تأثير رسوم الأراضي البيضاء وتنظيم تملك الأجانب في الحرمين على السوق العقاري
مقال مفصل عن قانون رسوم الأراضي البيضاء بنسبة 10% وتملك الأجانب للعقارات في الحرمين الشريفين في المملكة العربية السعودية
مقدمة
تُعد المملكة العربية السعودية إحدى الدول الرائدة في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والعقارية ضمن إطار رؤية 2030، التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد وتعزيز الاستدامة العمرانية. في هذا السياق، برزت أنظمة جديدة تهدف إلى تنظيم السوق العقاري، من أبرزها نظام رسوم الأراضي البيضاء، الذي شهد تعديلات حديثة برفع الرسوم إلى 10% في بعض الحالات، بهدف مكافحة الاحتكار العقاري وزيادة المعروض السكني. كما أثارت قضية تملك الأجانب للعقارات، خصوصًا في المناطق المحيطة بالحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة، نقاشات واسعة حول القيود القانونية والشرعية المفروضة، وما إذا كان للمسلمين حق قانوني أو شرعي في منع مثل هذه العمليات. في هذا المقال، سنستعرض هذين الموضوعين بشكل مفصل، مع التركيز على الأنظمة القانونية، الآثار الاقتصادية والاجتماعية، والإطار الشرعي، لتقديم صورة شاملة تتجاوز 1500 كلمة.العرض
1. نظام رسوم الأراضي البيضاء: مفهومه وأهدافه
تعريف الأراضي البيضاء
الأراضي البيضاء هي الأراضي غير المطورة الواقعة ضمن النطاق العمراني، والمخصصة للاستخدام السكني أو السكني التجاري. تُعتبر هذه الأراضي موردًا استراتيجيًا في المملكة، لكن احتفاظ بعض الملاك بها دون تطوير ساهم في تفاقم أزمة الإسكان وارتفاع الأسعار. وفقًا لتقارير الربع الأول من عام 2025، ارتفعت أسعار العقارات في الرياض بنسبة 10.7%، مما دفع الحكومة لتشديد الإجراءات على هذه الأراضي.تاريخ النظام وتطوراته
صدر نظام رسوم الأراضي البيضاء بموجب المرسوم الملكي رقم (م/4) بتاريخ 12/02/1437هـ (2016م)، وتم تعديله لاحقًا بموجب المرسوم الملكي رقم (م/244) بتاريخ 7/11/1446هـ (2025م) ليشمل العقارات الشاغرة أيضًا. الهدف الأساسي هو تحفيز التطوير العقاري وتقليل الاحتكار. التعديلات الأخيرة، التي أُعلن عنها في 29 أبريل 2025، سمحت برفع الرسوم السنوية إلى 10% من القيمة السوقية للأراضي في بعض النطاقات، مع مرونة في تحديد النسب بناءً على الموقع والخدمات المتاحة.أهداف النظام
يهدف النظام إلى تحقيق عدة أهداف استراتيجية، منها:زيادة المعروض العقاري: تشجيع ملاك الأراضي على تطويرها أو بيعها لتلبية الطلب المتزايد على السكن.
مكافحة الاحتكار: الحد من احتفاظ الأفراد أو الشركات بالأراضي دون استغلالها لتضخيم الأسعار.
دعم برامج الإسكان: توجيه إيرادات الرسوم لتمويل مشاريع الإسكان والبنية التحتية.
تعزيز الاستدامة العمرانية: تحقيق التوازن في توزيع المشاريع العمرانية وتقليل الضغط على المناطق الحضرية المزدحمة.
2.تفاصيل رسوم الاراضي البيضاء والية التطبيق
نسبة الرسوم والنطاقات الجغرافيةعند إقرار النظام في 2016، كانت الرسوم السنوية 2.5% من القيمة السوقية للأرض. لكن التعديلات الأخيرة لعام 2025 رفعت الحد الأعلى إلى 10% في بعض الحالات، مع تقسيم المدن الكبرى مثل الرياض وجدة إلى شرائح جغرافية بناءً على:
موقع الأرض: الأراضي القريبة من المراكز الحضرية أو المناطق ذات الخدمات المتكاملة تخضع لرسوم أعلى.
الخدمات المتاحة: توافر البنية التحتية (كالكهرباء، المياه، والطرق) يؤثر على نسبة الرسوم. في أغسطس 2025، أعلنت وزارة الشؤون البلدية والقروية والإسكان عن تقسيم الرياض إلى 5 شرائح برسوم تتراوح بين 2.5% و10%، وفقًا لمعايير محددة.
شروط الإخضاع للرسوم
يُطبق النظام على:الأراضي التي تزيد مساحتها عن 10,000 متر مربع في المرحلة الأولى.
الأراضي المملوكة لشخص واحد أو أكثر (أفراد أو شركات غير حكومية) ضمن المخططات العمرانية المعتمدة.
