفقراء"، لكن هذه الصورة بدأت تتلاشى في أعين الكثير من المغاربة. غيابه الملحوظ عن المشهد العام في أوقات الأزمات، سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية، أثار تساؤلات حول مدى اهتمامه بمعاناة الشعب. على سبيل المثال، خلال أزمة ارتفاع أسعار المحروقات في 2023-2024، لم يصدر عن القصر الملكي أي تدخل مباشر لتهدئة الشارع، مما زاد من شعور المواطنين بالإهمال.خطابات الملك، مثل خطاب عيد العرش في يوليو 2025، تحدثت عن ضرورة القضاء على "مغرب السرعتين" وضمان العدالة المجالية، لكن هذه الخطابات تُقابل غالبًا بالتشكيك. المواطنون يرون أن هذه الدعوات تظل حبرًا على ورق، حيث لا تتبعها إجراءات تنفيذية ملموسة. هذا الوضع أدى إلى تراجع شعبية النظام الملكي، خاصة بين الشباب الذين يشعرون أن الملكية لم تعد قادرة على تحقيق التطلعات التي وُعدوا بها.
 الهجرة

العزوف الشعبي: انسحاب من الحياة العامة
نتيجة هذا اليأس، تحولت مشاعر الإحباط إلى عزوف صريح عن المشاركة في الحياة العامة. هذا العزوف يتجلى في عدة أشكال. أولاً، انخفاض نسبة المشاركة في الانتخابات، حيث أصبح المواطنون يرون أن التصويت لن يغير شيئًا في ظل غياب أحزاب سياسية تمثل مصالحهم الحقيقية. ثانيًا، تزايد الرغبة في الهجرة، خاصة بين الشباب. استطلاعات الرأي أظهرت أن ما يقارب 70% من الشباب دون سن الثلاثين يفكرون في مغادرة البلاد بحثًا عن فرص أفضل في أوروبا أو كندا.ثالثًا، هناك تراجع واضح في المشاركة الاجتماعية والمدنية. الجمعيات الأهلية التي كانت يومًا منصة للتعبير عن مطالب الشعب، باتت تعاني من ضعف التمويل والدعم، مما جعل الكثير من المواطنين يفضلون الابتعاد عن العمل التطوعي أو النشاط المدني. هذا العزوف يعكس شعورًا عميقًا بالعجز، حيث يرى المواطن أن لا صوت له وأن مطالبه لن تجد آذانًا صاغية.الاحتقان الاجتماعي: مظاهرات وإضراباتفي ظل هذا اليأس، لم يبقَ الشعب صامتًا تمامًا. فقد شهدت السنوات الأخيرة تصاعدًا في المظاهرات والإضرابات في مختلف المدن المغربية، من طنجة إلى أكادير. هذه التحركات، التي شملت فئات مختلفة مثل المعلمين، الأطباء، والعمال، تعبر عن رفض شعبي لسياسات القمع وسوء التدبير. على سبيل المثال، احتجاجات الحراك في الريف (2016-2017) وإضرابات المعلمين في 2023 أظهرت أن الشعب لا يزال قادرًا على التعبير عن غضبه، لكن غياب استجابة حقيقية من السلطات زاد من حدة الاحتقان.هذا الاحتقان يحمل في طياته مخاطر كبيرة، حيث يمكن أن يتحول إلى انفجار اجتماعي إذا لم تُعالج الأسباب الجذرية للأزمة. المواطنون الذين يشعرون بأنهم مهمشون قد يلجؤون إلى أشكال أكثر راديكالية من الاحتجاج، مما يهدد استقرار البلاد.الحلول الممكنة: استعادة الأملللخروج من هذه الحلقة المفرغة من اليأس والعزوف، يحتاج المغرب إلى نهج جديد قائم على الشفافية، المحاسبة، والعدالة الاجتماعية. أولاً، يجب على الحكومة والمؤسسات العمومية إعطاء الأولوية لمكافحة الفساد من خلال إجراءات صارمة ومحاسبة المسؤولين المتورطين. ثانيًا، ينبغي إطلاق برامج تنموية حقيقية تستهدف المناطق المهمشة، مع التركيز على تحسين التعليم والصحة وخلق فرص عمل للشباب.ثالثًا، يجب تعزيز الحريات العامة وفتح حوار وطني شامل يضم كل الفاعلين، بما في ذلك المعارضة والمجتمع المدني. إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، مثل قادة حراك الريف، قد يكون خطوة رمزية لاستعادة ثقة الشعب. رابعًا، ينبغي أن يلعب الملك دورًا أكثر فاعلية في معالجة الأزمات، سواء من خلال تدخلات مباشرة أو توجيه الحكومة نحو إصلاحات ملموسة.أخيرًا، يجب أن يُنظر إلى المواطن كشريك أساسي في عملية التنمية، وليس مجرد متلقٍ للسياسات. إشراك الشباب والمجتمع المدني في صياغة السياسات العمومية قد يساهم في إعادة بناء الثقة وتحفيز المشاركة.خاتمةاليأس الذي يخيم على المغرب اليوم هو نتيجة عقود من سوء التدبير، الفساد، وغياب التواصل الحقيقي بين الشعب والسلطة. شعور المواطنين بأن لا أحد يهتم بمعاناتهم، سواء من المسؤولين أو الملك، دفع الكثيرين إلى العزوف عن المشاركة في الحياة العامة، لكن هذا لا يعني أن الأمل قد انتهى. من خلال إصلاحات شاملة وإرادة سياسية حقيقية، يمكن للمغرب أن يستعيد دوره كبلد يجمع بين الاستقرار والتنمية العادلة. المطلوب اليوم هو إعادة بناء جسور الثقة بين الشعب ومؤسساته، لأن المغرب، بتاريخه العريق وشعبه الطموح، يستحق مستقبلًا أفضل.
تعليقات