الأراضي السلالية في خريبكة: المشترون، الأثمان، وأصوات الغبن

من اشترى أراضي الجموع في إقليم خريبكة؟ الأسماء، المساطر، وقيمة التعويضات للفرد

مقدمة
 سأحكي لكم الحكاية كاملة كما هي، بلا اختصار ولا “تقطيع” ولا تزيين، وباللغة التي تقول ما يجب أن يُقال عن سؤالين مباشرين: من اشترى الأراضي السلالية في إقليم خريبكة؟ وكم كان الثمن للفرد؟ وسأقول منذ البداية ما قد يزعج البعض: في هذا الملف لا توجد إجابة واحدة صافية كالماء، بل شبكة من الوقائع والقوانين والقرارات والاحتجاجات والأسماء واللجان والاتهامات، بعضها ثابت في النصوص الرسمية وبعضها صرخات على أرصفة العمالة وصفحات الفيسبوك. لذلك سأمشي معكم خطوة خطوة: ما الذي يسمح به القانون؟ من هم المشترون المحتملون؟ كيف تُحدد الأثمان؟ وما الذي جرى على الأرض في جماعات مثل “الفقراء” و“المفاسيس” وأحواز مناجم الفوسفاط؟ ثم نصل في النهاية إلى خلاصة لا تُرضي الراغبين في رقم موحّد، لكنها تُنصف الحقيقة بقدر ما تسمح به الوثائق والشهادات المتاحة.

عرض
أول الخيط قانوني بامتياز. الأراضي السلالية  أو أراضي الجموع  لا تُباع ولا تُشترى في الأصل بمعنى البيع التجاري بين مالك فردي ومشترٍ فردي؛ بل تُعبّأ وتُفوّت بقرار وصاية، أو تُكرى، أو تُنزع للمنفعة العامة، ضمن مساطر مضبوطة تقودها وزارة الداخلية عبر مجلس الوصاية والسلطات الإقليمية واللجان الإدارية للتقييم. هذا التفريق بين “البيع” و“التفويت” مهم جداً لأن كثيراً من الجدل في خريبكة يبدأ من هنا: الناس تقول “باعونا الأرض”، بينما الموظفون يجيبون: “تم تفويت العقار وفق القانون”. من الناحية القانونية، الأصل هو التفويت بالمنافسة أو لفائدة الدولة والجماعات والمؤسسات العمومية، وعندها يمر الثمن عبر لجنة تقييم يرأسها ممثل السلطة المحلية، ويصادق عليه نواب الجماعة السلالية ومجلس الوصاية، لا عبر مزاد شعبي أو مفاوضة فردية. هذه ليست صياغة إنشائية بل هي ما تقرره النصوص والشروح القانونية التي تميّز صراحة بين التفويت للأغيار والكراء ونزع الملكية للمنفعة العامة، وهو ما كرّسته إصلاحات 2019 التي حدّثت منظومة أراضي الجموع ووسّعت من حقوق ذويها، بما في ذلك استفادة النساء، ووضعت إطاراً أوضح لمسارات التمليك والانتفاع والتعويض. 

