إعادة الاعتبار لعمال النظافة في المغرب: صرخة ضد الإهمال الحكومي وضعف الأجور

معاناة عمال النظافة: بين الاختلاسات الحكومية والتهميش الاجتماعي

المقدمةفي شوارع المدن المغربية، من الدار البيضاء إلى طنجة، ومن فاس إلى أغادير، يتحرك عمال النظافة كالجنود المجهولين، يحملون على عاتقهم مسؤولية الحفاظ على نظافة البلاد وصحة سكانها. إنهم العمود الفقري للمجتمع المغربي، لكنهم يعانون من إهمال حكومي فاضح، اختلاسات تُرهق حقوقهم، وأجور زهيدة لا تكفي لسد احتياجاتهم الأساسية. في ظل حكومة عجزت عن توفير العدالة الاجتماعية لهذه الفئة الحيوية، يعيش عمال النظافة في المغرب تحت وطأة التهميش، الاستغلال، والنظرة الدونية. هذا المقال يهدف إلى كشف معاناة عمال النظافة في المغرب، مع التركيز على ضعف الأجور، الفشل الحكومي في حماية حقوقهم، والاختلاسات التي تُفاقم أوضاعهم، مع اقتراح حلول لإعادة الاعتبار لهؤلاء الأبطال الصامتين.العرضمعاناة عمال النظافة في المغرب: واقع قاسٍ وتهميش اجتماعييعمل عمال النظافة في المغرب في ظروف لا تُحتمل، سواء في القطاع العام أو الخاص. يبدأ يومهم في ساعات الفجر الأولى، حيث يجوبون الشوارع لجمع النفايات تحت أشعة الشمس الحارقة أو الأمطار الغزيرة، دون أن يتوفر لهم في كثير من الأحيان معدات حماية كافية مثل القفازات، الكمامات، أو الأحذية الواقية. هذه الظروف تعرضهم للأمراض، خاصة أمراض الجهاز التنفسي والجلد، كما أشار عامل نظافة في الرباط لـ"العربي الجديد"، حيث تحدث عن مشاكل صحية في النظر والشم نتيجة التعرض المستمر للروائح الكريهة.إضافة إلى ذلك، يعاني هؤلاء العمال من نظرة دونية من المجتمع المغربي، حيث يُطلق عليهم أحيانًا لقب "مالين الزبل"، وهو تعبير يحمل في طياته تحقيرًا لدورهم الحيوي. هذه النظرة تُفاقم شعورهم بالتهميش وتؤثر سلبًا على صحتهم النفسية، حيث أفادت تقارير أن العديد من العمال يترددون في الحديث عن مهنتهم أمام أسرهم أو أصدقائهم بسبب الإحراج الاجتماعي. في مدن مثل الدار البيضاء، العاصمة الاقتصادية، يعمل العمال تحت إشراف شركات مناولة أجنبية (فرنسية ولبنانية)، لكنهم لا يحظون بالتقدير أو الحماية الكافية، مما يعزز شعورهم بأنهم "آخر من تهتم به الدولة"، كما قال محمد قلاش، عامل نظافة في الرباط.علاوة على ذلك، يواجه عمال النظافة نقصًا في الحقوق الأساسية. في القطاع العام، يُعرف العديد منهم بـ"عمال الإنعاش الوطني"، وهم تابعون نظريًا لوزارة الداخلية، لكنهم لا يُعتبرون موظفين رسميين، مما يحرمهم من مزايا مثل التأمين الصحي، الضمان الاجتماعي، أو الترقيات. هذا الوضع يجعلهم عرضة للاستغلال والفصل التعسفي دون أي حماية قانونية.