الأراضي المخصصة للاستخدام السكني أو السكني التجاري.
الإعفاءات
يُعفى من الرسوم:الأراضي التي يتم تطويرها أو بناؤها خلال سنة من تاريخ القرار.
الأراضي التي تواجه عوائق قانونية أو إدارية تمنع تطويرها.
الأراضي المملوكة للجهات الحكومية.
آلية السداد والاعتراض
السداد: يتعين على المكلف سداد الرسوم خلال سنة من إصدار الفاتورة. في حال تطوير الأرض خلال هذه المدة، يُعاد للمكلف ما دفعه من رسوم.
الاعتراض: يحق لمالك الأرض الاعتراض على قرار الإخضاع أو تقدير القيمة خلال 60 يومًا من الإبلاغ، وتبت لجنة مختصة في الاعتراض خلال 60 يومًا إضافية. إذا لم يتم البت، يُعتبر الاعتراض مرفوضًا.
3.ثر النظام على السوق العقاري
تعزيز المعروض العقاري
بفضل النظام، تم تسجيل زيادة في عدد الأراضي المعروضة للبيع أو التطوير في المدن الكبرى. في الرياض، على سبيل المثال، أظهرت تقارير أن حوالي 25% من الأراضي البيضاء التي كانت خاضعة للرسوم تم تطويرها أو بيعها خلال السنوات الثلاث الأخيرة.تقليل أسعار العقارات
زيادة المعروض ساعدت في تقليل الضغط على أسعار العقارات، مما جعل السكن أكثر سهولة للمواطنين. ومع ذلك، لا تزال بعض المناطق تشهد ارتفاعًا طفيفًا بسبب الطلب المتزايد.
دعم رؤية 2030
تُوجه إيرادات الرسوم لتمويل مشاريع الإسكان مثل برنامج "سكني"، الذي يهدف إلى توفير 70% من السعوديين مساكن مملوكة بحلول 2030. كما ساهم النظام في تحسين كفاءة استخدام الأراضي ودعم التخطيط العمراني.
4. تملك الأجانب للعقارات في الحرمين الشريفين
الإطار القانوني
يُنظم تملك الأجانب للعقارات في المملكة بموجب نظام تملك غير السعوديين للعقار واستثماره الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/15) بتاريخ 17/04/1421هـ (2000م). يضع النظام قيودًا صارمة على تملك الأجانب في مكة المكرمة والمدينة المنورة، نظرًا لقدسية هذه المناطق.القيود المفروضة
المنع العام: يُحظر على غير السعوديين تملك العقارات في حدود الحرمين بأي طريقة غير الميراث.الاستثناءات:
الوقف الشرعي: يُسمح لغير السعودي بتملك عقار إذا اقترن بوقفه وفق القواعد الشرعية لصالح جهة سعودية، مع إشراف المجلس الأعلى للأوقاف.
الإيجار: يُسمح للمسلمين غير السعوديين باستئجار عقار لمدة لا تزيد عن سنتين، قابلة للتجديد.
المعاملة بالمثل: يُسمح للممثليات الأجنبية المعتمدة بتملك مقرات رسمية أو سكنية بناءً على اتفاقيات دولية.
الإطار الشرعي
من الناحية الشرعية، تُعتبر مكة والمدينة مناطق مقدسة، وتحرص المملكة على الحفاظ على طابعها الإسلامي. لا يوجد نص شرعي صريح يمنع الأجانب من التملك في هذه المناطق، لكن القيود القانونية تعكس حرص الدولة على حماية قدسية الحرمين. بعض العلماء يرون أن السماح بالتملك في حالات استثنائية (كالوقف) يتماشى مع المصلحة العامة، شريطة وجود رقابة صارمة.5.التداعيات الاقتصادية والاجتماعية
تداعيات رسوم الأراضي البيضاء
اجتماعيًا: ساعد النظام في تحسين فرص الحصول على السكن للمواطنين، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي.
تداعيات تملك الأجانب
اقتصاديًا: خارج الحرمين، يشجع النظام الاستثمار الأجنبي في العقارات، مما يدعم النمو الاقتصادي. لكن في الحرمين، القيود الصارمة تحد من هذا الاستثمار.اجتماعيًا: القيود على التملك في الحرمين تعزز الثقة في التزام الدولة بحماية قدسية هذه المناطق، مما يحظى بقبول واسع بين المواطنين.