إذاً من هم الذين “يشترون” عملياً في إقليم خريبكة؟ بلغة القانون: من هم الذين تُفوّت إليهم تلك الأراضي؟ أول الأسماء الحاضرة دائماً هو الدولة ومؤسساتها حين يتعلق الأمر بمشاريع بنية تحتية أو تجهيزات عمومية أو إعادة هيكلة حضرية. وثاني الأسماء، وبحجم فيل، هو مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) التي تتحكم في القلب الاقتصادي لخريبكة ومحيطها بحكم المناجم الستة الكبرى في الحوض المنجمي، وتحتاج في بعض التوسعات والبنى التحتية والارتفاقات إلى تعبئة عقارات جماعية. وجود OCP في خرائط خريبكة ليس خبراً جديداً؛ هو تاريخ جيولوجي واقتصادي معروف، لكن اقترابها من أملاك الجموع هو الذي يُشعل الحساسية، لأن كل متر يُقتطع في أعين السلاليين هو اقتطاع من ذاكرة ومرعى ومسكن، لا من خريطة طبوغرافية صامتة. ومع ذلك، يبقى التفويت هنا قانونياً حين يُنجَز بمسطرته، أو يكون نزع ملكية للمنفعة العامة وفق التعويض الذي تقرره اللجان. وتدخل أيضاً فئة المستثمرين الخواص عبر مساطر الكراء الطويل الأمد أو التفويت بالمنافسة داخل المدار الحضري أو مناطق مهيكلة، لكن وجودهم في خريبكة أقل صخباً من اسم الفوسفاط الذي يجلب خلفه أصوات الشكوى أو الأمل. كل هذا الإطار تؤكده مصادر رسمية وتقارير وشروح قانونية وتوثيقات عن مواقع المناجم وأثرها، وفيها ما يكفي لنعرف أن خريطة “المشترين” ليست عشوائية: دولة، مؤسسات عمومية، OCP، وأحياناً القطاع الخاص عبر منافسة مُعلنة. 

حسناً، هذا على الورق، لكن ماذا جرى في خريبكة بأسمائها النازفة: “جماعة الفقراء”، “المفاسيس”، أحياز أولاد عبدون والكفاف وأولاد عزوز… في السنوات الأخيرة خرج ذوو الحقوق إلى الرباط وأمام عمالة خريبكة يطالبون بالتحقيق في الخروقات، ويشتكون الإقصاء من لوائح الاستفادة بدعوى عدم الإقامة أو معايير أخرى، ويحتجون على أثمان يعتبرونها بخسة لتعويض أراضٍ “أُخذت” للمنفعة العامة أو فُوّتت لمشاريع عمومية أو مرتبطة بالفوسفاط. الفيديوهات التي توثق هذه الوقفات كثيرة، والأصوات واضحة: “أُقصينا”، “أُخذت أرضنا بلا تعويض”، “نريد إعادة تقييم الثمن”، و“نطالب بفتح تحقيق”. هذه ليست أحاديث مقاهي؛ هي وقائع موثقة في بث مباشر وتقارير قصيرة على قنوات رقمية محلية ووطنية، وهي تُظهر صورة ميدانية لا يمكن تجاهلها حتى وإن كانت أحكام القانون تقول إن المساطر سليمة. الخلاصة هنا أن الملف اجتماعي بقدر ما هو عقاري: عندما لا يفهم ذوو الحقوق معايير الإحصاء ومعنى الإقامة، وعندما لا تصلهم الشفافية الكافية حول تحديد الثمن وكيفية القسمة، تتحول كل مسطرة قانونية إلى جرح مفتوح. 

نأتي الآن إلى السؤال الذي يلسع: “كم الثمن للفرد؟”. الحقيقة المباشرة أنّ هذا السؤال ليس له جواب موحد في أي جماعة سلالية بالمغرب، لأن قيمة التعويض لا تُحسب “بالرأس” ابتداءً، بل تُقدَّر قيمة العقار أولاً عبر اللجنة الإدارية للتقييم التي تترأسها السلطة المحلية، ثم تُوزّع المبالغ على ذوي الحقوق وفق لوائح الإحصاء وقواعد القسمة الداخلية للجماعة السلالية. وحين يقال “كم للفرد؟” فهذا يعني عملياً: ما هو نصيب كل مسجَّل في اللوائح من التعويض الإجمالي؟ هنا تتدخل عناصر كثيرة: مساحة العقار المفوّت، موقعه، نوع الاستعمال المزمع (عمومي/صناعي/سكني)، تقييم أسعار العقار في المنطقة، ثم عدد ذوي الحقوق المعترف بهم في الإحصاء النهائي. النصوص القانونية وشروحها تقول بوضوح إن اللجنة هي التي تحدد الثمن ويصادق عليه نواب الجماعة ومجلس الوصاية، ما يعني أن المبلغ ليس رقماً جاهزاً في جدول؛ إنه نتاج مسطرة تقييم. لكن على الأرض يتداول الناس أرقاماً “نهائية” لأنها هي التي تصل إلى الجيب بعد القسمة. ذلك ما يفسر لماذا تسمع في خريبكة من يقول “وصلونا 39 ألف ريال وخمسمية”اي 1.975 درهم.، أو “فلان لم يستفد”، أو “نطالب بإعادة تقييم الثمن”. هذه الجمل تُختصر فيها سنة من التعقيد الإداري. 

