سر حمادي: طلاسم الباعة المتجولين المغاربة في إيطاليا
مهاجر مغربي يستعمل حمادي |
مقدمة
في عالمٍ واسع تتقاطع فيه ممارسات ثقافية وشعبية متنوّعة، تبرز ظواهرٌ طريفة من مزيج الخرافة والتقاليد الشعبية. ومن بين تلك الظواهر، تُروى قصة غريبة عن ما يُسمّى بـ**"حمادي"** — نوع من السحر أو الشعوذة الشعبي المغربي — يُقال إن بعض الباعة المتجولين المغاربة استخدموه في أوروبا، لا سيما في إيطاليا، لجذب الزبائن الإيطاليين وحثّهم على شراء بضائعهم مع منح بقشيش زائد. هذه الحكاية تحوم بين ما هو خرافات مُروّجة شفهيًا وبين ما يُروى على أنه تجربة ملموسة من باعة مغاربة عاشوا تجربة البيع في الشوارع الإيطالية.يتحدّث الساردون إن الحمّالة (الحجاب) التي تُسمّى "حمادي" تحتوي على طلاسم ورموز مكتوبة يُربطها البائع في ذراعه أو أثناء عرضه للبضاعة، ثم يدير بيده على كتف المشتري بعد أن يتّجه نحوه. ويُقال إن هذا التربيت السحري يثير رغبة الرجل الإيطالي في الشراء، وأحيانًا يُدفع له أوراق نقدية فوق السعر المتفق عليه.
تكمن الأهمية هنا في فهم تداخل الأبعاد الاجتماعية (الباعة المغاربة في أوروبا، ظروف الهجرة والعمل) مع التراث الشعبي والخرافات الموروثة من بلاد المغرب، وكيف يتحوّل السحر الشعبي إلى استراتيجية — ولو أسطوريّة — في سياق المكاسب المادية. وسأعرض هذا الموضوع بأسلوب متسلسل، مبنيًا على تقرير صحفي قديم وبعض التحليل، رغم ندرة الوثائق الحديثة أو الأكاديمية حوله.
العرض
1. الخلفية الاجتماعية والاقتصادية
من المعروف أن عدداً من المغاربة لم يجدوا أمامهم إلا خيار الهجرة والانخراط في نشاطات بسيطة لكسب العيش، من بينها الباعة المتجولة الذين يجوبون الأسواق أو الشوارع في مدن أوروبية مثل إيطاليا. وغالبًا ما يبيعون سجادًا وخردوات ومستحضرات بسيطة. ظروفهم المعيشية صعبة، ومع حدّية المعرفة القانونية، يواجهون رفضًا في سوق العمل الرسمي، مما يدفع بعضهم لترويح القصص والأساطير الخاصة للترويج لمنتوجاتهم.
2. سرد ظاهرة “حمادي”
حسب تحقيق صحافي قديم منشور في موقع مغرس يعود إلى نحو 17 سنة مضت، فقد ورد فيه نقاش حول وجاهة أو صحة ما يُعرف باسم “حمادي” كوسائل تُستخدم لتأثير على الإيطاليين ودفعهم للشراء. إذ ورد السؤال:
«هل صحيح أن حمادي يؤثر في الإيطاليين ويجعلهم يقتنون بضائع الباعة المتجولين المغاربة؟» وكان الرد:
«لقد أكد لي عدد من المغاربة ينحدرون من منطقة الفقيه بن صالح أن الباعة المتجولين المغاربة ... يحققون أرباحًا مهمة ... مبرزين أن السر في ذلك يعود إلى حمادي وتعويذات أخرى يجلبونها من المغرب.»
هذا الاقتباس يظهر أن القصة لم تكن مجرد إشاعة، بل ذُكِرَت في سياق مقابلة أو حوار مع مغاربة من الفقيه بن صالح، يؤكدون أنهم يعرفون هذه الممارسات على أنها تُستخدم فعلاً بصورة ما
ما هو “حمادي”؟ يُوصف على أنه حجاب طويل (قطعة قماش أو ورق مكتوب عليه طلاسم وأسماء)، يُعدّ في المغرب بواسطة أخصائيين من الجماعات الشعبية أو أحيانًا دجّالين. يُرتبط في ذراع البائع أو يُحمل بجانبه، وفي اللحظة المناسبة يُظهره للمشتري أو يلمسه كإشارة سحرية.
كيف يُستخدم؟ وفق روايات الشهود من الباعة؛ بعد بداية النقاش مع المشتري الإيطالي، وتقديم عرض بسيط كالطلب: "هل تحب السجادة؟" يقوم البائع بربّت بسيط على كتف الرجل. تلك الحادثة يُقال إن لها أثر نفسي على الإيطالي، يجعلُه يشعر برغبة في إتمام عملية الشراء وربما تقديم بقشيش زائد.
3. تفسير الظاهرة: السحر أم تأثير نفسي؟
من الناحية الاجتماعية، يمكن تفسير هذه الظاهرة من خلال عدّة عناصر:
الاعتقاد الشعبي في الطلاسم والخوارق والمجهول الروحاني**، حيث يُشاع أن مجرد وجود طلاسم على جسم الإنسان يمكن أن يجلب الرزق أو المحبة أو الهيبة.