ضعف الأجور: استغلال ممنهج وغياب العدالةأحد أبرز التحديات التي تواجه عمال النظافة في المغرب هو ضعف أجورهم، التي تُعتبر من الأدنى في سوق العمل. في المتوسط، يتقاضى عامل النظافة ما بين 2000 إلى 3000 درهم شهريًا (حوالي 200-300 دولار)، وهو مبلغ لا يكفي لتغطية الاحتياجات الأساسية مثل الإيجار، الطعام، والطبابة. في بعض الحالات، كما في تقرير نشرته "أوكسفام" المغرب، تتقاضى عاملات النظافة رواتب زهيدة تصل إلى 1600 درهم شهريًا، بل إن بعضهن، خاصة العاملات بدوام جزئي، لا يحصلن إلا على 800 درهم، رغم أن عقودهن تنص على 3000 درهم. هذا الفارق بين الأجر المتفق عليه والمدفوع يكشف عن استغلال ممنهج من قبل شركات المناولة.تأخر صرف الأجور هو مشكلة أخرى تُفاقم معاناة العمال. في مدن مثل تطوان وفاس، شكا عمال النظافة من تأخير رواتبهم لأشهر، مما يضعهم في موقف لا يُحسدون عليه، خاصة مع اقتراب مواسم مثل العودة المدرسية. هذا التأخير غالبًا ما يُبرره أرباب العمل بعدم تسديد الجماعات المحلية لمستحقات الشركات، مما يُلقي بالعبء على العمال الذين هم الأضعف في هذه السلسلة.الأجور المنخفضة لا تعكس فقط استغلالًا اقتصاديًا، بل تُسهم في إفقار هذه الفئة. كما أشار تقرير في "هسبريس"، فإن تدني الأجور يؤدي إلى إحباط الشباب وعزوفهم عن العمل، مما يفتح المجال للجريمة والانحراف. هذا الوضع يطرح تساؤلًا جوهريًا: كيف يمكن لدولة تعتمد على عمال النظافة للحفاظ على نظافة مدنها أن تتركهم يكافحون من أجل البقاء؟

فشل الحكومة وكثرة الاختلاسات: نظام مختل يُهدر حقوق العمال
الحكومة المغربية، رغم وعودها المتكررة بتحسين ظروف العمل ورفع الأجور، فشلت في حماية عمال النظافة من الاستغلال. هذا الفشل يتجلى في عدة مستويات:
  • غياب الحماية القانونية: عمال النظافة، خاصة في القطاع الخاص، يخضعون لشركات مناولة غالبًا ما تخرق قانون الشغل، مثل عدم التصريح بالعمال في الضمان الاجتماعي أو تقليص الأجور دون مبرر. مسؤول بوزارة الإدماج الاقتصادي أقر بوجود هذه التجاوزات، لكنه ألقى باللوم على ضعف ميزانيات الصفقات، مما يكشف عن خلل في التخطيط الحكومي.
  • اختلاسات وفساد: هناك اتهامات متكررة لشركات المناولة بالتلاعب بالميزانيات وتقليص الأجور لتحقيق أرباح أكبر. في تطوان، على سبيل المثال، أثارت الاقتطاعات من أجور العمال احتجاجات، حيث تدخلت السلطات الإقليمية لمعالجة المشكلة، لكن الحلول ظلت "ترقيعية" ولم تعالج الجذور. تقارير أخرى تشير إلى أن ديون الشركات المفوض لها تدبير النظافة تُرهق ميزانيات الجماعات المحلية، مما يؤدي إلى تأخر الأجور.
  • عدم الإدماج في الوظيفة العمومية: عمال الإنعاش الوطني يطالبون منذ سنوات بدمجهم في قانون الوظيفة العمومية لضمان حقوقهم، لكن الحكومة ترفض ذلك، تاركةً آلاف العمال دون حماية قانونية أو إدارية. هذا الرفض يعكس تقاعسًا حكوميًا في مواجهة الاختلالات الهيكلية.
  • غياب التقييم والمتابعة: تقرير النموذج التنموي الجديد (2021) أشار إلى أن ضعف التقييم والتتبع يُعيق التنمية في المغرب، بما في ذلك تحسين ظروف العمال. هذا يعني أن البرامج الحكومية، مثل "أوراش"، التي تستهدف خلق فرص عمل، غالبًا ما تفتقر إلى فعالية في معالجة مشاكل عمال النظافة.