هل توجد أرقام محددة ذُكرت علناً في خريبكة؟ نعم، توجد إشارات متفرقة في سأحكي لكم الحكاية كاملة كما هي، بلا اختصار ولا “تقطيع” ولا تزيين، وباللغة التي تقول ما يجب أن يُقال عن سؤالين مباشرين: من اشترى الأراضي السلالية في إقليم خريبكة؟ وكم كان الثمن للفرد؟ وسأقول منذ البداية ما قد يزعج البعض: في هذا الملف لا توجد إجابة واحدة صافية كالماء، بل شبكة من الوقائع والقوانين والقرارات والاحتجاجات والأسماء واللجان والاتهامات، بعضها ثابت في النصوص الرسمية وبعضها صرخات على أرصفة العمالة وصفحات الفيسبوك. لذلك سأمشي معكم خطوة خطوة: ما الذي يسمح به القانون؟ من هم المشترون المحتملون؟ كيف تُحدد الأثمان؟ وما الذي جرى على الأرض في جماعات مثل “الفقراء” و“المفاسيس” وأحواز مناجم الفوسفاط؟ ثم نصل في النهاية إلى خلاصة لا تُرضي الراغبين في رقم موحّد، لكنها تُنصف الحقيقة بقدر ما تسمح به الوثائق والشهادات المتاحة.

أول الخيط قانوني بامتياز. الأراضي السلالية أو أراضي الجموع  لا تُباع ولا تُشترى في الأصل بمعنى البيع التجاري بين مالك فردي ومشترٍ فردي؛ بل تُعبّأ وتُفوّت بقرار وصاية، أو تُكرى، أو تُنزع للمنفعة العامة، ضمن مساطر مضبوطة تقودها وزارة الداخلية عبر مجلس الوصاية والسلطات الإقليمية واللجان الإدارية للتقييم. هذا التفريق بين “البيع” و“التفويت” مهم جداً لأن كثيراً من الجدل في خريبكة يبدأ من هنا: الناس تقول “باعونا الأرض”، بينما الموظفون يجيبون: “تم تفويت العقار وفق القانون”. من الناحية القانونية، الأصل هو التفويت بالمنافسة أو لفائدة الدولة والجماعات والمؤسسات العمومية، وعندها يمر الثمن عبر لجنة تقييم يرأسها ممثل السلطة المحلية، ويصادق عليه نواب الجماعة السلالية ومجلس الوصاية، لا عبر مزاد شعبي أو مفاوضة فردية. هذه ليست صياغة إنشائية بل هي ما تقرره النصوص والشروح القانونية التي تميّز صراحة بين التفويت للأغيار والكراء ونزع الملكية للمنفعة العامة، وهو ما كرّسته إصلاحات 2019 التي حدّثت منظومة أراضي الجموع ووسّعت من حقوق ذويها، بما في ذلك استفادة النساء، ووضعت إطاراً أوضح لمسارات التمليك والانتفاع والتعويض. 