العنصر النفسي: التربيت على كتف الإنسان، حتى لو اعتقد أنه عادي، قد يولّد شعورًا بالاهتمام أو التأثير النفسي، خصوصًا إذا وُصِم بطابع سحري. قد يخلق نوعًا من تأثير الدافع الاجتماعي الشرطي — يريد المشتري إثبات ولائه أو حسن تعامله في مقابل "النعمة".
العنصر التسويقي: اللافتات والطقوس الغامضة تجلب فضول المشتري، وتخلق نقطة تميّز بين هذا البائع وغيره.
4. تداول القصة وانتقالها عن طريق الشفاه
لوائح التنظيم والأبحاث الأكاديمية القليلة جدًا حول هذه الظاهرة. لكن الأقرب إليها هي الأبحاث الاجتماعية حول شعوذة الباعة الجائلين واستغلالهم لرموز الغموض في مغرب قديم، أو الذاكرة الجماعية المرتبطة بـ"حمادي" كسمات رمزية تجتذب الانتباه. هذا السرد نُقل شفهيًا، خاصة من مكفوفين في سوق أوروبية تحدثوا عنه، ومن بعض الجمعيات التي تتابع أوضاع المغاربة في الخارج.
وقد قيل إن “مخ الضبع” هو عقدة أو قطعة جلد اضطلاع واسع في السحر الشعبي المغربي، تستخدم لتأثير ضد الشخص الآخر (مثل جذب الزبائن عبر الهيبة). وربطه مع “حمادي” يُظهر تعدّد الأدوات الروحانية في اليد الواحدة.
5. النقد والشكوك
أ – من جانب المصادر الصحفية: التقرير المشار إليه يعود قبل نحو 17 سنة، على الأقل، ولا يوفر شهودًا مسجّلين بالصوت أو فيديوهات. المعنيون تداولوا القصة بصيغة أقوال مغاربة من الفقيه بن صالح، دون وثائق مادية عن وجود الحمّالات أو الطلاسم.
ب – من جانب التحليل العلمي: لا توجد دراسات علمية تدعم فعليًا أن الكتابة بالطلاسم تسبب أعصابًا سحرية تؤثر على شخص غربى. ما يمكن أن يُفهم هو تأثير التحيّز الثقافي و"الإيهام". فعندما يُقال للمرأة الأوروبية أو الإيطالي: “هذا حجاب جلب رزق”، وقد شاهدت الحكاية من قبل، قد يميل تحت الضغط النفسي للياقظة الاجتماعية إلى شراء أو تقديم المزيد.
ج – من جانب الشهود المحليين: من الصعب الوقوف على شهادات حيّة داخل الشارع الإيطالي اليوم تفيد بأن إيطاليًا خاض تجربة شبيهة، خصوصًا بعد الانتباه الإعلامي أو الرقابة القانونية على الباعة المتجوّلين. وربما توقفت الظاهرة، أو لم تعد تحكى بنفس الصيغة.
6. لماذا تهمّنا اليوم؟
التشابك بين التقاليد والمهاجر: كيف يمكن أن تتحوّل ممارسات ثقافية قديمة إلى أدوات معاصرة، قد تكون مزوّدة بإيحاءات نفسية.
آليات التأثير الاجتماعي: قصة "حمادي" تقدّم مثالًا عن كيف تستخدم الرموز والطلاسم لتكوين ميزة بيع دون تكلفة إضافية.
حدود الحدث بين الحقيقة والخرافة: كيف نشأت الحكاية، وكيف ظهرت في مقابلات صحافية، وجلّت بين الباعة المغاربة وبين المجتمع الإيطالي كميوثوغرافيا شعبية.
الخاتمة
في النهاية، تظل قصة "حمادي" ذلك الحجاب السحري الذي يُقال إنه يُستخدم من قِبل باعة متجولين مغاربة في إيطاليا — مثالًا على خلطة التقاليد الشعبية والسحر الشعبي والظروف الاجتماعية للمهاجرين. ما نجده في هذه القصة هو قيمة أكثر في تحليل رمزي: كيف يُصوَّر السحر كعنصر قوة في سياق ضعف اجتماعي ومادي، وكيف يُستخدم الغموض والإيحاء لاستثارة انتباه الغريب وفضوله.
نعم، يبدو أن هذه الظاهرة حقيقيّة كقصة متداولة، وقد استدل عليها صحافي من خلال مقابلات مع أشخاص مغاربة من منطقة الفقيه بن صالح، يُؤكدون وجود تراث طلاسم مثل “حمادي” و”مخ الضبع” يُقال إنه يُستخدم بابتاع السكان الإيطاليين بكميات جيدة من الأرباح والبقشيش أما إن كانت فعليًا تعمل سحرًا، فهذا أمر يبقى في منطقة القناعة الشعبية والتحليل النفسي لا العلمي.