هذه الاختلالات تُفاقم شعور العمال بالظلم، حيث يرون أن الحكومة تفضل مصالح الشركات الخاصة على حساب حقوقهم. احتجاجات عمال النظافة، كما حدث في تطوان والرباط، تُظهر مدى الغضب من هذا الوضع، حيث هدد العمال بالإضراب للمطالبة بحقوقهم.تحديات مسايرة الحياة: صراع من أجل البقاءفي ظل الغلاء الذي يجتاح المغرب، خاصة بعد تداعيات الجفاف والحرب الروسية الأوكرانية، أصبحت أجور عمال النظافة غير قادرة على تلبية الاحتياجات الأساسية. في الدار البيضاء، على سبيل المثال، يستهلك الإيجار جزءًا كبيرًا من الراتب، مما يترك القليل للطعام، التعليم، أو الطبابة. تقرير "برلمان راديو" أشار إلى أن بعض عاملات النظافة يتقاضين 700 درهم شهريًا فقط، وهو مبلغ يُعد مهينًا مقارنة بتكاليف المعيشة.التعليم يُشكل تحديًا كبيرًا، حيث يضطر أبناء العمال إلى ترك المدرسة للمساهمة في دخل الأسرة، مما يُعيد إنتاج دائرة الفقر. كما أن غياب التأمين الصحي يجعل العمال عرضة للإفلاس في حالة المرض، حيث يضطرون لدفع تكاليف العلاج من جيوبهم الخاصة. هذه الضغوط المالية، إلى جانب الإهمال الاجتماعي، تُسهم في تدهور الصحة النفسية للعمال، مما يجعل حياتهم صراعًا يوميًا من أجل البقاء.سبل إعادة الاعتبار: نحو عدالة اجتماعيةلإعادة الاعتبار لعمال النظافة في المغرب، يجب معالجة الاختلالات الهيكلية والفساد الحكومي. فيما يلي بعض المقترحات:
  1. رفع الأجور وتسوية الأوضاع الإدارية: يجب رفع الحد الأدنى لأجور عمال النظافة إلى مستوى يكفل حياة كريمة، مع دمج عمال الإنعاش الوطني في الوظيفة العمومية لضمان حقوقهم.
  2. مكافحة الاختلاسات: فرض رقابة صارمة على شركات المناولة، مع معاقبة الشركات التي تتلاعب بالأجور أو تتأخر في صرفها.
  3. توفير الحماية الاجتماعية: ضمان التأمين الصحي والضمان الاجتماعي لجميع العمال، مع توفير معدات حماية حديثة لتقليل المخاطر الصحية.
  4. تغيير النظرة المجتمعية: إطلاق حملات توعية لتسليط الضوء على أهمية عمال النظافة، واستبدال الألقاب المهينة بمسميات مثل "مهندسو النظافة".
  5. إصلاحات حكومية جذرية: إعادة هيكلة تدبير قطاع النظافة لتقليل الاعتماد على شركات المناولة الأجنبية، مع تخصيص ميزانيات كافية لتحسين ظروف العمال.
الخاتمةعمال النظافة في المغرب هم أبطال يعملون في الخفاء للحفاظ على نظافة مدننا، لكنهم يعانون من أجور زهيدة، اختلاسات تُرهق حقوقهم، وفشل حكومي في حمايتهم. الحكومة، التي وعدت بتحسين الأوضاع، تقاعست عن مواجهة الاختلالات الهيكلية، تاركةً هؤلاء العمال في مواجهة الاستغلال والتهميش. إن إعادة الاعتبار لعمال النظافة تتطلب إصلاحات عاجلة تشمل رفع الأجور، مكافحة الفساد، وتغيير النظرة المجتمعية. إنه واجب أخلاقي واجتماعي لضمان حياة كريمة لهؤلاء الأبطال، ولنؤكد أن المغرب يمكنه أن يكون نموذجًا للعدالة إذا ما أعطى لهذه الفئة حقها المستحق.
تعليقات