إذاً من هم الذين “يشترون” عملياً في إقليم خريبكة؟ بلغة القانون: من هم الذين تُفوّت إليهم تلك الأراضي؟ أول الأسماء الحاضرة دائماً هو الدولة ومؤسساتها حين يتعلق الأمر بمشاريع بنية تحتية أو تجهيزات عمومية أو إعادة هيكلة حضرية. وثاني الأسماء، وبحجم فيل، هو مجموعة المكتب الشريف للفوسفاط (OCP) التي تتحكم في القلب الاقتصادي لخريبكة ومحيطها بحكم المناجم الستة الكبرى في الحوض المنجمي، وتحتاج في بعض التوسعات والبنى التحتية والارتفاقات إلى تعبئة عقارات جماعية. وجود OCP في خرائط خريبكة ليس خبراً جديداً؛ هو تاريخ جيولوجي واقتصادي معروف، لكن اقترابها من أملاك الجموع هو الذي يُشعل الحساسية، لأن كل متر يُقتطع في أعين السلاليين هو اقتطاع من ذاكرة ومرعى ومسكن، لا من خريطة طبوغرافية صامتة. ومع ذلك، يبقى التفويت هنا قانونياً حين يُنجَز بمسطرته، أو يكون نزع ملكية للمنفعة العامة وفق التعويض الذي تقرره اللجان. وتدخل أيضاً فئة المستثمرين الخواص عبر مساطر الكراء الطويل الأمد أو التفويت بالمنافسة داخل المدار الحضري أو مناطق مهيكلة، لكن وجودهم في خريبكة أقل صخباً من اسم الفوسفاط الذي يجلب خلفه أصوات الشكوى أو الأمل. كل هذا الإطار تؤكده مصادر رسمية وتقارير وشروح قانونية وتوثيقات عن مواقع المناجم وأثرها، وفيها ما يكفي لنعرف أن خريطة “المشترين” ليست عشوائية: دولة، مؤسسات عمومية، OCP، وأحياناً القطاع الخاص عبر منافسة مُعلنة. 

حسناً، هذا على الورق، لكن ماذا جرى في خريبكة بأسمائها النازفة: “جماعة الفقراء”، “المفاسيس”، أحياز أولاد عبدون والكفاف وأولاد عزوز… في السنوات الأخيرة خرج ذوو الحقوق إلى الرباط وأمام عمالة خريبكة يطالبون بالتحقيق في الخروقات، ويشتكون الإقصاء من لوائح الاستفادة بدعوى عدم الإقامة أو معايير أخرى، ويحتجون على أثمان يعتبرونها بخسة لتعويض أراضٍ “أُخذت” للمنفعة العامة أو فُوّتت لمشاريع عمومية أو مرتبطة بالفوسفاط. الفيديوهات التي توثق هذه الوقفات كثيرة، والأصوات واضحة: “أُقصينا”، “أُخذت أرضنا بلا تعويض”، “نريد إعادة تقييم الثمن”، و“نطالب بفتح تحقيق”. هذه ليست أحاديث مقاهي؛ هي وقائع موثقة في بث مباشر وتقارير قصيرة على قنوات رقمية محلية ووطنية، وهي تُظهر صورة ميدانية لا يمكن تجاهلها حتى وإن كانت أحكام القانون تقول إن المساطر سليمة. الخلاصة هنا أن الملف اجتماعي بقدر ما هو عقاري: عندما لا يفهم ذوو الحقوق معايير الإحصاء ومعنى الإقامة، وعندما لا تصلهم الشفافية الكافية حول تحديد الثمن وكيفية القسمة، تتحول كل مسطرة قانونية إلى جرح مفتوح. 

نأتي الآن إلى السؤال الذي يلسع: “كم الثمن للفرد؟”. الحقيقة المباشرة أنّ هذا السؤال ليس له جواب موحد في أي جماعة سلالية بالمغرب، لأن قيمة التعويض لا تُحسب “بالرأس” ابتداءً، بل تُقدَّر قيمة العقار أولاً عبر اللجنة الإدارية للتقييم التي تترأسها السلطة المحلية، ثم تُوزّع المبالغ على ذوي الحقوق وفق لوائح الإحصاء وقواعد القسمة الداخلية للجماعة السلالية. وحين يقال “كم للفرد؟” فهذا يعني عملياً: ما هو نصيب كل مسجَّل في اللوائح من التعويض الإجمالي؟ هنا تتدخل عناصر كثيرة: مساحة العقار المفوّت، موقعه، نوع الاستعمال المزمع (عمومي/صناعي/سكني)، تقييم أسعار العقار في المنطقة، ثم عدد ذوي الحقوق المعترف بهم في الإحصاء النهائي. النصوص القانونية وشروحها تقول بوضوح إن اللجنة هي التي تحدد الثمن ويصادق عليه نواب الجماعة ومجلس الوصاية، ما يعني أن المبلغ ليس رقماً جاهزاً في جدول؛ إنه نتاج مسطرة تقييم. لكن على الأرض يتداول الناس أرقاماً “نهائية” لأنها هي التي تصل إلى الجيب بعد القسمة. ذلك ما يفسر لماذا تسمع في خريبكة من يقول “وصلونا 39 ألف وخمسمية ريال”، أو “فلان لم يستفد”، أو “نطالب بإعادة تقييم الثمن”. هذه الجمل تُختصر فيها سنة من التعقيد الإداري. 