6.هل للمسلمين في ربوع العالم حق في الاعتراض على تملك الأجانب لأراضي الحرمين الشريفين؟
الإطار القانوني
المملكة العربية السعودية، كدولة مسؤولة عن الحرمين الشريفين، تنظم التملك العقاري وفق نظام تملك غير السعوديين للعقار واستثماره (الصادر بالمرسوم الملكي رقم م/15 في 17/04/1421هـ). وفقًا للمادة الخامسة من النظام، يُحظر على غير السعوديين اكتساب حق الملكية أو الانتفاع بالعقارات داخل حدود مكة المكرمة والمدينة المنورة باستثناء حالتي الميراث أو الوقف الشرعي المرتبط بجهة سعودية تحت إشراف المجلس الأعلى للأوقاف. هذا النظام ينطبق داخل السيادة الوطنية السعودية ولا يمنح المسلمين في أي بقعة من العالم حقًا قانونيًا مباشرًا في التدخل أو الاعتراض، لأن القوانين العقارية تُعد شأنًا داخليًا للدولة.من الناحية الدولية، لا توجد اتفاقيات أو ميثاقات عالمية (مثل ميثاق الأمم المتحدة أو ميثاق حقوق الإنسان) تمنح المسلمين كمجموعة عالمية حقًا قانونيًا في الاعتراض على التملك العقاري في دولة معينة، بما في ذلك السعودية. السيادة الوطنية تمنح الدولة الحق في فرض قوانينها الخاصة، وأي اعتراض يتطلب آليات دبلوماسية أو شكاوى رسمية من حكومات الدول الأخرى، وليس من أفراد أو جماعات عابرة للحدود.
الإطار الشرعي
من منظور الشريعة الإسلامية، تُعتبر مكة المكرمة والمدينة المنورة أماكن مقدسة، ويُنظر إلى حمايتهما كمسؤولية عامة للمسلمين. هناك آراء شرعية (مثل فتاوى علماء مثل الشيخ ابن باز وشيخ الإسلام ابن تيمية) تؤكد أن الحرمين يجب أن يبقيا تحت سيطرة المسلمين، لكن لا يوجد نص صريح في القرآن أو السنة يمنح المسلمين في أنحاء العالم سلطة مباشرة للاعتراض على تصرفات عقارية داخل الحرمين. الشريعة تُلزم المسلمين بالطاعة لولي الأمر (في هذه الحالة الحكومة السعودية) ما لم يكن هناك بدعة أو معصية واضحة، وكذلك تُشجع على الشورى والنصيحة.بعض العلماء (مثل فتاوى لجنة الفتوى السعودية) يرون أن مسؤولية حماية الحرمين تقع على عاتق الدولة الحاكمة، وأن أي اعتراض من المسلمين العالميين يجب أن يتم عبر قنوات رسمية، مثل التواصل مع الحكومة السعودية أو المنظمات الإسلامية المعترف بها. لا توجد آلية شرعية تمنح الأفراد أو الجماعات العالمية حقًا مستقلًا في التدخل.
دور الدولة السعودية كحامية للحرمين
السعودية تُعتبر خادم الحرمين الشريفين، وهي المسؤولة عن صيانة الحرمين وحمايتهما. القوانين الحالية تُظهر التزامًا قويًا بحماية هذه المناطق من التملك الأجنبي، حيث يُمنع التملك إلا في حالات استثنائية مشددة الشروط (كالوقف). هذا النهج يتماشى مع الإجماع الشعبي بين المسلمين العالميين الذين يرون أن الحرمين يجب أن تبقى تحت سيطرة إسلامية. ومع ذلك، فإن أي اعتراض من المسلمين في ربوع العالم يتطلب دعمًا من حكوماتهم أو منظمات إسلامية كبرى (مثل جامعة الدول الإسلامية)، وليس مبادرة فردية.الواقع العملي والتأثير المجتمعي
في الواقع، المسلمون في العالم يُعبّرون عن مخاوفهم من خلال وسائل مثل المنتديات الدينية، الخطب، أو الشبكات الاجتماعية عندما يسمعون عن تهديدات محتملة لقدسية الحرمين. على سبيل المثال، في 2022، أثارت مقترحات لتوسيع إمكانيات التملك الأجنبي نقاشات واسعة عبر الإنترنت، لكنها لم تتحول إلى اعتراضات رسمية ذات تأثير قانوني لأنها لم تُدعم بآليات دولية. الدولة السعودية تستجيب للرأي العام العالمي الإسلامي عند الحاجة، لكن ذلك يتم من خلال قراراتها الداخلية وليس بناءً على ضغوط مباشرة من أفراد.آليات الاعتراض المتاحة
التواصل الرسمي: يمكن للمسلمين في أي دولة توجيه شكوى عبر سفاراتهم أو حكوماتهم إلى المملكة السعودية، التي قد تنظر فيها إذا كانت تتعلق بانتهاك واضح للنظام.المنظمات الإسلامية: مثل منظمة التعاون الإسلامي، يمكنها الدور كوسيط للتعبير عن مخاوف المسلمين العالميين، لكن قراراتها غير ملزمة قانونيًا.
الضغط الشعبي: الاعتراضات عبر وسائل التواصل الاجتماعي أو العرائض قد تؤثر على الرأي العام، لكنها لا تترجم إلى حق قانوني إلا إذا تحولت إلى مبادرة رسمية.