هل توجد أرقام محددة ذُكرت علناً في خريبكة؟ نعم، توجد إشارات متفرقة في وسائط التواصل الاجتماعي المحلية، منها منشور واسع الانتشار يقول إن التعويض في أراضي جماعة “الفقراء” وصل  1.975 درهم. لكل شخص “يسكن في الجماعة”، مع التأكيد في نفس المنشور أن العملية عرفت استثناءات وإقصاءات بحسب صاحبه. هذا الرقم ليس وثيقة رسمية ولا منشوراً لوزارة الداخلية، لكنه معلومة تداولتها صفحة محلية تُعبر عن أنصبة قُسّمت بعد عملية تعبئة. من الإنصاف إذن أن نعرضه كمعطى متداول اجتماعياً لا كقرار نهائي للدولة: هو مثال على كيف ينتهي “ثمن التفويت” إلى مبلغ فردي بعد القسمة، لا قاعدة عامة تطبق في كل ملف. وكما ترى في وقفات أخرى، هناك من يشتكي أن التعويض لم يصل أصلاً أو أنه كان بخساً، وأن ثمن الأرض المنزوعة أو المفوتة لا يطابق القيمة السوقية أو قيمة أثرها المعيشي، ولذلك تُرفع شعارات “إعادة التقييم” و“لجان التحقيق”. ومع أن هذا كله لا يعطينا سلّماً موحداً، فإنه يحدد إطاراً واقعياً: المبالغ الفردية – حين تُدفع – تتراوح حسب ما فُوِّت وحسب عدد المستفيدين وحسب التقييم الرسمي، وقد تكون في حالات بعشرات الآلاف من الدراهم للفرد كما في المثال المتداول، وقد تقل أو تزيد وفق المعطيات المذكورة. 

لكن لماذا يشعر الناس بالغبن حتى عندما تصلهم شيكات؟ لأن القيمة ليست حساباً حسابياً فقط. ذوو الحقوق لا يحتسبون الأرض بقدر المتر المربع، بل بقدر المواسم والمراعي والقرابة والذاكرة، وهذه قيم لا تدخل في محاضر اللجان. القانون يتحدث عن ثمن يُقدّر بمعايير العقار، بينما السلالي يتحدث عن “بيت الجد” و“المراح” و“الساقية” و“النجعة”، وحين توضع هذه كلها في ظرف كوفرتويّ (أو تحويل بنكي) تصبح المسافة بين الدولة والناس أطول من الطريق الوطنية 11 نفسها. لذلك يصير كل تفويت أو نزع ملكية مشروع أزمة اجتماعية إذا لم تُصاحبه شفافية استثنائية وتعويضات واضحة وبرامج معيشية بديلة تَصون أرزاق الناس. مصادر إعلامية محلية كثيرة عبّرت عن هذا التوتر بعبارات مباشرة: “خداونا أرضنا بلا تعويض”، “أُقصينا بسبب بند الإقامة”، “نطالب بفتح تحقيق”، وهي عبارات تُلخّص شعوراً بأن المسطرة مرت “فوق” الناس لا “معهم”. 

من جهة أخرى، لا يمكن تبرئة الفوضى المعلوماتية: كثير من الذهول سببه غياب الوثائق المبسطة حول كيف تُحسب الأثمنة وكيف يُعدّ الإحصاء ومن له صفة “ذو حق” ومن يسقط بسبب معيار الإقامة أو السن أو الانقطاع الطويل. القانون يتحدث عن لوائح وإحصائيات وقرارات وصاية وحق الانتفاع وكيفيات توزيعه، ويؤكد أن الأموال المتحصلة من التفويت ومن الكراء ومن استغلال المقالع تعود للجماعة السلالية وتُقسم على ذوي الحقوق وفق الضوابط. لكن حين تغيب نشرية بلغة الناس، يملأ الفراغ “شي قالوا” و“فيسبوك”، وتتحول الأرقام إلى سكاكين. لذلك ترى منشوراً عن “ 1.975 درهم. درهم للفرد” ينافس بياناً قانونياً من صفحة رسمية تقول إن “الأراضي السلالية لا تُباع ولا تُشترى بل تُفوّت بقرار وزير الداخلية”. كلا الخطابين حقيقي من زاويته: الأول يلتقط النتيجة في الجيب، والثاني يشرح طبيعة العملية قانوناً. وبين هذا وذاك تضيع الشفافية. 

ولأنك سألت “من اشترى؟” فدعني أكون مباشراً بقدر ما تسمح به الوقائع: في الملفات التي ارتبطت بالحوض المنجمي وتوسع مرافقه، الحاضر الأكبر هو OCP ومشاريعه أو البنى المصاحبة له، رفقة الدولة حين يتعلق الأمر بطرق وتجهيزات أو إعادة إسكان أو مناطق حضرية. هذا لا يعني أن كل هكتار ذهب للفوسفاط؛ لكنه يعني أن أي نقاش حول أراضي الجموع في خريبكة سيجد الفوسفاط في قلبه بحكم التاريخ والجغرافيا والاقتصاد. ولهذا بالذات تصير العدالة التعويضية مضاعفة الحساسية: عندما يكون “المشتري” طرفاً عملاقاً، ينتظر الناس تعويضاً “عملاقاً” أو حلولاً سوسيو-اقتصادية مرافقة لا مجرد شيك، مثل إدماج محلي في سلاسل القيمة أو مشاريع مدرة للدخل بشراكة شفافة؛ وهذه أمور طُرحت في الكتابات المحلية مراراً كاقتراحات لامتصاص الاحتقان وتحويل التعويض من منحة عابرة إلى مورد مستدام. 

على المستوى المؤسسي، يسند كثير من القانونيين التذكير بأن اللجنة الإدارية للتقييم هي التي تحدد “ثمن بيع” هذه الأراضي عند التفويت للأغيار، وأن النواب يصادقون ثم مجلس الوصاية، وأن السلاليين يستفيدون من العائدات وفق القواعد، ما يعني أن الثمن فردياً ليس رقماً موحداً بل نتيجة قاعدة قسمة فوق كتلة مالية واحدة. هذا الإطار ليس تجميلاً ولا تبريراً بل تفسير لِمَ لا يستطيع أحد أن يقول لك: “ثمن الفرد في خريبكة هو X درهم دائماً”. هذا غير موجود في النصوص ولا في الممارسة. كل ملف له تقييمه وعدد ذوي حقوقه وتاريخه وصراعاته. وحين يسألك أحد: “كم عطاوك؟” ستجيبه بحسب ملفك لا بحسب كراس تسعيرة وطنية. 

هل هناك ما يدعم مطلب إعادة التقييم؟ نعم، حتى الخطاب العمومي في المغرب لمسَ هذا حين انتُقدت بعض ممارسات نزع الملكية وطُرحت دعوات لإعادة النظر في التعويضات، وظهر أثر ذلك في المدن والقرى الفوسفاطية تحديداً، حيث اتُّهمت التعويضات بالبخس وجرى الحديث عن تشريد أسر وهجرة قسرية نحو هوامش المدن. هذه ليست أحكاماً قضائية نهائية لكنها اتجاه رأي عام موثّق في صحافة وطنية منذ سنوات، ويعكس أن الأثمان ليست فقط “قيمة عقار” بل أيضاً “قيمة حياة”. في المقابل، يبقى الطريق القانوني لإعادة التقييم هو الاعتراض داخل الآجال واللجوء إلى مساطر الطعن حين تتوفر، وهو طريق مرهق زمنياً ونفسياً لكنه قائم نظرياً. 

إلى هنا يمكن أن تلخّص المشهد كالآتي دون أن نخون التفاصيل: المشترون الفعليون – بالمفهوم القانوني للتفويت – هم الدولة ومؤسساتها، وOCP في حالات عديدة متصلة بالمناجم وتوسعاتها، وأحياناً مستثمرون خواص عبر مساطر المنافسة أو الكراء؛ أما “الثمن للفرد” فلا يوجد له تعريف مسبق، لأنه حصيلة تقييم عقاري رسمي يُحوَّل بعد ذلك إلى أنصبة على ذوي الحقوق المسجلين في اللوائح. في بعض ملفات خريبكة، يتداول الناس مبالغ بعشرات الآلاف للفرد، ومنها مثال  1.975 درهم. المتحدث عنه محلياً في جماعة “الفقراء”، لكنه يظل مثالاً اجتماعياً متداولاً لا قاعدة رسمية معمَّمة. وفي المقابل توجد شكاوى قوية من إقصاءات ومن “تعويضات بخسة” ومن غياب الشفافية، تُثبتها الوقفات والفيديوهات أمام العمالة وفي الرباط، ولا يمكن إسكاتها بعبارة “المسطرة سليمة”. الإنصاف هنا لا يكون بإنكار القانون ولا بإنكار الألم، بل بربطهما: أن تُشرح المساطر مسبقاً، وأن تُنشر معايير الإحصاء ومعنى “الإقامة”، وأن تُبرَّر الأثمان علناً بالوثائق، وأن تُخصَّص نسب من عائدات التفويت لمشاريع عيش بديلة لا تنتهي بانتهاء الشيك.

 الخاتمة
 لستُ هنا لأرضي رغبتكم في رقم واحد تُعلّقونه على حائط المقهى وتقولون: “ها هو ثمن الفرد الحقيقي في خريبكة”. هذا الرقم لا يوجد، ولن يوجد ما دام كل ملف يختلف في الأرض والعدد والتقييم. لكنني أستطيع أن أجيبكم بصدق على سؤاليكم: من اشترى؟ اشترى القانونُ باسم الدولة حين اقتضت المنفعة العامة، واشترت المؤسسات العمومية وعلى رأسها OCP حين تعلّق الأمر بمشاريع مرتبطة بالحوض المنجمي، ودخل الخواص عبر مساطر المنافسة والكراء حين توفرت الشروط. وكم كان الثمن للفرد؟ كان ما قررته اللجنة الإدارية للتقييم من قيمة للعقار بعد المصادقات القانونية، مقسوماً على ذوي الحقوق حسب اللوائح؛ وفي حالات بعينها في خريبكة دار الكلام على مبالغ في حدود عشرات المئات من الدراهم للفرد، ومنها رقم  1.975 درهم. المتداول في “الفقراء”، مع بقاء الخلاف محتدماً حول من استفاد ومن أُقصي، وحول عدالة التقييم وشفافية المساطر. بين قانون يقول “تفويت” وناس تقول “باعونا”، يبقى الحظ العاثر هو حظ تلك الأسر التي تستيقظ فتجد أرضها قد تحوّلت من موطن إلى رقم حساب، من ظلّ أشجار إلى توقيع في محضر لجنة، ومن رائحة الطين إلى رائحة حبر لا يُمسك بيد طفلٍ حين يسقط من ذاكرة القرية. وإذا كان لا بد من عدالة تُقنع الناس، فهي لن تأتي من رقم أكبر فقط، بل من مسطرة مرئية، ووثيقة مفهومة، وشراكة تنموية تُبدد شعور “الاقتلاع” وتعوّضه بمعنى جديد للانتماء. هذا هو الموضوع كله، بحلوه ومرّه، كما يرويه القانون والشارع معاً. 
تعليقات